مجلة المقتبس/العدد 24/اليونان
→ الشمس في الطلوع | مجلة المقتبس - العدد 24 اليونان [[مؤلف:|]] |
صحف منسية ← |
بتاريخ: 1 - 1 - 1908 |
عظمة مكدونية
فيليب - الأسكندر - فتح آسيا
انهكت الحروب المتصلة مدة قرن بين اسبارطة وأثينة قوى تينك المملكتين فتركتاقتال ملك الفرس إلا أن شعباجديدا وهم المكدونيون عاودوا قتاله حتى نالوا منهوكانو على خشونتهم وقسوتهم أشبه بقدماء الاوربيين شعبا مؤلفا من رعاة وجند. ولقد سكنوا شمال بلاد يونأن في واديين عظيمين مطلين على البحر. وقلما كان اليونانيون يحلونهم محل الاعتبار بل ينظرون إليهم نظرا ثانويا كما ينظرون للبرابرة وإذا المكدونيون يدعون انهم من نسل هيراكليس سمح لهم اليونان بان يركضوا خيولهم في سباق الالعاب الأولمبية وبذلك اعترف بهم ضمنا بانهم من أبناء اليونان.
فيليب - قلما كان هؤلاء الملوك النازلون في بلاد الداخلية بعيدين عن البحر يشتركون في حروب اليونان وفي سنة 360 تسلم اريكة العرش المكدوني شاب نشيط شجاع طموحونعني به الملك فيليب فطمحت به نفسه إلى القيام بثلاثة أمور
(ا) أن ينشىء جيشا قويا
(2) أن ينشىء جميع المواني على شاطىء مكدونية
(3) أن يكره سائر اليونان على الانضواء تحت لوائه لقتال الفرس
فصرف في هذا الشأن أربعا وعشرين سنة ونجح فيما قصد له. واستسلم اليونأن اليه بل واعانه كثير منهم واتخذ له انصارا ببذل المال في جميع المدن يحسنون الظن فيه ويمتدحونه قال: {مامن قلعة يتعذر الاستيلاء عليها إذا استاع المرء أن يدخل إليها بغلا مثقلاباذهب} وهكذا استولى على جميع مدن شمالي اليونانية واحدة بعد أخرى. وقد كان الخصم اللدود لفيليب الخطيب ديموستين وهو ابن صانع اسلحة تيتم في السابعةمن عمره واختلس اوصياؤه جزءا من ماله بلغ أشده أقام عليهم قضيةواكرههم على أن يعيدوا إليه مااختلسوه منه وكان درس خطب ايزيه واستظهر تاريخ توسيديد بيد أنه عندماخطب على المنبر العام قوبل كلامه بالقهقهة إذ كان صوته ضعيفا جدا ونفسه قصييرا فتوفر عدة سنين على ترويض صوته. ويروي إنه كان ينقطع شهورا طويلة ونصف رأسه محلوق لئ يحاول الخروج ويلقي خطبا وفي فمه حصا وهو على شاطىء البحر ليمرن نفسه على التغلب بصوته على جلبة الناس ولمل رجع إلى المنبر كان قد اخضع صوته لاراته وإذا كان يحافظ كل المحافظة على أعداد جميع خطبه قبل القائها غدا أرقى خطيب وأعظم مفوه في بلاد اليونان. وكان الحزب الذي يرجع إليه أمر أثينة على ذاك العهد بزعامة فوسيون يطمح في السلم اذ لم يكن لأثينة جند كاف ولا مال وافر يقاف ملك مكدونية عند حده فكان فوسيون يقول سأشير عليكم بالحرب متى صرتم بحيث تستطيعون القيام باعبائها. وكان ديموستين على العكس يحتقر فليب ويراه كانه من المتوحشين فتطوع في خدمة الحزب الذي يطلب محاربته واستخدم مافيه من فصاحة لاخراج الأثينين من سياسة المسالمة ولم يدخر وسعا مدة خمس عشر سنة في تحريضهم على ذلك. وانك لتجد مضوع كثير خطب ديموستين الحملة على الملك فيليب وكأن يسميهاالفلبية. قال في خطابه الأول سنة352: متى تقومون ايها الأثينيون بواجباتكم؟ اتريدون أن تسرحوا وتمرحوا في الساحات وبعضكم يسأل بعضا بقوله: ماوراءك من الأخبار؟ اما أنا فأقول لكم ليس من جديد إلا أننا نشاهد مكدونية يتغلب على أثينة ويستولي على ارض يونان؟ أقول لكم إنه من الواجب تسليح خمسين سفينة وأن تعقدوا العزم إن تركبوها بالذات عند مسيس الحاجة. جنبوا مسمعي جيش مؤلف من عشرة او عشرين الفا من الأجانب ولا حقيقه له الا على الورق فإني لا اريد الاجنود من الوطن متطوعين في خدمته. وقال ديموستين في الفيليبيات الثالثة سنة341 يذكر الأثينيين بما حازه فيليب من الظفر عليهم لغفلتهم وقلة حركتهم {كان اليونان قديما عندما يسيئون استعمال سلطتهم ليظلمواغيرهم تقوم بلادهم كلها على ساق وقدم لمنع هذا الظلم ونحن اليوم نقاسي مانقاسي من مكدوني حقير متوحش من أصل ملعون فيخرب المدن اليونانية ويحتفل بالالعاب البيتية او يأمرخدمه بالاحتفال بها وهذا ماينظر إليه اليوناني بدون أن يأتي أمراكما ينظر إلى البرد يتساقط وهو يضرع بأن لايصيبه. والسلطة تعظم بدون أن يخطو احد خطوة لايقافها. وكل ينظر من عهد إليه في تمزيق شمل غيره كما لو كان يعد ذلك ربحافي وقته بدلا من أن يفكر ويعمل لسلامة اليونان عندما يعرف الناس المصيبة ستنال البعيدين}. ولما استولى فيليب على الاتيه في مدخل بيوسيا (339) ازمع الأثينيون بما نصح به ديموستين أن يشهروا الحرب ويبعثوا بوفود إلى ثيبة وذهب ديموستين زعيما للوفد ولقي في ثيبة وفدا جاءه من قبل فيليب فتردد الثيبيون واردهم ديموستين على أن يتناسوا جميع احقادهم القديمةوأن لايفكروا في غير سلامة الوطن اليوناني وفي الدفاع عن الشرف والحرية فعزموا بمساعيه أن يعقدوا محالفة مع أثينة وأن يظلوا على المقاومة والحرب. وبعد سنة (338) نشبت الحرب في شيرونيه من أعمال بيوسيا وكان عمر ديموستين إذ ذاك ثمانيا وأربعين سنة فخدم في الجيش جنديابسيطا وإذ كان جيش الأثينين والثيبيين قد دعي إلى حمل السلاح بسرعة لم يعادل جند فيليب المدربين ولذلك كأنت الهزيمة الأول.
الاستيلاء المكدوني_واذ ظفر فيليب أقام حامية في ثيبة وصالح أثينة ثم دخل إلى ارض المورة فاستقبله أهلها كانه المحسن إلى الشعوب التي اضطهدها اسبارطة ومن ذاك العهد لم يصادف أقل مقاومة فجاء إلى كورنت (337) وجمع فيها مندوبي جميع المدن اليونانية (ماخلا الاسبارطيين فإنهم لم يبعثوا بمندوبين قط) وعرض عليهم مشروعه وهو أن يتوبى زعامة جيش يوناني لغزو فارس فاستحسن المندوبون رأيه وعقد محالفة عامة بين المدن اليونانية كافة وذلك على أن تحكم كل مدينة نفسها بنفسها وتعيش بسلام مع غيرها وأنشىء مجلس لتلك الوحدة لمنع الحروب والفتن الأهلية والقتل والمصادرة وهذه الوحدة كان من شأنها الاتحاد مع الملك مكدونيا والاقرار له بالزعامة على جميع الجنود والسفن اليونانية وحظر على كل يوناني أن يحارب فيليب وإذا فعل تضرب عنقه دون محاكمة.
الأسكندر - خنق فيليب ملك مكدونية سنة 334 وكان ابنه الأسكندر إذ ذاك ابن عشرين سنة وكان مثل جميع اليونان من أبناء البيوت الشريفة ماهرا في الالعاب الرياضية شديد القوى في الكفاح يحسن ركوب الصافنات الجياد (وهو الذي وحده استطاع أن يكبح جماح حصانه بوسيفال في الحرب) وكان زيادة على ذلك عارفا بالسياسة حسن البيان يعلم التاريخ الطبيعي وكان أستاذه من سن الثالة عشرة الفيلسوف أرسطو أعظم عالم في اليونأن فكان يتلو الالياذة بشوق ويدعوها دليل فن الحرب ويريد أن يتشبه بالأبطال الذين ورد ذكرهم فيها. فكان خلق ليكون فاتحا لأنه مغرم بالقتال مولعبحب الشهرة وكان ابوه يقول له (ان مكدونية ضيقة النطاق فلاتسعك)
الجحافل المكدونية - ترك فيليب لابنه الأسكندر اداة من ادوات الفتح ونعني بها الجيش المكدوني وهو أحسن جيش عهد في بلاد اليونان يؤلف جيش المشاة وجيش الفرسأن فكان الجحفل المكدوني مؤلفا من16 الفا من الرجال مصفوفين ألوفا ألوفاستة عشر صفاويحمل كل واحد منهم رمحا طوله ستة امتار وكان المكدونيون في ساحة الغي بدلا من أن يسيروا إلى العدو كلهم من جهة واحدة يقفون لاحراك بهم ويضربون برماحهم العدو منكل صوب وكان جنود المؤخرة يرفعون رماحهم من فوق رؤوس الصفوف الأولى بحيث كان ذاك الجيش يشبه حيوانا عظيما وقد انتصب وعليه الحديد والعدو يدأهمه فبتحطم. وكنت ترى الأسكندر بينما كان الجيش في ساحة الحرب يوقع بالعدو وهو في مقدمة فرسانه وكانت هذه الكتيبة من الفرسان مؤلفة من خيار الفتيان الإشراف.
فتح آسيا - سافر الأسكندر في ربيع سنة 334 في ثلاثين الف رجل (معظمهم من المكدونيين) وفي 4500 فارس لايحمل معه غير 70 تالونا من المال (أقل من أربعمائة فرنك) وذخيرة تكفي هذا الجيش الضخم أربعين يوما. ولم يكن عليه أن يقاتل ذاك الغوغاء من الشعوب التي لاسلاح لها وقد سخرها كنجسر الفارسي لأمره فقط بل كان أمامه خمسون الفا من اليونأن المجندين في خدمة الخاقان الأعظم تحت قيادة حاذق يدعىممنون الرودسي فقد كان في مكنة هؤلاء اليونان أن يصدوا المكدونيين عن العبور ولكن صادف أن مات ممنون وتشتت جيشه شذر مذر فتخلص الأسكندر من خصمه الوحيد العنيد وفتح المملكة الفارسية في سنتين. وذلك بعد أن ظفر في ثلاث مواقع فبدد في آسيا الصغرى الجيوش الفارسية الرابطة وراء نهر غرانيك (في مايو333) وهزم الأسكندر دار يوس ملط فارس وجيشه الذي يقال إنه كان مؤلفا من ستين الفا من مضايق سيليسيا في ايسوس (نوفمبر 332) وشتت في اربل بالقرب من دجلة جيشا أكثر عددا (331).
فكانت هذه الغلبات مثالا من الحروب المادية فالجيش الفارسي لاسلاح له ولايحسن الرماية وهو مشوش بنفسه في اخلاط من الجنود والاجراء والاثقال وكأنت الجنود المختارة وحدها التي تقاتل والباقي يشتت ويقتل ولم يكن الفتح في غضون الحرب الانزهة يكتب فيها الظفر وهذا الفاتح لايجد أمامه مقاوما وماذا يهم شعوب المملكة أن يخضعوا لداريوس او للأسكندر كان يفتح بها مملكة برأسها فموقعة الغرانيك استولى قيها على آسيا الصغرى ومعركة ايسوس افتتح فيها سورية ومصر ومعركة اربل بقية البلاد.
ولما صار الأسكندر الحاكم المتحكم في المملكة الفارسية اعتبر نفسه وارثا للخاقأن الأعظم صاحب فارس فلبس اللباس الفارسي واستعمل عادات البلاط الفارسي في الاحتفالات الرسمية واكره قواده أن يركعوا أمامه على السنة الفارسية وتزوج من بنات الفرس وزوج ثمانين من ضباطه من ثمانين من بنات إشرافهم وأراد أن يوسع مملكته إلى أقصى الحدود كما فعل الملوك القدماء وتقدم فاتحا نحو الهند وهو يقاتل القبائل المحاربة ولما عاد في جيشه إلى بابل (324) هلك بالحمى في بضعة أيام في الثالثةوالثلاثين من عمره (321)
مقصدالأسكندر - من المتعذر جدا أن نعرف ما كان يقصد الأسكندر. هل كان يفتح حبا بالفتح؟ او إنه كان له مقصد آخر؟ وهل كان يريد أن يجعل جميع تلك الشعوب شعبا واحدا ومملكة واحدة؟ هل اتخذ المناجي الفارسية ليكون مثالا لغيره؟ او أنه قلد الخاقان الأعظم صلفاوإعجابا؟ اننا لن نقف على نياته إلا أن أعماله كانت لها نتائج عظيمة وقد اسس سبعين مدينة وعدة مدائن في مصركالأسكندرية وفي بلاد التتر حتى بلاد الهند ووزع على رعاياه الكنوز التي وجدها في خزائن الخاقان الأعظم وكانت مطروحة فيها لاينتفع بها وأخذ معه علماء يونانيين لدرس نبات آسيا وحيوانتها وجغرافيتها وهيأالملكات في الشوب الآسيوية إلى تعلم لغة اليونان والتخلق بأخلاقها ولذلك أطلق على الأسكندر لقب الكبير
تأسيس الممالك اليونانية
الأسكندرية - المتحف - ممالك آسيا - التمدن اليوناني في الشرق
خراب مملكة الأسكندرية - جمع الأسكندر تحت علم واحد جميع بلاد العالم القديم من بحر الادرياتيك إلى نهر الاندوس ومن مصر إلى القأفقاس. ولم يدم الملك العظيم الابدوامة فلما هلك اختلف قواده فيمن يولى الملك بعده وحارب بعضهم بعضا مدة عشرين سنة واتخذوا بادىء بدء حجة لحروبهم بانهم يتقاتلون لمعاضدة احد أسرة الأسكندر كاخيه وابنه واخوته وإحدى زوجاته ثم تقاتلوا علنا بأسمائهم وتوطيدا لدعائم الملك لسلطانهم فكان لكل واحد منهم جزء من الجيش المكدوني او جنود يونان مأجورون فكان اليونانيون يتقاتلون فيمن يستأثر بآسيا ويحكم عليها والناس ينظرون إليهم غير محتفلين بما يأتون كما كان لو كان اليونان يقاتلون الفرس أعداءهم. ولما وضعت الحرب اوزارها لو يبق الا ثلاثة قواد وقد هيأ له كل منهم مملكة واسعة مما خلفه الأسكندر فحكم بطليموس مصر وسلوقس سورية وليزيماك مكدونية وكانت انفصلت بعض الممالك الصغرى او أخذت بالانفصال عنها مثل أبير أوروبا ومثل بون وبيتيني وغالاسيا وكابادوس وبرغام في آسيا ومثل مقاطعتي باكتريان وبارسيا من بلاد الفرس وبذلك تم تقسيم مملكة الأسكندر.
التمدن اليوناني في الشرق - كان الملك من أبناء اليونان ويعيش عيش اليونان ويحافظ على لغته ودينه وعاداته. من الآسياوين أي من البرابرة وهو يحاول أن يجعل له حاشية من جنسه ويجند جنوده من أبناء يونان بالاجرة ويتخذ موظفين يونأن لادازة البلاد ويجلب إلى عاصمته شعراء وعلماء وأرباب فنون من اليونان. وكان في البلاد على عهد ملوك الفرس كثير من اليونانوالطوأرىء والتجار ولاسيما من الاجناد فأكثر ملوك اليونان من جلبهم وانتشروا في جميع أطراف آسيا وكثر سوادهم حتى انتهت الحال بالوطنين أن يلبسوا اللباس اليوناني وينتحلوا الديانة اليونانية والأخلاق اليونانية واللغة اليونانية ولم يعد الشرق آسياويابل أصبح يونانيا حتى أن الرومانيين لم يجدوا في آسيا في القرن الأول شعوبا يشبهون اليونانية باسرهم
الأسكندرية - لقب ملوك اليونان من مصر وهم خلفاء بطليموس بلقب الفراعنة على نحو ما كان يلقب ملوكها الاقدمون ولبسوا التاج ودعوا الناس إلى عبادتهم باسم أبناء الشمس ولكنهم كانوا محاطين باليونانية وأقاموا عاصمتهم على شاطىء البحر في مدينة يونانية وهي الأسكندرية. تلك المدينة الجديدة التي أنشئت بأمر الأسكندر. بنيت الأسكندرية على سطح مستو فكانت ذات نظام أكثر من غيرها من المدن اليونانية وكأنت الشوارع تنقسم إلى زاوية قائمة ويشقها من وسطها شارع وعرضه ثلاثون مترا وطوله ستة كيلو مترات وعلى جانبيها ابنية عظيمة مثل بناء الستاد حيث كانت تقام الالعاب العامة والجمناز والمتحف والارسينوم. وكان المرفأ مؤلفا من سد طوله الف وثلثمائة متر يصل بين اليابسة وجزيرة فاروس وفي طرف هذه الجزيرة أقيم برج من الرخام جعل في قمته مكان بنبعث منه ضوء على الدوام لتسير به السفن التي تريد دخول المرفأ ومن هناك جاء اسم المنارة. فقامت الأسكندرية مقام المدن الفينيقية وغدت المينا العظمى للتجارة في العالم باسره.
المتحف - كان المتحف بناء عظيما من الرخام متصلا بقصر الملك وقد أراد ملوك مصر أن يجعلوه معهدا علميا عظيما. وفيه مكتبة عظيمة وكان القوام عليها أن ببتاع جميع مايتسنى له الظفر به من الكتب فكل كتاب يدخل مصر يحمل إلى المكتبة والنساخ وينقلون المخطوطات ويرجعون نسخة لصاحبها مع التعويض عليه واتصلت الحال بان جمع على هذا النحو عددمن الجلدات لم يسمع بمثله (وهو أربعمائة الف مجلد كما قيل) وكأنت الكتب المخطوطة لكبار المؤلفين إلى ذاك العهد مبعثرة مشتتة وعرضة لخطر الضياع فأصبحت يعرف لها مقر يرجع إليه.
وكان في المتحف ايضا حديقة للنبات والحيوان ومرصد فلكي وقاعة للتشريح اقيمت علىالرغم من اوهام المصريين كما أقيم معمل كيماوي (كان الملك بطليموس فيلادلف يخشى كثيراًمن الموت فقضى بضع سنين في البحث عن اكسير لأطالة الحياة) وكان في المتحف العسكري مساكن للعلماء والرياضين والفلكيين والأطباء ويقدم لهم غذاؤهم على نفقة الحكومة وكثيراً ما كان الملك يتناول الطعام معهم دليلا على احترامه لهم وكانوا يقضون اوقاتهم في المحاورة والمطالعة ويجيء الناس من جميع بلاد اليونأن ليستمعوا لما يلقون وكان الشبان يبعث بهم اباؤهم إلى الأسكندرية ليتعلموا. ويقال إنه كان فيها نحو 14الفا من الطلاب. ومن ثم كان المتحف مكتبة ومجمعا علميا ومدرسة في آن واحد فهو أشبه بمدرسة جامعة وهذا الوضع الذي هو عام بيننا مألوف كان على ذاك العهد من الاوضاع الجديدة التي لم يسبق لها نظير. ولقد أصبحت الأسكندرية بفضل متحفها مقصد جميع المشارقة من يونان ومصريين وأسرائليين وسوريين يحمل كل منهم دينه وفلسفته وعمله ويختلط بعضهم ببعض فغدت الأسكندرية إذ ذاك وظلت قرونا كثيرة عاصمة العلم والفلسفة في العالم.
برغامة - كانت برغامة في آسيا الوسطى من ممالك الصغرى ولم تعد لها سطوة بيدان عاصمتها برغامة كانت كالأسكندرية مدينة أرباب الصنائع والأدب وانشأ نقاشو برغامة في القرن الثالث قبل الميلاد مدرسة مشهورة. وقد ملكت برغامة كما ملكت الأسكندرية مكتبة كبرى جمع إليها الملك اتال الكتب المخطوطة لقدماء المؤلفين وفي برغامة اخترعت الكتابة على الجلود لاستعاضة عن ورق البردي وكان هذا الورق الجديد ورق برغامة هو الورق الذي حفظت به المخطوطات القديمة
الحروب الأخيرة في يونان العصابات - الفتح
الحروب الأهلية - كانت بأيدي بضع أسرات غنية من اليونانيين في جميع المدن اليونانية على التقريب جميع الأعمال والمعامل الصناعية والسفن التجارية وعامة مصادر الربح وموارد العيش اما سائر الاسرات أي السواد الأعظم فلم يكن لهم ارض ولامال وماذا كان الوطني الفقير بعمله ليكسب رزقه؟ لم يكن له إلا أن يؤجر نفسه زراعا او عاملا او ملاحا. بيد أن عبيد أرباب الثروة في مصانعهم ومعاملهم وسفنهم وكانوا يقومون بهذه الأعمال ولايكلفون للانفاق عليهم غير شيء زهيد بالنسبة للنفقات التي كان على السادة أن ينفقوها إذا استخدموا الاحرار في أعمالهم لأنهم كانوا يطعمون عبيدهم طعاما غليظا ولا يؤدون إليهم أجورا. ثم إنه من الصعب على الفقير أن يعمل لحسابه لندرة الدراهم ولم تكن الفائدة من عشرة في المئة وهيهات أن يقرضه إنسان مايعوزه. على أن العادة لم تكن تسمح للوطني أن يتعاطى الصنائع لأن الفلاسفة كانوا يقولون بانها تفسد الجسم وتضعف النفس ولاتترك في وقت صاحبها متسعا للنظر في الشؤون العامة ولذلك قال أرسطو أن المدينة الحسنة النظام لايجب عليها أن تعد الصانع فيها وطنيا. فكانت من الوطنيين في يونان طبقة شريفة ترى كما يرى الإشراف في فرنسا قديما أن لها الحق أن تحكم وتحارب وفي ذلك شرفها اما تعاطيها الأعمال بايديها فيعد تنازلا واتضاعا ومن اجل هذا حالف البؤس معظم الوطنيين بما كانوا عرضة له من منافسة العبيد في أعمال الحياة وما وقر في نفوسهم من شروط الشرف والنباهة فحكم الفقراء المدن ولم تكن أسباب عيشهم متوفرة وخطر لهم أن يسلبوا الأغنياء فألف هؤلاء شركات منهم لمقاومة أولئك وعند ذلك انقسمت كل مملكة يونانية إلى قسمين الأغنياء ويدعون (الأقلية) والفقراء ويدعون (الأكثرية) أو الشعب. وبدأ الأغنياء والفقراء يتباغضون ويتقاتلون فإذا صار الحكم للأغنياء يطردون الأغنياء ويصادرون أموالهم وربما اتخذوا واسطتين بالغتين في التطرف وهما الغاء الديون وتقسيم الاراضي من جديد. فإذا عادت السلطة للأغنياء يطردون الفقراءوكانوا يتعاهدون بينهم في كثير من المدن قائلين (اقسم باني اظل ابدا معاديا للشعب واؤذيه مااستطعت) ولم ثمت من سبيل إلى التوفيق بين الفريقين فلا الأغنياء يستطيعون أن يستسلموا للتخلي عن ثروتهم ولا الفقراء يرضون أن يموتوا جوعا. قال أرسطو (أن الثورات تنشأ من سبب تقسيم الثروات) ويقول بوليب (ان حرب أهلية تنشب فهي لنقل الثروات من يد إلى أخرى)
ومن ثم كان الفريقان يقتتلان أشد قتال على نحو مايحدث ابدا بين الجيرأن فتغلب الفقراء بادىء بدء في ميلت واكرهوا الأغنياء على الهرب من المدينة ثم اسفوا لأنهم لم يذبحوهم فأخذوا أولادهم وجمعوهم في الانأبير تحت ارجل البقر ودخل الأغنياء المدينة فأصبحوا أصحابها الحاكمين فيها وأخذوا هم ايضا أبناء الفقراء وزفتوهم (دهنوهم بالزفت) واحرقوهم احياء.
الحكم الجمهوري والحكم الأفرادي - كان لكل من الأغنياء والفقراء شكل خاص في الأحكام يجرونها في المدينة عندما يقوى أحد الفريقين. فكانت حكومة الأغنياء من نوع الحكم الأفرادي (أوليكارشي) تعهد بالأحكام إلى بعض أفرادها اما حكم الفقراء فكان حكمهم ديمقراطيا يكلون حكمهم إلى مجلس الأمة وكل واحد من الفريقين يتفق مع الفريق المماثل في المدن الأخرى وبذلك تألفت عصابتان تقاسمتا بينهما جميع المدن اليونانية: عصابة الأغنياء أو الحكم الأفرادي وعصابة الفقراء أو الحكم الجمهوري. وبدأت هذه الطريقة في الحكم خلال حرب المورة فكانت أثينة تعضد الحزب الديمقراطي واسبارطةتماليء الحكم الأفرادي فاتحدت المدينة التي فيها للفقراء سلطة مع أثينة كما اتحدت المدن التي تسلط عليها الأغنياء مع اسبارطة. ولقد قامت الحروب الأهلية بين الأغنياء والفقراء ثلاثة قرون (من 430إلى 150) ذبح في خلالها كثير من أبناء البلاد وطرد منهم عدد أكثر من ذلك فأخذوا يهيمون في أطراف الأرض على وجوههم لأمورد لهم يعيشون منه ولا يعرفون الاصناعة واحدة وهي الجندية فينخرطون متطوعين في الجيش الاسبارطي والأثيني وفي جيش الخاقان الأعظم والجيش الفارسي بل وفي كل جيش يدفع إليهم أجورهم فكان من أبناء يونان خمسون الفا في خدمة عندما قاتل الأسكندر وهم لايكادون يعدون إلى بلادهم متى خرجوا منها.
العصابات - ضعف الشعوب التي حكمت بلاد اليونان واسبارطة وأثينة وثيبة ولم يبق في القرن الثالث من أهل الشدة والبأس غير سكان غرب البلاد فالايتوليون يسكنون الجبال في شمالي خليج كورنت والآسيون النازلون في شاطىء المورة في جنوبي هذا الخليج وقد نظموا أحوالهم عصابات لامدنا فاحتفظت كل مدينة بحكومتها وكان لها كلها مجلس للعصابة يقرر فيه الحرب والعهود ويفرض الجند الذي تقدمه وينتخب القائد الذي يقضى عليه أن يقود جيش العصابة.
فإنقسمت المدن اليونانية بين هاتين العصابتين المتعاديتين. من العادة أن تعضد العصابة الايتولية الحرب الديمقراطية والعصابة الآشية الحزب الاليكارشي. وقد رأس العصابة الآشية ضأبطأن شهيران إحداهما ارتوس في القرن الثالث وهو الذي طاف بلاد اليونان سبعاوعشرين سنة (251 - 224) طاردا الظالمين من جيع المدن أخذا بيد الأغنياء معيدا إليهم أموالهم ومقلدهم حكم للبلاد والقائد الثاني فيلوميان قام في القرن الثاني وقاتل الظالمين في اسبارطة فقتله السينيون.
احلاف الرومانيين - لم يكن احد من تينك العصابتين من القوة بحيث يجمع جميع المدن اليونانية وعندئذ ظهر الرومأن فحاربهم من ملوك اليونأن فيليب ملك مكدونية (192) ثم ملك سورية انطيوخس (193 - 169) فنكست اعلامهم كليهما ودمرت رومية جيوشهما واستولت على اساطيلها وقاتلت (برسي) ملك مكدونية الجديد وأسرته وخربت مملكته (167).
ولم يحاول اليونان قط أن يجتمعوا للدفاع عن انفسهم وظل فقراؤهم واغنياؤهم يقتتلون وكل حزب يمقت الحزب المعادي له أكثر من بغضه الغريب وتحالف الحزب الديمقراطي مع ملك مكدونية ودعا الحزب الأوليكارشي للرمانيين. وبينما الثيبيون من الديمقراطيين يقاتلون في جيش فيليب كان مواطنهم من الأوليكارشيين يفتحون أبواب المدينة للقائد الروماني وقد حكم بالإعدام في رودس على كل من قاموا او تكلموا بما يخالف رضى رومية وكتب كاليكرات احد اشياع الرومانيين من الآشيين قائمة بالف وطني اتهمهم بانهم كانوا يميلون للبرس فارسلوا إلى رومية وأمسكوا فيها عشرين سنة بدون أن يحاكموا.
الفتح - لم يظهر الرومانيون أولا في مظهر الأعداء وقد ذهب القنصل فلامانيوس سنة197 بعد أن غلب ملك مكدونية إلى برزخ كورنت واعلن أمام اليونأن المجتمعين للالعاب البرزخية بان جميع الشعوب اليونانية حرة فطرب الجمهور لقوله واقتربوا منه ليشكروه يريدون أن يسلموا عليه وهو محررهم وأن يروا صورته ويلمسوا يده ويلقوا عليه اكاليل النصر وباقات الزهور فازدحم الناس عليه حتى كاد يختنق. ولم يلبث الرومانيون أن أصبحوا سادة فحدثتهم انفسهم بان يقودوا البلاد فاطاعهم الأغنياء عن رضى لان رومية كانت لهم واسطة للخلاص من حزب الفقراء ودامت هذه الحال أربعين سنة. ولما شغلت رومية بقرطجنة سنة 147 للحزب الديمقراطي حياته في بلاد اليونان فاعلن الحرب على الرمانيين فذعر لذلك فريق من اليونانيين وتقدم كثيرون إلى الجند الروماني ووشوا إليهم بمواطنهم بل وشوا بانفسهم وبعضهم فروا إلى اقاصي المدن وآخرون القوا بانفسهم في الآبار أو الهوات وصادر زعماء المقاومين أموال الأغنياء والغوا الديون واعطوا سلاحا للعبيد وكان الجهاد شديدا واذ غلب الآشيون للمرة الأولى عادوا فحشدوا جيشاوساروا إلى القتال مستصحبين نساءهم وأولادهم وحبس القائد دبوس نفسه وجميع عياله في بيته والقى فيه النار. وكانت كورنت مركز المقاومة فدخلها الرومانيون وذبحوا الرجال وباعوا النساء والأولاد (146) ونهبت المدينة وحرقت وكانت مملوءة بالنفائس وكنت ترى صور كبار المصورين مطروحة في الغبار والجند الروماني مستلقيا فوقها يلعب بالنرد.