مجلة المقتبس/العدد 29/رسالة عبد الحميد الكاتب في نصيحة ولي العهد
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 29 رسالة عبد الحميد الكاتب في نصيحة ولي العهد [[مؤلف:|]] |
الحماسة البصرية ← |
بتاريخ: 1 - 6 - 1908 |
قال أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر في كتابه المنثور والمنظوم ومن الرسائل المفردات رسالة عبد الحميد بن يحيى إلى عبد الله بن مروان حين وجه لمحاربة الضحاك الخارجي في تعبية الحروب فإنه يقال أنها لا مثل لها في معناها:
أما بعد فإن أمير المؤمنين عندما اعتزم عليه من توجيهك إلى عدو الله الجلف الجافي الأعرابي المتسكع في حيرة الجهالة وظلم الفتنة ومهاوي الهلكة ورعاعه الذين عاثوا في الأرض فساداً وانتهكوا حرمه لاستخفافاًُ وبدلوا نعم الله كفراً واستحلوا دماء أهل سلمه جهلاً أحب أن يعهد إليك في لطائف أمورك وعوام شؤونك ودخائل أحوالك ومضطر تنقلك عهداً يحملك فيه أدبه ويشرع لك عظته وإن كنت والحمد لله في دين الله وخلافته بحيث اصطنعك الله لولاية العهد مخصصاً لك بذلك دون لحمتك وبني أبيك.
ولولا ما أمر الله به دالاً عليه بتقدمة المعرفة لمن كانوا أولي سابقة في (الدين) وخصيصي في العلم لاعتمد أمير المؤمنين منك على اصطناع الله إياك بما يراك أهله في محلك من أمير المؤمنين وسبقك إلى رغائب أخلاقه وانتزاعك محمود شيمه واستيلائك على تشابه تدبيره.
ولو كان المؤدبون أخذوا العلم من عند أنفسهم ولقنوه إلهاماً من تلقائهم ولم يتعلموا شيئاً من عند غيرهم لنحلناهم علم الغيب ووضعناهم بمنزلة خالقهم المستأثر بعلم الغيب عنهم بوحدانيته وفردانيته في إلاهيته واحتجاجاً منهم لتعقب في حكمخ وتثبت في سلطانه وتنفيذ إرادته على سابق مشيئته ولكن العالم الموفق للخير المخصوص بالفضل المحبو بمزية العلم ادركه معاداً عليه بلطيف بحثه وإذالال كنفه وصحة فهمه وهجر سآمته.
وقد تقدم أمير المؤمنين إليك آخذاُ بالحجة عليك مؤدياً حق الله الواجب عليه في إرشادك وقضاء حقك وما ينظر الوالد المعني الشفيق لولده. وأمير المؤمنين يرجو أن ينزهك الله عن كل شيء قبيح يهش له طمع وأن يعصمك عن كل مكروه حاق بأحد وأن يحصنك من كل آفة استولت على أمريء في دين أو خلق وأن يبلغه فيك أحسن ما لم يزل يعوده ويريه من آثار نعمة سامية بك إلى ذروة الشرف ومنجحة لك ببسطة الكرم لائحة بك في أزهر معالي الأدب. والله استخلف عليك وأسأله حياطتك وأن يعصمك من زيغ الهوى ويحضرك دواعي التوفيق معاناً على الإرشاد فيه فإنه لا يعين على الخير ولا يوفق له إلا هو.
اعلم أن للحكمة مسالك تقضي مضايق أوائلها بمن أمها سالكاً وركب خيارها قاصداً إلى سعة عاقبتها وأمن سرحها وشرف عزها وأنعها لا تعاف بسخف الخفة ولا تنسى بتقريظ الغفلة ولا يتعدى فيها بأمن حد وقد تلقتك أخلاق الحكمة من كل جهة بفضلها من غير تعب البحث في إدراكها ولا متطاول المنال لذراتها بل تأثلت منها أكرم معانيها واستخلصت منها أعتق جواهرها ثم شمرت إلى لباب مصاصها وأحرزت منفس ذخائرها فأقعدها ما أحرزت ونافس فيما أصبت.
واعلم أن احتوائك على ذلك وسبقك إليه بإخلاص تقوى الله في جميع أمورك مؤثراً لها واصطبارك على طاعته وإعظام ما أنعم به عليك شاكراً لها مرتبطاً للمزيد بحسن الحياطة له والذب عنه أن تدخلك منه سآمة ملال أو غفلة أو ضياع أو سنة تهاون أو جهالة معرفة فإذ ذلك أحق ما بديء به ونظر فيه معتمداً عليه من القوة والآلة والانفراد من الصحاب والحلمة فتمسك به لاجئاً إليه واعتمد عليه مؤثراً له والتجيء إلى كنهه متحرزاً به أنه أبلغ ما طلب به رضا الله وأنجحه مسألة وأجزله ثواباً وأعوده سعياً وأعمه صلاحاً وأرشدك الله لحظك وفهمك وسداده وأخذ بقلبك على محموده.
ثم اجعل لله في كل صباح ينعم عليك ببلوغه ويظهر منك السلامة في إشراقة من نفسك نصيباً تجعله لله شكراً على إبلاغه إياك يومك ذلك بصحة وعافية بدن وسبوغ نعمٍ وظهور كرامة وأن تقرأ من كتاب الله عز وجل جزءاً تردد رأيك في أدبه وتزين لفظك بقراءته ويحضره عقلك ناظراً في محكمه وتفهمه متفكراً في متشابهه فإن فيه شفاء القلوب من أمراضها وجلاء وساوس الشيطان وسفاسفه وضياء معالم النور تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. ثم تعهد نفسك لمجاهدة هواك فإنه مغلاق الحسنات ومفتاح السيئات.
واعلم أن كل أعدائك لك عدو يحاول هلكتك ويعترض غفلتك لأنها خدع إبليس وحبائل مكره ومصائد مكيدته فاحذرها مجانباً وتوقها محترساً منها واستعذ بالله من شرها وجاهدها إذا تناصرت عليك بعزم صادق لا ونية فيه وحزم نافذ لا مثنوية لرأيك بعد إصداره عليك وصدق غالب لا مطمع في تكذيبه ومضاءة صارمة لا أناة معها ونية صحيحة لا خلجة شك فيها فإن ذلك ظهري صدق لك على ردها وقطعها دون ما تتطلع إليه منك وهي واقية لك سخطة ربك داعية لك رضا العامة ساترة عليك عيب من دونك فازدن به ملتحفاً وأصب بأخلاقك مواضعها الحميدة منها وتوق عليها التي تقطعك عن بلوغها وتقصر بك عن ساميها فحاول بلوغ غايته محرزاً لها بسبق الطلب إلى إصابة الموضع محصناً لأعمالك من العجب فإنه رأس الهوى وأول الغواية ومقاد الهلكة حارساً أخلاقك من الآفات المتصلة بمساويء العادات وذميم إيثارها من حيث أتت الغفلة وانتشر الضياع ودخل الوهن فتوق الآفات على عقلك فإن شواهد الحق ستظهر بإماراتها تصديق رأيك عند ذوي النهى وحال الرأي وفحص النظر. فاجتلب لنفسك محمود الذكر وباقي لسان الصدق بالحذر لما تقدم إليك فيه أمير المؤمنين متحرزاً من دخول الآفات عليك من حيث أمنك وقلة ثقتك بمحكمها.
ومنها أن تملك أمورك بالقصد وتصون سرك بالكتمان وتداري جندك بالإنصاف وتذلل نفسك للعدل وتحصن عيوبك بتقويم أودك. وأناتك فوقها الملال وفوت العمل ومصابك فدرعها رؤية النظر واكتنفها بأناة الحلم وخلواتك فاحرسها من الغفلة واعتماد الراحة وصمتك فأنف عنه عيّ اللفظ وخف عليه سوء القالة واستماعك فأرعه حسن التفهم وقوه بإشهاد الفكر وعطاءك فانهد له بيوتات الشرف وذوي الحسب وتحرز فيه من السرف وحياءك فامنعه من الخجل وحلمك فزعه عن التهاون وأحضر قوة الشكيمة وعقوبتك فقصر بها عن الإفراط وتعمد بها أهل الاستحقاق. وعفوك فلا تدخله تعطيل الحقوق وخذ به واجب المفترض وأقم به أود الدين. واستئناسك فامنع منه الذاءة وسوء المنافثة وتعهدك أمورك فخذه أوقاتاً وقدّره ساعات لا يستفرغ قوتك ويستدعي سآمتك. وعزمتك فأنف عنها عجلة الرأي ولجاجة الإقدام. وفرحاتك فاشكمها عن البطر وقيدها عن الزهو وروعاتك فحطها من دهش الرأي واستسلام الخضوع وحذارتك (فاصرفها) عن الجبن واعمد بها لمحزم ورجاءك فقيده بخوف الفائت وامنعه من أمن الطلب.
هذه جوامع دخائل النقص منها واصل إلى العقل بلطائف الله وتصاريف حوله فأحكمها عارفاً وتقدم في الحفظ لها معتزماً على الأخذ بمراشدها والانتهاء منها إلى حيث بلغت بك عظة أمير المؤمنين وأدبه إن شاء الله.
ثم ليكن بطانتك وجلساؤك في خلواتك ودخلاؤك في سرك أهل الفقه والورع من أهل بيتك وعامة قوادك ممن قد حنكته السن بتصاريف الأمور وخبطته فاصلها بين قرائن البزل وقلبته الأمور في فنونها وركب أطوارها عارفاً بمحاسن الأمور ومواضع الرأي مأمون النصيحة مطوي الضمير على الطاعة.
ثم أحضر من نفسك وقاراً تستدعي منهم بك الهيبة واستئناساً يعطف إليك منهم بالمودة وإنصافاً يغل أقاصيهم عما تكره أن ينتشر عنك من سخافة الرأي ويقطعك دون الفكر.
وتعلم إن خلوت بسر فألقيت دونه ستورك وأغلقت عليه أبوابك فذلك لا محالة مكشوف للعامة ظاهر عنك وإن استترت بما ولعل وما أرى إذاعة ذلك. فاعلم بما يرون من حالات من ينقطع به من تلك المواطن فتقدم في أحكام ذلك من نفسك وسد خلله عنك فإنه ليس حد أسرع غليه سوء القالة ولغط العامة بخير أو شر ممن كان في مثل حالك ومكانك الذي أصبحت فيه من دين الله والأمل المرجو المنتظر. وإياك أن يغمز فيك أحد من عامتك وبطانة خدمك بضعفة يجد بها مساغاً إلى النطق عندك بما لا يعتزلك عيبه ولا تخلو من لائمته ولا تأمن سوء القالة فيه إن نجم ظاهراً وعلن بادياً ولن يجترؤا على تلك عندك إلا أن يروا منك إصغاء إليها وقبولاً لها وترخيصاً بها.
ثم إياك أن يفاض عندك بشيء من الفكاهات والحكايات والمزاح والمضاحك التي يستخف بها أهل البطالة ويتسرع نحوها ذوو الجهالة ويجد فيها أهل الحسد مقالاً لعيب يرفعونه ولطعن في حق يجحدونه مع ما في ذلك من نقس الرأي ودرن العرض وهدم الشرف وتأثيل الغفلة وقوة طباع السوء الكامنة في بني آدم كمون النار في الحجر الصلد فإذا قدح لاح شرره ولهب في وميضه ووقد تضرمه. وليست في أحد أقوى سطوة وأظهر توقداً أو أعلى كموناً وأسرع إليه بالعيب منها إلى من كان في سنك من إغفال الرجال وذوي العنفوان في الحداثة الذين لم يقع عليهم سمات الأمور ناطقاً عليهم لائحها ظاهراً عليهم وسمها ولم تمحضهم شهامتها مظهرة للعامة فضلهم مذيعة حسن الذكر عنهم ولم يبلغ بهم الصمت في الحركة مستمعات يدفعون به عن أنفسهم نواطق السن أهل البغي ومواد إبصار أهل الحسد.
ثم تعهد من نفسك لطيف عيب لازم لكثير من أهل السلطان والقدرة من أقطار الذرع ونخوة التيه فإنها تسرع بهم إلى فساد رأيهم وتهجين عقولهم في مواطن جمة منها قلة اقتدارهم على ضبط أنفسهم في مواكبهم ومسايرتهم العامة. فمن مقلقل شخصه يكثر الالتفات تزدهيه الخفة ويبطره إجلاب الرجال حوله ومن مقبل في موكبه على مداعبة مسايره بالمصاحبة له والتضاحك إليه والإيجاف في السير مهمرجاً وتحريك الجوارح مستسرعاً يخال له أن ذلك أسرع له وأخف لمطيته فلتحسن في ذلك هيئتك ولتجمل فيه رعيتك وليقل على مسائلك إقبالك إلا وأنت مطرق للنظر غير ملتفت إلى محدث ولا مقبل عليه بوجهك في موكبك لمحادثته ولا مخف في السير تقلقل جوراحك بالتحريك. فإن حسن مسايرة الوالي وابتداعه في تلك من حالة دليل على كثير من غيوب أمره ومستتر أحواله.
واعلم أن أقواماً سيسرعون إليك بالسعاية ويأتونك من قبل النصيحة ويستميلونك بإظهار الشفقة ويستدعونك بالإغراء والشبهة ويوطئونك عشوة الحيرة ليجعلوك لهم ذرعة إلى استئكال العامة بموضعهم منك في القبول منهم والتصديق لهم على من قرفوه بتهمة أو أسرعوا بك في أمره إلى الظنة فلا يصلن إلى مشافهتك ساع بشبهة ولا معروف بتهمة ولا منسوب إلى بدعة فيعرضك لابتداع في دينك ويحملك على رعيتك ما لا حقيقة فيه ويحملك على إعراض قوم لا علم لك يدخلهم إلا بما قدم به عليهم ساعياً وأظهر لك منهم متنصحاً.
ليكن صاحبك شرطك ومن أحببت أن يتولى ذلك من قوادك إليه انتهاء ذلك وهو المنصوب لأولئك والمستمع لأقاويلهم والفاحص عن نصائحهم ثم لينه ذلك إليك على ما يرتفع إليه من تأمره بأمرك فيه وتقفه على رأيك من غير أن يظهر ذلك للعامة فإن كان صواباً () حظوته وإن كان خطأ أقدم به جاهل أو فرطة يسعى بها كاذب فنالت الباغي منها أو المظلوم عقوبة وبدر من واليك إليه نكال لم يعصب ذلك الخطأ بك ولم تنسب إلى تقريضه وخلوت من موضع الذم فيه.
فافهم ذلك وتقدم إلى من تولى فلا يقدم على شيء ناظراً فيه ولا يحال أخذ أحد طارقاً له ولا يعاقب أحداً منكلاً به ولا يخل سبيلاً أحد صافحاً عنه لإظهار براءته وصحة طريقته حتى يرفع إليك أمره وينهي إليك قضيته على جهة الصدق ومنحى الحق.
فإن رأيت عليه سبيلاً لمحبس أو مجازاً لعقوبة أمرته ذلك من غير إدخال له عليك ولا مشافهة منك له فكان المتولي لذلك ولم يجر على يدك مكروه ولا غلظ عقوبة وإن وجدت إلى العفو عنه سبيلاً وكان مما قرف به خلياً كنت أنت المتولي للإنعام عليه بتخلية سبيله والصفح عنه بإطلاق أسره فتوليت أجر ذلك وذخره ونطق لسانه بشكرك فقرنت خصلتين ثواب الله في الآخرة ومحمود ذكره في العاجلة.
ثم إياك وأن يصل إليك أحد منن جندك وجلسائك وخاصتك وبطانتك بمسألة يكشفها لك أو حاجة يبدهك بطلبها حتى يرفعها قبل إلى كاتبك الذي أهدفته لذلك ونصبته له فيعرضها عليك منهياً لها على جهة صدقها ويكون على معرفة من قدرها فإن أردت إسعافه ونجاح ما سئل منها أذنت له في طلبها باسطاً له كنفك مقبلاً عليه بوجهك مع ظهور سرور منك بما سألك بفسحة رأي وبسطة ذرع وطيب نفس. وإن كرهت قضاء حاجته وأجبت رده عن طلبته وثقل عليك إسعافه أمرت كاتبك فصفحه عنها ومنعه من مواجهتك بها فخفت عليك في ذلك المؤونة وحسن لك الذكر وحمل على كاتبك لائمة أنت منها بريء الساحة.
وكذلك فليكن رأيك وأمرك فيمن طرأ عليك من الوفود وأتاك من الرسل فلا يصلن إليك أحد منهم إلا بعد وصول علمه إليك وعلم ما قدم له عليك وجهة ما هو مكلمك وقدر ما هو سائلك إياه إذا هو وصل إليك فأصدرت رأيك في جوابه وأجلت فكرك في أمره وأنفذت مصدر رويتك في مرجوع مسألته قبل ما دخوله عليك وعلمه بوصول حاله إليك فرفعت عنه مؤونة البديهة وأرخيت على نفسك خناق الروية فأقدمه على رد جوابه بعد النظر والفكرة فإن دخل عليك أحد منهم فكلمك بخلاف ما أنهى إلى كاتبك وطوى عنه حاجته قبلك دفعته عنك دفعاً جميلاً ومنعته جوابك منعاً ودفعاً ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له والغلظة ومنعه من الوصول إليك فإن ضبطك ذلك مما يحكم لك تلك الأشياء صارفاً عنك مؤونتها إن شاء الله.
احذر تضييع رأيك وإهمال أدبك في مسالك الرضا والغضب واعتوارهما وإياك فلا يزدهينك إفراط عجب تستخفك روائعه ويستهويك منظره ولا يبدرن منك ذلك خطأ ونزق خفة لمكروه وإن حل بك أو حادث وإن طرأ عليك. وليكن لك من نفسك ظهري ملجأ تتحرز به من آفات الردى وتستعهده في مهم نازل وتتعقب به أمورك في التدبير فإن احتجت إلى مادة من عقلك وروية من فكرك أو انبساط من منطقك كان انحيازك إلى ظهريك مزداداً مما أحببت الامتيار منه وإن استدبرت من أمورك بوادر لمهل أو مضي زلل أو معاندة حق أو خطأ تدبير كان ما احتجنت من رأيك عذراً لك عند نفسك وظهري قوة على رد ما كرهت وتخفيفاً لمؤونة الباغين عليك في القالة وانتشار الذكر وحصناً من غلوب الآفات على أخلاقك إن شاء الله.
وامنع أهل بطانتك وخاص خدمك وعامة رعيتك من استلحام أعراض الناس عندك بالغيبة والتقرب إليك بالسعاية والإغراء من بعض ببعض والنميمة إليك بشيء من أحوالهم المستترة عنك أو التحميل لك على أحد منهم بوجه النصيحة ومذهب الشفقة. فإنه ابلغ سمواً إلى منال الشرف وأعون لك على محمود الذكر وأطلق لعنان الفضل في جزالة الرأي وشرف الهمة وقوة التدبير.
واملك نفسك عن الانبساط في الضحك والانقهاق وعن القطوب بإظهار الغضب وتنحله فإن ذلك ضعف في سورة الجهل وخروج من انتحال اسم الفضل.
وليكن ضحكك تبسماً أو كبراً في أحايين ذلك وأوقاته وعند كل مرأى ملهي ومستخف مطرب وقطوبك إطراقاً في موضع ذلك وأحواله بلا عجلة إلى السطوة ولا إسراع إلى الطيرة دون أن يكنفها روية الحلم وتملك عليها بادرة الجهل.
إذا كنت في مجلس ملاك وحضور العامة مجلسك فإياك والرمي ببصرك إلى خاص من قوادك أو ذي أثرة من حشمك. وليكن نظرك مقسوماً في الجميع وإعارتك سمعك ذا الحديث بدعة هادئة ووقار حسن وحضور فهم مستجمع وقلة تضجر بالمحدث ثم لا يبرح وجهك إلى بعض قوادك وحرسك متوجهاًَ بنظر ركين وتفقد محض فإن وجه أحد منهم نظره محدثاً أو رماك ببصرك ملحاً فاخفض عنه إطراقاً جميلاً بإبداع وسكون. وإياك والتسرع في الإطراق والخفة في تصاريف النظر والإلحاح على من قصد إليك في مخاطبته إياك رامقاً بنظره.
واعلم أن تصفحك وجوه قوادك من قوة التدبير وشهامة القلب فتفقد ذلك عارفاً بمن حضرك وغاب عنك عالماً بمواضعهم في مجلسك ثم أعد بهم عن ذلك سائلاًُ عن أشغالهم التي منعتهم من حضورك وعاقتهم بالتخلف عنك إن شاء الله.
إن كان أحد أعوانك وحشمك تثق منه بغيب ضميره وتعرف منه لين طاعة وتشرف منه على صحة رأي وتأمنه على مشورتك فإياك والإقبال عليه في حادث يرد أو التوجه نحوه بنظرك عند طوارق ذلك أو أن تريه أو أحداً من مجلسك أن بك إليه حاجة موحشة وإن ليس بك عنه غنى في التدبير أو أنك لا تقضي دونه رأياً إشراكاً له في رويتك وإدخالاً له في مشورتك واضطراراً إلى رأيه فإن ذلك من دخائل العيوب المنتشر بها سوء القالة عن نظرائك وأنفها عن نفسك خائفاً لإغفالها ذكرك واحجبها عن رؤيتك قاطعاً أطماع أولئك عن مثلها عندك أو غلبتهم عليك منك.
واعلم أن للمشورة موضع الخلل وانفراد النظر فابغها محرزاً لها ورمها طالباً لبيانها وإياك والقصور عن غايتها والإفرط في طلبها.
احذر الاعتزام بكثرة السؤال عن حديث إما أعجبك أو أمر إما ازدهاك والقطع لحديث من أرادك بحديثه حتى تنقضه عليه بالأخذ في غيره أو المسألة عما ليس منه فإن ذلك عند العامة منسوب إلى سوء الفهم وقصر الأدب عن تناول محاسن الأمور والمعرفة لمساوئها وأنصت لمحدثك وأرعه سمعك حتى يعلم أنك قد فهمت عهنه وأحطت معرفة بقوله فإن أردت إجابته فعن معرفة حالة وبعد علم بطلبته وإلا كنت عند انقضاء كلامه كالمتعلل من حديثه بالتبسم والإغضاء فأجرى عنك الجواب وقطع عنك ألسن العتب.
إياك وأن يظهر منك تبرم بمجلسك وتضجر بمن حضرك وعليك بالتثبت عند سورة الغضب وحمية الأنف وملال الصبر في الأمر تستعجل به العمل تأمر بإنفاذه فإن ذلك سخف سائر وخفة مريدي وجهالة بادية. وعليك بثبوت المنطق ووقار المجلس وسكون الريح والرفض لحشو الكلام وترديد فضوله والاعتزام بالزيادات في منطقك والترديد للفظك من نحو اسمع أو اعجل أو ألا ترى أو ما يلهج به من هذه الفصول المقصرة بأهل العقل المنسوبة إليهم بالعي المردية لهم في الذكر. وخصال من معايب الملوك والسوقة عيبها. عن النظر إلا من عرفها من أهل الأدب وقلما حامل لها مضطلع بثقلها أخذ لنفسه بجوامعها فأنفها عن نفسك بالتحفظ منها واملك عنها اعتقادك معنياً بها كثرة التنخم والتبزق والتنحنح والتثاؤب والجشاء والتمطي وتنقيض الأصابع وتحريكها والعبث باللحية والشارب والمخصرة وذؤابة السيف والإيماض بالنظر والإشارة بالطرف إلى أحد من خدمك بأمر إن أردته والسرار في مجلسك والاستعجال في طعمك وشربك.
ليكن مطعمك مبتدعاً وشربك أنفاساً وجرعك مصاً وإياك والتسرع في الأيمان فيما صغر أو كبر من الأمور أو الشتيمة باين الهيبة أو العمرية لأحد من خدمك وخاصتك بتسويغهم مقارفة الفسوق بمحضرك أو في دارك وبنائك فإن ذلك مما يقبح ذكره ويسوء موقع القول فيه ويحمل عليك معايبه وينالك شينه وينشر عنك سوء نبأه فاعرف ذلك متوقياً له واحذر مجانباً لسوء عاقبته.
استكثر من فوائد الخير فإنها تنشر المحمدة وتقيل العثرة واصطبر على الغيظ فإنه يورث العز ويؤمن الساحة. وتعهد العامة بمعرفة دخلهم وبنظر أحوالهم واستثارة دفائتهم حتى يكون على مرأى العين ويقين الخبرة فتنعش عديمهم وتجبر كسيرهم وتقيم أودهم وتعلم جاهلهم وتستصلح فاسدهم فإن ذلك من فعلك يورثك العزة ويقدمك في الفضل ويبقى لك لسان صدق في العامة ويحرز لك ثواب الآخرة ويرد عليك عواطفهم المستنفرة وقلوبهم المستجنة عنك. (وميز) بين منازل أهل الفل في الدين والحجى والرأي والعقل والتدبير والصيت في العامة وبين منازل أهل النقص في طبقات الفضل وأحواله والجمود عنه تناها (؟) بأهل الحسب والنظر نصيحة لهم تنال مودة الجميع وتستجمع لك أقاويل العامة على التفضيل وتبلغ درج الشرف في الأحوال المتصرفة بك فاعتمد عليهم مستدخلاً لهم وآثرهم بمجالستك مستمعاً منهم وإياك وتضييعهم مفرطاً لهم وإهمالهم مضيعاً.
هذه جوامع من خصال قد لخصها لك أمير المؤمنين وجمع شواهدها مؤلفاً وأهداها لك مراشد تقف عند أوامرها وتنتهي عند زواجرها وتثبت في مجامعها وخذ بوثائق عراها تسلم من معاطب الردى وتنل أنفس الحظوظ ومزية الشرف وأعلى درج الذكر وأنه يسأل لك أمير المؤمنين حسن الرشاد وتتابع المزيد وبلوغ الأمل وأن يجعل عاقبة ذلك بك إلى غبطة يسوغك إياها وعافية يحلك أكنافها ونعمة يلهمك شكرها فإنه الموفق للخير والمعين على الإرشاد وبه تمام الصالحات وهو مؤتي الحسنات عنده مفاتيح الخير وبيده الملك وهو على كل شيء قدير.
فإذا قضيت نحو عدوك واعتزمت على لقائهم وأخذت أهبة قتالهم فاجعل دعامتك التي تلجأ إليها وثقتك التي تأمل النجاة بها وركنك الذي ترتجي به منال الظفر وتكتهف به لمغالق الحذر تقوي الله عز وجل مستشعراً له بمراقبته والاعتصام بطاعته متبعاً لأمره والاجتناب لمساخطه محتذياً سنته والتوقي لمعاصيه في تعطيل حدوده وتعدي شرائعه متوكلاً عليه فيما صمدت له واثقاً بنصره فيما وجهت نحوه متبرئاً من الحول والقول فيما نالك من ظفر وتلقاك من عز راغباً فيما أهاب بك أمير المؤمنين إليه من فضل الجهاد ورمى بك إليه من محمود الصبر عند الله عز وجل من قتال عدو الله للمسلمين أكلبهم عليهم وأظهرهم عداوة لهم وأفدحهم ثقلاً لعامتهم وأخذة بربقهم وأعلاه عليهم بغياً وأظهره فيهم فسقاً وجوراً على فيئهم الذي أصاره الله لهم مؤونة.
ثم خذ من معك من جندك بكف معرتهم ورد مستعلي جورهم وإحكام خللهم وضم منتشر قواصيهم ولم شعث أطرافهم وخذهم بمن مروا به من أهل ذمتك وملتك بحسن السيرة (وعفة) الطعمة ودعة الوقار وهدي الدعة وجمام (النفس) محكماً ذلك منهم متفقداً الهم فيه تفقدك إياه من نفسك.
ثم اصمد بعدوك المتسمي بالإسلام خارجاً من جماعة أهله المنتحل ولاية الدين مستحلاً لدماء أوليائه طاعناً عليهم راغباً عن سنتهم مفارقاً لشرائعهم يبغيهم الغوائل وينصب لهم المكايد أضرم حقداً عليهم وارصد عداوة لهم من الترك وأمم الشرك وطواغي الملل يدعو إلى المعصية والفرقة والمروق من الدين إلى الفتنة مخترعاً بهواه إلى الأديان المنتحلة والبدع المتفرقة خساراً وتخسيراً وضلالاً وإضلالاً بغير هدى من الله ولا بيان ساء ما كسبت يداه وما الله بظلام للعبيد وبئس ما سولت له نفسه الأمارة بالسوء والله من ورائه بالمرصاد وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
حض جندك واشكم نفسك في مجاهدة أعداء الله وارج نصره وتنجز موعده متقدماً في طلب ثوابه على جهادهم معتزماً في ابتغاء الوسيلة إليه على لقائهم فإن طاعتك إياه فيهم ومراقبتك له ورجاءك لنصره مسهل لك وعوده وعاصمك من كل سيئة ومنجيك من كل هوة وناعشك من كل صرعة ومقيك من كل كبوة وداريء عنك كل شبهة ومذهب عنك لطخة كل شك ومقويك بكل أيد ومكيدة ومؤيدك في كل مجمع لقاء وحافظك من كل شبهة مردية والله وليك وولي أمير المؤمنين فيك.
اعلم أن الظفر ظفران أحدهما أعم منفعة وأبلغ من حسن الذكر قالة وأحوطه سلامة وأتمه عافية وأعوده عاقبة وأحسن في الأمور مورداً وأصحه في الرواية حزماً وأسهله عند العامة مصدراً ما نيل بسلامة الجنود وحسن الحيلة ولطف المكيدة ويمن النقية بغير إخطار الجيوش في وقدة جمرة الحرب ومنازلة الفرسان في معترك الموت وإن ساعدك (الحظ) ونالك مزية السعادة في الشرف ففي مخاطرة التلف ومكروه المصائب وعضاض السيوف وألم الجراح وقصاص الحروب وسجالها بمعاورة أبطالها على أنك لا تدري لأي الفريقين الظفر في البديهة من المغلوب في الدولة ولعلك أن تكون المطلوب بالتمحيص فحاول أبلغهما في سلامة جندك ورعيتك وأشهرهما. . . في بادء رأيك واجمعهما لألفة وليك وعدوك وأعونهما على صلاح رعيتك وأهل ملتك وأقواهما في حربك وأبعدهما من وصم عزمك وأجزلهما ثواباً عندك. وابدأ بالأعذار والدعاء لهم إلى مراجعة الطاعة وأمر الجماعة وعرى الألفة آخذاً بالحجة عليهم متقدماً بالإنذار لهم باسطاً أمانك لمن لجأ غليه منهم داعياً لهم إليه بألين لطفك وألطف حيلتك متعطفاً عليهم برأفتك مترفقاً بهم في دعائك مشفقاً عليهم في غلبة الغواية لهم وإحاطة الهلكة بهم منفذاً رسلك إليهم بعد الإنذار تعدهم كل رغبة يهش إليها طمعهم في موافقة الحق وبسط كل أمان سألوه لأنفسهم ومن معهم من تبعهم موطناً نفسك فيما تبسط لهم من ذلك على الوفاء بوعدك والصبر على ما أعطيتهم من وثائق عهدك قابلاً توبة نازعهم عن الضلالة ومراجعة مسيئهم إلى الطاعة مرصداً للمنحاز إلى فئة المسلمين وجماعتهم إجابة إلى ما دعوتهم إليه وبصرته من حقك وطاعتك بفضل المنزلة وإكرام المثوى وتشريف الحال ليظهر من أثرك عليه وإحسانك إليه ما يرغب من مثله لصارف عنك المصر على خلافك ومعصيتك ويدعو إلا الاعتلاق بحبل النجاة وما هو أملك به في الاعتصام به عاجلاً أو أنجى لك له من العقاب آجلاً وأحوط على دينه ومهجته بدءاً وعاقبة فإن ذلك يستدعي نصر الله عز وجل به عليهم وتعتصم به في تقدمة الحجة إليهم معذراً ومنذراً إن شاء الله.
ثم اذك عيونك إلى عدوك متطلعاً لعلم أحوالهم التي ينتقلون فيها ومنازلهم التي هم بها ومطامعهم التي مدوا بها أعناقهم نحوها. وأي الأمور أدعى لهم إلى الصلح وأقودها لرضاهم إلى العافية ومن أي الوجوه ما أتاهم من قبل الشدة والمنافرة والمكيدة والمباعدة والإرهاب والإبعاد والترغيب والإطماع مستناً في أمرك متخيراً في رويتك متمكناً من رأيك مستشيراً لذوي النصيحة الذين قد حنكتهم التجربة ونجذتهم الحروب متسرباً في حربك آخذاً بالحزم في سوء الظن معداً للحذر محترساً من الغرة كأنك منزل كله ومنازلك جمع واقف لعدوك رأي عين تنظر حملاتهم وتخوف غاراتهم معداً أقوى مكيدتك وأجد تشميرك وأرهب عتادك معظماً لأمر عدوك لأكثرهما. . . بفرط تبعة له (؟) من الاحتراس عظيماً من المكيدة قوياً من غير أن يفثأك عن إحكام أمورك وتدبير رأيك وإصدار رويتك والتأهب لحربك مصغ له بعد استشعار الحذر واطمئنان الحزم وإعمال الروية وإعداد الأهبة فإن لقيت عدوك كليل الحد ونم النجوم نضيض الوفر (؟) لم يضررك ما أعددت له من قوة وأخذت به من حزم ولم يزدك ذلك إلا جرأة عليه وتسرعاً على لقائه وإن ألفيته متوقد الجمر مستكشف التبع قوي الجمع مستعلي سورة الجهل معه من أعوان الفتنة وتبع إبليس من يوقد لهب الفتنة مسعراً ويتقدم إلى لقاء أبطالها متسرعاً كنت لأخذك بالحزم واستعدادك بالقوة غير مهين الجند ولا مفرط في الرأي ولا متلهف على إضاعة تدبير ولا محتاج إلى الإعداد وعجلة التأهب مبادرة تدهشك وخوفاً يقلقك ومتى تعزم على ترقيق التوقير وتأخذ بالهوينا في أمر عدوك لتصغر المصغرين ينتشر عليك رأيك ويكون فيه انتقاض أمرك ووهن تدبيرك وإهمال الحزم في جندك وتضييع له وهو ممكن الإصحار رحب المطلب قوي العصمة فسيح المضطرب مع ما يدخل رعيتك من الاغترار والغفلة عن إحكام أسرارهم وضبط مراكزهم لما يرون من استنامتك إلى الغرة وركونك إلى الأمن وتهاونك بالتدبير فيعود ذلك عليك في انتشار الأطراف وضياع الأحكام ودخول الوهن بما لا يستقال محذوره ولا يدفع مخوفه.
احفظ من عيونك وجواسيسك ما يأتونك به من أخبار عدوك وإياك ومعاقبة أحد منهم على خبر إن أتاك به اتهمته فيه أو سؤت ظناً عليه وأتاك غيره بخلافه وأن تكذبه فيه وترده عليه أن يكوم من محضك النصيحة وصدقك الخبر وكذبك الأول أو خرج جاسوسك الأول متقدماً قبل وصول هذا من عند عدوك. ولقد أبرموا أمراً وحاولوا لك مكيدة وازدادوا منك غرة وإن دفعوا إليك في الأمر ثم انتفض بهم رأيهم واختلف عنه جماعتهم فازدادوا رأياً وأحدثوا مكيدة وأظهروا قوة وضربوا موعداً وأموا مسلكاً لعدد أتاهم أو قوة حدثت لهم أو بصيرة في ضلالة شغلتهم فالأحوال منتقلة بهم في الساعات وطوارق الحادثات ولكن ألبسهم جميعاً على الانتصاح وأرجح لهم المطامع فإنك لم تستعيبدهم بمثله. وعدهم جزالة المثاوب في غير ما استنامة منك إلى أمر عدوك والاغترار بما لم يأتوك به دون أن تعمل رويتك في الأخذ بالحزم والاستكثار من العدة واجعلهم أوثق من يقدر عليه إن استطعت ذلك وآمن من تسكن إلى ناحيته ليكون ما يبرم عدوك في كل يوم وليلة عندك إن استطعت فتنقض عليهم بتدبيرك ورأيك ما لم يرموا وتأتيهم من حيث أقدموا وتستعد لهم بمثل ما حذروا.
واعلم أن جواسيسك وعيونك ربما صدقوك وربما غشوك وربما كانوا لك وعليك فنصحوا لك وغشوا عدوك ونصحوا عدوك وكثير مما يصدقونك ويصدقونه فلا يبدرن منك فرطة في عقوبة إلى أحد منهم ولا تعجل بسوء الظن إلى من اتهمته على ذلك وابسط من آمالهم فيك من غير أن تري أحداً منهم أنك أخذت من قوله أخذ العامل به والمتبع له أو عملت على رأيه عمل الصادر عنه أو رددته عليه رد المكذب له والمتهم المستخف بما أتاك منه فتفسد بذلك نصيحته وتستعدي غشه وتجتر عداوته.
احذر أن يعرف جواسيسك في عسكرك أو يشار إليهم بالأصابع وليكن منزلهم على كاتب رسائلك وأمين سرك ويكون هو الموجه لهم والمدخل عليك من أردت مشافهته منهم واعلم أن لعدوك في عسكرك عيوناً راصدة وجواسيس كامنة وأن رأيه في مكيدتك مثل ما تكايده به وسيحتال لك كاحتيالك له ويعد لك كاعتدادك له فاحذر أن يشعر رجل من جواسيسك في عسكرك فيبلغ ذلك عدوك ويعرف موضعه فيعد له المراصد ويحتال له المكايد فإن ظفر لبه وأظهر عقوبته كسر ذلك ثقات عيونك وحوله عن تطلب الأخبار من معادنها واستقصائها من عيونها حتى يصيروا إلى أخذها عن عُرض من غير الثقة ولا معاينة لغطائها (؟) بالأخبار الكاذبة والأحاديث المرجفة.
واحذر ان يعرف بعض عيونك بعضاً فإنك لا تأمن تواطئهم عليك وممالأتهم عدوك واجتماعهم على غشك وكذبك وأن يورط بعضهم بعضاً عند عدوك واحكم أمرهم فإنهم رأس مكيدتك وقوام تدبيرك وعليهم مدار حربك وهو أول ظفرك فاعمل على حسب ذلك وجنب (؟) رجاءك به نيل أملك من عدوك وقوتك على قتالهم وانتهاز فرصته إن شاء الله فإذا أحكمت ذلك وتقدمت فيه واستظهرت بالله وعونه فول شرطتك وأمر عسكرك أوثق قوادك عندك وآمنهم نصيحة وأقدمهم بصثيرة في طاعتك وأقواهم شكيمة في أمرك وأمضاهم صريمة وأصدقهم عفافاً وأجرأهم (جناناً) وأكفاهم أمانة وأصحهم ضميراً وأرضاهم صبراً وأحمدهم خلقاً وأعطفهم على جماعتهم رأفة وأحسنهم لهم نظراً وأشدهم في دين الله وحقه صلابة ثم فوض إليه مقوياً وابسط من أمله مظهراً عنه الرضا حامداً منه الابتلاء.
وليكن عالماً بمراكز الجنود بصيراً بتقديم المنازل مجرباً ذا رأي وتجربة وحزم في المكيدة له نباهة في الذكر وصيت في الولاية معروف البيت مشهور الحسب وتقدم إليه في ضبط معسكرك وإذكاء الحراسة في آناء ليلة ونهاره ثم حذره أن يكون له أذن لجنوده في الانتشار والاضطراب والتقدم للطائفة فيصاب منهم غرة يجترئ بها عدوك ويسرع إقداماً عليك ويكسر من أفئدة جنودك ويوهن من قوتهم فإن إصابة عدوك الرجل الواحد من جندك وعبيدك مطمع لهم منك مقوٍ لهم على شحذ أتباعهم عليك وتصغيرهم أمرك وتوهينهم تدبيرك فحذره ذلك وتقدم إليه فيه ولا يكونن منه إفراط في التضييق عليهم والحصر لهم فيعمهم أزله ويشملهم ضنكه يسوء عليه حالهم وتشتد به المؤونة عليهم وتخبث له ظنونهم. وليكن (موضع) إنزاله إياهم مستديراً ضاماً جامعاً. ولا يكون منتشراً ممتداً فيشق ذلك على أصحاب الأحراس ويكون فيه النهزة للعدو والبعد من المادة إن طرق طارق في فجاآت الليل وبغتاته. وأوعز إليه في أحراسه ومره فليول عليهم رجلاً ركيناً مجرباً جريء الأقدام ذكي الصرامة جلد الجوارح بصيراً بموضع أحراسه غير مصانع ولا مشفع للناس في التنحي إلى الرفاهة والسعة وتقدم العسكر والتأخر عنه فإن ذلك مما يضعف الوالي ويوهنه لاستنامته إلى من ولاه ذلك وأمنه به على جيشه.
واعلم أن موضع الأحراس من موضعك ومكانها من جندك بحيث الغناء عنهم والرد عليهم والحفظ لهم والكلاءة لمن بغتهم طارقاً وأرادهم مخاتلاً ومراصدها المنسل منها الآبق من أرقائهم وأعبدهم وحفظ العيون والجواسيس من عدوهم (؟) واحذر أن يضرب على يديه أو يشكمه على الصرامة لمواصرتك في كل أمر حادث وطارق إلا في الملم لالنازل والحدث العام فإنك إذا فعلت ذلك به دعوته إلى نصحك واستوليت على محض ضميره في طاعتك واجهد نفسيه في تربيتك وإغاثتك وكان ثقتك وزينك وقوتك ودعامتك وتفرغت لمكايدة عدوك مريحاً نفسك من عم ذلك والعناية به ملق عنك مؤونة باهظة وسلفة فادحة إن شاء الله.
ثم اعلم أن القضاء من الله بمكان ليس به شيئاً من الأحكام ولا يمثله أحد من الولاة لما يجري على يديه من مغالظ الأحكام ومجاري الحدود فليكن من توليه القضاء بين أهل العسكر من ذوي الخير والقناعة والعفاف والنزاهة والفهم والوقار والعصمة والورع والبصر بوجوه القضايا ومواقعها قد حنكته السن وأيدته التجربة وأحكمته الأمور ممن لا يتصنع للولاية ويستعد للنهزة ويجتريء على المحاباة في الحكم والمداهنة في القضاء عدل الأمانة عفيف الطعمة حسن الإنصات فهم القلب ورع الضمير متخشع السمت هادي الوقار محتسباً للخير ثم أجر عليه ما يكفيه ويسعه ويصلحه وفرغه لما حملتهوأعنه على ما وليته فإنك قد عرضته لهلكة الدنيا وثواب الآخرة أو شرف العاجلة وحظوة الآجلة إن حسنت نيته وصدقت رويته وصحت سريرته وسلط حكم الله على رعيته منفذاً قضاءه في خلقه عاملاً بسنته في شرائعه آخذاً بحدوده وفرائضه.
واعلم أنه من جندك ومعسكرك بحيث ولايتك وفي الموضع الجارية أحكامه عليهم النافذة أقضيته بينهم فاعرف من توليه ذلك وتسنده إليه إن شاء الله.
ثم تقدم في طلائعك فإنها أول مكيدتك ورأس حربك ودعامة أمرك فانتخب لها من كل قادة وصحابة رجالاً ذوي نجدة وبأس وصرامة وخبرة وحماة كفاة قد صلوا بالحرب وتذاوقوا سجالها وشربوا من مرارة كؤوسها وتجرعوا غصص درتها وزينتهم بتكرارها وحملتهم على أصعب مراكبها ثم اتبعهم على عينك واعرض كراعهم بنفسك وتوخ في انتقالهم مهور الجلد وسجاحة الخلق وجمال الآلة وإياك أن تقبل من دوابهم إلا إناث الخيول مهلوبة فإنها أسرع طلباً وأنجى مهرباً وأبعد في اللحوق غاية وأصبر في معترك الأبطال إقداماً ونجذهم من السلاح بأبدان الدروع ماذية الحديد شاكة السنخ متقاربة الحلق متلاحمة المسامير وأسوق الحديد مموهة الركب محكمة الطبع خفيفة الصوغ وسواعد طبعها هندي وصوغها فارسي رقاق المعطف بأكف واقية وعمل محكم ويلق البيض مذهبة ومجردة فارسية الصوغ خالصة الجوهر سابغة الملبس وافية اللين مستديرة الطبع مبهمة السرد وافية الوزن كتريك النعام في الصنعة معلمة بأصناف الحرير وألوان الصبغ فإنها أهيب لعدوهم وأفت لأعضاد من لقيهم والمعلم مخشي محذور له بديهة وادعة معهم السيوف الهندية وذكور البيض اليمانية رقاق الشفرات مسنونة الشحذ غير كليلة المشحذ مشطبة الضرائب معتدلة الجواهر صافية الصفائح لم يدخلها وهن الطبع ولا عابها أمت الصوغ ولا شانها خفة الوزن ولا فدح حاملها بهور الثقل وقد أشرعو لدن القنا طوال الهوادي زرق الأسنة مستوية الثعالب وميضها متوقد وشحذها متلهب معاقص عقدها منحوتة ووصم أودها مقوم. أجناسها مختلفة، وكعوبها جعدة. وعقدها حنكة شطبة الأسنان محكمة الجلاء مموهة الأطراف مستحدة الجنبات دقاق الأطراف ليس فيها التواء أود. ولا أمت وصم. ولا لها سقط عيب. ولا عنها وقوع أمنية مستحقب كنائن النبل وقسي الشوحط والنبع أعرابية التعقيب رومية النصول فإنها أبلغ في الغاية وأنفذ في الدروع وأشك في الحديد سامطين حقائبهم على متون خيولهم مستخفين من الآلة والأمتعة إلا ما لا غناء بهم عنه.
واحذر أن تكل مباشرة عرضهم إلى أحد من أعوانك أو كتابك فإنك إن وكلته إليهم أضعت موضع الحرم وفرطت حيث الرأي ووقفت دون الحزم ودخل عملك ضياع الوهن وخلص إليك عيب المحاباة. وناله فساد المداهنة وغلب عليه من لا يصلح أن يكون طليعة للمسلمين. ولا عدة ولا حصناً يدرؤون به ويكتنفون بموضعه.
واعلم أن الطلائع عيون وحصون للمسلمين فهم أول مكيدتك وعروة أمرك وزمام حربك فليكن اعتناؤك بهم بحيث هم من مهم عملك ومكيدة حربك ثم انتخب لهم رجلاً للولاية عليهم بعيد الصوت مشهور الفضل نبيه الذكر له في العدو وقعات معروفات وأيام طوال وصولات متقدمات قد عرفت نكايته وحذرت شوكته وهيب صوته وتنكب لقاؤه أمين السريرة ناصح الغيب قد بلوت منه ما يسكنك إلى ناحيته من لين طباعه وخالص المودة ونكاية الصرامة وغلوب الشهامة واستجماع القوة وحصافة التدبير ثم تقدم إليه في حسن سياستهم واستنزال طاعتهم واجتلاب موداتهم واستعداد (؟) ضمائرهم وأجر عليهم أرزاقاً نسعهم وتمد من أطماعهم سوى أرزاقهم في العامة وفي ذلك من القوة لك عليهم والاستنامة إلى ما قبلهم.
واعلم أنهم في أهم الأماكن لك وأعظمها غناء عنك وعمن معك وأقمعها كمناً (؟) وأشجى لعدوك ومتى يكون في البأس والثقة والجلد والطاعة والقوة والنصيحة حيث وصفت لك وأمرتك به تضع عنك مؤونة الهم وترخي عن خناقك دروع الخوف وتلتجيء إلى أمر متين وظهر قوي وأمر حازم تأمن به فجاآت عدوك ويصير إليك علم أحوالهم ومتقدمات خيولهم فانتخبهم رأي عين وقوهم بما يصلحهم من المنالات والأطماع والأرزاق واجعلهم منك بالمنزل الذي هم به من محارز علامتك (؟) وحصانة كهوفك وقوة سيارة عسكرك وإياك أن تدخل فيهم أحداً بشفاعة أو تحتمله على هوادة أو تقدمه منهم لآثرة وأن يكون مع أحد منهم بغل نقل أو فضل من الظهر أو ثقل فادح فيشتد عليهم مؤونة أنفسهم ويدخلهم كلال السآمة فيسما يعالجون من أثقالهم ويشتغلون به عن عدوهم لإإن دهمهم منه رائع أو فاجأهم لهم طليعة. فتفقد ذلك محكماً له وتقدم فيه آخذاً بالحزم في إمضائه. أرشدك الله لإصابة الحظ ووفقك ليمن التدبير
ولِّ دراجة عسكرك وأخراج أهلها إلى مصافهم ومراكزهم رجلاً من أهل بيوتات الشرف محمود الخبرة معروف النجدة ذا سن وتجربة لين الطاعة قديم النصيحة مأمون السريرة له بصيرة في الحق تقدمه ونية صادقة عن الإدهان تحجزه وأضمم إليه عدة من ثقات جندك وذوي أسنانهم يكونون شرطة معه ثم تقدم إليه في إخراج المصاف وإقامة الأحراس وإذكاء العيون وحفظ الأطراف وشدة الحذر ومره فليضع القواد بأنفسهم مع أصحابهم في مصافهم كل قائد بإزاء موضعه وحيث منزله قد شد ما بينه وبين صاحبه بالرماح شارعة والتراس موضونة والبرجال راصدة ذاكية الأحراس وجلة الروع خائفة طوارق العدو وبيانه ثم مره أن يخرج كل ليلة قائداً من أصحابه أو عدة منهم إن كانوا كثيراً على غلوة أو غلوتين من عسكرك محيطاً بمنزلك ذاكية أحراسه قلقة التردد مفرطة الحذر ومعدة للروع متأهبة للقتال آخذة على أطراف العسكر ونواحيه متفرقين في أخلافهم كردوساً كردوساً يستقبل بعضهم بعضاً في الاختلاف ويكسع متقدماً في التردد فاجعل ذلك بين قوادك وأهل عسكرك نوباً معروفة وحصصاً مفروضة لا يعد منه مزدلفاً بمودة ولا يتحامل على أحد فيه بموجدة إن شاء الله.
فوض إلى أمراء جندك وقوادهم أمور أصحابهم والأخذ على أيديهم رياضة منك لهم على السمع والطاعة لأمرائهم والأتباع لأمرهم والوقوف عند نهيهم وتقدم إلى أمراء الأجناد في النوائب التي ألزمتهم إياها والأعمال التي استنجدتهم لها والأسلحة والكراع التي كتبتها عليهم واحذر اعتلال أحد من قوادك عليك بما يحول بينك وبين جندك وتقويمهم لطاعتك وقمعهم عن الإخلال بمراكزهم لشيء مما وكلوا به من أعمالهم فإن ذلك مفسدة للمجند معيّ للقواد عن الجد والمناصحة والتقدم في الأحكام.
واعلم أن استخفافهم بقوادهم وتضييعهم أمرهم دخول الضياع على أعمالك واستخفاف بأمرك الذي يأتمرون به ورأيك الذي ترتئي وأوعز إلى القواد أن لا يتقدم أحد منهم على عقوبة أحد من صحابة إلا عقوبة تأديب وتقويم ميل وتثقيف أود فإما عقوبة تبلغ تلف المهجة وإقامة الحد في قطع أو إفراط في ضرب أو اخذ مال او عقوبة في سفر فلا يلين ذلك من جندك أحد غيرك أو صاحب شرطتك بأمرك وعن رأيك وإذنك ومتى لم تذلل الجند لقوادهم وتضرعهم لأمرائهم يوجب عليك لهم الحجة بتضييع (؟) وإن كان منهم لأمرك خلل إن تهاونوا به من عملك أو عجز إن فرط منهم في شيء وكلتهم إليه أو أسندته إليهم ولم تجد إلى الإقدام عليهم باللوم وعض العقوبة مجازاً تصل به إلى تعنيفهم بتفريطك في تذليل أصحابهم لهم وإفسادك إياهم عليهم فانظر في ذلك محكماً وتقدم فيه تقدماً بليغاً وإياك أن يدخل حزمك وهن أو عزمك إمارا (؟) من رأيك ضياع. والله أستودع ديناً في نفسك.
إذا كان من عدوك على مسافة دانية وسنن لقاء مختصر وكان من عسكرك مقترباً قد شامت طلائعك مقدمات ضلالته وحماة فتنته فتأهب أهبة المناجزة وأعد إعداد الحذر وكتب خيولك وعبّ جنودك وإياك والمسير إلا مقدمة وميمة وميسرة وساقة قد شهروا بالأسلحة وشنروا البنود والأعلام وعرف جندك مراكزهم سائرين تحت ألويتهم قد أخذوا أهبة القتال واستعدوا للقاء ملحين إلى مواقفهم عارفين بمواضعهم من مسيرهم ومعسكرهم.
وليكن ترجلهم وتنزلهم على رايات وأعلامهم ومراكزهم وعرّف كل قائد وأصحابه موقعهم من الميمنة والميسرة والقلب والساقة والطليعة لازمين لها غير مخلين بما استنجدتهم له ولا متهاونين بما أهبت بهم إليه حتى يكون عساكرهم في كل منهل تصل إليه ومسافة تختارها كأنه عسكر واحد في اجتماعها على العدة وأخذها بالحزم ومسيرها على راياتها ونزولها على مراكزها ومعرفتها بمواضعها إن أضلت دابة موضعها عرف أهل العسكر من أي المراكز هي ومن صاحبها وفي أي المحل حلوله منها فردت إليه هداية ومعرفة ونسبة قيادة صاحبها. فإن تقدمك في ذلك وأحكامك له إطراح عن جندك مؤونة الطلب وعناية المعرفة وابتغاء الضالة. ثم اجعل على ساقتك أوثق أهل عسكرك في نفسك صرامة ونفاذاً ورضا في العامة وإنصافاً من نفسه للرعية وأخذاً بالحق في المعدلة مستشعراً تقوى الله وطاعته آخذاً بهديك وأدبك واقفاً عند أمرك ونهيك معتزماً على مناصحتك وتزيينك نظيراً لك في الحال وشبيهاً بك في الشرف وعديلاً في المواضع ومقارباً في الصيت ثم اكشف معه الجمع وأيده بالقوة وقوه بالظهر وأعنه بالأموال واغمره بالسلاح ومره بالعطف على ذوي الضعف من جندك ومن رخفت به دابته وأصابته نكبة من مرض أو رجلة أو آفة من غير أن تأذن لأحد منهم في التنحي عن عسكره أو التخلف بعد ترجله إلا المجهود أو المطروق بآفة ثم تقدم إليه محذراً ومره زاجراً وأنهه مغلظاً بالشدة على من مرَّ به منصرفاً عن معسكرك من جندك بغير جوارك شاداً لهم أسراً وموقرهم حديداً ومعاقبهم موجعاً أو موجههم إليك فتنهكم عقوبة وتجعلهم لغيرهم من جندك عظة.
واعلم أنه لم يكن بذلك الموضع من تسكن إليه واثقاً بنصيحته عارفاً ببصيرته قد بلوت منه أمانة تسكنك إليه وصرامة تؤمنك مهانته ونفاذاً في أمرك يرخي عنك خناق الخوف في إضاعته لم آمن تسلل الجند عنك لواذاً ورفضهم مراكزهم وإخلالهم بمواضعهم وتخلفهم عن أعمالهم آمنين تغيير ذلك عليهم والشدة على من اخترمه منهم ما. . . ذلك في وهنك وأخذ من قوتك وقلل من كثرتك.
اجعل خلف ساقتك رجلاً من وجوعه قوادك جليداً ماضيا عنيفاً صارماً شهم الرأي شديد الحذر شكيم القوة غير مداهن في عقوبة ولا مهين في قوة في خمسين فارساً من خيلك تحشر إليك جندك ويلحق بك من يتخلف عنك بعد الإبلاغ في عقوبتهم والنهك لهم والتنكيل بهم وليكن لعقوبتك في المنزل الذي ترتحل عنه والمنهل الذي تتقوض منه مفرطاً في النقض والتبع لمن تخلف عنك مشيداً في أهل المنهل وساكنه بالتقدم موعزاً إليهم في إزعاج الجند عن منازلهم وإخراجهم من مكانهم وإبعاد العقوبة الموجعة والنكال المنيل في الأشعار وإصفاء الأموال وهدم العقار لمن أوى منهم أحدهم أو ستر موضعه وأخفى محله وحذره عقوبتك إياه في الترخيص لأحد والمحاباة لذي قرابة والاختصاص بذلك لذي أثرة أو هوادة.
وليكن فرسانه منتخبين في القوة معروفين بالنجدة عليهم سوابغ الدروع دونها شعار الحشو وحب الاستحثاث (؟) متقلدين سيوفهم سامطين كنائنهم مستعدين لهييج إن بدههم أو كمين إن يظهر لهم وإياك أن تقبل في دوابهم إلا فرساً قوياً أو برزوناً وثبجاً فإن ذلك من أقوى القوة لهم وأعون الظهير على عدوهم إن شاء الله.
ليكن رحيلك أباناً واحداً ووقتاً معلوماً لتخف المؤونة بذلك على جندك ويعلموا أوان الرحيل فيقدموا فيما يريدون من معالجة أطعمتهم وأعلاف دوابهم وتسكن أفئدتهم إلى الوقت الذي وقفوا عليه ويطمئن دوو (الحاجات) أبان الرحيل ومتى يكون رحيلك مختلفاً تعظم المؤونة عليك وعلى جندك ويخلوا بمراكزهم ولا يزال ذوو السفه والنزق يترحلون بالأرجاف وينزلون بالتوهم حتى لا ينتفع ذو رأي بنوم ولا طمأنينة.
إياك أن تنادي برحيل من منزل تكون فيه حتى يأمر صاحب تعبيتك بالوقوف على معسكرك أخذاً بفوهو جنبتيه بأسيلحتهم عدة لأمر إن حضر ومفاجأة من طليعة للعدو إن اراد نهزة أو لمحت عندكم غرة. ثم مر الناس بالرحيل وخيلك واقفة وأهبتك معدة وجنتك وافية حتى إذا استقللتم من معسكركم وتوجهتم من منزلكم سرتم على تعبيتكم بسكون ريح وهدوء وحملة وحسن دعة.
فإذا انتهتيم إلى منهل أردت نزوله أو هممت بالمعسكر فيه فإياك ونزوله إلا بعد العلم بأن تعرف لك أحواله أو يسير علم دفينه ويستبطن أموره ثم ينهيها إليك وما صارت إليه لتعلم كيف احتمال عسكرك وكيف مأواه وأعلامه وكيف موضع عسكرك منه وهل لك إذا أردت مقاماً به أو مطاولة عدوك ومكايدته فيه قوة تحملك ومدد يأتيه فإنك إن لم تفعل ذلك لم تأمن أن يهجم على منزل يزعجك منه ضيق مكانه وقلة مياهه وانقطاع مواده إن اردت بعدوك مكيدة واحتجت من أمرهم إلى مطاولة فإن ارتحلت منه كنت غرضاً لعدوك ولم تجد إلى المحاربة والإخطار سبيلاً. وإن أقمت به أقمت على مشقة حصر في أزل وضيق فاعرف ذلك وتقدم فيه.
فإذا أردت نزولاً أمرت صاحب الخيل التي رحلت الناس فوقف متنحية من معسكرك عدة لأمر إن راعك ومفزعاً لبديهة إن راعتك قد أمنت بإذن الله وحوله فجأة عدوك وعرفت موقعها من حربك حتى يأخذ الناس منازلهم وتوضع الأثقال مواضعها ويأتيك خبر طلائعك وتخرج دباباتك من عسكرك دباباً محيطين بعسكرك وعدة لك إن احتجن إليهم. وليكن دباب جندك بعسكرك أهل جلد وقوة قائداً أو اثنين أو ثلاثة بأصحابهم في كل ليلة ويوم نوباً بينهم فإذا غربت الشمسي وجب نورها اخرج إليهم صاحب تعبيتك أبداً لهم عسساً بالليل في أقرب من مواضع دباب النهار ويتعاور ذلك قوادك جميعاً بلا محاباة لأحد منهم فيه ولا إدهان إن شاء الله.
إياك أن يكون منزلك إلا في خندق أو حصن تأمن به بيات عدوك وتستنيم فيه إلى الحزم من مكيدته. إذا وضعت الثقال وخططت أبنية أهل العسكر لم يمد خباء ولم ينتصب بناء حتى يقطع لكل قائد ذرع معلوم من الرض بقدر أصحابه فيحتفروه عليهم (ويبنون) بعد ذلك خنادق الحسك طارحين لها دون أشجار الرماح ونصب الترسة لها بابان وقد وكلت بعد بحفظ كل باب منهما رجلاً من قوادك في مائة رجل من أصحابه فإذا فرغ من الخندق كان ذلك القائدان أهلاً لذلك المركز (ومو) ضع تلك الخيل وكانوا هم البوابين والأحراس لذينك الموضعين نداً إلى (؟) الرفاهة والسعة وتقدم العسكر أو التأخر عنه فإن ذلك مما يضعف الوالي ويوهنه لاستنامته إلى نمن ولاه ذلك وأمنه بد على جيشه.
واعلم أنك إذا أمنت بإذن الله طوارق عدوك وبغتاتهم فإذا رموا ذلك منك كنت قد أحكمت ذلك وأخذت بالجد فيه وتقدمت في الإعداد له ورتقت مخوف الفتق منه إن شاء الله.
إذا ابتليت ببيات عدوك أو طرقك رائعاً في. . . حذراً معداً مشمراً عن ساقك مسرياً لحربك قد قدمت دراجتك إلى مواضعها على ما وصفت لك. . التي قدرت لك وطلائعك حيث أمرتك وجندك حيث عبأت قد خطرت عليهم بنفسك وتقدم إلى جندك إن (طرق) طارق أو فاجأهم عدو ألا يتكلم أحد منهم رافعاً صوته بالتكبير مستغفراً (؟) في أجلاب معلناً للإرهاب إلا أهل الناحية (التي) يقع بها العدو طارقاً وليشرعوا رماحهم مادين لها في وجوههم ويرشقهم بالنبل ملبدين ترستهم لازمين لمراكزهم. . . قدم عن موضعها ولا منحازين إلى غير مركزين وليكبروا ثلاث تكبيرات متوليات وسائر الجند هادون. . . عدوك من معسكرهم فتمد أهل تلك الناحية بالرجال من أعوانك وشرطك ومن انتخبت قبل ذلك عدة للشدائد وتدس لهم النشاب والرماح وإياك أن يشهروا سيفاً يتجالدون به وتقدم إليهم فلا يكون قتالهم بالليل في تلك المواضع من طرقهم إلا بالرماح مسندين غليها صدورهم والنشاب راشقين به وجوههم قد ألبدوا بالترسة وساتجنوا بالبيض وألقوا عليهم سوابغ الدروع وحباب الحشو فإن صد العدو عنهم حاملين على ناحية أخرى كبر أهل تلك الناحية الأولى وبقية العسكر سكوت والناحية التي صدر عنها العدو لازمة لمراكزها فعلت في تقويتهم وإمدادهم بمثل صنيعك بإخوانهم وإياك أن تخمد نار رواقك وإذا وقع العدو في معسكرك فأججها ساعراً لها وأوقدها حطباً جزلاً يعرف بها أهل العسكر مكانك وموضع رواقك ويسكن نافر قلوبهم ويقوى واهن قوتهم ويشتد منخذل ظهورهم ولا يرجفون فيك بالظنون ويجيلون لك آراء السوء وذلك من فعلك رد عدوك بغيظه ولم يستقل منك بظفر ولم يبلغ من نكايتك سروراً إن شاء الله.
فإن اتنصرف عنك عدوك ونكل عن الإصابة من جندك وكان بخيلك قوة على طلبه أو كانت لك خيل معدة وكتيبة منتخبة قدرت أن تركب بهم أكتافهم وتحملهم على سننهم فاتبعهم جريد خيل عليها لاثقات من فرسانك وأولوا النجدة ن حماتك فإنك ترهق عدوك وقد أمن بيتك وشغل بكلاله عن التحرز منك والأخذ بابواب معسكره والضبط لمحارسه موهنة حملتهم لغبة أبطالهم لما ألفوكم عليه من التشمير والجد وقد عقر الله فيهم وأصاب منهم وجرح من مقاتلتهم وكسر في أماني ضلالتهم ورد من مستعلي جماحهم. وتقدم إلى من توجه في طلبهم وتتبعه (أن يكونوا و) هم في سكون الريح وقلة الرفت وكثرة التسبيح والتهليل واستنصار الله عز وجل بقلوبهم وألسنتهم سراً وجهراًُ فلا لجب ضجة ولا ارتفاع ضوضاء دون أن يردوا على مطلبهم وينتهزوا فرصهم ثم يشهروا السلاح وينضوا السيوف فإن لها هيبة رائعة وبديهة مخوفة لا يقوم لها في بهمة الليل إلا البطل المحارب وذو البصيرة المحامي يستميت المقاتل وقليل ما هم عند تلك المواضع إن شاء الله.
ليكن أول ما تقدم به في التهيؤ لعدوك والاستعداد للقائه انتخابك من فرسان عسكرك وحماة جندك ذوي البأس والحنكة والجد والصرامة ممن قد (اعتا) د طراد الكماة وكشر عن ناجذة الحرب وقام على ساق في منازلة الأقران ثقف الفراسة مستجمع القوة مستحصد المريرة صبوراً على أهوال الليل عارفاً بمظاهر الفرص لم تمهنه الحنكة ضعفاً ولا أبلغت به السن ملالاً ولا أسكرته غرة الحداثة جهلاً ولا أبطرته نجدة الأغمار صلفاً جريئاً على مخاطرة التلف متقدماً على أدراع الموت مكابراً لمرهوب الهول متقحماً مخشي الحتوف خاتئضاً عمرات المهالك برأي يؤيده الحزم ونية لا يخلجها الشك وأهواء مجتمعة وقلوب موقنة عارفين بفضل الطاعة وعزها وشرفها وحيث محل أهلها من التأييد والظفر والتمكين ثم أعرضهم رأي عين على كراعهم واسلحتهم ولتكن دوابهم أناث عتاق الخيول وأسلحتهم سوابغ الدروع وكمال آلة المحارب متقلدين سيوفهم المستخلصة من جيد الجواهر وصافي الحديد والمتخيرة من معادن الأجناس هندية الحديد أو بدنية يمانية الطبع رقاق المضارب مستوية الشحذ مشطبة الضريبة ملبدين بالترسة الفارسية صينية التعقيب معلمة المقابض بحلق الحديد أنحاؤها مربعة ومحارزها بالتجليد مضاعفة ومحملها مستخف وكنائن النبل وجعاب القسي قد استحقبوها وقسي الشريان والنبع أعرابية الصنعة مختلفة الأجناس محكمة العمل ونصول النبل مسمومة وتركيبها عرافي وترييشها بدوي مختلفة الصوغ في الطبع شتى الأعمال في التشطيب والاستزادة ولتكن الفارسية مقلوبة المقابض منبسطة السنة سهلة الانعطاف مقربة الإنحناء ممكنة المرمى واسعة الأسهم فرضها سهلة الورود معاطفها غير معنون (؟) المواتاة.
ثم ولِّ على كل مائة رجل منهم رجلاً من هل خاصتك وثقاتك ونصائحك وتقدم إليهم في ضبطهم وكف. . . واستنزل نصائحهم واستعداد طاعتهم واستخلاص ضمائرهم وتعهد كراعهم وأسلحتهم معفياً لهم من النوائب التي تلزم أهل العسكر وعامة جندك ثم اجعلهم عدة لأمر إن فاجأك أو طارق بيتك. ومرهم أن يكونوا على أهبة معدة وحذرهم فإنك لا تدري أي الساعات من ليلك ونهارك تكون إليهم حاجتك فليكونوا كرجل واحد في التشهير والتردف وسرعة الإجابة فإنك عنيت أن لا تجد عند جماعة جندك مثل تلك الروعة والمباغتة إن احتجت إلى ذلك منهم معونة كافية ولا أهبة معدة بل ذلك كذلك فاذكرها ولي الذين نبحث (؟) عدتك وقوتك ثقوباً قد قطعتها على القواد الذين وليتهم أمورهم فسميت أولاً وثانياً وثاتلثاً ورابعاً وخامساً إلى عشرة فإن اكتفيت فيما يبدهك ويطرقك لبعث واحد كان معداً لم تحتج فيه إلى امتحانهم في ساعتهم تلك وقطع البعث عليهم عندما يرهقك وإن احتجت إلى اثنين وثلاث وجهت منهم إرادتك إن شاء الله.
وكل بخزائنك ودواوينك رجلاً أميناً صالحاً ذا ورع ودين فاضل واجعل معه خيلاً يكون مسيرها ومنزلها وترحلها مع خزائنك وتقدم إليه في حفظها والتوفر عليها واتهام من يستولي على شيء منها على إضاعته والتهاون به والشدة على من دنا منها في مسير أوضامها في منزل. وليكن عامة الجند والجيش إلا من استصلحت للمسير معها متنحين عنها مجانبين لها فإنه ربما كانت الجولة وحدثت الفزعة فإن لم يكن للخزائن ممن يوكل بها أهل حفزظ لها وذب عنها أسرع الجند إليها وتداعوا نحوها حتى يكاد يترامى ذلك بهم إلى انتهاب العسكر واضطراب الفتنة فإن أهل الفتن وسوء السيرة كثير وإنما همتهم الشر فإياك وأن يكون لأحد في خزائنك ودواوينك وبيوت أموالك مطمع أو يجدوا إلى اغتيالها ومررته (؟) إن شاء الله.
اعلم أن أحسن مكيدتك أثراً في العامة وأبعدها صوتاً في حسن القالة ما نلت فيه الظفر فيه بحسن الروية وحزم التدبير ولطف الحيلة فلتكن رويتك في ذلك وحرصك على إصابته لا بالقتال وأخطار التلف. وادسس إلى عدوك وكاتب رؤوسهم وقادتهم وعدهم المنالات ومنهم الولايات وسوغهم التراب وضع عنهم الأحن واقطع أعناقهم بالمطامع واملأ قلوبهم بالترهيب وإن أمكنتك منهم الدوائر وأصار بهم إليك الرواجع وادعهم إلى الوثوب بصاحبهم أو اعتزاله إن لم يكن لهم بالوثوب عليه طاقة ولا عليك أن تطرح إلى بعضهم كتباً كأنها جوابات كتب لهم إليك وتكتب على ألسنتهم كتباً إليك يدفعها إليهم ويحمل بها صاحبهم عليهم وتنزلهم عنده منزلة التهمة فلعل مكيدتك في ذلك أن يكون فيها افتراق كلمتهم وتشتيت جماعتهم واحش قلوبهم سوء الظن من واليهم فيوحشهم منه خوفهم إياه على انفسهم إذا يقنوا بأنهامناياهم فإن بسط يده بقتلهم وأولغ في دمائهم سيفه واسرع في الوثوب بهم أشعرهم جميعاً الخوف وشملهم الرعب ودعاهم إليك الهرب وتهافتوا نحوك بالنصيحة وإن كان متأنياً محتملاً رجوت أن تستميل إليك بعضهم وتستدعي بالطمع ذوي الشر منهم وتنال بذلك ما تحب من أخبارهم إن شاء الله.
إذا تدانى الصفان وتوقف الجمعان واحتضرت الحرب فعبأت أصحابك لقتال عدوهم فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله والتوكل على اللته والتفويض إليه ومسألته توفيقك وإرشادك وأن يعزم لك على لارشد والعصمة الكالئة والحيطة الشاملة.
ومر جندك بالصمت وقلة التلفت إلى المشار ليه وكثرة التكبير في أنفسهم والتسبيح بضمائرهم وألا يظهروا تكبيراً غلا في الكرات والحملات وعند كل زلفة يزدلفونها فأما وهم وقوف فإن ذلك من الفشل والجبن. وليكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل. اللهم انصرنا على عدوك وعدونا الباغي واكفنا شوكته المستحدة وأيدنا بملائكتك الغاليين واعصمنا بعونك من الفشل والعجز يا أرحم الراحمين.
وليكن في عسكرك مكبرون بالليل والنهار قبل المواقعة يطوفون عليهم يحضونهم على القتال ويحرضونهم على عدوهم ويصفون لهم منازل الشهداء وثوابهم ويذكرونهم الجنة ورخاء أهلها وسكانها ويقولون اذكروا الله يذكركم واستنصروه ينصركم. وإن استطعت أن تكون أنت المباشر لتعبية جندك ووضعهم من راياتك ومعك رجال من ثقات فرسانك ذوو سن وتجربة ونجدة على التعبية وأمير المؤمنين واصفها لك في آخر كتابه هذا إن شاء الله أيدك الله بالنصر وغلب لك على القوة وأعانك على الرشد وعصمك من الزيغ وأوجب لمن استشهد معك ثواب الشهداء ومنازل الأصفياء والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.
ومن الرسائل المفردات في الشطرنج رسالة عبد الحميد
أما بعد فإن الله شرع دينه بإنهاج سبله وإيضاح معالمه وإظهار فرائضه وبعث رسله على خلقه دلالة لهم على ربوبيته واحتجاجاً عليهم برسالاته ومقدماً إليهم بإنذاره ووعيده ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة ثم ختم بنبيه صلى الله عليه وحيه وقفى به رسله وابتعثه لإحياء دينه الدارس مرتضياً له على حين انطمست له الأعلام مختفية وتشتت السبل متفرقة وعفة آثار الدين دراسة وسطع رهج الفتن واعتلى قتام الظلم واستنهد الشرك وأسدف الكفر وظهر أولياء الشيطان لطموس الأعلام ونطق زعيم الباطل بسكتة الحق واستطرق الجور واستنكح الصدوف عن الحق واقمطر سلهب الفتنة واستضرم لقاحها وطبقت الأرض ظلمة كفر وغيابه فساد فصدع بالحق مأموراً وبلغ الرسالة معصوماً ونصح الإسلام وأهله دالاً لهم على المراشد وقائداً لهم إلى الهداية ومنيراً لهم سبل الغواية زاجراً لهم عن طريق الضلالة محذراً لهم الهلكة موعزاً إليهم في التقدمة ضارباً لهم الحدود على ما يتقون من الأمور ويخضون وما غليه يسارعون ويطلبون صابراً نفسه على الأذى والتكذيب داعياً لهم بالترغيب والترهيب حريصاً عليهم متحنناً على كافتهم عزيزاً عليه عنتهم رؤوفاً بهم رحيماً تقدمه شفقته عليهم وعنايته يرشدهم إلى تجريد الطلب إلى ربه فيما بقاء النعمة عليهم وسلامة أديانهم وتخفيف أواصر الأوزار عنهم حتى قبضه الله إليه صلى الله عليه ناصحاً متنصحاً أميناً مأموناً قد بلغ الرسالة وأدى النصيحة وقام بالحق وعدَّل عمود الدين حين اعتدل ميله وأذل الشرك وأهله وأنجز الله له وعده واراه صدق أسبابه في إكماله للمسلمين دينه واستقامة سنته فيهم وظهور شرائعه عليهم قد أبان لهم موبقات الأعمال ومفظعات الذنوب ومهبطات الأوزار وظلم الشبهات وما يدعو إليه نقصان الأديان وتستهويهم به الغوايات وأوضح لهم أعلام الحق ومنازل المراشد وطرق الهدى وأبواب النجاة ومعالق العصمة غير مدخر لهم نصحاً ولا مبتغ في إرشادهم غنماً.
فكان مما قدم إليهم فيه نهيه وأعلمهم سوء عاقبته وحذرهم أصره وأوعز إليهم ناهياً وواعظاً وزاجراً الاعتكاف على هذه التماثيل من الشطرنج والمواصلة عليها لما في ذلك من عظيم الإثم وموبق الوزر مع مشغلتها عن طلب المعاش وإضرارها بالعقول ومنعها من حضور الصلوات في مواقيتها مع جميع المسلمين وقد بلغ أمير المؤمنين أن ناساً ممن قبلك من أهل الإسلام قد ألهجهم الشيطان بها وجمعهم عليها وألف بينهم فيها فهم معتكفون عليها من لدن صبحهم إلى ممساهم ملهية لهم عن الصلوات شاغلة لهم عما أمروا به من القيام بسنن دينهم وافترض عليهم من شرائع أعمالهم مع مداعبتهم فيها وسوء لفظهم عليها وإن ذلك من فعلهم ظاهر في الأندية والمجالس غير منكر ولا معيب ولا مستفطع عند أهل الفقه وذوي الورع والأديان والأسنان منهم فأكبر أمير المؤمنين ذلك وأعظمه وكرهه واستكبره وعلم أن الشيطان عند ما يئس منه من بلوغ إرادته في معاصي الله عز وجل بمصر المسلمين ومجمعهم صراحاً وجهازاً أقدم بهم على شبهة مهلكة وزين لهم ورطة موبقة وغرهم بمكيدة حيله إرادة لاستوائهم بالخدع واجتيالهم () بالشبه والمراصد الخفية المشكلة وكل مقيم على معصية الله صغرت أو كبرت مستحلاً لها مشيداً بها مظهراً لارتكابه إياها غير حذر من عقاب الله عز وجل عليها ولا خائف مكروهاً فيها ولا رعب من حلول سطوته عليها حتى تلحقه المنية فتختلجه وهو مصر عليها غير تائب على الله منها ولا مستغفر من ارتكابه إياها فكم قد أقام على موبقات الآثام وكبائر الذنوب حتى مد به مخرم أيامه.
وقد أحب أمير المؤمنين أن يتقدم إليهم فيما بلغه عنهم وأن ينذرهم ويوعز إليهم ويعلمهم ما في أعناقهم عليها وما لهم من قبول ذلك من الحظ وعليهم في تركه من الوزر فآذن بذلك فيهم وأشده في أسواقهم وجميع أنديتهم وأوعز إليهم فيه وتقدم إلى عامل شرطتك في إنهاك العقوبة لمن رفع غليه من أهل الاعتكاف عليها والإظهار للعب بها وإطالة حبسه في ضيق وضنك وطرح اسمه في ديوان أمير المؤمنين وأفطمهم عما بهجوا به من ذلك والتمس بشدتك عليهم فيه وإنهاكك بالعقوبة عليه ثواب الله وجزاءه وإتباع أمير المؤمنين ورأيه ولا يجدن حد عندك هوادة في التقصير في حق الله عز وجل والتعدي لأحكامه فتحل بنفسك ما يسوءك عاقبة مغبته وتتعرض به لغير الله عز وجل ونكاله واكتب إلى أمير المؤمنين ما يكون منك إن شاء والله والسلام.
وله تحميد في أبي العلاء الحروري: الحمد لله الناصر لدينه وأوليائه وخلفائه المظهر للحق وأهله والمذل لأعدائه وأهل البدعة والضلالة الذي لم يجمع بين حق وباطل وأهل طاعة ومعصية الأجعل النصرة والفلج والعاقبة لهل حقه وطاعته وجعل الخزي والذلة والصغار على أهل الباطل والخلاف والمعصية حمداً يتقبله ويرضاه ويوجب به لأمير المؤمنين وأهل طاعته الزيادة التي وعد من شكره والحمد لله على ما يتولى من إعزاز أمير المؤمنين ونصره وإفلاجه وإظهار حقه على ما وقع بأعدائه وأهل معصيته والخلاف عليه من سطواته ونقماته وبأسه فيما ولي أمير المؤمنين من موالاة من والاه وعداوة من بغى عليه وعاداه لا يكله في شيء من الأمور إلى نفسه ولا إلى حوله وقوته ومكيدته فإنه لبا حول ولا قوة لأمير المؤمنين إلا به.
تحميد لعبد الحميد في فتح:
الحمد لله العلي مكانه المنير برهانه العزيز سلطانه الثابتة كلماته الشافية آياته النافذ قضاؤه الصادق وعده الذي قدر على خلقه بملكه وعزّ في سماواته بعظمته ودبر الأمور بعلمه وقدرها بحكمه على ما يشاء من عزمه مبتدعاً لها بإنشائه إياها وقدرته عليها واستصغاره عظيمها نافذاً إرادته فيها لا تجري إلا على تقديره ولا تنتهي إلا إلى تأجيله ولا تقع إلا على سبق من حتمه كل ذلك بلطفه وقدرته وتصريف وحيه لا معدل لها عنه ولا سبيل لها غيره ولا علم أحد بخفاياها ومعادها إلا هو فإنه يقول في كتابه الصادق وعنده مفاتح الغيب إلى آخر الآية.
ولعبد الحميد في فتح يعظم فيه أمر الإسلام:
أما بعد فالحمد لله الذي اصطفى الإسلام ديناً رضي شرائعه وبين أحكامه ونور هداه ثم كنفه بالعز المؤيد وأيده بالظفر القاهر وآزره بالسعادة المنتجبة وجعل من قام به داعياً إليه من جنده الغالبين وأنصاره المسلطين كلما قهر بهم مناوئاً أورثهم رباعهم المأهولة وأموالهم المثرية ودارهم الفسيحة ودولتهم المطولة أمراً حتمه على نفسه ثم جعل من عاندهم وابتغى غير سبيلهم مسلماً قد استهوته ذلة الكفر بظلمها وحيرة الجهالة بجوارها وتيه الشقاء بمغاويه وكلما ازدادوا لدعوة الحق إباءً ازداد الحق إليهم ازدلافاً وعليهم عكوفاً وفيهم إقامة إلى أن يحل بهم عز الغلبة ونجاة المتجاوز داعين فيما شوقهم إليه محافظين على ما ندبهم له قد بذلوا في طاعة الله دماءهم وقبلوا المعروض عليهم في مبايعة ربهم لهم بأنفسهم الجنة محمود صبرهم مسهل بهم عزمهم إلى خير الدنيا والآخرة.
والحمد لله الذي أكرم محمداً صلى الله عليه بما حفظ له من أمور أمته أن اختار لمواريث نبوته ما أصار إلى أمير المؤمنين من تطويقه ما حُمل بحسن نهوض به وشج عليه ومنافسة فيه إن فعل وفعل (؟).
والحمد لله الذي تمم وعده لرسوله وخليفته في أمة نبيه مسدداً له فيما اعتزم عليه والحمد لله المعز لدينه المتولي نصر أمة نبيه المتخلي عمن عاداهم وناوأهم حمداً يزيد به من رضي شكره وحمداً يعلو حمد الحامدين من أوليائه الذين تكاملت عليهم نعمة فلا توصف وجلت أياديه فلا تحصى الذي حملنا ما لا قوة بنا على شكره غلا بعونه وبالله يستعين أمير المؤمنين على ذلك وإليه يرغب إنه على كل شيء قدير.
ولعبد الحميد أيضاً:
أما بعد فالحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه وارتضاه ديناً لملائكته وأهل طاعته من عباده وجعله رحمة وكرامة ونجاة وسعادة لمن هدى به من خلقه وأكرمهم وفضلهم وجعلهم بما أنعم عليهم منه أولياءه المقربين وحزبه الغالبين وجنده المنصورين وتوكل لهم بالظهور والفلج وقضى لهم بالعلو والتمكني وجعل من خالفه وعزب عنه وابتغى سبيل غيره أعداءه الأقلين وأولياء الشيطان الأخسرين وأهل الضلالة الأسفلين مع ما عليهم في دنياهم من الذل والصغار. فأعجل لهم فيها من الخذلان والانتقام إلى ما أعد لهم في آخرتهم من الخزي والهوان المقيم والعذاب الأليم إنه عزيز ذو انتقام.
وكتب عبد الحميد إلى أخ له في مولود ولد له وهو أولو مولود كان:
أما بعد فإن مما أتعرف من مواهب الله نعمة خصصت بمزيتها وأُصفيت بخصيتها كانت أسرََّ لي من هبة الله ولداً أسمته فلاناً وأملت ببقائه بعدي حياة وذكرى وحسن خلافة في حرمتي وغشراكه إياي في دعائه شافعاً لي إلى ربه عند خلواته في صلاته وحجه وكل موطت من مواطن طاعته فإذا نظرت على شخصه تحرك به وجدي وظهر به سروري وتعطفت عليه مني أنسة الولد وتولت عني به وحشة الوحدة فأنا به جذل في مغيبي ومشهدي أحاول مس جسده بيدي في الظلم وتارة أعانقه وارشفه ليس يعدله عندي عظيمات الفوائد ولا منفسات الرغائب. سرني به واهبه لي على حين حاجتي فشد به أزري وحملني من شكره فيه ما قد آدني بثقل حمل النعم السالفة إلي به المقرونة سراؤها في العجب بتارات ما يدركني به من رقة الشفقة عليه مخافة مجاذبة المنايا إياه ووجلاً من عواصف الأيام عليه.
فأسأل الله الذي امتن علينا بحسن صنعه في الأرحام تأديبه بالزكاء وحرسه بالعافية أن يرزقنا شكر ما حملنا فيه وفي غيره وأن يجعل ما يهب لنا من سلامته والمدة في عمره موصولاً بالزيادة مقروناً بالعافية محوط من المكروه فإنه المنان بالمواهب والواهب للمنى لا شريك له. حملني على الكتاب إليك لعلم ما سررت به علمي بحالك فيه وشركتك إياي في كل نعمة أسداها إلي ولي النعم وأهل الشكر أولى بالمزيد من الله جل ذكره والسلام عليك.
وكتب عبد الحميد عن هشام بن عبد الملك إلى يوسف بن عمر وهو باليمن في السلامة:
فإن أمير المؤمنين كتب إليك وهو في نعمة الله عليه وبلائه عنده في ولده وأهل لحمته والخاص من أموره والعام والجنود والقواصي والثغور والدهماء من المسلمين على ما لم يزل ولي بالنعم (؟) فتولاه من أمير المؤمنين حافظاً له فيه ومكرماً له بالحياطة لما ألهمه الله فيه من أمر رعيته وعلى أعظم وأحسن وأكمل ما كان يحوطه فيه ويذب له عنه والله محمود مشكور إليه فيه مرغوب. أحب أمير المؤمنين لعلمه بسرورك به أن يكتب إليك بذلك لتحمد الله عليه وتشكره به فإن الشكر من الله بأحسن المواضع وأعظم المنازل فازدد منه تزدد به وحافظ عليه وتحفظ به وارغب فيه يهد إليكم مزيد الخير ونفائس المواهب وبقاء النعم فاقريء على من قبلك كتاب أمير المؤمنين إليك ليسر به جندك ورعيتك ومن حمله الله النعم بأمير المؤمنين ليحمدوا ربهم على ما رزق الله عباده من سلامة أمير المؤمنين في بدنه ورأفته بهم واعتنائه بأمورهم فإن زيادة الله تعلو شكر الشاكرين والسلام.
ولعبد الحميد إلى مروان في حاجة:
إن الله بنعمته علي لما رزقني المنزلة من أمير المؤمنين جعل معها شكرها مقروناً بها فهي تنمي بالزيادة والشكر مصاحب لها فليست تدخلني وحشة من أبناء حاجتي وأنا أعلم أنه لو وصل على أمير المؤمنين علم حالي أغناني عن استزادته ولكني تكنفتني مؤن استنفضت ما في يدي وكنت للخلف من الله منتظراً فإني إنما أتقلب في نعمه وأتمرغ في فوائده واعتصم بسالف معروفه كان عندي.
ولعيد الحميد في وصف الإخاء:
فإن أولى ما اعتزم عليه ذوو الإخاء وتوصل إليه أهل المودات ما دعا أسبابه صدق التقوى وبنيت دعائمه على أساس البر ثم انهد إلينا حزين (؟ *) التواصل وشيده مستعذب العشرة فادعم قوياً وصفى مرنقاً وبخاصة (؟) الحقة منعطفة وسكنت به القلوب أنيسة وسمت من مواصلته الهمم مستعلية عن كل زائغ معتاف ومخوف عارض يحترم مسكة الإخاء ويختار مربوب المقة ضناً بما استعذبوا من محمود وثائقه وازدياداً فيما تمطقوا به من حلاوة جناه فإذا استخحكم لهم مدخور الصفاء بثبات أواخيه وظهور أعلامه ومحصول مخبره وثقة مواده كان سرورهم باعتلاقه وابتهاجهم بوجدانه وإنما هم صلته وبذلهم رعايته وحياطتهم محمودة بحيث نالوا من معرفته حظوته واستولوا عليه من مزية كرمه وتعرفوا من ذخيرة عائدته ومأمون حفاظه وكشف لهم عن نفسه مظهراً أعلامه مبدياً دفينته طارحاً قناع سره معلناً مكنون ضميره في نأي الدار وجدان (؟) المجتمع بإظهار ما استتر من المحاسن وبث في الحقب من المكارم قياماً لهم بالنصرة وحياطاً للمودة وترغيباً في العشرة فكان أكهف لجاء وأحرز حصن وأحصف جنة وأعون ظهير وأبقى ذخيرة وأعظم فائدة وأشرف كنز وأفخر صنيعة وآنق منظر وأينع زهرة أكثر الأشياء ريعاً وأنماها وصلاً وأمدها سبباً وأقواها أيداً وأحلاها ذوقاً وأدعمها ثباتاً وأرساها ركناً لا يدخل مستحقها سآمة ملال ولا كلال مهنة ولا تثبيط ونية ولا ضعف خور لنزول بائقة أو طروق طارقة من عوارض الأقدار وحوادث الزمان بل مواسياً في أزمها متورطاً غمرات قحمها متدرعاً هائل بوائقها مستلحماً نواظر مقاطعها حتى تصير به الأقدار إلى تناهيها ويبلغ به القضاة مقداره غير منان النصرة ولا برم التعب يرى تعبه غنماً ونصبه دعة وكلفة فائدة وعمله مقصراً وسعيه مفرطاً واجتهاده مضيعاً عدل الولد في بره والوالد في شفقته والأخ في نصرته والجار في حفظه والذخر في مكه فأين المعدل عن مثله أو كيف الإصابة لشبهه أو أنى عوض من فقده جمعها الله وإياك على طاعته وألفنا بمجاتبه وجعل أخوتنا في ذاته.
قد حددت لك أي أخي الإخاء متشعباً ووصفته لمك مخلصاً وانتهيت بك إلى غاية أهل العقل منه وما تواصل أهل الرأي عليه ودعا إليه الإخاء من نفسه منتطقاً به ضامناً له ما فرط في ذلك تقصير من أهله وداخله تضييع من حملته أو حاطه أحكام وكنفه حفاظ من رعاته.
وافاني كتابك بما سألت من ذلك وعقلي محصور ورأيي منقسم وذهني فيما يتأهب به الأمير. . . والله من خزر الترك واختلاف رسله إلى جبال اللان والطبران وما والاهما بنوافذ أمره ومخارج رأيه فأنا مصيخ السمع للفظه عقل العقل عن سوى أمره محتضر الذهن في تدبيرهم ذهل القلب عن تفنين القول وتشعيب الكلام في تصنيف طبقات الرجال ومن أين دخل عليهم نقص الإخاء وكيف خانهم مونق الصفاء وقد صرحت لك عن رأي ذوي الثفاء وكشفت لك خباء الإخاء وجمعت لك ألف مودة أهل الحجى فتلق ما وصفت لك بقلب فهم عقول ذي ميزة يقظان وذهن جامع حافظ ذي ثقافة راع أحضرك الله عصمة التوفيق وسددك الله لإصابة الرشد ومكن لك صدق العزيمة والسلام.
ومن رسائل عبد الحميد ما كتب عن مروان على هشام يعزيه بامرأة من حظاياه:
إن الله تعالى أمتع أمير المؤمنين من أنسيته وقرينته متاعاً مده إلى أجل مسمى فلما تمت له مواهب الله وعاريته قبض إليه العارية ثم أعطى أمير المؤمنين من الشكر عند بقائها والصبر عند ذهابها أنفس منها في المنقلب وأرجح في الميزان وأسنى في العوض فالحمد لله وإنا إليه راجعون.
وكتب موصياً بشخص يقول:
حق موصل كتابي إليك كحقه علي إذ جعلك موضعاً لأمله ورآني أهلاً لحاجته وقد أنجزت حاجته فصدق أمله.
وكتب في فتنة بعض العمال من رسالة:
حتى اعتراني حنادس جهالة ومهاوي سبل ضلالة ذللاً لسباقه وسلماً في قياده إلى نزل من حميم وتصلبية حجيم سوى ما أنتجت الحفيظة في نفسه من عوائد الحسك وقدحت الفتنة في قلبه من نار الغضب مضادة لله تعالى بالمناصبة ومبارزة لأمير المؤمنين بالمحاربة ومجاهرة للمسلمين بالمخالفة على أن أصبح بفلاة قفر ونية صفر بعيدة المناط يقطع دونها النياط وكذلك الله يفعل بالظالمين ويستدرجهم من حيث لا يعلمون.
وكتب رسالة أخرى إلى أهله وهو منهزم مع مروان: أما بعد فإن الله تعالى جعل الدنيا مخحفوفة بالكره والسرور فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها ومن عضته بنابها ذمها ساخطاً عليها وشكاها مستزيداً لها وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها ثم جمحت بنا نافرة ورمحتنا مولية فملح عذبها وخشن لينها فأبعدتنا عن الأوطان وفرقتنا عن الأخوان فالدار نازحة والطير بارحة. وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بعداً وغليكم وجداً فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكن آخر العهد بكم وبنا وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار من يليكم نرجع غليكم بذل الإسار والذل شر جار. نسأل الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يهب لنا ولكم ألفة جامعة في دار آمنة تجمع سلامة الأبدان والأديان فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين.
وله من رسالة كتب بها عن آخر خلفاء بني أمية وهو مروان الجعدي لفرق العرب حين فاض العجم من خراسان بشعار السواد قائمين بالدولة العباسية:
فلا تمكنوا ناصية الدولة العربية في يد الفئة العجمية واثبتوا ريثما تنجلي هذه الغمرة ونصحو من هذه السكرة فسينضب السيل وتمحى آية الليل والله مع الصابرين والعاقبة للمتقين.