الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 23/غلاة الكتب

مجلة المقتبس/العدد 23/غلاة الكتب

بتاريخ: 15 - 12 - 1907


لله اخوان افادوا مفخراً ... فبوصلهم ووفائهم اتكثر

هم ناطقون بغير السنة ترى ... هم فاحصون عن السرائر تضمر

ان ابغ من عرب ومن عجم معاً ... علماً مضى فبه الدفاتر تخبر

حتى كاني شاهد لزمانها ... ولقد مضت من دون ذلك اعصر

خطباء أن ابغ الخطابة يرتقوا ... كفي ركفي للدفاتر منبر

كم قد بلوت بها الرجال وإنما ... عقل الفتى بكتاب علم يسير

كم قد هزمت به جليساً مبرماً ... لا يستطيع له الهزيمة عسكر

ليس في الدنيا منظر تنصرف إليه الوجوه ولا صورة تحدق فيها العيون ولا نفحة ترتاح إليها الارواح وتخاطبها القلوب ولا صديق اخلص من ذاك الكتاب تودعه سرك فلا يخونك وتبوح إليه بذات نفسك فيحفظ غيبتك ويطرب حضرتك. ليس في صنائع البشر مثل هذه الاوراق الثمينة التي قد يجهد كاتبها في تسويدها نفسه ويصرف عليها أيامه واعوامه رجاء نفع يرتجى وعقل يرتقي وجهالة تضمحل وذكر يخلد ومحمدة تردد. نعم ليس افعل في القلوب من الكتاب يعيد مظلمها مستنيرا وميتها حياً ويجعل بعد عسر يسرا. فبالكتب تحيا الأمم وترتفع إلى ذرى المجد والسؤدد بالصحف تأنس النفوس المستوحشة وتنبسط الصدور المنقبضة.

وماذا عسانا نقول في وصف الكتاب بعد أن قرأ القارئ ما قرأ في صدر هذا الجزء من قول الجاحظ سيد العلماء ورأس الحكماء وإنما نقول هنا على الجملة إن قد كثر المولعون في جميع الكتب قديما بكثرة أسباب الحضارة بحيث لو أراد المرء إحصاء من ولعوا بذلك من العرب ووصف شيء من حالتهم لا قتضى ذلك كتاباً برأسه. فبلغ من عناية الملوك بالكتب وجمعها أن حمل المأمون إلى بغداد من الكتب المخطوطة ما يثقل مائة بعير وكان من شروط صلحه مع ميشيل الثالث أن يعطيه مكتبة من مكاتب الاستانة. قيل إن عدد مجلدات خزانة المأمون كان ستمائة الف وأن فهرستها دخلت في أربعة وأربعين مجلداً وقيل ذلك في مكتبة الخلفاءبالأندلس. وانشي بيت الحكمة في بغداد على عهد الرشيد في غالب الاقوال وكان يجتمع فيه النساخ والمؤلفون والمترجمون والمطالعون. اما دار الحكمة او دار العلم في القاهرة فكانت فيها خزانة انشأها الحاكم بأمر الله وحمل إليها الكتب من خزائن القصور. وكان في أوائل القرن الرابع مكتبة تحتوي على مائة الف مجلد منها ستة آلاف في الطب والفلك لا غيره وكان من نظامها أن تعار بعض الكتب للطلبة المقيمين في القاهرة. وقد تكأثرت خزائن الكتب في المدرس الكبرى والصغرى فقومت كتب المدرسةالنظامية ببغداد بالوف وكذلك كان شأن مدارس الشام ومصر.

قال القلقشندي في خزائن الكتب المشهورة: ويقال أن أعظم خزائن الكتب في الإسلام ثلاث خزائن احداها خزانة الخلفاء العباسيين ببغداد فكان فيها من الكتب مالا يحصى كثرة ولا يقوم عليه نفاسة ولم تزل على ذلك إلى أن دهمت التتر بغداد فذهبت خزائن الكتب فيما ذهب. الثانية خزانة الخلفاء الفاطميين بمصر وكانت من أعظم الخزائن وأكثرها جمعاً للكت النفيسة من جميع العلوم ولم تزل على ذلك إلى أن انقرضت دولتهم فاشترى القاضي الفاضل أكثر كتب هذه الخزانة ووقفها بمدرسته الفاضلية بدرب ملوخيا بالقاهرة فبقيت فيها إلى أن استولت عليها الايدي فلم يبق منها الا القليل. الثالثة خزانة خلفاء بني امية بالأندلس وكانت من اجل خزائن الكتب أيضاً ولم تزل إلى انقراض دولتهم باستيلاء ملوك الطوائف عليها. قال وأما الآن (أي في القرن الثامن) فقد قلت عناية الملوك بخزائن الكتب الكتف اكتفاء بخزائن كتب المدارس.

ولم تكن الحكومات ورؤسائها مولعة بجمع الكتب وجعلها وقفاً على المطالعة والمراجعة في قصورهم او مكاتب ينشئونها لهذا الغرض اوفي مدارسهم بل كان العلماء الوزراء وكثير من أهل الثراء مولعين باقتناء الكتب على تعذر الحصول عليها فقد كان نور الدين الشهيد مولعاً بالكتب جمع منها الأمهات وقف كثيراً منها على الاستفادة. وكذلك كان صلاح الدين فإنه نقل بعض الكتب المهمة من مصر إلى الشام لما صار عليهما سلطاناً.

وانشأ يعقوب بن كلس وزير العزيز بالله ثاني الخلفاء الفاطميين خزانة كتب الواحد عشرات من النسخ ولقد غإلى من كتب عنها ومنهم المقريزي وقالوا كان العزيز يتعهدها بنفسه حيناً بعد آخر. وانشأ نوح بن منصور صاحب بخأرى من ملوك بني سامان مكتبة منقطعة القرين فيها الكتب على اختلاف ضروب العلم. وقد وصفها ابن سينا وكان أذن له بدخولها وقراءة ما فيها من كتب الطب فقال: دخلت داراً ذات بيوت كثيرة في كل بيت صناديق كتب منضدة بعضها على بعض في بيت كتب العربية والشعر وفي آخر الفقه وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد فطالعت فهرست كتب الأوائل وطلبت ما احتجت إليه منها ورأيت من الكتب مالم يقع اسمه إلى كثير من الناس قط وما كنت رأيته من قبل ولا رأيته أيضاً من بعد.

ولما كتب نوح بن منصور إلى الصاحب بن عباد وزير بني بويه المتوفي سنة 385 ورقة في السر يستدعيه ليفوض إليه وزارته وتدبير مملكته كان من جملة اعذاره إليه أنه يحتاج لنقل كتبه خاصة إلى أربعمائة جمل فما الظن بما يليق بها من التجمل. وكان سيف الدولة بن حمدان مولعاً بجمع الكتب ولوع نوح بن منصور فكانت في داره خزائن كبيرة جمع فيها الأمهات المفيدة.

وقيل إن وزير الواثق بالله كان ينفق ثلاثين ألف دينار كل شهر على ترجمة الكتب ونسخها. وكان للفتح بن خاقان وزير المتوكل خزانة كتب جمعها علي بن يحيى لم ير أعظم منها كثيرة وحسناً وكان يحضر داره فصحاء العرب وعلماء البصرة والكوفة قال ابو هنان ثلاثة لم ار قط ولا سمعت بأكثر محبة للكتب والعلوم منهم الجاحظ والفتح بن خاقان واسمعيل بن اسحق القاضي وكان الفتح يحضر لمجالسة المتوكل فإذا أراد القيام لحاجة اخرج كتاباً من كمه او جيبه وقرأ فيه إلى حين عودة المتوكل - قاله ابن الكتبي في الفوات.

وذكر المبرد مثل هذه الرواية فقال أنه مارأى احرص على العلم من ثلاثة الجاحظ والفتح بن خاقان واسمعيل بن اسحق القاضي. فأما الجاحظ فإنه كل إذا وقع بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أي كتاب كان وأما الفتح بن خاقأن فإنه كان يحمل الكتاب في خفه فإذا قام بين يدي المتوكل للبول أو الصلاة اخرج الكتاب للنظر فيه وهو يمشي حتى يبلغ الموضع الذي يريده ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه إلى أن يأخذ مجلسه. واما سمعيل بن اسحق فإني ما دخلت عليه قط الا وفي يده كتاب ينظر فيه او يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه. وبلغ من ولوع بعض الخاصة بالتوفر على خدمة العلم انهم كانوا يفتحون أبواب خزائنهم لكل مستفيد فقد جعل حنين بن اسحق النسطوري في بغداد داره مكتبة عامة تفد إليها طلاب العلوم العقلية والرياضية وكان يتبرع بماذا كرتهم فيما يريدون المذاكرة فيه. وكان لافرائيم بن الزفإن الإسرائيلي من أطباء مصر همة عالية في تحصيل الكتب الطبية وغيرها وكان أبداً عنده النساخ يكتبون ولهم ما يقوم بكفايتهم منه. وقال ابن أصيبعة وحدثني أبي أن رجلاً من العراق كان قد أتى إلى الديار المصرية ليشتري كتباً ويتوجه بها وانه اجتمع مع افرائيم واتفق الحال فيما بينهما أن اباعة افرائيم من الكتب التي عنده عشرة آلاف مجلد.

وكأن ذلك في أيام ولاية الأفضل بن أمير الجيوش فلما سمع بذلك أراد أن تبقى تلك الكتب في الديار المصرية ولا تنتقل إلى موضع آخر فبعث إلى افرائيم من عنده بجملة المال الذي كان قد اتفق تثمينه بين افرائيم من الكتب ما يزيد على عشرين الف مجلد. وكان للصاحب امين الدولة السأمري همة عالية في جمع الكتب وتحصيلها قال ابن أبي اصيبعة: واقتنى كتباً كثيرة فاخرة في سائر العلوم وكأنت النساخ أبداً يكتبون له حتى أنه أراد مرة نسخة من تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر وهو بالخط الدقيق ثمانون مجلداًً فقال: هذا الكتاب الزمن يقتصر أن يكتبه ناسخ واحد ففرقه على عشرة نساخ كل واحد منهم ثمان مجلدات فكتبوه في نحو سنتين وقد اجتمع عندما كثر من عشرين الف مجلد وفي رواية انها بلغت مائة الف مجلد لا نظير لها في الجودة. ووقف موفق الدين أبي طاهر بساوة دار الكتب. قال ابو بكر بن شإذان: وكان ممن أخذ عن الصولى وكان يتباهى كثيراً بالكتب وهي مصفوفة وجلودها مختلفة الألوان كل صف من الكتب لون فصف أحمر وصف أصفر وغير ذلك قال فكان الصوفي يقول هذه الكتب كلها سماع وكان ابو منصور الخوافي كثير الرواية وأكثر رواياته كتب الأدب وكان قد جمع كتباً من كل جنس. وكانت لبني موسى بن شاكر همم عالية في تحصيل العلوم القديمة وكتب الأوائل وأتعبوا انفسهم في شأنها وانفذوا إلى بلاد الروم من اخرجها لهم واحضروا النقلة من الاصقاع الشاسعة والأماكن البعيدة بالبذل السني فاظهروا عجائب الحكمة - قاله ابن خلكان وكانت لموفق الدين بن المطرأن المتوفي سنة 587 على ما في تاريخ الأطباء همة عالية في تحصيل الكتب حتى أنه مات وفي خزائنه من الكتب الطبية وغيرها ما يناهز عشرة آلاف مجلد خارجاً عما استنسخه وكانت له عناية بالغة في استنساخ الكتب وتحريرها. وكان في خدمته ثلاثه نساخ يكتبون له أبداً ولهم منه الجامكية والجراية وكان من جملتهم وكان من جملتهم جمال الدين المعروف بابن الجمالة وكان خطه منسوباً وكتب المطران أيضاً بخطه كتباً كثيرة وكان كثير المطالعة للكتب لا يفارق ذلك في أكثر اوقاته وأكثرالكتب التي كانت عنده توجد وقد صححها واتقن تحريرها وعليها خطة بذلك وبلغ من كثرة اعتنائه بالكتب وغوايته فيها أنه كتب لكثير من الكتب الصغار والمقالات المتفرقة في الطب وهي في الأكثر يوجد جماعة منها في مجلد واحدا استنسخ كلاً منها بذاته في جزء صغير قطع نصف ثمن البغدادي بمسطرة واضحة وكتب بخطه أيضاً عدة منها واجتمع عنده من تلك الأجزاء الصغار مجلدات كثيرة فكان أبداً لا يفارق في كمه مجلداً يطالعه على باب دار السلطان او اين توجه.

وكان للقاضي الفاضل من رجال صلاح الدين يوسف ولع بتحصيل الكتب ولعه بالكتابه قيل إن كتبه التي ملكها تكون مئة ألف مجلد وليس هذا يبعد على من كان له من صلاح الدين المكانة المعروفة فقد كان دخله ومغله على ما في كتب التاريخ نحو خمسين ألف دينار سوى متاجر الهند والمغول وغيرهما. وكان جمال الدين بن القفطي الصعيدي وزير حلب المعروف بالقاضي الاكرم المتوفي سنة 646 جماعاً للكتب جمع منها ما لا يوصف وكانوا يحملونها إليه من الآفاق وكانت مكتبته تساوي خمسين ألف دينار ولم يحب من الدنيا سواها وله حكايات غريبة من غرامه بالكتب ولم يخلف ولداً فاوصى بمكتبته لناصر الدولة صاحب حلب.

وكان ناصر الدين العسقلاني المتوفي سنة 723 جماعاً للكتب خلف ثمان عشرة خزانة مملوءة كتبا نفيسة أدبية وكانت زوجته تعرف ثمن كل كتاب وبقيت تبيع منها إلى سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وكان إذا أراد أي مجلد قام إلى خزائنه وتنأوله كانه الآن وضعه بيده قال ابن الكتبي: وكان يباشر الإنشاء بمصر زماناً إلى أن اضر لأنه أصابه سهم في نوبة حمص الكبرى فعمي وبقي ملازماً بيته. وخلف ابو زكريا يحيى معين المعري البغدادي الحافظ المشهور من الكتب مائة قمطر وأربع حباب شبأبية مملوءة كتباً وكان الأمير ابن فاتك من افاضل اعيان مصر محباً لتحصيل العلوم وكانت له خزائن كتب فكان في أكثر اوقاته إذا نزل من الركوب لا يفارقها وليس له دأب الا المطالعة والكتابة ويرى أن ذلك أهم ما عنده وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضاً من أرباب الدولة فلما توفي نهضت هي وجوار معها إلى خزائن كتبه وفي قلبها من الكتب وإنه كان يشتغل بها عنها فجعلت تندبه وفي اثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار هي وجواريها ثم شيلت الكتب المبشر ابن فاتك يوجد كثير منها وهو بهذه الحال.

وجمع الوزير الفاضل ابو نصر المنازي كتباً كثيرة وفقها على جامعة ميا فارقين وجامع آمد قال ابن خلكان وهي إلى الآن موجودة بخزائن الجامعين ومعروفة بكتب المنازي.

وكان الأستاذ أبو الفتوح برجوان من خدام العزيز صاحب مصر ومديري دولته مولعاً بالكتب ولعه بالطرائف والأثاث والرياش والآلات وخلف منها مالا يحصى كثيرة واقتنى تاج الدين البغدادي اوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع من كتب خزائن مصر كل نفيس. وكان ابو موسى سليمان بن محمد الحامض النحوي المتوفي سنة305 صاحب الكتب الحسأن في الأدب اوصى بكتبه لأبي فاتك المقتدري بخلاً بها إلى أن تصير إلى احد من أهل العلم.

وذكر صاحب نفح الطيب أن جده كان غنياً جداً حتى أن المقري هذا لم يدرك من ثروة جده الا أثر نعمة اتخذ فصوله عيشاً وأصوله حرمة ومن جملة ذلك خزانة كبيرة من الكتب.

ومن جملة ذخائر قصر العاضد آخر ملوك العبيد بين بمصر التي استولى عليها صلاح الدين يوسف خزانة كتب من الكتب المنتخبة بالخطوط المنسوبة والخطوط الجيدة نحو مائة الف مجلد. وكان ابو سعد السماني صاحب كتاب الانساب يحصل الكتب. وكان ولد القاضي الفاضل الأشرف بهاء الدين مثابراً على تحصيل الكتب مثل والده. وكان في دار أبي المظفر بن معروف من افاضل مصر واطبائها مجلس كبير مشحون بالكتب على رفوف فيه ولم يزل في معظم اوقاته في ذلك المجلس مشغلاً في الكتب والقراءة والنسخ قال في طبقات الأطباء: ومن اعجب شيء منهم الا وقد كتب على ظهره ملحاً ونوادر مما يتعلق بالعلم الذي قد صنفت ذلك الكتاب فيه وقد رأيت كتباً كثيرة من كتب الطب وغيرها من الكتب الحكمية كانت لأبي المظفر وعليها اسمه ومامنها شيء الا وعليه تعاليق مستحسنة وفوائد متفرقة مما يجانس ذلك الكتاب.

قال الذهبي وسنة اثنتين ومائة مات الضحاك بن مزاحم الخراساني صاحب التفسير وكان علامة وكان مؤدباً عنده ثلاثة آلاف صبي ومكتبة كالجامع كان يدور عليهم قلت: ومن العجيب وجود كتب في القرن الأول تكون من الكثرة بحيث صح أن تدعى مكتبة وكان اسحق بن إبرأهيمالنديم الموسيقي المتوفي سنة 235 كثير الكتب حتى قال أبو العباس ثعلب رأيت لاسحق الموصلي الف جزء من لغات العرب وكلها سماعه وما رأيت اللغة في منزل احد قط أكثر منها في منزل اسحق ثم منزل ابن الاعرأبي. وكانت صاحب القاموس الفيروز ابادي لا يسافر الا ومعه احمال من الكتب. وكتب ابن قيم الجوزية بخطه مالايوصف وكان محباً للعلم ومطالعته وكتابته واقتناء كتبه واقتنى من الكتب مالا يحصل لغيره. وكان عند محمد ابن سيد الناس كتب كبار وأمهات جيدة وهو من الحفاظ والمحدثين ورأى ابن النديم صاحب الفهرست مكتبة ابن أبي بعرة من أهل مدينة الحديثة في الموصل وقال: إنه لم ير لأحد مثلها. ومدح ياقوت الحموي مدينة مرو فقال: ولولا ما عرا من ورد التتر إلى تلك البلاد واخراجها لما فارقتها إلى الممات لما في أهلها من الرقة ولين الجانب وحسن العشرة وكثرة كتب الأصول المتقنة بها فإني فارقتها وفيها عشرة خزائن للوقف لم ار في الدنيا مثلها كثرة وجودة منها خزانتأن في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية وقفها رجل يقال له عزيز الدين ابو بكر عتيق الزنجاني وعتيق بن أبي بكر وكان فقاعيا للسلطان سنجر وكان في أول أمره يبيع الفاكهة والريحان بسوق مرو ثم صار شرأبياً له وكان ذا مكانة منه وكان فيها اثنا عشر الف مجلد او ما يقاربها والأخرى يقال لها الكمالية لا ادري إلى من تنسب وبها خزانة شرف الملك المستوفي أبي سعد محمد منصور في مدرسته ومات المستوفي هذا في سنة 494 وكان حنفي الذهب وخزانة نظام الملك الحسن بن اسحاق في مدرسته وخزانتأن للسمعانيين وخزانة أخرى في المدرسة العميدية وخزانة لمجد الملك أحد الوزراء المتأخرين بها والخزانة الخاتونية في مدرستها والضميرية في خانكاه هناك وكانت سهلة التنأول لا يفارق منزلي منها مئتا مجلد وأكثره بغير رهن تكون قيمتها مائتي دينار فكنت ارتع فيها واقتبس من فوائدها وإنساني حبها كل بلد والهاني عن الأهل والولد وأكثر فوائد هذا الكتاب (معجم البلدان) وغيره مما جمعته فهو من تلك الخزائن.

وفي خطط مصر ومزاراتها للسخاوي أن المدرسة المحمودية بخط الموازينيين انشأها محمود الاستادار في سنة 797 ورتب بها درساً للسادة الحنفية وللحديث النبوي وعمل بها خزانة كتب لم تحو خزانة مثل ما فيها من الكتب وهي كلها كتب قاضي القضاة إبرأهيمبن جماعة وكان الأمام زين الدين ابو حفص عمر بن مسلم القرشي من علماء دمشق المتوفي سنة 792 مولعاً بالكتب وملك من نفائسها شيئاً كثيراً حتى أنه لما اعتقل هو وابنه بقلعة دمشق في دولة الظاهر برقوق رهن كثيراً من كتبه على المبلغ الذي طلب منهما. وأولع الأمام المقري الواعظ المفسر الخطيب الصوفي شيخ العراق عزالدين أبو العباس احمد الفاروقي الواسطي بالكتب كثيراً قال ابن كثير: إنه خلف الفي مجلد ومائتي مجلد وتوفي سنة 694 واحب بدر الدين بن غانم احد كتاب الإنشاء بدمشق الكتب وعني بجمعها وخلف الفي مجلدة. ووقف فخر الدين المارديني الفيلسوف سنة 594 جميع كتبه في مدينة ماردين في المشهد الذي وقفه حسام الدين بن ارتق الفيلسوف والكتب التي وفقها فخر الدين هي من اجود الكتب وهي نسخة التي كان قد قرأ أكثرها على مشايخه وحررها وقد بالغ في تصحيحها واتقانها. وحصل عمرأن الإسرائيلي الطبيب المتوفي سنه 637 من الكتب الطبية وغيرها مالا يكاد يوجد عند غيره. وأحصيت الكتب التي وجدت في خزانة نور الدين على بن جابر فكانت نحو ستة آلاف مجلد. وبامثال هؤلاء راجت صناعة الوراقة والنسخ في البلاد الإسلامية وراج المطابع اليوم او أكثر حتى كان الوجيه بن صورة المتوفي سنة 607 سمساراً في الكتب بمصر (وله في ذلك حظ كبير وكان يجلس في دهليز داره لذلك ويجتمع عنده في يوم الأحد والأربعاء اعيأن الرؤساء والفضلاء ويعرض عليهم الكتب التي تباع ولا يزالون عنده إلى انقضاء وقت السوق فلما مات السلفي سار إلى الأسكندرية لبيع كتبه)

وبعد فقد أولع أهل الأندلسين بالتطريس على أثار المملكة الإسلامية الشرقية في علومهم صناعتهم وزراعتهم حتى كان لبعض العظماء منهم في كل عاصمة من عواصم العلم في الشرق مساخ متوفرون على نقل الكتب التي يؤلفها المشارقة والا يصح أن تخلو منها مكاتب المغاربة فكان الأندلسين كسائر الغربيين الاوروبين من الإفرنج يولعون من الفطرة بالأخذ عن الشرق كليات الحضارة وجزئياتها. وترى اليوم مثالاً من ذلك يشبه حال الأندلسيين مع سكان المشرق قديماً فإن أهل الغرب ما برحوا ييتبعون أثار السلف في الشرق على ارتقاء العلوم عندهم وايغالهم في مرامي المدينة.

ذكروا إنه كان في الأندلس وحدها سبعون مكتبة عامة فيها مواضع خاصة للمطالعة والنسخ والترجمة. قال ابن الخطيب كانت في سبته خزانة كتب العلوم وكذلك في مكناسة الزيتون خزائن الكتب. وكان الحكم بن الناصر المتوفي سن جماعاً للكتب يبذل الأموال في استجلابها من الاقطار قال الذهبي: ولعل كتبه كانت تساوي أربعمائة ألف دينار وقال لسأن الدين بن الخطيب إنه كان محباً في العلم والعلماء مثيراً للرجال من كل بلد جمع العلماء من كل قطر ولم يكن في بني امية الأعظم همة ولا اجل منزلة في العلوم وغوامض الفنون منه قال ابن حزم: اخبرني تليد الخصي وكان على خزانة العلوم والكتب بدار مروان أن عدد الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة في كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها الا ذكر اسماء الدواوين لا غير.

وقال ابن خلدون أن الحكم كان يبعث في شراء الكتب إلى الاقطار رجالاً من التجار ويرسل إليهم الأموال لشرائها حتى جلب منها إلى الأندلس مالم يعهدوه قال جمع بداره الحذاق في صناعة النسخ والمهرة في الضبط والاجادة في التجليد فاوعى من ذلك كله واجتمعت بالأندلس خزائن من الكتب لم تكن لأحد من قبله ولا من بعده الا ما يذكر عن الناصر العباسي بن المستضيء ولم تزل هذه الكتب بقصر قرطبة إلى أن يبيع أكثرها في حصار البربر وأمر باخراجها وبيعها الحاجب واضح ونهب ما بقي منها عند دخول البربر قرطبة.

ونقل المقري أن الحكم جمع الكتب مالا يحدولا يوصف كثرة ونفاسة حتى قيل انها كانت أربعمائة الف مجلد وانهم لما نقولها أقاموا ستة أشهر في نقلها قال: وكان ذا غرام بها قد أثر ذلك على لذات الملوك فاستوسع علمه ودق نظره وجمعت استفادته وقلما يوجد كتاب من خزائنه الا وله فيه قراءة او نظر في أي فن كان ويكتب فيه نسب المؤلف ومولده ووفاته ويأتي من بعد ذلك بغرائب لا تكاد توجد الا عنده لعنايته بهذا الشأن. وكان ابو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن أحد ملوك المصامدة شديداً الولع بالعلم والأدب طمح به شرف نفسه وعلو همته إلى تعلم الفلسفة فجمع كثيراً من اجزائها وبدأ من ذلك بعلم الطب ثم تخطى ذلك إلى ما هو أشرف منه من أنواع الفلسفة وأمر بجمع كتبها فاجتمع له منها قريب مما اجتمع للحكم المستنصر بالله الأموي قال صاحب المعجب: اخبرني أبو محمد عبد الملك الشذوني أحد المتحققين بعلمي الطب وأحكام النجوم قال: كنت في أيام شبيبتي استعير كتب هذه الصناعة يعني صنعة الأحكام من رجل عندنا بمدينة إشبيلية اسمه يوسف يكنى أبا الحجاج يعرف بالمراني كانت عنده منها جملة كبيرة وقعت إلى أبيه في الفتنة بالأندلس فكان يعيرني اياه في غرائر أحمل عرارة واجيئ بغرارة من كثرتها عنده فاخبرني في بعض الأيام أنه عدم تلك الكتب بجملتها فسألته عن السبب الموجب لذلك فاسر الي أن خبرها انهي إلى أمير المؤمنين فارسل إلى داري وانا في الديوان لا علم عندي بذلك وكان الذي ارسل كافور الخصي مع جماعة من العبيد الخاصة وأمره أن لا يودع أحداً من أهل الدار وأن لا يأخذ سوى الكتب وتوعده والذين معه أشد الوعيد أن نقض أهل البيت ابرة فما فوقها فأخبرت بذلك وانا في الديوان فظننته يريد استصفاء أموالي فركبت وما معي عقلي حتى اتيت منزلي فإذا الخصي كافور الحاجب واقف على الباب والكتب تخرج إليه فلما رآني وتبين ذعري قال لي لا بأس عليك واخبرني أن أمير المؤمنين يسلم علي وانه ذكرني بخير ولم يزل يبسطني حتى زال ما في نفسي ثم قال لي: سل أهل بيتك هل راعهم احدا اوة نقصه شيئاً.

جاء أبو المسك حتى أستأذن علينا ثلاث مرات فاخلينا له الطريق ودخل هو بنفسه إلى خزانة اكتب فأمر باخراجها فلما سمعت هذا القول منهم زال ما كان في نفسي من الروع وولوه بعد أخذهم لهذه الكتب منه ولاية ضخمة ما كان يحدث لها نفسه. ولم يزل يجمع الكتب من اقطار الأندلس والمغرب ويبحث عن العلماء وخاصة أهل علم النظر إلى أن اجتمع له منهم مالم يجتمع لملك قبله من ملوك المغرب. ولماتغلب السلطان يعقوب بن عبد االحق صاحب المغرب الأقصى على ملك قشتالة في أواخر المئة السابعة سأله أن يبعث إليه يكتب العلم التي بايدي النصارى منذ استيلائهم على مدن الإسلام فبعث إليه منها ثلاثة عشر حملاً فأمر السلطان بحملها إلى فاس وتحبيسها على المدرسة التي اسها بها لطلبة العلم. وكان احمد بن الرومية احد اعلام المحدثين المتوفي سنة637 وهو النباتي الذي وقف على مالم يقف عليه غيره ممن تقدم في الملة الإسلامية حتى صار فرداً لايجار به احد بإجماع من أهل هذا الشأن - كثير الكتب جماعاً لها كما قال في الأحاطة وذلك في كل فن من فنون العلم وربما وهب منها لملتمسه الأصل النفيس الذي يعز وجوده احتساباً واعانة على التعليم قال: وانتشرت عنه تصانيف أبي محمد بن حزم واستحسنها واظهرها واعتنيى بها وأنفق عليها أموالاً جمة حتى استوعبها جملة فلم ينشد له منها الا ما لا يخطر له مقتدراً على ذلك بجدته ويساره. قال: ولما وصل إلى المشرق لقي مئتين من شيوخها فقفل برواية واسعة وجلب كتباً غريبة.

وذكر صاحب الأحاطة أن ذا الوزارتين أبي عبد الله اللخمي المتوفي سنة 708 اكرم العلم والعلماء ولم تشغله السياسة عن النظر ولا عاقة تدبير الملك عن المطالعة والسماع وافرط في اقتناء الكتب حتى ضاقت قصوره عن خزائنها وأثرت انديته من ذخائرها. قال ابن خاتمة: كان للشيخ أبي بكر الحكيم الرندي عناية بالرواية وولوع بالأدب وصبابة باقتناء الكتب جمع من أمهاتها العتيقة وأصولها الرائقة الانيقة ما لم يجمعه في تلك الاعصر سواه ولا ظفرت به يداه وكان اقتناء الكتب عند الأندلسين من شارات الوجاهة وامارات الظرف وقد يجمع الغني ما شاء من كتب وقماطر وهو لا يعلم الفائدة المترتبة عليها وكان أهل قرطبة ارغب في مقتنايتها من أكثر البلاد الأندلسية. جرت مناظرة بين يدي ملك المغرب المنصور يعقوب بن الفقيه أبي الوليد بن رشد والرئيس أبي بكر بن زهر فقال ابن رشد لابن زهر في تفضيل قرطبة ما ادري ما تقول غير أنه إذا مات عالم بإشبيلية فاريد بيع آلاته حملت إلى قرطبة وإن مات مطرب بقرطبة فاريد بيع آلاته وكتبه حملت إلى إشبيلية حتى تباع فيها قال أبو الفضل التيفاشي: وقرطبة أكثر بلاد الله كتباً. وروى المقري أن ذلك صار عندهم من آلات التعين ورئاسة حتى أن الرئيس منهم الذي لا تكون عنده معرفة يحتفل في أن تكون في بيته خزانة كتب وينتخب فيها ليس الا لأن يقال فلان عنده خزانة كتب والكتاب الفلاني ليس عند احد غيره والكتاب الذي هو بخط فلان قد حصله وظفر به. قلت: وهذا الغلو يشبه لعهدنا غلو جماع الطوابع والعادات والصور وممن كان جماعاً للكتب والدواوين العلمية بالأندلس احمد بن عباس الانصاري فكان معتنياً بها مغالياً بها نفاعاً بها من خصه لا يستخرج منها شيئاً لفرط بخله بها الا لسبيلها حتى لقد أثرى كثير من الوراقين والتجار معه فيها وجمع منها ما لم يكن عند ملك - قاله لسأن الدين. وقال في ترجمة احمد بن الصغير الخزرجي من علماء الأندلس المتوفي سنة 559 إنه كان مولعاً بالأسفار كتب من دواوين العلم ودفاتره مالا يخفى كثرة بشدة ضبط وحسن خط وعد في جملته محتنه أن ضاعت له في ذلك وفي غيره كتب كثيرة بخطه مما تجل عن القيمة. وقال وكان احمد ابن إبرأهيممن أهل الأندلس امتحن بان نشأ بينه وبين المتغلب بمالقة من الرؤساء وحشة فكبس منزله واستولت الايدي على ذخائر كتبه وفوائد تقييده عن شيوخه ما طالت له الحسرة وجلت له الرزية ولما سريت عنه النكبة كانت له الطائلة على عدوه والطائلة الحسنى بعد الثياب أمره والظفر بكثير من منتهب كتبه وتوفي سنه 708.

وكان ابو جعفر احمد بن الجواز من أهل القيروان عالماً وجد له خمسة وعشرون قنطاراً من كتب طبية وغيرها. وكان القاسم بن محمد الاشبيلي الأمام الحافظ المحدث المؤرخ باذلاً لكتبه واجزائه ووقفها. وكان ابن نعزله اليهودي كاتب باديس الصنهاجي احد رؤساء الأندلس جماعاً للكتب وكان ضليعاً في العلم كتب عنه وعن صاحبه بالعربي فيما احتاج إليه من فصول التحميد لله تعالى والصلاة على رسوله والتزكية لدين الإسلام.

وكان محمد بن حزم جماعاً للكتب. وكان ابو بكر محمد بن يحيى والد أبي زكريا الراوية من حفاظ النحو واللغة والشعر مولعاً بالكتب جمع منها شيئاً عظيماً.

وكان عبد الله محمد بن عبد الله السلمي المرسي احد ائمة العلم كتب في البلاد التي ينتقل إليها بحيث لا يستصحب كتباً في سفره اكتفاء بما له من الكتب في البلد الذي يسافر إليه. وكان الوزير الكاتب ابو جعفر احمد بن عباس وزير زهير الصقلى ملك المرية من بلاد الأندلس جماعاً للدفاتر حتى بلغت أربعمائة الف مجلد وأما الدفاتر المخرومة فلم يوقف على عددها لكثرتها. وكان المظفرين الافطس صاحب بطليوس كثير الأدب جم المعرفة محباً لأهل العلم جماعة للكتب ذا خزانة عظيمة لم يكن في ملوك الأندلس من يفوقه في أدب ومعرفة - قاله ابن حيان. وقال ابن بسام: كان المظفر أديب ملوك عصره غير مدافع ولا منازع وله التصنيف الرائق والتأليف الفائق المترجم بالتذكرة والمشتهر أيضاً اسمه بالكتاب المظفري في خمسين مجلداً يشتمل على فنون وعلوم من مغازي وسير ومثل وخبر وجميع ما يختص به علم الأدب.

هذا ما ظفرنا فيه من اسماء غلاة الكتب في عصور الارتقاء في هذه الملة فليته يعود للشرق بعض هذه الهمة في اقتناء المفيد.