الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 2/التاريخ

مجلة المقتبس/العدد 2/التاريخ

بتاريخ: 26 - 3 - 1906


الأساطير - نقلت أساطير الأولين عن روايات متسلسلة طالما تحدث الناس بها قبل أن يدونوها لذلك تراها مشوبة بحكايات وخرافات. فتحدث اليونان أن أقدم أبطالهم أبادوا الغيلان وقاتلوا الجبابرة وكافحوا الآلهة وزعم الرومان أن روملس ربته ذئبة ورفع إلى السماء وقص جماع الشعوب عن طفوليتهم أساطير من هذا القبيل لا ثقة بها عند التمحيص مهما قدم عهدها.

التاريخ - يبدأ التاريخ حقيقة لدن وجود أخبار صحيحة دونها أهل ثقة وعلو سماع. وليس هذا الدور واحداً في الكلام على الأمم كلها فتاريخ مصر يبدأ قبل ثلاثة آلاف سنة ق. م وتاريخ اليونان يكاد لا يتعدى الثمانمائة سنة ق. م وليس لألمانيا تاريخ يعرف إلا في القرن الأول للميلاد ويعرف تاريخ روسيا منذ القرن العاشر وليس لبعض القبائل المتوحشة إلى اليوم تاريخ في نشأتها.

تقاسيم التاريخ الكبيرة - يبدأ تاريخ الحضارة بأقدم شعب متمدن وينتهي بأيامنا فمعنى القرون الماضية الدور العريق في القدم جداً ومعنى القرون الحديثة الدور الذي نحن فيه.

التاريخ القديم - يبدأ التاريخ القديم بالأمم القديمة المعروفة من المصريين والكلدانيين أي من نحو ثلاثة آلاف سنة ق. م ويعم شعوب الشرق من هنود وفرس وفينيقيين ويهود ويونان ورومان وينتهي حوالي القرن الخامس ب. م بسقوط المملكة الرومانية.

التاريخ الحديث - يبدأ التاريخ الحديث بأواخر القرن الخامس عشر زمان اختراع الطباعة واكتشاف أميركا وبلاد الهند ونهضة العلوم والصنائع ويلمُّ بذكر شعوب الغرب خاصة من أسبان وطليان وفرنسيين وألمان وروس وأمريكان.

القرون الوسطى - هي عبارة عن عشرة قرون مضت بين القرون القديمة والحديثة فلا هي قديمة لما اعتور الحضارة القديمة من الاضمحلال ولا هي حديثة لأن التمدن الحديث لم يتكون بعد. وهذا ما يدعى بالجيل المتوسط.

مصادر تاريخ الحضارة القديمة - ليس في الوجود اليوم آشوريون ولا يونان ولا رومان فقد بادت الشعوب القديمة كافة وما خلفوه من العاديات هي فهرست نستفتيه للبحث عن أديانهم وأخلاقهم وصنائعهم. والعاديات هي الكتب والرسوم والآثار واللغات. هذه عدتنا في دراسة الحضارة القديمة وهي تدعى مصادر لأنا نستقي منها معلوماتنا. والتاريخ القديم يتفرع من هذه الأصول.

الكتب - وضع القدماء الكتب أيام عرفوا الكتابة فكان لبعضهم مثل الفرس واليهود والهنود كتب مقدسة وخلف الرومان واليونان تواريخ وقصائد وخطباً ومقالات فلسفية. وقلما نجد في الكتب المواد اللازمة لمباحثنا إذ ليس لدينا كتاب آشوري ولا فينيقي أما ما بقي من أسفار الشعوب الأخرى فتافه جداً. ولقد كان القدماء يكتبون ولكن أقل منا ولذلك كانت تآليفهم أندر ولم يكن لهم من كل مصنف إلا نسخ قليلة لما أن الحال كانت تقضي باستنساخها كلها باليد وقد دثر غالب هذه النسخ أو ضاع أو تعذرت قراءة ما بقي منه ويسمى علم حلها باليوغرافيا أي علم الخطوط والكتابات القديمة.

المعاهد - أقامت الشعوب القديمة لأنفسها معاهد مثلنا من مثل معابد لأربابها وقصور لملوكها وقبور لموتاها وقلاع وجسور وقنوات وأقواس نصر. ولقد تهدم كثير من هذه المعاهد واستؤصل وتجزأ بيد العدو أو بيد سكان البلاد ومنها ما لم تقوَ الغير على تقويض دعائمه وما فتئت ماثلة للعيان متداعية مثل القصور العتيقة لانقطاع الأيدي عن تعدها. وقد بقيت بقية يعلم منها ما كانت عليه سالفاً. ومازال بعض هذه المعاهد فوق التراب كالأهرام في مصر ومعابد ثيبة وجزيرة فيلا وقصور البرسبوليس في فارس والبارتينون في اليونان والكوليزة في رومية والبيت المربع وجسر الحرس في فرنسا. وإن السائح لعهدنا لينظر إلى هذه الآثار نظره لأثر حديث. وقد ردم أغلب هذه المعاهد على التدريج بتراب أو رمل أو فتاة أرضية وأنقاض فينبغي تخليصها من هذا الساف الكثيف أو حفر أرضها وكثيراً ما تكون عميقة للغاية. ولم يعثر على القصور الآشورية إلا بخرق آكام وتلال. وقد حفرت حفرة عمقها اثنا عشر متراً للوصول إلى قبور ملوك ميسينا.

وبعد فإن عفاء هذه الخرائب لم يكن بصنع الدهر وحده فللبشر اليد الطولى في ذلك. ولم يكن القدماء ليتعبون مثلنا في التقدير والقياس لإقامة البناء. وما عنوا بنزع الردم من أماكنه بل كانوا يركمون الأنقاض ويبنون عليها ولا ينزعونها حتى إذا أشرف البناء الجديد على السقوط تنضم أنقاضه إلى أطلال أخواتها القديمة وهكذا تتألف طبقات عديدة من الأنقاض. وقد جاز أحد السياح المدعو شيلمان بحفرة في مكان مدينة طروادة خمس طبقات من الأطلال إذ كان ثمة خمس مدن خربة كلها وأعتقها على عمق خمسة عشر متراً. وما برحوا يعثرون في رومية في الأحايين على ثلاث بنايات منضدة بعضها فوق بعض وقد تراكمت عليها الأطلال فعلا التراب في سفح التلال بضعة أمتار.

بقيت مدينة برمتها لم تمسسها طوارق الحدثان وذلك بحادث طبيعي جرى عام 79 للمسيح وهو أن بركان فيزوف في إيطاليا قذف سيلاً من الحمم مائعة أمطرت رماداً فانكشفت للحال مدينتان رومانيتان كانتا مدفونتين وهما هيركولانوم وبومبيه. وكانت الأولى تحت الحمم السائلة والثانية تحت الرماد. وقد أحرقت الحمم المتاع وغشاها الرماد وحفظها من الهواء فبقيت سالمة. وكلما أزيح الرماد تظهر مدينة بومبيه للأعين على نحو ما كانت عليه منذ ثمانية عشر قرناً. وإنك لترى في بلاطها بعد مجرات العجلات وآثار سير المركبات وصوراً خطت بالفحم في الحيطان ونقشاً وأثاثاً وماعوناً وخبزاً وجوزاً وزيتوناً في الدور والمساكن وهياكل عظام من دهمتهم الكارثة مبعثرة مبددة. وبهذا عرف القارئ أن الآثار والمعاهد تفيدنا كثيراً في الوقوف على حالة الشعوب القديمة. ويدعى علم الأزمنة القديمة أركيولوجيا.

الرسوم - نعني بالرسوم كل ما يشمل الخطوط عدا الكتب فمعظم الرسوم زبرت على الحجر وحفر بعضها في صفائح من القلز ووجد منها في مدينة بومبيه ما زبر على الجدران بالأصباغ أو بالفحم. وأن بعض هذه الرسوم لتمثل تذكارات وقائع أو رجال كما هو جار الآن عند الإفرنج فيما يقيمونه من تماثيلهم وبناياتهم. وهكذا نرى الإمبراطور أغسطس دوَّن حياته على معهد انسير ومعظم هذه الرسوم عبارة عن كتابات زبرت على القبور ويماثل بعضها الإعلانات لعهدنا فتحتوي على قانون أو نظام تراد إذاعته بين القوم. ويدعى علم الرسوم ابيكرافيا.

اللغات - تفيد اللغات التي نطقت بها الشعوب القديمة في بيان تاريخهم فإذا فهم الباحث كلمات من لغتين مختلفتين ينجلي له أحياناً أن أصل هذين اللسانين واحد ويسجل بأن الشعوب التي تتكلم بها خرجت من نبعة واحدة. ويدعى علم اللغات لينكستيك.

النواقص - لا يذهبن ذاهب إلى أن الكتب والمعاهد والأطلال واللغات تكفي للإحاطة بتاريخ القرون السالفة فإن فيها تفاصيل جمة يمكن الاستغناء عنها وما ترغب نفوس الباحثين في استبطان حقيقته قد يعز عليها ويفر منها. وما برح العلماء يحفرون ويحلون ويظفرون كل يوم بأطلال ومعاهد لم تعرف من قبل وقد بقيت مع هذا نواقص وسيبقى كذلك أبد الدهر.