مجلة المقتبس/العدد 39/وداع وعتاب
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 39 وداع وعتاب [[مؤلف:|]] |
السلطان عبد الحميد المخلوع ← |
بتاريخ: 1 - 4 - 1909 |
للسلطان السابق عبد الحميد
الله أكبر فالظلاَّم قد علموا ... لأيّ منقلب يفضي إلا لي ظلموا
لقد هوى اليوم صرح الظلم وانتقضت ... أركانه وتولت أهلهُ النقمُ
وحصحص الحق في عزٍّ وفي ظفرٍ ... يحفه خادماه السيفُ والقلمُ
ثارت له عصبةٌ كانت مشردةً ... وقد تهددها الإرهاق والعدمُ
من كل أروع في حيزومة حنقٍ ... في نفسه عزة في أنفه شممُ
عبد الحميد استمع منهم مناقشةً ... فطالما صبروا بل طالما كظموا
غادرت أمتك المنكود طالعها ... تغض مقلتها إن عدَّت الأممُ
أطلقت فيها سيوف الغادرين وقد ... كانت بحبلك بعد الله تعتصمُ
الله الله يا راعي القطيع فقد ... لاقت مصارعها في رعيك الغنمُ
حماتنا ما تنوءُ الراسيات به ... كيف الصنيع وأنت الخصم والحكم
فكم شكونا ولم تسمع شكايتنا ... وكم دعونا وحظ الدعوة الصممُ
وليَّ نعمتنا قل لي أما بطلت ... تلك الولاية لما ضاعت النعمُ
فلو رفقت أمير المؤمنين بنا ... ما كان أنفث مصدور وسال دمُ
محافظ الحرمين أعدل فهل آمنت ... في ظلمك الكعبة الزهراء والحرمُ
أم حج حجاج بيت في دعةٍ ... بدون أن يرهقوا فيه ويهتضموا
وليته فاسقاً لم يرع حرمة من ... في ذمة الله ضاعت عنده الذممُ
كم استجاروا عليه فازدريت بهم ... إن لم تكن ناقماً فالله منتقمُ
رب الهلال أجب هل كنت تمنحه ... ما اعتاد من نصرات ذلك العلم
ماذا فعلت بأحرار البلاد وما ... جنوا على الدين والدنيا وما اجترموا
حتى قسمتهم شطرين فازدحمت ... على جسومهم النينان والرخم
مزقت شملهم في كل ناحية ... فأرغموك بحول الله والتأموا
ويا سلالة عثمان أما اتصلت ... منه إليك الصفات الغر والهمم
أين الغطاريف أرباب العزائم من ... أسلافك الصيد من بالعدل قد عظم شادوا لك العزة القعساء من قدم ... فجئت تهدم ما شادوا وما رسموا
كانت لهم دولة بالسيف ناهضة ... وفي زمانك لا سيف ولا قلم
حصدت ما زرعوا فرقت ما جمعوا ... هدمت ما رفعوا بعثرت ما نظموا
ملكتنا فرأينا منك طاغية ... لم يدر ندَّاً له المشهود والقدم
نيرون عندك أو فرعون قد غفرت ... زلاته واستحبت شاهها العجم
حجاج عصرك بل تولي العقاب بلا ... ذنب ومزَّاك عنه الجمع والنهم
قد اخترعت ضروباً للمظالم والتنكيل ما فطنوا فيها ولا حلموا
خليفة الله قد خالفت ما أمرت ... به الشريعة والتنزيل والكلم
وسيرة الخلفاء الراشدين بها ... خير المواعظ للظلام لو فهموا
ركبت مركب جوزٍ ليس يقبله ... ممن يخلفه في قومه الصنم
دمرت بيتك يا هذا فأنت إذن ... عدو نفسك أو قد مسك اللمم
حشدت زمرة غدارين كم سفكوا ... واستنزفوا ثم لا قيدوا ولاغرموا
المخلصون تولوا منك وانهزموا ... والخائنون على أبوابك ازدحموا
أسرفت في نهب بيت المال فاستلبت ... منه الجواسيس ما شاؤوا وما غنموا
عصابة ثقلت في الناس وطأتهم ... صموا عن الحق في أغراضهم وعموا
اخترتهم واختيار المرء شاهده ... يا ليتهم رفقوا بالخلق أو رحموا
خانوك لما رأوا منك الخيانة في ... بنيك والمرء موسوم كما يسم
حبست آلك حتى بعضهم هلكوا ... كأنما لم تكن قربى ولا رحم
حاولت إطفاء نور الحق وهو لظى ... تثور أفواهه إن سد منه فم
طال الزمان على جور تعالجه ... وعيل صبر الورى واستحوذ السأم
ضيقت دارتهم في الأرض فاتسعت ... والمرءُ مستبسلٌ إن عضه الألم
قد جمع الظلم منهم كل مفترق ... وشدّ ما استتروا في الأمر واكتتموا
وكلما نام عنهم رهطك انبعثوا ... يدبرون وإن لاحظتهم جثموا
وعند ما اكتملت الموثب عدتهم ... توكلوا واستخاروا بالذي عزموا
سلوا عليك سيوف العدل مرهفة ... كأنها شهب في الأفق أو رجم شقوا بها جلابيب الدجى شفقاً ... بشت له الأرض وانجابت به الظلم
وطالبوك بحق كنت هاضمه ... وحاكموك إلى البتار واختصموا
فأدوا بأرواحهم حباً بأمتهم ... فلتحي تلك السجايا الغر والشيم
قد كان ما كان والرحمان ناصرنا ... فالعدل منتصرٌ والجور منهزم
دبرت فتنة سوءٍ تستعيد بها ... من مجدك الباطل الغرار ما هدموا
مجد كبير طوته ظلمة كثفت ... ثم انجلت فإذا ما تحتها ورم
كروا بعزمة حر جاء منتصراً ... لنفسه واستباحوا منك ما احترموا
فأنزلوك عن العرش الرفيع وما ... كانوا يريدونها لكنهم رغموا
تأبى الشريعة أن تبقيك حافظها ... وأنت بالغدر والإغواء متّهم
فاليوم تعلم عقبى من يخون ومن ... يطغى وتندم إذ لا ينفع الندم
هبطت من قمة الأمجاد منحدراً ... كصخرةٍ حطها من شاهق عرم
ففي هبوطك عاد الملك مرتفعاً ... وفيهلاكك كل الخلق قد سلموا
كانت بإقبالك الأقدار عابسةً ... فأصبحت بعد ما أدبرت تبتسم
دمشق: ف