مجلة المقتبس/العدد 22/صدور المشارقة والمغاربة
→ ../ | مجلة المقتبس - العدد 22 صدور المشارقة والمغاربة [[مؤلف:|]] |
الميكروب ← |
بتاريخ: 15 - 11 - 1907 |
لسان الدين ابن الخطيب
713 - 677
قلما يتأتى لعالم ولي المناصب الرفيعة في الدول أن يبارك به في وقته فيجتمع على أحسن وجه القيام باعبائها إلى الأعمال العلمية. والأمارة والعلم قلما يجتمعان وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. من اجل هذا رأينا مثل ابن حزم وابن الهيثم يزهدان في الوزارة بل يحتالأن إلى الخلاص من توليها علماً منهما بانها صارفة لهما عن التمجض لخدمة العلم والتوفر على التصنيف.
وقل في رجال هذه الأمة من جمعوا بين المزيتين ولاية الأعمال وصرف أوقات الفراغ في التصنيف وتنمية ملكة العلم على ما كان شأن القاضي الفاضل ولسأن الدين ابن الخطيب فمترجمنا هذا هو احد مفاخر الأندلس ونوابغها علماً وعملاً لم تلهه أعمال الوزارة عن النظر في علوم كانت هي السبيل في وصوله إليها وساعده زيادة على ما كان يحافظ عليه من اوقاته إنه كان مبتلى بالارق يسهر الليل الا أقله ولذل قيل له ذو العمرين لإنه كان يعمل في ليلة كما يعمل في نهاره. فلا عجب بعد هذا أن عدت مصنفاته بستين مصنفاً لو خلف بعضها عالم انقطع للعلم جملة لعدت غربية في تابها فما بالك بابن الخطيب يتولى أمور الناس والأندلس قد أشرفت على السقوط والفتن بين الأمراء على ساق وقدم والدسائس عليه من كل جهة يكتب ويفكر وقد ترجمه ابن خلدون فقال: أصل هذا الرجل من لوشة على مرحلة من غرناطة كان له بها سلف معروفون في وزارتها وانتقل ابو عبد الله إلى غرناطة واستخدم لملوك بني الأحمر واستعمل على مخازن الطعام ونشأ ابنه محمد هذا بغرناطة وقرأ وتأدب على مشيختها واختص بصحبة الحكيم المشهور يحيى بن هذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية وبرز في الطب وانتحل الأدب وأخذ عن أشياخه وامتلأ حوض السلطان من نظمه ونثره مع انتقاء الجيد منه وبلغ في الشعر والترسيل حيث لا يجاري فيها.
وامتدح السلطان أبا الحجاج من ملوك بني الأحمر وملأ الدولة بمدايحه وانتشرت في الآفاق قدماه فرقاه السلطان إلى خدمته وأثبته في ديوان الكتاب ببابه مرؤوساً بأبي الحسن ابن الحباب شيخ العدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الأدبية ولما هلك ابن حباب سنة تسع وأربعين وسبعمائة ولى السلطان أبو الحجاج يومئذ محمد بن الخطيب هذا رياسة الكتاب ببابه وثناه بالوزارة ولقبه بها فاستقل بذلك وصدرت عنه غرائب من الترسيل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة ثم داخله السلطان في توليه العمال على يديه بالمشاركات فجمع له بها أموالاً وبلغ به المخالصة إلى حيث لم يبلغ بأحد من قبله وسفر عنه إلى السلطان أبي عنان ملك بني مروان بالعدوة معزياً بأبيه السلطان أبي الحسن فجلى في أغراض سفارته. ثم هلك السلطان أبو الحجاج وبويع ابنه نحمد بالأمر لوقته فأفرد ابن الخطيب بوزارته كما كان لأبيه واتخذ لكتابته غيره وجعل ابن الخطيب رديفاً له في أمره وتشاركا في الاستبداد معاً.
ثم بعثوا الوزير ابن الخطيب سفيراً إلى السلطان أبي عنان مستمدين له على عدوهم الطاغية على عادتهم مع سلفه فلما قدم السلطان ومثل بين يديه تقدم الوفد الذين معه من وزراء الأندلس وفقهائها استأنه في إنشاد شي من الشعر يقدمه بين يدي نجواه فأذن له وأنشد وهو قائم أبياتاً اهتز السلطان لها فأذن له في الجلوس وقال له قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم الا يجميع عطائهم. ثم أثقل كأهلهم بالإحسان وردهم بجميع مطالبهم. قال القاضي أبو القاسم الشريف: لم يسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان الا هذا. وبعد ذلك اعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن الخطيب وضيق عليه في محبسه إلى أن شفع فيه ثم سار في ركاب السلطان إلى وادي آش قادمين على السلطان أبي سالم فارغد هذا عيش ابن الخطيب في الجراية والاقطاع ثم أستأذنه السلطان في التحول إلى جهات مراكش والوفود على أثار الملك بها فأذن له وكتب إلى العمال باتحافه فبادروا في ذلك وحصل منه على حظ وعند ما مر بسلا في قفوله من سفره دخل مقبرة الملوك بشالة ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشد قصيدته على روية الراء الموصولة يرثية ويستثير به استرجاع ضياعه بغرناطة مطلعها
ان بان منزله وشطت داره ... قامت مقام عيانه أخباره
قسم زمانك عبرة أو غبرة ... هذا تراه وهذه أثاره
فكتب السلطان ابو سالم في ذلك إلى أهل الأندلس بالشفاعة فشفعوه واستقر هو بسلا منتبذا عن سلطانه طول مقامة بالعدوة ثم عاد السلطان محمد المخلوع إلى ملكه بالأندلس فاستقدم ابن الخطيب من سلا ورده إلى منزلته كما كان.
وبعد ذلك فصل عن الوزارة ثم أعيد إلى مكانة من الدولة من علو بده وقبول اشارته وأدركته الغيرة من عثمان بن يحيى مقدم القوم في الدولة ونكر على السلطان الاستكفاء به والتخوف من هؤلاء الاعياص على ملكه فخدره السلطان وأخذ في التدبير عليه حتى نكبة واباه واخوته واودعهم المطبق ثم غربهم بعد ذلك وخلا لابن الخطيب الجو وغلب على هوى السلطان وأخذ ودفع الية تدبير المملكة وخلط بينه بندمائه وأهل خلوته وانفرد ابن الخطيب بالحل والعقد وانصرفت إليه الوجوه وعلقت عليه الأمال وغشي بابه الخاصة والكافة وغصت به بطانة السلطان وحاشيته فتوأفقوا على السعاية فيه وقد صم السلطان عن قبولها ونما الخبر بذلك إلى اين الخطيب فشمر عن ساعده في التفويض عنهم.
وفي خلال ذلك استحكمت نفرة ابن الخطيب لما بلغه عن البطانة من القدح فيه والسعاية وربما خيل أن السلطان مال إلى قبولها وانهم قد احفظوه عليه فاجمع التحول عن الأندلس إلى المغرب وأستأذن السلطان في تفقد الثغور الغربية وسار إليها في لمة من فرسانه ومعه ابنة علي الذي كان خالصة السلطان وذهب لطيته فلما حاذى جبل الفتح فرضة المجاز إلى العدوة مال إليه اذ ند بين يديه فخرج قائد الخيل لتلقيه وقد كان السلطان عبد العزيز لملك العدوة قد اوعز إليه بذلك وجهز إليه الاسطول من حينه فاجاز إلى سبته وتلقاه بها بأنواع التكرمة وامتثال الأوامر ثم سار بقصد السلطان فاهتزت له الدولة واركب السلطان خاصته لتلقيه واحله بمجلسه بمحل الأمن والغبطة ومن دولته بمكان الشرف والغزة واخرج لوقته كاتبه ابا يحيى بن أبي مدين سفيراً إلى الأندلس في طلب أهله وولده فجاء بهم على اكمل الحالات من الأمن والتكرمة
ثم لغط المنافسون له في شأنه واغروا سلطانه بتتبع عثراته وابدوا ما كان كامناً في نفسه من سقطات دابته وإحصاء عصابته وشاع على السنة اعدائه كلمات منسوبة إلى الزندقة احصوها عليه ونسبوها إليه ورفعت إلى قاضي الحضرة الحسن بن الحسن فاسترعاها وسجل عليه بالزندقة وراجع صاحب الأندلس رأيه فيه وبعث القاضي أبو الحسن إلى السلطان عبد العزيز في الانتقام منه بتلك السجلات وامضاء حكم الله فيه فصم لذلك وانف لذمته أن تحفز ولجواره أن يردى وقال لهم: هلا أنتقم وهو عندكم وانتم عالمون بما كان عليه واما أنا فلا يخلص إليه بذلك احد ما كان في جواري ثم وفر الجراية والاقطاع له ولبنيه ولمن جاء من فرسأن الأندلس في جملته فلما هلك السلطان عبد العزيز سنة أربع وسبعين سار هو في ركاب الوزير أبي بكر بن عازي القائم بالدولة فنزل فاس واستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن واغتراس الجنات وحفظ له القائم بالدولة الرسوم التي رسمها له السلطان المتوفي. ولما استوفى السلطان أبو العباس على البلد الجديد دار ملكه قبض على ابن الخطيب واودعوه السجن وطيروا بالخبر إلى السلطان أبي العباس واحضر ابن الخطيب بالمشورة في مجلس الخاصة وأهل الشورى وعرض عليه بعض كلمات وقعت له في كتابه فعظم عليه النكير فيها فونح ونك ل وامتحن بالعذاب بمشهد ذلك الملأ ثم تل إلى محبسه واشتوروا في قتله بمقتضى تلك المقالات المسجلة عليه وافتى بعض الفقهاء فيه ودس سليمان بن داوود رديف وزير السلطان لبعض الاوغاد من حاشيته بقتله فطرقوا السجن ليلاً ومعهم زعانفة جاؤوا في لفيف الخدم مع سفراء السلطان ابن الأحمر وقتلوه خنقاً في محبسه واخرجوا شلوه من الغد فدفن ثم أصبح من الغد على شأفة قبره طريحاً وقد جمعت له اعواد واضرمت عليه ناراً فاحترق شعره واسود بشره واعيد إلى حفرته وكان في ذلك انتهاء محنته.
قال ابن خلدون: وعجب الناس من هذه السفاهة التي جاءت بهاسليمان واعتدوها من هناته وعظم النكير فيها عليه وعلى قومه وأهل دولته ولله الفعال لمايريد. وكان عفا الله عنه أيام امتحانه بالسجن يتوقع مصيبة الموت فتيجيش هواتفه بالشعر يبكي نفسه ومما قال في ذلك
بعدناوان جاورتنا البيوت ... وجئنا بوعظ ونحن صموت
وانفاسنا سكنت دفعة ... كجهر الصلاة تلاه القنوت
وكنا عظاماً فصرنا عظاماً ... كنا نقت فها نحن قوت
وكنا شموس سماء العلا ... غر بن فناحت عليها البيوت
فكم جدلت ذا الجسام الظبا ... وذو البخت كم جدلته النجوت
وكم سيق للقبر في خرقه ... فتى ملئت من كساه التخوت
فقل للعدا ذهب ابن الخطي ... ب وفات ملئت من كساه التخوت فمن كان يفرح منكم له ... فقل يفرح اليوم من لا يموت
قلت هي اهواء السياسة صيرت لسأن الدين إلى ما صيرته إليه وماعدوه عليه مما خالف به الشرع وجرى مع الفلسفة فإنما هي حجة طالما كثر التوكؤ عليها منذ ضعف العلم في هذه الأمة ولوصح مازعموا اما كان الاجدر بالأمناء على الدين وهو في عهد عزة أن يغيروا عليه وينبذوه عن حمى سلطانهم لئلا يستشري افساده للعقائد بما نشره من المصنفات والقليل الذي انتهى الينا مما خطه يمين لسأن الدين يدل ولا جرم على حرية في الفكر لم يجاب معها ولم يداج ولعلها هي التي عدها اعداؤه له من الهنات قال في ترجمة الحاكم باديس بالأندلس في كتابة الأحاطة بعد أن وفاه حقه من الوصف موانه من الملوك الجبابرة فائل الرأي خليع الرسن: وقد ادال اعبقاد الخليفة في باديس بعد وفاته وقدم العهد بيعرف أخبار جبروته وعتوه على الله سبحانه لما جبلهم عليه من الانقياد للاوهام والانصياع للاضاليل فعلى حفرته اليوم من الازدحام بطلاب الحوائج والشفاء من الأسقام حتى أولو الدواب الوجيعية ما ليس على قبر معروف الكرخي وأبي يزيد البسطامي.
واليك كيف وصف في مكان آخر جعفر بن احمد الخزاعي الغرناطي من مشايخ الطريق قال: إن قومه خرجوا من وطنهم عند تغلب العدو على شرق الأندلس فنزلوا في ربض البيازين جوفي المدينة وارتاشوا وتأثلوا وبنوا المسجد العتيق وأقاموا رسم الأرادة يرون انهم تمسكوا من طريق الشيخ أبي احمد بأثره فلا يغبون بيته ولا يقطعون اجتماعاً على حالهم المعروفة من تلاوة حسنة وايثار ركعات ثم ذكر ثم ترجيع أبيات في طريق التصوف مما ينسب للحسين بن الحلاج وامثاله يعرفونها منهم مشيخة قوالون هم فحول الاجمة وصواديك تلك القطيعة يهيجون بلابلهم فلا ينشبون أن يحمي وطيسهم ويخلط مرعيهم بالهمل فيرقصون رقصاً غير مساوق للايقاع الموزون دون العجال الغإليه منهم بأفراد كلمات من بعض المعقول ويكر بعضهم على بعض وقد خلعوا خشن ثيابهم ومرقعات قباطيهم ودرانيكهم فيدوم حالهم حتى يتصببوا عرقا وقوالهم يحركون فتورهم ويذمرون روحهم يخرجون بهم من قول إلى آخر ويصلون الشيء بمثله فربما أخذت نوبة رقصهم بطرفي ليل التمام ولا تزال المشيعة لهم باخشيشانهم مبدياً التبرك بهم.
إلى أن يقول فتسقط فيما بينهم بفلتة سماعة أي المزمار اخوة الطريق وهم أهل سذاجة وسلامة أولو اقتصاد في ملبس واقتيات بادنى بلغة ولهم في التعصب نزعة خارجية وأعظمهم ما بين مكتسب متسبب وبين معالج مدره ومريع حياكه وبين اظهرهم من الذعرة والصعاليك كثير. والطرق إلى الله تعالى على عدد انفاس الخلائق جعلنا الله مما قبل سعيه وارتضى ماعنده ويسره لليسرى.
وقد ترجم لسأن الدين نفسه في آخر كتاب الأحاطة ونقل عنه المقري في سبب نكبته ما يأتي متخصاً: وخلفني يعنى اباه عبد الله عالي الدرجة شهير الخطة مشمولاً بالقبول مكنوفاً بالعناية فقلدني السلطان سره ولما يستكمل الشباب ويجتمع السن معززة بالقيادة وسوم الوزارة واستعملني في السفارة إلى الملوك واستنابني بدار ملكه ورمى إلى يدي بخاتمه وسيفه وائتمنني على صوان حضرته وبيت ماله وسجوف حرمه ومعقل امتناعة. ولما هلك السلطان ضاعف ولده حظوتي وأعلى مجلسي وقصر المشورة على نصحي إلى أن كانت عليه الكائنة فاقتدى في اخوه المتغلب على الأمر فسجل الاختصاص وعقد القلادة ثم حمله أهل الشحناء من اعوان ثورته على القبض علي فكأن ذلك وتقبض علي ونكث ما ابرم من اماني واعتقلت بحال ترفيه وبعد أن كبست المنازل والدور واستكثر من الحرس وختم على الاعلاق وابرد إلى ما ناء واستؤصلت نعمة لم تكن بالأندلس من ذوات النظائر ولا ربات الأمثال في تبحر الغلة وفراهة الحيوان وغبطة العقار ونظافة الالات ورفعة الثياب واستجادة العدة ووفور الكتب إلى الآنية والفرش والماعون والزجاج والطيب والذخيرة والمضارب والابنية واكتسحت السائمة وثيرأن الحرث وظهر الحمولة وقوام الفلاحة والخيل فأخذ ذلك البيع وتناهبتها الأسواق وصاحبها البخس ورزأتها الخونة وشمل الخاصة والأقارب الطلب واستخلصت القرى واعملت الحيل وطوقت الذنوب امد الله تعالى بالعون وانزل السكينة وانصرف اللسأن إلى ذكر الله تعالى وتعلقت الأمال به وطبقت نكبة مصحفية مطلوبها الذات وسببها الحال حسبما قلت عند اقالة العثرة والخلاص من الهفوة
تخلصت منها نكبة مصحفية ... لفقداني المنصور من آل عأمر
ووصلت الشفاعة في مكتبة بخظ ملك المغرب وجعل خلاصي شرطاً في العقدة ومسالمة الدولة فإنتقلت صحبة سلطاني المكفور الحق إلى المغرب وبالغ ملكي في بري: منزلاً رحباً وعيشاً خفضاً واقطاعاً جماً وجراية ما وراءها مرمى وجعلني بمجلسه صدراً ثم اسعف قصدي في تهيوء الخلوة بمدينة سلا منوه الصكوك مهنأ القرار متفقداًُ باللها والخلع مخول العقار موفور الحاشية مخلى بينه وبين إصلاح معادي إلى أن رد الله تعالى على السلطان أمير المؤمنين أبي عبد الله بن أمير المسلمين أبي الحجاج ملكه وصير إليه حقه فطالبني بوعد ضربته وعمل في القدوم عليه بولده أحكمته ولم يوسعني عذراً ولا فسيح في الترك مجالاً فقدمت عليه بولده وقد ساء بامساكه رهينة ضده ونغص رهينة الفتح بعده على حال من التقشف والزهد فيما بيده وعزف عن الطمع في ملكه وزهد في رفده حسبما قلت من بعض المقطوعات:
قالوا لخدمته دعاك محمد ... فإنفتها وزهدت في التنويه
فاجبتهم انا والمهيمن كاره ... في خدمة المولى محب فيه
لما عاهدت الله على ذلك وشرحت صدري للوفاء به وجنحت إلى الانفصال لبيت الله الحرام نشيده املي ومرمى نيتي وعملي فعلق بي وخرج لي عن الضرورة واراني أن مؤازرته ابر القرب وراكنني إلى عهد بخطه فسح لعامين امد الثواء واقتدى بشعيب صلوات الله عليه في طلب الزيادة على تلك النسبة واشهد من حضر من العلية ثم رمى إلى بعد ذلك بمقاليد رأيه وحكم عقلي في اختيارات عقله وغطى وصرف هواي في التحول ثانياً قصدي واعترف بقبول نصحي.
إلى أن قال ومع ذلك فلم اعدم الاستهداف للشرور والاستعراض للمحذور والنظر الشزر المنبعث من خزر العيون شمة من ابتلاه الله بسياسة الدهماء ورعاية سخطة ارزاق السماء وقتلة الأنبياء وعبده الاهواء ممن لا يجعل الله تعالى أرادة نافذة ولا مشيئة سابقة ولا يقبل معذرة ولا يحمل في الطلب ولا يبلبس مع الله بأدب.
هذا ما قاساه لسأن الدين من ضروب النعم والنقم فعد فرداً في التقلب في نعمائه وغريباً في بلواه وقد اكتفينا آنفاً بنقل ما قاله فيه ابن خلدون صديقه وماقاله هو في شرح نكبته أوردناه بعبارتهما الا قليلاً وإن اورث هذه الترجمة تطويلاً وذلك لعلمنا بان إنشاءهما مما ينبغي احتذاء مثاله وجزالة ألفاظهما وجودة معانيهما مما يعز نظيره.