الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 31/الكتاب

مجلة المقتبس/العدد 31/الكتاب

بتاريخ: 1 - 8 - 1908


حدثنا القراء في النسخة الماضية بشيء مما عربناه من الكتاب الذي صدر حديثاً للمسيو البرسيم وها نحن ننقل لهم بعض فوائده جديرة بالنظر والاعتبار فقد قال في تأثيرات المطالعة في المرء ولاسيما ما يطالعه في صغره نقلاً عن كتاب عشاق الكتب لألفرد دي ماترون العارف بالتآليف والتصانيف: إن المرء في صباه لا يهتم بشكل الكتاب جميلاً كان أو بشعاً حسن التجليد أو سيئه بل يضحك ممن يقول له أن طبعة هذا الكتاب أصبحت نادرة وأن هذه الفقرة غريبة وأن هذه الأسفار نال مؤلفوها الجوائز عليها ولا يحتفل إلا بالفكر ولاسيما بما فيه شعور وعواطف ولا يعبأ إلا بما يرضي فؤاده ويثير عواطفه ويحركها. فأف من الفكر والجمال والتذهيب الجميل. ولذلك لا ترى مولعاً في الكتب وهو في سن العشرين لأن المرء في صباه لا يستطيع أن يعاود قراءة كتاب قرأه فلا يكاد يحسن القراءة حتى يأتي على آخر ما يقرأ ولا سبيل إلى الحكم جيداً على كتاب إلا بمطالعته ثانية وفي أدوار مختلفة من الحياة ومن ثم كان من الكتب ميزان حرارة للعقل أو للقلب.

قال ألفرد دي ماترون: إن المرء في العشرين من عمره لا يكون من غلاة الكتب وأحبابها وما قاله يصح أن يكون قاعدة في هذا الباب لأن العواطف في سن العشرين تحكم على العقل بل تحكم على كل شيء فيسرع المرء في تلك السن إلى الوقوف على كل شيء ويعرف كل شيء ويقرأ كل شيء ون شئت فقل يقلب صفحات كل كتاب. ويندر في تلك السن السعيدة من يستطيعون أن يعادوا قراءة كتاب ثانية بدون أن يكرههم مكره فيأتون ذلك إما مدفوعين برغبة منهم أو لقلة ما لديهم من الكتب الجديدة أو كتب لم يقرأوها بعد ولم يتصفحوها.

وقال آخر: لا يشرع المرء بمعرفة القراءة إلا بعد خروجه من المدرسة. وفتيان المطالعين لا يحبون من الكتب إلا ما حدث وضعه وقلما يرجعون إلى الكتب المؤلفة قديماً. وأورد المؤلف أسماء كثيرين أولعوا بالمطالعة منذ عرفوا القراءؤة بل منذ فطموا عن أثداء أمهاتهم مثل أسقف دافرانش هويه (1630 ـ 1721) والفيلسوف جان جاك روسو (1712 ـ 1778) والشاعر يوحنا أنطون بوشه (1745 ـ 1794) وبنيامين فرنكلين (1706 ـ 1790) وهنري بيل القصصي النقاد الفرنسوي (1783 ـ 1842) ولامارتين الكاتب الفرنسوي (1790 ـ 1869) وسيلفيو بلليكو الأديب الإيطالي (1789 ـ 1854) وجورج ساند قصصية الفرنسوية (1804 ـ 1876) وشارل ديلون وكلهم ما كادوا يفتحون عيونهم إلا والكتاب بأيديهم بفضل تربية آبائهم وأمهاتهم الذين كان بعضهم يقرأ لهم ليسمعهم سير العظماء وأقوال الحكماء فانغرست البذور الصالحة في عقول أبنائهم وجاء منهم فلاسفة وكتاب متفردون وتبين مما استشهد به لهم من تذكراتهم أن معظمهم كانوا يعيشون الخلاء بين الرياض والغياض يطربهم صوت العندليب ويؤرقهم صوت القمري ويستفزهم خرير الماء وعليل الهواء.

وقال في فصل المطالعة والتصفح: جعل سلس الطبيب الروماني في القرن الأول قبل المسيح القراءى بصوت عال من جملة الرياضيات النافعة للصحة وأن المطالعة على هذه الصورة ضرورية للفهم والذوق وذلك لأن جرس الصوت يساعد كل المساعدة على تعليق الجمل في الذهن. وقد قال العالم أرنست لوكوفه أنه لا شيء ينير عقلنا مثل القراءة بصوت جهوري ويقفنا على ضعف الإنشاء إن كان ضعيفاً وقوته إن كان قوياً وفساد الشعور المصور فيه. ففي الكلام تنشيط وفيه للأفكار إيضاح بل تحقيق وكل من يتعاطون عملاً شاقاً كالحطابين والخبازين يتحمسون بما يلقيه بعضهم على بعض من الأصوات ولا يرى دودان أن يقرأ قارئ للإنسان بل أن يقرأ بنفسه ويرى أن الطريقة الأولى أجدر بالمرضى والعميان لأن لكل قارئ نغمة يكون بها التأثير في عقله وله طريقة في الفهم والتمعن لا يقوم بها سواه.

ومن العادة في بعض المدارس والأديار أن يقرأ قارئ شيئاً من الأدب والقصص والتلاميذ جلوس على المائدة وكان ذلك شأن شارلمان يتلى على مسامعه وهو على الخوان كتاب القديس أوغسطينس وكان الفيلسوف فولتير يؤثر أن يقرأ له وقال: إنني أحب هذه الطريقة لأنها كانت مألوفة للقدماء وأنا منهم. وكان الكردينال موري (1746 ـ 1718) يقول أن المرء إذا خلا بنفسه يجب أن يطالع كتباً تفيده حقيقة وإذا كان مع أخوانه فالأجدر أن يتلى عليه ما يحمسه ويهيجه لأن الناس في انفرادهم غيرهم في اجتماعهم.

قال مؤلفنا: أما كتب الحكم والآراء فالأحرى بل الأفيد بأن تتلى قطعة قطعة لا دفعة واحدة وأن ترسخ بكميات قليلة فكما أن المرء لا يبلع أقراص المعاجين إلا واحداً واحداً هكذا يجب عليه أن يسير في الأخذ من كتب الحكماء. وقال الأميرلين (1735 ـ 1814) أن الطريقة الوحيدة في مطالعة كتاب من الحكم بدون أن يمل هو أن يفتح كلما سنحت الفرصة وبعد أن يسقط فيه على ما يهمه منه يطبقه بعد تصفه صفحة أوص فحتين ويأخذ يفكر فإذا تصفحا كلها يكون أشبه بمن قلب مجموعة صور دفعة واحدة فلا يرتسم بمخيلته واحدة منها.

وتختلف طريقة المطالعة بسرعة أو بتأن بلا فاصلة أو بفاصلة بقلة أو بكثرة وهذا تابع لحالة القارئ وما يقرأ وحالة بصره وقوة انتباهه وأوقاته وخطر ما يتلوه وتأثير الكتاب فيه. وإن كتاباً في الفلسفة لا يقرأ كما تقرأ قصة وخير في الكتب المملة أن تتصفح تصفحاً وكل من يعيشون بين الكتب والمطبوعات والمخطوطات ويبحثون كثيراً فيما بين أيديهم لا يسعهم إلا أن يتصفحوا تصفحاً.

وكان لما كليابشي العالم الفلورنسي قيم الكتب (1633 ـ 1714) طريقة خاصة في المطالعة فإذا وقع له تأليف جديد ينظر في عنوانه ثم يرجع إلى الصفحة الأخيرة منه ويتصفح المقدمات والفهارس والتقدمات. ويلقي نظرة على كل التفاصيل الرئيسية وكان له من الوقوف على التأليف ما يتمكن معه من معرفة حقيقة المصنف في لحظة بل أنه يعرف المصادر التي أخذ منها المؤلف. ومن أرباب الاختبار في معرفة القراءة من يعرفون ماهية الكتاب من تقليب أوراقه ويدركون ما في صفحة منه من الفوائد بمجرد إلقاء النظر عليها ومنهم من يعرفون كيف يتصفحون الجرائد فلا يقع نظرهم إلا على ما يهمهم منها ولا يضيعون ثانية من أوقاتهم في النظر بما لا يفيدهم.

ورأى بعض أهل العلم أن الذهن مهما بلغ من حدته يخون صاحبه في تذكر الفوائد التي قرأها فالأولى له أن يقيدها ولذلك كانت الفهارس مما يعين كثيراً على الرجوع إلى مضامين الكتاب. ومن عشاق المطالعة من لا يكتفون بتقييد الفوائد في تذكراتهم بل هم يكتبون على كل صفحة تهمهم كتابة تعلمهم على الكتاب نفسه ولكن أكثر باعة الكتب يرون هذه الطريقة مما يعوق الكتب عن بيعها إلا أن المؤلف ومحبي الاستفادة لا يهمهم إلا أن ينتفعوا من كتبهم ولو بتمزيقها وتشويهها وما الكتاب إلا أداة للتعلم يجب استخدامها على النحو الذي ينتفع به نفعاً حقيقياً بل هو رفيق وصديق تحب معارضته ومناقشته أحياناً وأن لا يسلم له كل ما يورده.

يقول الفيلسوف سينيك والأديب بلين لجون أن الإكثار من الكتب يشتت الفكر وأن عادة القراءة كثيراً تفضل قراءة أشياء كثيرة وقال لبعضهم: لا نهاية للاستكثار من الكتب ومعلوم أنه في هذا العصر الذي دعي بعصر الورق بل في هذا العصر الذي اشتدت فيه تباريح مرض جديد أي الجنون في الطبع والنشر أن الكتب تنمو وتتضاعف من يوم إلى يوم. وما أجمل ما قالت أريستيب الفيلسوف اليوناني (390ق. م) أحد تلاميذ سقراط وصاحب المذهب الأبيكوري المنسوب لمدينة سيرين: ليس من يأكلون كثيراً هم أسمن من غيرهم وأصح منهم أجساداً بل السمان هم أولئك الذين يهضمون. وهنا استشهد المؤلف بإحصاء غريب لبعض المشتغلين منذ اخترع الطباعة على القرن الماضي فقال أنه طبع في جميع أنحاء الأرض من سنة 1436 إلى سنة 1536، 42 ألف مجلد وفي سنة 1536 إلى سنة 1636، 575 ألفاً وفي سنة 1636 إلى سنة 1736 مليون و225 ألفاً وفي سنة 1736 إلى سنة 1822 مليون و839960 فيكون مجموع ما طبع زهاء ثلاثة ملايين ونصف مليون مجلد وإذا قدر معدل هذه المصنفات بثلاثة مجلدات وإن أقل ما يطبع من كل كتاب 300 نسخة فيكون قد خرج من المطابع كلها في نحو أربعة قرون 3313764000 وقدر أن ثلثيها حرق أو استعمل صرراً عند البدالين والباعة فلم يبق منها إلا ثلثها. وزيف بعضهم قوله بأن التوراة وحدها طبع منها زهاء 36 مليون نسخة وأن كتاب الاقتداء بالمسيح طبع منه وحده ستة ملايين وأنه إذا كان كتب على تاريخ فرنسا وحده ثمانون ألف مجلد فكم تكون كتب الأرض. وقدر أحد الأميركان عدد المجلدات في الولايات المتحدة كما يأتي 420 مليوناً في البيوت و150 مليوناً عند العلماء والكتاب والمخترعين و60 مليوناً عند الكتيبة والطابعين و50 مليوناً في خزائن الكتب العامة و12 مليوناً في مكتب المدارس والجامعات و8 ملايين عند التلاميذ وأن في أوروبا الغربية ملياراً وثمانمائة مليون مجلد وفي أوروبا الشرقية أربعمائة وستين مليون مجلد و240 مليوناً في سائر أقطار العالم. قال المؤلف: وبينا أهل الإحصاء يحصون ترى المطابع تصدر الكتب بالألوف فيقدر الآن ما يصدر كل سنة من الكتب في الشرق والغرب بخمسة وسبعين ألف كتاب جديد منها 25 ألفاً في ألمانيا و13 ألفاً في فرنسا و10 آلاف في الولايات المتحدة و7 آلاف في إنكلترا فلو فرضنا أن معدل ما يطبع منها ألف نسخة تكون كتب العالم قد زادت كل عام 75 مليون مجلد.

قال مؤلفنا في اخاتيار الكتب وهل تفضل القديمة أم الحديثة فرأى أن الشبان ومن قل علمهم وأدبهم يؤثرون الجديد على القديم وإن كان الجديد في الغالب غثاً بارداً والقديم سميناً مملوءؤاً بصحيح الفكار ومتين الإنشاء. وفي كتب القدماء كنوز قديمة لا مثيل لها في آثار المحدثين. قال: وعندي أن يختار من الكتب العلمية أحدثها التي أخذت بأطراف ارتقاء العلم عامة وآخر ما وصل إليه كماله أما في الأدب فيختار أحسن كتابه مهما قدم عهدهم فالآداب القديمة كما قيل كلما قدمت تتجدد.

ولا مراء في أن المطالعة تؤثر في عقولنا واضطراباتنا وتورثنا القلق والحزن فمن الفضول أن نزيد على ذلك ما تدخله علينا من السرور والنفع قال جول لبتي في كتابه علم خب الكتب ومعرفتها ما أكثر من يبرؤون أمراضهم بفضل الكتب التي يطالعونها ولو عرف الناي ذلك حق معرفته لزاد عدد المولعين بالكتب زيادة عظمى. وتكلم المؤلف على الروايات وقال أن بعضهم يراها سموم الهيئة الاجتماعية وذكر كيتي الفيلسوف النقاد الألماني أنه من العبث أن يقول القائلون أن من الكتب ما يؤثر في إفساد الأخلاق وما الفساد إلا متوفر كل يوم في هذا المحيط وعندي أنه لا يجب التحرس كثيراً من ذكر ما لا يجدر أمام الأولاد من الأحاديث فإن الأولاد كالكلاب لهم حاسة قوية في الشم ويكتشفون كل شيء ولاسيما ما كان من أمور الشر. وللعلماء أراء مختلفة في هذا الشأن والأكثر على أن الروايات خيرها أقل من شرها وقشرها أضعف من لبها أما مطالعة الجرائد فهي لا تعد في باب مطالعة الكتب لأنهها تكتب بسرعة دون أن ينظر فيها النظر البليغ وما الجريدة كما قال بايل إلا فاكهة الفكر. وقال سانت بوف: يجب بادئ بدء أن نتزود من الخبز واللحم الطيب قبل أن نضع الفاكهة والحلواء. كتب تيوفيل غوتيه الكاتب الصحافي الفرنسوي أن مطالعة الجرائد تحول دون نبوغ القرائح القوية الشكيمة التي لا تريد غلا عشاقاً اقوياء في جدة الشباب فالجريدة تقتل الكتاب كما أن الكتاب قتل الهندسة وكما قتلت المدفعية الشجاعة وقوة الأعصاب. وقال جبرائيل هانوتو العالم: إن الجريدة هي المنافس الحقيقي للكتاب وما النجاح الذي أحرزته الجريدة غلا لرخص أثمانها وعندي أن الديمقراطية يجب أن يرخص فيها كل شيء لمداواة أمراض النفوس وأن المستقبل لا يبقى إلا على نوعين من الكتب المزخرف والمبهرج الذي تطبع منه كميات قليلة ليقتنيها أرباب القصور والغنى والكتب البسيطة التي تباع بأرخص ما يمكن من قيمة ليسوغ للجمهور اقتناؤها من أيبسر سبيل وبهذا الضرب من الكتب يحفظ للعلم رونقه وتبقى له حياته فالفلاح والعامل يجب أن يقرأ شيئاً وأن يخرج لهما ما يقرأان وحاجتهما ماسة إلى غير كتب التقاويم وبهذا تبين أنه لا يخشى على الكتب من قلة عشاقها في المستقبل بل أن النفوس تظل عليها مقبلة ما بقي الدهر.

وقال مؤلفنا في الفصل الذي عقده للكلام على ممزقي المكتب وأعدائها أن أعظم ما عرف من المصائب التي أصابت المكاتب على ما ذكر بيروز المؤرخ الكلداني من أهل القرن الثالث قبل المسيح (عليه السلام) واسكندر بوليستور الكاتب العالم اليوناني من أهل القرن الأول قبل الميلاد أن ملك بابل بختنصر الذي أرخ به منذ سنة 747 ق. م قد أمر بإحراق جميع تواريخ أسلافه ليسدل بذلك حجاباً كثيفاً على الماضي ويكون عهده مبدأ يجرون على التاريخ به في جميع العالم. وأحرق الإمبراطور شي هونغ تي الصيني سنة 213 ق. م جميع الكتب التي في مملكته ولم يستثن منها إلا المصنفات التي فيها تاريخ أسرته وعلم النجوم والطب وذلك بغضاً منه للمتعلمين والمتأدبين.

قال المؤلف: وأعظم ما أصاب الكتب نمن البلايا في التمزيق والتحريق الفتن الدينية وذلك لأن الكتاب خير ناطق عن الإنسان. له من الصفات ما يخوله المثول في كل مكان ومن القوة والجرأة ما لا نظير له فاقتضت الحال أن يبدأ بإسكاته قبل كل لسان أي أن يحرق لأنه الناطق الذي لا يسأم كما يسأم المخالفون والمناهضون. فقد أحرق الرومان كتب الإسرائيليين والمسيحيين والفلاسفة وأحرق الإسرائيليون كتب المسيحيين والوثنيين وأحرق المسيحيون كتب الوثنيين والإسرائيليين وأحرق المسيحييون معظم كتب أوريجين أحد زعماء الكنيسة في القرن الثلاث للمسيح وكتب قدماء الملاحدة وأحرق الاردينال كسيمنيس (وزير إسبانيا والمفتش الديني 1436 ـ 1517) عندما استولى الإسبان على غرناطة خمسة آلاف مصحف وأحرق أهل المذهب البروتستانتي من البروتانيين في إنكلترا على أوائل عهد الإصلاح ما لا يحصى من الأديار والآثار القديمة وأحرق كرمفل مكتبة أوكسفورد وكانت من أعجب خزائن الكتب في أوروبا.

ثم عاد المؤلف إلى الكلام على نمكتبة الإسكندرية ثانية وبرأ المسلمين من إحراقها فقال: تكلمنا على مكتبة الإسكندرية التي شاع بأنها أحرقت بأمر الخليفة عمر عند استيلائه على الإسكندرية سنة 640 وقلنا أن هذه المكتبة لم يكن لها وجود في ذاك العهد البتة وأن أحد قسميها حرق قضاء وقدراً سنة 47 قبل المسيح عند هجوم جند يوليوس قيصر وأن القسم الآخر حرق بعد هذا التاريخ بنحو أربعة قرون أي سنة 360 على يد الأسقف أو البطريرك تيوفيل الذي كان يرمي إلى إبادة الوثنية في أبرشيته. ولم يعثر على كلمة واحدة قالها مؤرخوا ذاك الزمن من عهد حريقها إلى قدوم عمرو بن العاص عامل الإمام عمر ما يستدل منه ويحمل على الفرض بأنه أنشئت في الإسكندرية مكتبة ولا ينبغي أن يعجب من ذلك إذ من أسبابه أن الآداب والفلسفة الوثنية كانت في تلك الحقبة من الدهر قد حكم عليها بالتبديد في كل مكان حتى أن جوستيناينوس أمر بإغلاق مدارس آثينة.

ومعلوم أن ما ينسبونه لعمر من الجواب الذي أجاب به عمرو بن العاص وقد سأل عما يعمل بمكتبة الإسكندرية فقال له: انظر فإذا مكان ما فيها من الكتب يوافق ما في كتاب الله فلا فائدة منها وإذا كانت مخالفة له فليس لنا بها حاجة فأحرقها. وعلى الجملة فقد قال من أورد هذه القصة أن عمرو بن العاص وزع هذه المكتبة على حمامات الإسكندرية فاستعانت بها على إحماء حماماتها ستة أشهر مع أن الورق دع عنك الرق إذا صلح لإشعال النار فلا يصلح لأن تدون به طويلاً.

ثم استشهد بقول جان جاك روسو في خطابه في العلوم والفنون: ولو كان غريغوريوس الكبير مكان عمر والإنجيل محل القرآن لكانت مكتبة الإسكندرية بدأت أيضاً على أن البابا غريغوريوس المشار غليه (540 ـ 604) متهم بإحراق كتب القدماء ظلماً كما اتهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وكلن التاريخ لا يظلم أحداً.

وقال في كلامه على ما يكتب عليه الكتاب أن الرق هو من اختراع فرغامس (برغامة) في آسيا الصغرى والمطنون أنه عرف قبل خمسة عشر قرناً أما الورق فالأرجح أن الصينيين هم الذين اخترعوه وأن العرب نقلوه إلى أوروبا كما قال الدكتور غستاف لبون في كتابه حضارة العرب: إن الكتاب المخطوط العربي الذي عثر عليه القصيري (الطرابلسي) في مكتبة الإسكرويال مكتوب على ورق من القطن ويرد تاريخه إلى سنة 1009 هو أقدم مما عرف من المخطوطات المحفوظة في مكاتب أوروبا تدل على أن العرب كانوا أول من استعاضوا عن الرق بالورق وذلك أن الصينيين كانوا يصنعون الورق من الحرير منذ أزمان بعيدة فدخلت صناعته إلى سمرقند منذ أوائل الصدر الأول للهجرة حتى إذا جاءت العرب تلك المدينة فاتحة رأت فيها معملاً للورق ولكن هذا الاختراع الثمين يصعب الانتفاع به في أوروبا لأن الحرير كان غير معروف فيها اللهم إلا إذا استعيض عن الحرير بمادة أخرى. وقد ظهر من البحث في مخطوطات العرب القديمة أنهم وصلوا في الحلال من صنع الورق إلى درجة من الكمال لم يتجاوزوها ويظهر أنه من الثابت أيضاُ أن صنع الورق من الخرق هو من اختراع العرب على ما في صنعه من التعب وما يحتاج إليه من المهارة وذلك لأن ورق الخرق عرف عند العرب قبل أن يعرفه المسيحيون بأزمان أهـ.

وبعد فهذا ما ساعد المقام عليه من الاقتباس من فوائد الكتاب وكنا نود لو عربنا أكثر ما عربنا مما يفيدنا في اجتماعنا وتاريخنا ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله وهذا القدر الذي أوردناه كاف في الدلالة على فضل مؤلفه.

والكتاب يطلب من مكتبة أرنست فلاماريون في باريز وثمنه كله اثنان وعشرون فرنكاً ونصف ملا عدا أجرة البريد فنحول أنظار من يعرفون الإفرنسية إلى اقتنائه.