الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 36/الاكتشافات الحديثة في القطب الشمالي

مجلة المقتبس/العدد 36/الاكتشافات الحديثة في القطب الشمالي

مجلة المقتبس - العدد 36
الاكتشافات الحديثة في القطب الشمالي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 1 - 1 - 1909


قالت مجلة مستندات الترقي ما مثله: كانت أول حملة أرسلت لاكتشاف القطب الشمالي سنة 1553 فقام شانسلور ودورفورث وويلوغبي من الإنكليز يحاولون الاهتداء من طريق الشمال إلى طريق بحري للوصول إلى آسيا الشرقية ودعي هذا الطريق بطريق الشمالي الشرقي. وما برح حب اكتشاف القطب آخذا بمجامع العقول حتى ساق كثيرين إلى تقحم تلك الصحاري الجامدة في الشمال لكشف ما وراءها من أسرار. ولئن فترت الهمم في سبيل اكتشاف القطب من سنة 1650إلى 1750 بالنسبة لبقية الأدوار إلا أن الرغبة في اكتشافه لم تنقطع منذ ذاك العهد ومهما أعتقد الناس بأن ما ورد في أسطورة قديمة من أن في بحار الشمال جبلاً من المغناطيس كان يدعو السفن والملاحين إلى اكتشافه فتهلك فيه ـ وهي أسطورة من الأساطير الخيالية العارية من كل حقيقة ـفان القطب الجغرافي من الأرض وإن لم يره أحد حتى الآن قد أثر في العقول تأثير ذاك الجبل من المغناطيس وكان من قوة الجاذبية إن كانت السبب في هلاك أرواح كثيرة من البشر.

وظل ذاك اللغز القديم بدون حل بعد جهاد لا يوصف مدة من ثلاثة قرون ونصف ووقعت مصائب هائلة في القطب والقطب نفسه لم يكتشف على أن هذه المسألة قد فقدت في العهد الأخير شيئاً كثيراً من شأنها العملي ومع هذا فلم يفلت الباحثين علم ما يصادفونه في القطب ونزعوا من الأفكار ما كان علق فيها مدة قرون من أن وراء تلك الأسوار الكالحة من الجليد مناخاً معتدلاً وعدوه من باطل التقدير وقالوا ليس فيها إلا الجليد والثلوج وبحر عميق فيه بعض جزر تختلف كبراً وصغراً ولا تزال مجهولة وهذا ما يرونه في جوار القطب كما رأوا مثله حتى الآن في الأصقاع القطبية.

ولا يرجى من اكتشاف القطب الشمالي حل متكل ينفع العلم وما يتنافس فيه الذاهبون في هذا السبيل لبلوغ القطب ليس سوى عبارة عن ضرب من ضروب الأرتياض اللهم إلا ما كان من حيث الفائدة الجغرافية الصرفة. بيد أن الإنسانية لا يقر لها قرار إن لم يكتب لأحد شجعان الزمان أن يدوس ذلك الطرف الآخر من محور الأرض والظاهر أن هذا اليوم وإن طال العهد على قدومه غير بعيد الآن فإن ما تم من تقدم اكتشافات القطب في الخمس عشرة سنة الأخيرة قد بلغ حداً لم يكن يظن بلوغه حتى قري الأمل بأن ستكافئ تلك الهمم الماضية على جهادها قريباً والزمن حلال كل معضل. يعلم ذلك بأدنى نظر يلقي ببصره على تاريخ القطب والبعثات إليه وما بلغه الباحثون من العرض الشمالي.

قام المقدام بارنتس الهولاندي فبلغ المرة الأولى سنة 1596 الدرجة الثمانيين من العرض ومضى الناس زهاء مائتي سنة حتى تيسر لهم أن يتقدموا إلى الإمام ثلاث درجات أخرى وكان الصياد سكورسبي أول من وصل في الحقيقة إلى الدرجة الثالثة والثمانين من العرض سنة 1822ولم يصل الرحالة مارخام الأميركي إلا في سنة 1876 إلى شمالي غرانلاندا أي إلى درجة 20/ 83وبعد ستة سنين بلغ وطنية سوكفود الدرجة 24/ 83 وهكذا مضت ثلاثة قرون ولم يصل البشر إلى أكثر من الدرجة 83 في التقدم نحو القطب ولكن لم تمض أقل من خمس عشرة سنة حتى كثر التقدم في أصقاع القطب وزاد شأنه أكثر من القرون الثلاثة الأخيرة فكان الرحالة نانسن أعظم فاتح فتح عهد سيؤدي ولاشك إلى الاهتداء للقطب وافتتاحه افتتاحا أخيراً فوصل مع رفيقه جوهانسون في 7نيسان (أبريل) إلى درجة 14/ 86في شمال الأرض المعروفة بأرض فرنسيس يوسف ولكنه أضطر إلى الرجوع على أعقابه وتقدمت بعثة الدوق دي زلبروز إلى أبعد من ذلك نحو الشمال فبلغ بعض أعضائها الدرجة 33/ 86إلى شمالي أرض فرنسيس يوسف وقليلاً نحو الغرب من الجهة التي وصل إليها نانس. ووصل الأميركي في مارس 1906 إلى الدرجة 6/ 86وكان بلغ سنة 1902 إلى درجة 17/ 87

وهذا جدول بأسماء البعثات إلى القطب وما تم فيها من التقدم منذ بديء بإرسالها إلى عهدنا.

تاريخ البعثة أسم رئيس البعثة جنسيته أقصى ما وصلت إليه من درجات العرض الجهة

1553 شانسلوردورفورثوويلوغبي إنكليزا 70/ 71 شمالي أوروبا

1587 دافيس إنكليزي 20/ 72 بحر بافين

1594 بارنتس هولاندي 55/ 77 زامبل الجديدة

1596 بارنتس هولاندي 11/ 80 سبيتزبرغ

1607 هودسون إنكليزي 28/ 80 شرقي غرانلاندا

1773 فيبس إنكليزي 48/ 80 سبيتزبرغ

1806 سكورسبي البكر إنكليزي 30/ 81 شرقي غرانلاندا

1817 سكورسبي الفتى إنكليزي نحو82 شرقي غرانلاندا 1822 سكورسبي الفتى إنكليزي 83 شرقي غرانلاندا

1834 غراه دانيمركي إلى ما بعد83 شرقي غرانلاندا

1876 ماركام أميركي 20/ 83 شمالي غرانلاندا

1882 سوكود أميركي 24/ 83

1895 نانسن نروجي 14/ 86 أرض فرنسيس يوسف

1900 كاني إيطالي 33/ 86 أرض فرنسيس يوسف

1906 بري أميركي 6/ 87 شمالي غرانلاندا

ومن الفوائد التي حدثت من السعي في اكتشاف القطب للعلوم ولاسيما للجغرافية أننا عرفنا من بعثة نانسن أن رأس القطب الشمالي ـ ربما كان مقابلاً من الجهة الثانية للقطب الجنوبي. مغشى من كل مكان يبحر قليل العمق ليس فيه إلا بعض جزائر وأرض عظيمة ذات اتساع كبير هي غرانلاندا. وقد أثبت سفردروب وهو صديق نانس المخلص بعد بضع سنين أن الشاطئ الشمالي من غرانلاندا لوم يكن يعرف منه إلى ذاك العهد غير قسم صغير ـ لا يمتد نحو الشمال. وقد قط ع الدوق دورليان سنة 1905 جزءاً من الشاطئ الشرقي الذي لم يعرف في شمال رأس بسمرك. وأحدث الاكتشافات اكتشاف بري الذي أبان أنه يوجد في شمالي غرانلاندا بحر عميق وتيار عظيم يذهب إلى الشرق. وتبين من البعثات إلى أرجاء شمالي القارة الأميركية بأن الشاطئ الشمالي الأميركي من الغرب متصل كل الاتصال ببحر القطب الذي يسمى هناك بحر بوفور على حين أن مجموع الجزائر الغربية الموجودة في الشرق تمتد ولا شك إلى أبعد من ذلك نحو الشمال نحو أكصر مما كان يظن حتى الآن. إذ قد شوهدت في شمالي أرض اكل هبرغ في المحل الآخذ نحو الشمال جزيرة جديد سموها أرض كروكر.

وبينما كانت الفوائد كثيرة مهمة من السعي في ارتياد الأرجاء القطبية خلال السنين الأخيرة في شمالي أميركا كان ما بذل من الجهاد في شمالي آسيا للوقوف على أسرار المحيط المتجمد غير مثمرة أدنى ثمرة. وقد هلك سنة 1903 البارون تول الروسي الألماني ولم يبقِ أثراً وهو يحاول بلوغ أرض سانيكوف والغالب أنه هلك وأتباعه جوعاً.

ولقد حصرت دائرة الأرجاء القطبية التي لا تزال غير معروفة في دائرة ضيقة في غضون السنين الأخيرة بفضل الرحالتين نانسن وبري خاصة. وما برح القطب يغر كثيرين من أرباب الرحلات فقد مضت على الرحالة أندره الذي سافر يوم 11 يوليو 1897 من سبيتزبرغ في منطاده إحدى عشر سنة ولم يأت خبر عنه وربما لم يتعد أكثر من الدرجة الثالثة والثمانين من العرض وهو الذي ساق نفسه إلى الحتف هذا لم نقل إلى أن إقدامه على ما أقدم عليه كان من الجنون المطبق إن لم يكن الانتحار بعينه. وليس هو وحده الذي حاول أن يقطع ثلوج القطب في منطاد تخلصاً من ركوب البحر والمركبات التي لا عجل لها فقد حاول ذلك غيره كالأميركي ولمان الذي أخفق في المرة الأولى ويحاول في الثانية بلوغ النجاح.

والآمال معقودة الآن بأن النجاح ينال بري وامندسون وتكتب أسماؤهم في سجل أعظم العاملين في خدمة العلم باكتشاف القطب وكلاهما الآن يُعد بعثة إلى تلك الأرجاء المتجمدة وسيسافر الأول هذه السفرة للمرة السابعة على باخرته ليبحث عن طريق ليبزغ القطب والناس يؤملون له الخير لأنه إبان رحلاته السابقة عن حذر عظيم وهمة عالية وكانت رحلاته مفيدة فكاد يبلغ الدرجة التي يرمي إليها لو لم يداهمه الشتاء وتيارات الثلوج وإذا أسعده الحظ وبدونه لا يستطيع أكبر الرجال عقلاً أن يعمل عملاً يذكر ـ فإن سفرته ستكون بعد سنة مسفرة عن افتتاح القطب وإذا خانه الحظ أيضاً في رحلته هذه فإن رصيفه أمندسون النروجي الذي يعمل لهذا القصد منفرداً سيجني ثمار هذا الظفر أول الجانين من الناس. وللأميركان والنروجيين في الثلاثين سنة الأخيرة يد في السعي لاكتشاف القطب. ويرجى أن يكون لامندسون ثمرة النجاح بعد بري إذا أخفق هذا. وبعثتا هذين الرجلين هما أهم البعثات الأخيرة وأغناها وأنفعها ويؤمل أن تنحل بهما هذه المشكلة التي شغلت بال الناس أعواماً وقروناً.