مجلة المقتبس/العدد 33/مآكل العرب
→ مثنيات شعرية | مجلة المقتبس - العدد 33 مآكل العرب [[مؤلف:|]] |
جيران الفراعنة ← |
بتاريخ: 1 - 10 - 1908 |
الأطعمة في الأمم تابعة لحضارتها تكون بسيطة في الأمة البدوية ومركبة منوعة في الأمة الحضرية كما هي إلى السذاجة في الريف والتنوع في المدن. ولما كانت البداوة أصلاً والحضارة فرعاً وكانت القرى هي المعول عليها في حياة المدن كان الناس يطعمون في أيام خشونتهم ورفاهيتهم مما تنبت لهم الأرض من بقل وثمر وتنتج من مواشيهم من ألبان ولحوم وتقذف أجواؤهم وسهولهم وأجبلهم وبحيراتهم وأنهارهم وبحارهم من طيور وأسماك وصيود ولا يكادون يعدون ذلك بحال.
فأطعمة العرب في جاهليتها على النزر القليل الذي انتهى إلينا من أخبارها قبل الإسلام كانت إلى السذاجة والفطرة خصوصاً في البلاد التي هي إلى الإجداب أقرب منها إلى الإخصاب لقلة أمطارها وعصيان تربتها على الاستنبات. ونعني بالعرب هنا سكان جزيرة العرب من تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن وكلها قاحلة إلا بعض بلاد اليمن التي سميت الخضراء لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها وفي بعض كورها ما هو كبلاد الشام باعتدال أهويته وزكاء تربته. قال الصمعي جزيرة العرب أربعة أقسام اليمن ونجد والحجاز والغور وهي تهامة فمن جزيرة العرب الحجاز وما جمعه وتهامة واليمن وسبأ والأحقاف واليمامة والشجر وهجر وعمان والطائف ونجران والحجر وديار ثمود والبئر المعطلة والقصر المشيد وإرم ذات العماد وأصحاب الأخدود وديار كندة وجبال طيء وما بين ذلك.
ومتى أطلقنا العرب هنا فإنا نريد بهم سكان الحجاز ونجد وتهامة وهم صميم العرب العاربة ومن بلادهم انبعثت النبوة وفي الحجاز قريش أشرف القبائل ومن قريش بني هاشم أكثر من كانوا يطعمون الطعام ويقرون الضعيف وكنا نود أن يتناول بحثنا أهل كل قبيلة وأهل كل كورة من كور العرب ولكن ليس في الكتب التي بين أيدينا ما يدعونا إلى التوسع في القول.
وغاية ما اتصل بنا علمه أن الإسلام وإن أصلح من نفوس العرب فإن طبيعة بلادها لم تتغير منذ قرون ولذلك كان بعض العرب يأكل اليربوع والضب والجراد والرنب ويعدها نعمة وبسطة في العيش حتى قال مديني لأعرابي: أي شيء تدعون وأي شيء تأكلون. قال: نأكل ما دب ودرج إلا أم حبين فقال المديني: لتهن أم جبين العافية. ولذلك كنت ترى العرب ولا تزال تراهم إذا أصابتهم سنة مجاعة وعالة على جيرانهم من سكان الش والحيرة واليمن وقد عيرهم بذلك ملك الفرس لما جاؤه فاتحين يوم القادسية وذكر لهم كيف كان يوسع عليهم عندما كانوا ينزلون بلاده منتجعين مستطعمين.
وقول المديني أن العرب يأكلون ما دب ودرج لا يؤخذ منه أنهم كلهم لأن منهم من كانوا يتقززون من أكثر الدويبات والصيد قال الجاحظ: ومن الطعام المذموم الخزيرة التي تعاب بأكلها مجاشع بن دارم وكنحو السخينة التي تعاب قريش والسخينة كانت من طعام قريش وتهجى الأنصار وعبد القيس وعذرة وكل من كان يقرب النخل بأكل التمر وتهجى أسد بأكل الكلاب وبأكل لحوم الناس والعرب إذا وجدت رجلاً مت القبيلة قد أتى قبيحاً ألزمت ذلك القبيلة كلها كما تمدح القبيلة بفعل جميل وإن لم ذلك إلا بواحد منهم فتهجو قريشاً بالسخينة وعبد القيس بالتمر وذلك عام في الحيين جميعاً وهما من صالح الأغذية والأقوات كما تهجو بأكل الكلاب والناس وإن كان ذلك إنما كان رجلاً واحداً فلعلك إذا أردت التحصيل تجده معذوراً وتهجى أسد وهذيل والعنبر وباهلة بأكل لحوم الناس. وقال قد يصيب القوم في باديتهم ومواضعهم من الجهد ما لم يسمع به في أمة من الأمم ولا في ناحية من النواحي وإن أحدهم ليجوع حتى يشد على بطنه الحجارة وحتى يعتصم بشدة معاقد الإزار وينزع عمامته من رأسه فيشد بها بطنه وإنما عمامته تاجه والإعرابي يجد في رأسه من البرد إذا كان حاسراً ما لا يجده أحد لطول ملازمته العمامة ولكثرة طيها وتضاعف أثنائها ولربما اعتم بعمامتين ولربما كانت قلنسوة خدرية.
ومهما يكن فإن العقل يحكم بأن عرب الشام كغسان كانوا لمجاورتهم للروم يأخذون عنهم كل شيء طريف ولقمة كريمة ومضغة شهية أكثر من عرب الحجاز وإنه كان لعرب الحيرة من المطاعم ما ليس لأهل نجد لقرب بلاد الأولى من بلاد الأكاسرة وأخذهم عنهم رفاغة العيش والناعم من الطعام ومطاعم العرب في جملتها لا تتعدى اللحوم والالبان والبر والتمر. والإبل عندهم أفضل من عامة الذبائح إذا ضاف أحداً رجلاً من أهل السعة ولم ينحر له عدَّ ذلك إهانة.
نزل عمرو بن معدي كرب برجل من بني المغيرة وهم أكثر قريش طعاماً فأتاه بما حضر وقد كان فيما أتاه به فضل فقال لعمر بن الخطاب وهم أخواله: لئام بني المغيرة يا أمير المؤمنين قال: وكيف. قال نزلت بهم فما قروني غير قريين وكعب ثور قال عمر: إن ذلك لشعبة وكم قد رأينا من الأعراب نزل برب صارمة فأتاه بلبن وتمر وحيس وخبز وسمن سلاء فبات ليلته ثم أصبح يهجوه كيف لم ينحر له وهو لا يعرف بعيراً من ذوده أو من صرمته ولو نحر هذا البائس لكل كلب مر به بعيراً من مخافة لسانه لما دار الأسبوع إلا وهو يتعرض للسابلة يتكفف الناس ويسألهم العلق.
وإذا اعتبرت أسماء الأطعمة عندهم تجدها دائرة على تلك المواد الأولية ومتى رأيت تكرر المعنى الواحد بألفاظ كثيرة فمنشأ ذلك والله أعلم تعدد لغات قبائل العرب لأن ما عرفته قبيلة باسم تعرفه أخرى بآخر. فمن أطعمتهم (الوشيقة) وهو لحم يغلى إغلاة ثم يرفع و (الصفيف) مثله ويقال هو القديد قال ابن السكيت: إذا شرح اللحم وقدد طوالاً فهو القديد فإذا شرح عراضاً فهو الصفيف والوشيق يجمعهما إذا جفا (والتثمير) أن يقطع صغاراً ثم يجفف و (الوزيم) المجفف و (العفير) لحم يجفف على الرمل في الشمس و_الجبجبة) كرش البعير يغسل بالماء والملح ثم يشرح أعلاه ثم ينفخونها ويحشونها بالشجير أو بعر افبل اليابس ثم تعلق حتى تضربها الريح وتجفف ثم يأخذون اللحم فيقددونه ويجعلونه على حبال حتى يذبل ذبله ويذهب ماؤه وكذلك يفعلون بالشحم ثم يطبخون لحمها بشحمها جميعاً ثم يفرغونه في القصاع حتى يبرد ويصفون الإهالة على حدة فإذا برد كثبوا اللحم والشحم في الجبجبة وصبوا عليه الودك ثم بردوه حتى يجمد ويصير كالحجر ثم يلقى في جوالق (أكياس) ويستر من الحر أن يفسد فيأكلون منه جامداً ومن شاء أذاب منه على القرص.
و (الأرة) لحم يطبخ في كرش و (الهلام) طعام يتخذ من لحم عجلة بجلدها. والشبارق الألوان من اللحم المطبوخة فارسي معرب. والخضيعة طعام يتخذ بالشام والقلية مرقة تتخذ من أكباد الجزور ولحومها. والحنيذ الشواء الذي لم يبالغ في نضجه وقد حنذت أحنذ حنذاَ قال ابن السكيت: الحنيذ أن يؤخذ اللحم فيقطع أعضاء وينصب له صفيح الحجارة فيقابل يكون ارتفاعه ذراعاً وعرضه أكثر من ذراعين في مثلهما ويجعل له بابان ثم يوقد في الصفائح بالحطب فإذا حميت واشتد حرها وذهب كل دخان فيها ولهب أدخل فيه اللحم وأغلق البابان بصفيحتين قد كانت قدرتا للبابين ثم صربتا بالطين وفرث الشاة وأدفئت شديداً بالتراب فيترك في النار ساعة ثم يخرج كأن البسر قد تبرأ العظم من اللحم من شدة نضجه. والحند أيضاً أن يأخذ الرجل الشاة فيقطعها ثم يجعلها في كرشها ويلقي مع كل قطعة من الكرش رضفة وربما جعل في الكرش قدحاً من لبن حامض أو ماء ليكون أسلم للكرش من أن تنقد ثم يخلها بخلال وقد حفر لها بؤرة أحماها بها فيلقي الكرش في البؤرة ويغطيها ساعة ثم يخرجها وقد أخذت من النضج حاجتها. و (شواء ملعوس) إذا أكل بالسمن وهو العلس و (الصلائق) اللحم المشوي المنضج وقيل الرقاق الخبز وفي حديث عمر رضي الله عنه لو شئت أمرت بصلائق وصناب.
قال ابن سيده في باب ما يعالج من الطعام ويخلط نقلاً عن أبي علي أن أكثر هذا الباب على فعيلة أما بناؤهم على هذا البناء فلأنه في معنى مفعول ألا ترى أن البسيسة في معنى مبسوسة وكلها مطبوخ ملتوت أو مليون أو متمور أو مسمون أو معسول والجنس الغالب العام له قولنا مخلوط ودخلت الهاء للمبالغة. وذلك مثل (الضبيبة) وهي سمن وربٌّ يجعل للصبي في العكة يطعمه يقال ضببوا لصبيكم. (والربيكة) شيء يطبخ من بر وتمر وقد ربكته أربكه ربكاً مثل غراثان فأربكوا له. قال ابن السكيت الربيكة تكر بعجن بسمن وأقط فيؤكل وربما صب عليه الماء فشرب شرباً. والبسيسة كل شيء خلطته بغيره مثل السويق يلت بالسمن أو الزبد ثم يؤكل ولا يطبخ وهو أشد من اللت بللاً والأقط يدق ويطحن ثم يلبك بالسمن المختلط بالرب و (البكيلة) السويق والتمر يؤكلان في إناء واحد وقد بلا بللبن وقد بكل الدقيق بالسويق خلطه. و (الغثيمة والغبيثة) طعام يطبخ ويجعل فيه جراد و (الفريقة) شيء يعمل من البر ويخلط فيه أشياء للنفساء و (الفئرة والفؤارة) حلبة وتمر يطبخ للمرض أو النفساء و (الرغيدة) اللبن الحليب يغلى ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط فيلعق لعقاً و (الحريرة) الحساء من الدسم الدقيق و (السريطاء) حساء شبيه بالحريرة أو نحوها و (الصية) طعام كالحساء يصنع بالتمر وقد يقال له الرغيغة و (العكيس) الدقيق يصب عليه الماء ثم يشرب و (الوجيئة) التمر يدق حتى يخرج نواه ثم يبل بلبن أو سمن حتى يتدن ويلزم بعضه بعضاً فيؤكل والوجيئة أيضاً جراد يدق ثم يلت بسمن أو بزيت فيؤكل و (الخزيرة أو الخزير) الحساء من الدسم أو الدقيق والخزيرة مرقة تصفى بلالة النخالة ثم تطبخ تسميه الفرس سيوساب والخزيرة أن تنصب القدر بلحم يقطع صغاراً على ماء كثير فإذا نضج ذر عليه الدقيق فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة ولا تكون الخزيرة إلا وفيها لحم و (العصيدة) السمن يطبخ بالتمر و (الرهيدة) برٌ يدق ويصب عليه الماء و (الوديكة) دقيق يساط بشحم شبه الخزيرة و (اللهيدة) الرخوة من العصائد ليست بحساء يحسى ولا غليظة فتلقم و (الخطيفة) الدقيق يذر على اللبن ثم يطبخ فيلعقه الناس لعقاً و (اللفيتة) العصيدة المغلظة من لفت الشيء ألفته لفتاً إذا لويته و (النحيرة) ماء وطحين يطبخ وقيل هو لبن حليب يجعل عليه سمن و (الحسيلة) حشف النخل إذا لم حلا بسره فيبسونه فإذا ضرب أنفت عن نواه ويدفونه باللبن ويمردون له تمراً حتى يحليه فيأكلونه لقيماً وربما ودن بالماء و (النهيدة) أن يغلى لباب الهبيد وهو حب الحنظل فإذا بلغ أناه من النضج والكثافة ذرت عليه قميحة من دقيق ثم تحل و (الفهيرة) مخض يبقى فيه الرضف فإذا ذر عليه الدقيق وسيط به ثم أكل و (السخينة) التي ارتفعت عن الحساء وثقلت عن أن تحسى وهي دون العصيدة و (النفيتة والحريقة) أن يذر الدقيق على ماء أو لبن حليب حتى ينفت تتجبس من نفتها وهي أغلظ من السخينة يتوسع فيها صاحب العيال إذا علبه الدهر و (الخضيمة) حنظة تؤخذ فتنقى وتطيب ثم تجعل في القدر ويصب عليها الماء فتطبخ حتى تنضج و (الوهية) جراد يطبخ ثم يجفف ثم يدق فيقمح أو يبكل ويخلط بدسم و (الصحبرة) من المحض إذا أسخن يقال اصحروا لنا لبناً وربما جعل فيه دقيق وربما جعل فيه سمن إذا سخن فيه الحليب خاصة حتى يحترق فهو صحيرة وقد صحرته أصحره صحراً و (الغميم) اللبن يسخن حتى يغلظ و (القطيبة) لبن المعزى والضأن و (الأخينخة) دقيق يصب عليه ماء بر بزيت أو سمن ويشرب ولا يكون إلا رقيقاً و (الوظيئة) تمر يخرج نواه ويعجن بلبن و (العجة) دقيق يعجن بسمن ثم يشوى و (الوليفة) طعام يتخذ من دقيق وسمن ولبن و (اللوقة) زبد ورطب و (الألوقة) كل ما لين من الطعام وفي الحديث لا آكل إلا ما لوَّق لي. و (الرهية) بر يطحن بين حجرين ويصب عليه لبن و (الحيس) تمر وأقط وسمن و (الغذيرة) دقيق يحلب عليه لبن ويحمى بالرضف و (المجيع) التمر واللبن و (الصعقل) التمر ايابس ينقع في اللبن الحليب و (القشيمة والقميشة) هبيد يحلب عليه لبن و (الوضيعة) حنطة تدق ثم يصب عليها سمن فتؤكل و (القفيخة) طعام من تمر وإهالة و (البغيث) الطعام المخلوط بالشعير و (الشقدة والقشدة) حشيشة كثيرة الإهالة واللبن يصبخ مع دقيق وأشياء تؤكل و (الدليك) طعام يتخذ من الزبد واللبن شبه اللبن.
إذا أخذ الحليب فأنقع فيه تمر برني فهو (طكديراء) و (الرض) التمر يدق فينقى عجمه ويلقى في المحض و (الوغيرة) اللبن محضاً يسخن حتى ينضج وربما جعل فيه السمن. وفي لغة الكلبيين الإيغار أن تسخن الحجارة ثم تلقى في الماء لتسخنه وفي اللبن أيضاً لينعقد ويطيب و (الحليجة) عصرة نحي أو لبين أنقع فيه تمر و (غنية) هي السمن على المحض و (الدبوس) خلاص التمر يلقى في مسلا السمن فيذوب فيه وهو مطيبة للسمن و (الرضيف) اللبن يصب على الرضف وهي حجارة تحمى فيوغر بها اللبن. و (الحميمة) المحض يسخن وقد حممته وأحممته. مش الشيء يمشه مشاً إذا دافه في ماء حتى يذوب. و (العجال والعجول) تمر يعجن بسويق و (العمص) ضرب من الطعام تقول عمصت العامص وأمصت الآمص وهي كلمة تجري على ألسنة العامة وليست فصيحة يعنون الخاميز وربما قالوا العاميص و (العويثة) قرص يعالج من البقلة الحمقاء بزيت و (العلهز) وبر مخلوط بدماء الحلم كان يؤكل في الجدب و (المجدوح) دم يخلط بغيره كان يؤكل في الجاهلية وأصله من الجدح والتجديح وهو الخوض بالمجدح وهي خشبة في رأسها خشبتان معترضتان و (الخردق) طعام يعمل شبيه الحساء والخزيرة و (الوزين) حب الحنظل المطحون يبل باللبن فيؤكل و (الفرني) واحدته فرنية وهي خبزة مسلكة مصغنة تسوى ثم تروى سمناً ولبناً وسكراً قال ابن سيده وأهل الشام يتخذون الخبزة الفرنية على صنعة كير الزجاجين يخبزون فيه الفرنية ويسمون ذلك المخبز فرناً و (الطعام مبروت) مصنوع بالمبرت وهو السكر الطبرزد و (البهط) فارسي وهو الأرز يطبخ باللبن والسمن خاصة واستعملته العرب تقول بهطة طيبة و (سويق مقنود ومقند) مخلوط بالقند والقنديد وهو عصير قصب السكر و (البريقة) وجمعها برائق وهي التباريق وهي شيء قليل من الدسم ولم يسفسفوه أي لم يوسعوه دسماً. و (المشنق) العجين الذي يقطع ويعمل بالزيت واسم كل قطعة منه فرزدقة وجمعه فرزدق (وعامة أهل الشام يقولون الآن جردقة وجرادق) و (الفرفور والفرافر والفرافل) سويق يتخذ من ثمر الينبوت و (الحلواء) من الطعام ما عولج بحلاوة يمد ويقصر ومنها الفولذ والفالوذق وهو فارسي معرب زعم الفارسي أن معناه حافظ للدماغ بالفارسية وهو الفالوذج والطائفة منه فالوذجة وهو الصفرق. و (القبيطي) الناطف و (اللمص) كالفوذ معرب ولا حلاوة له يأكله الصبيان بالبصرة بالدبس و (الكامخ) من الأدم منهم من خصصه بالمخللات التي تستعمل لتشهي الطعام و (الصير والصحناءة) ضربان من الكامخ وفي القاموس والصحناء والصحناة ويمدان ويكسران أدام يتخذ من السمك الصغار مشه مصلح للمعدة قال في التاج الصحناة فارسية تسميها العرب الصير وقال ابن الأثير الصير والصحناة فارسيتان و (الصير) السميكات المملوحة تعمل منها الصحناة ومن أطعمتهم (الدرامك) وهي الحواري أي الدقيق الخالص قال زياد بن فياض:
فأطعمها شحماً ولحماً ودرمكاً ... ولم يثننا عنه النسيم الحنادس
ومن مآكلهم (المضيرة) مريقة تطبخ باللبن المضير أي الحامض وهي مثل اللبنية المعروفة في بلاد الشام عقد لها البديع مقامة ولعنها أبو الفتح الإسكندري عندما دعاه وأصحابه بعض تجار البصرة فرفعوها عن الخوان مجارة له: فارتفعت لها الأفواه تلمظت لها الشفاه واتقدت لها الأكباد ومضى في أثرها الفؤاد و (السكباج) معربة كما في التاج عن سركة باجة وهو لحم يطبخ بخل مثل (السكرجات) وهي التوابل والسكرجة قصاع يؤكل فيها صغار وليست يعربية وهي كبرى وصغرى وفي حديث أنس لا آكل في سكرجة ومعناه أن العرب كان تستعملها في الكوامخ وأشباهها من الجوارش على الموائد حول الأطعمة للتشهي والهضم فأخبر أن النبي ﷺ لم يأكل على هذه الصفة. ومنها (الفانيد) قال في التاج ضرب من الحلواء معرب بانيد و (الهلياثا) وردت في كلام الجاحظ فقال: إذا أطعمتهم اليوم البرني أطعمتهم غداً السكر وبعد غد الهلياثا. والغالب أن الهلياثا طعام ثمين عندهم. و (الطفيشل) كسميدع نوع من المرق و (الهريسة والفجلية والكرنبية) أولان ولعل أسماء البقول المطبوخة تسمى بالاسم الذي صنعت منه مثل الباقلاء والقرع والفول والملفوف والسلق وغيرها مما كان معروفاً للعرب وينبت في بعض بلادهم.
سئل بعضهم عن حظوظ البلدان في الطعام وما قسم لكل قوم منه فقال ذهبت الروم بالجشم والحشو وذهبت فارس بالبارد والحلو وقال عمر لفارس الشبارق والحموض فقال دوسر المديني: لها الهرائس والقلايا ولأهل البدو اللباء والسلاء والجراد والكمأة والخبزة في الرائب والتمر بالزبد وقال الشاعر:
ألا لبت خبزاً قد تسربل رائباً ... وخيلاً من البرنيّ فرسانها الزبد
ولهم البرمة والخلاصة والحيس والظطيئة. وقد علم بهذا أن الحلويات عند العرب ما يعملونه بالدقيق والتمر ويدخل أكثرها الدبس أو العسل أو السكر وهذا كان نادراً في الجملة عندهم لأنه يأتيهم من فارس كما دل عليه اسمه عندهم إذ أخذوا عن جيرانهم الاسم ونقلوا المسمى. ويحكى أن عبد الله بن جدعان أحد اشراف قريش ذهب مرة إلى كسرى فأطعمه الفالوذج فاستطابه وسأل كيف يصنع فقيل له أنه لباب البر يلبك بالعسل فابتاع غلاماً يصنعه له ورجع إلى مكة وصنع الفالوذج ودعا إليها أصحابه وممن أكلها أمية بن أبي الصلت فقال يمدحه:
لكل قبيلة رأس وهادي ... وأنت الرأي تقدم كل هادي
له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادي
إلى ردح من الشيزى ملاءٍ ... لباب البر يلبك بالشهاد
قال الجاحظ ومن اشرف ما عرفوه من الطعام ولم يطعم الناس أحد منهم ذلك الطعام إلا عبد الله بن جدعان وهو الفالوذق.
هكذا كانت الأطعمة في الجاهلية وأما في الإسلام فكان فيها في أخبار أهل الصدر الأول وخصوصاً في أخبار أبي بكر وعمر وعلي وعمر بن عبد العزيز من الزهد والتقشف ما يعجب منه كل من عرف أنهم فتحت لهم كنوز الأرض فعفوا عنها. ولما اشتدت حاجة عمر بن الخطاب أراد بعض الصحابة ومنهم عثمان وعلي وطلحة والزبير أن يزيدوه في رزقه فعزموا أن يأتوا حفصة ويسألوها ويستكتموها فدخلوا عليها وأمروها أن تخبر بالخبر عن نفر ولا تسمي له أحداً إلا أن يقبل وخرجوا من عندها فلقيت عمر في ذلك فعرفت الغضب في وجهه وقال: من هؤلاء؟ قالت: لا سبيل إلى علمهم حتى أعلم رأيك. فقال: لو علمت من هم لسوءت وجوههم أنت بيني وبينهم. أنشدك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله ﷺ قالت ثوبين ممشقين كان يلبسهما للوفد ويخطب فيهما للجمع قال: فأي الطعام ناله عندك أرفع فقالت: خبزنا خبزة شعير نصيبنا عليها وهي حارة أسفل عكة لنا فجعلناها هشة دسمة فأكل كنها وتطعم منها استطابة لها قال: فأي مبسط كان يبسطه عندك كان أوطأ قالت كساء لنا ثخين كنا نربعه في الصيف فنجعله تحتنا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه وتدثرنا بنصفه قال: يا حفصة فأبلغيهم عني أن رسول الله ﷺ قدر فوضع الفضول مواضعها وتبلغ بالترجية وإني قدرت فوالله لأضعن الفضول مواضعها ولأتبلغن بالترجية وإنما مثلي ومثل صاحبي كثلاثة سلكوا طريقاً فمضى الأول وقد تزود زاداً فبلغ ثقم اتبعه الآخر فسلك طريقه فأفضى إليه ثم أتبعه الثالث فإن لزم طريقهما ورضي بزادهما لحق بهما وكان معهما وإن سلك غير طريقهما لم يجامعهما.
ولقد كان عمر بن الخطاب يشدد على عماله حتى لا يسترسلوا في التنعم بالأطايب فتقسى قلوبهم ويكونوا قدوة في الترف للرعية قال الربيع بن زيادة الحارثي: كنت عاملاًً لأبي موسى ألشعري على البحرين فكتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمره بالقدوم عليه هو وعماله وأن بيستخلفوا جميعاً قال: فلما قدمنا أتيت يرفأ فقلت يا يرفأ مسترشد وابن سبيل أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله: فأومأ إلي بالخشونة فاتخذت خفين مطارقين ولثت عمامتي على رأسي فدخلت على عمر فصففنا بين يديه فصعد فينا وصوب فلم تأخذ عينه أحداً غيري فدعاني فقالك من أنت. قلت: الربيع بن زياد الحارثي قال: ما تتولى من أعمالنا. قلت: البحرين. قال: كم ترزق قلت: ألفاً. قال كثير فما تصنع به قلت: أتقوت منه شيئاً وأعود على أقارب لي فما فضل عنهم فعلى فقرءا المسلمين قال: فلا بأس ارجع إلى موضعك. فرجعت إلى موضعي في الصف فصعد فينا وصوب فلم تقع عينه إلا علي فدعاني فقال: كم سنك قالت: خمس وأربعون سنة قال: الآن حين استحكمت ثم دعا بالطعام واصحابي حديث أمرهم بلين العيش وقد تجوعت له فأتى بخبز وأكسار بعير فجعل أصحابي يعافون ذلك وجعلت آكل فأجيد فجعلت أنظر إليه يلحظني من بينهم ثم سبقت مني كلمة تمنيت أني سخت في الأرض فقلت: يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا فزجرني ثم قال: كيف قلت فقال: أقول يا أمير المؤمنين أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز لك قبل إرادتك إياه بيوم ويطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز ليناً واللحم غريضاً فسكن من غربه وقال: أههنا غرت قلت نعم: فقال ريا ربيع أنا لو نشاء ملأنا هذه الرحاب من صلائق وسبائك وصناب ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم فقال: أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا، ثم أمر أبا موسى بإقراري وأن يستبدل بأصحابي.
نعم لو أراد عمر أن يملأ داره من هذهالطيبات التي عدها وهي أتقن شيء في نظره وأغلاه لما تعذر عليه بعد أن فتح المسلمون فارس والشام في عهده ولكن نفسه العظيمة أبت إلاالتقشف ومثله بعض عماله حتى أن أبا عبيدة لما هزم الفرس في كسكر من أعمالهم جمع الغنائم فرأى من الأطعمة شيئاً عظيماً فبعث بمن يليه من العرب فاقتسموا خزائنها وجعلوا يطعمونه الفلاحين وبعثوا بخمسه لعمر وكتبوا أن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحمونها وأحببنا أن تروها ولتذكروا إنعام الله وأفضاله. ثم أن بعض الفرس حملوا إلى أبي عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة فارس والألوان والأخبصة وغيرها فقالوا هذه كرامة أكرمناك بها وقرى لك فقال: أأكرمتم الجند وقريتوهم مثله قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون قالوا فرده وقال: لا حاجة لنا فيه بئس المرء أبو عبيدة إن صحب قوماً من بلاده أهرقوا دماءهم دونه أو لم يهرقوه فاستأثر عليهم بشيء يصيبه لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم غلا مثل ما يأكل أوساطهم. قال زياد بن حنظلة في فتح عمر بن الخطاب لإيلياء من أبيات:
وألقت إليه الشام أفلاذ بطنها ... وعيشاً خصيباً ما تعد مآكله
وبذلك عرفت أن معظم الأطعمة الشهية فارسية أو رومية استعملها العرب في البلاد التي نزلوها ومنها ما عربوه ومنها ما أبقوه على حاله ولكل بلد خصائصه في مآكله ومن تعمد استقصاءها يضطر بعد البحث الشديد إلى وضع مصنف فيها يكون من أنفع الدروس الصحية والاجتماعية لا محالة. ومن المجالس الغريبة المجلس الذي عقده المستكفي بالله ليتذاكر مع ندمائه أنواع الأطعمة وما قال الناس في ذلك منظوماً وقد أورد المسعودي في مروج الذهب هذه القصائد ومنها قصيدة لابن المعتز يصف سلة سكارج كوامخ وأخرى لكشاجم في صفة سلة نوادر وثالثة لابن الرومي في صفة وسط ورابع لإسحاق الموصلي في صفة سنبوسج وأخرى لكشاجم في وصف هليون وغيرها للحافظ الدمشقي في وصف إدريسة وغيرها في وصف المضيرة ولغيرة قصيدة في جوزابة.
ومن القصائد التي ورد فيها ذكر بعض الأطعمة الدمشقية حوالي القرن الرابع للهجرة قصيدة أبي القاسم الحسين بن الحسين بن واسانه بن محمد المعروف بالواساني الذي كان في زمانه كما قال الثعالبي في اليتيمة كابن الرمي في أوانه وصف ما جرى عليه في الدعوة التي عملها في قرية جمرايا من أعمال دمشق وقد أخذها صاحب اليتيمة برمتها: فقال أنه أحسن فيها غاية الإحسان وأبان فيها عن مغزاه أحسن بيان وتصرف فيها وأطال وأمكنه القول فقال وإذا تخلص الشاعر عن الإطالة والوصف هذا التخلص وسلم مما يؤديه إلى التكلف والتلصص فهو الذي لا يدرك غوره ولا يخاض بحره.