الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 18/اليونان

مجلة المقتبس/العدد 18/اليونان

بتاريخ: 15 - 7 - 1907


غارات على أرضهم ورحلات إليها

تاريخ اليونان - لم يسكن جميع شعوب يونان منذ الزمن الأطول البلاد التي كانوا فيها في القرن السابع أي في العصر الذي أخذ أهل العلم يعرفون عنهم شيئاً يوثق به. وقد حفظ كثير من هذه الشعوب ذكرى نزولهم في تلك البلاد وامتازوا عن الشعوب العريقة في القدم النازلة في تلك البلاد. جاءت أمم كثيرة فاحتلت أرض يونان بقوائم سيوفها وتشتت شمل غيرهم أمام المغيرين عليهم. ويقول اليونان أن بدء هذه الغارات الشعواء والرحلات كانت من القدم بحيث لم تصلنا أخبارها مسطورة ونقلت وشاع ذكرها تقليداً ويقولون أنها كانت في القرن الثاني عشر (أي بعد أخذ طروادة بثمانين سنة) ولا عبرة على أن هذا التاريخ أخذ قضية مسلمة بدون جدال ولا نزاع فيه.

دعي أقدم سكان يونان بالبيلاسج (ولعل معناه القدماء) ولم يعرف عنهم شيء ولا فيما إذا كانوا من جنس يوناني أو من جنس آخر. ومن هؤلاء السكان غير اليونان ولا يعلم أيضاً كيف أبدل اسم بيلاسج بالهيلانين إذ لم يرد أشعار هوميروس أيضاً ذكر لهذا الاسم. ومن المقرر أن بضعة بلاد حفظت أثراً من أثار فاتحيها وغزاتها. فقد جاء قوم برابرة من البلاد المشهورة ببلاد المهاجمين عصابة من الفرسأن الإشراف وأمسى سكان البلاد الأصليون عملة يزرعون ويحرثون ليس إلا. وقد رحل وأمسى الذي سمي باسم (بيوسيا) كل من لم تخضع لهذا الحكم.

وبعد ردح من الدهر خرج الدور يون من جبال البند واجتازوا برزخ كورنت وأغاروا على بلاد المورة واستوطنوا من أقاليمها ما أمرعت تربته وغنيت رباعه وبقاعه مثل لا كونيا ومسينيا وارغوليديا وسيكيونيا وكورنت ومي كار. ويروى أن قدماء ملوكهم دعوهم الهيراكليديين (أي نسل المعبود وهيراكليس) ليغلبوا رعايأهم الثائرين ويعيدوهم إلى عروشهم وكان ملوك إسبارطة يرون أنهم من نسل قدماء السكان لا من الدور يين وقد استحال الشعب الذي احتل البلاد التي أغار عليها الدور يون إلى زراع وأهل فلاحة.

واستولت عصابة من الأيتوليين الذي صحبوا الدوريين في تلك الحملة على مقاطعة إيلديا في الغرب. وأنهال الأشياتيون ممن أبت نفوسهم الخضوع على شاطئ شبه جزيرة المورة.

الشمالي وطردوا منها الأيونيين وأسسوا الأثنتي عشرة مدينة الآشيانية فلجأ الأيونيين المطرودون إلى مقاطعة اتيكيا وامتزجوا بسكانها الأقدمين ومن ذاك العهد عرف الأثينيون أي سكان اتيكيا شعباً أيونياً. ثم انفصلت عصابات من عدة شعوب وراحوا يؤسسون مستعمرات في السيف الآخر من البحر. والأيوليون أقدم هذه العصابات النازلة في آسيا ثم سكنوا بعد ذاك الشاطئ بعينه. واحتل الدور يون جزيرة أقر يطش (كريت) وبعد زمن استعمر اليونان صقلية وإيطاليا الجنوبية.

الدور يون - يراد بالدور يين نسل سكان الجبال النازلين من الشمال ممن طردوا أو أخضعوا سكان السهول شاطئ بلاد اليونأن الجنوبية المعروف ببلاد المورة ويذكر هؤلاء المغيرون أن ملوكاً من إسبارطة من نسل البطل هيرا كليس قد طردهم رعايأهم فجاءوا يبحثون عنهم في جبالهم فتبع الدور يون أخلاف هذا البطل حباً به ونصبوهم على عروشهم ثم أغاروا على السكان واستضعفوا أرضهم وديارهم. وكان هذا العنصر جيلاً من الناس اشتهر بجماله وقوته وصحة أجسامه وتعود البرد وشظف العيش وحياة الفقر والفاقة فترى رجالهم ونساؤهم يلبسون ثياباً قصيرة ى تصل إلى ركبهم. والدور يون أمة حربية دعاها الاضطرار إلى أن تكون أبداً على قدم الدفاع تحمل عدتها وعتادها وهم أقسى أهل يونأن لبعد أقليمهم عن سكان البحر ولذلك احتفظوا الأمصار لأنهم كانوا على وحدتهم لا يستطيعون الأمتزاج بالغرباء ولا تقليدهم في منازع أخلاقهم.

الأيونيون - يدعى شعوب اتيكيا والجزائر وشاطئ آسيا بالأمة الأيونية. ولا يعلم من أين جاءتهم هذه التسمية وهم على عكس الدور يين جنس من البحارة أو التجار. ومن أكثر شعوب اليونانية تهذيباً لأنهم استفادوا من الاحتكاك بأمم مشارقه أعرق منهم في الحضارة واقتبسوا من النظر إليهم وهم ضعاف في صبغتهم اليونانية لامتزاجهم بالآسيويين ولأنهم نحوا نحو هؤلاء في عاداتهم إلا قليلاً يميلون إلى السلم ويولعون بالصناعات ويعيشون عيش الترف يمضون الكلام ويرققونه ويلبسون ثياباًًً ضافية الأذيال على مثال المشارقة.

الهيلانيون - هذان العنصران أو الجنسأن المتباينأن المعروفإن بالدور يين والأيونيين هما عناصر اليونان وأقدرها. فأقليم إسبارطة للدور يين وأقليم أثينية للأيونيين وليس السواد الأعظم من اليونان والدور يين ولا أيونيين ويعرفون بالأيوليون وهو اسم مجهول يطلق على شعوب مختلفة في تلك الأصقاع من أيوليين واكرنا نيين وفوسيديين وبيوسيين من أهل البلاد اليونانية الوسطى والأشانيين من أهل المورة. وكل من تقدم ذكرهم يسمون باسم الهيلانيين الذين عرفوا به منذ ذاك العهد وهم لا يعرفون تسميتهم هذه كما نجهل نحن ذلك على أنهم يقولون أن دور وس وعولس كانا هيلانة وأيون حفيدهما.

مستعمرات اليونان

الاستعمار اليوناني - لم يقتصر الهيلانيون على سكنى بلاد اليونأن فقط بل قام منهم طوارئ من أهل المدن أنشؤا بلداناً في جميع الأنحاء المجاورة وكانت عدة من هذه الممالك الصغيرة اليونانية في جميع جزائر الأرخبيل وعلى شاطئ آسيا الصغرى وأقر يطش وقبرص وفي كل ما أحاط بالبحر الأسود إلى بلاد القاف قاس والقريم على طول البلاد العثمانية في أوروبا (المعروفة إذ ذاك بتراسيا) وعلى شاطئ أفريقية وفي صقلية وإيطاليا إلى شواطئ فرنسا وأسبانيا.

أخلاق هذه المستعمرات - يبدأ تاريخ المستعمرات اليونانية منقرون كثيرة أي من القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس وهذه المستعمرات اشتقت من كل المدن ونتجت عن كل جنس دورياً كان أو أيونياً أو أبولياً. ولطالما قامت المستعمرات في أماكن قفرة تارة وفي بلاد مأهولة أخرى أسست حيناً بالفتح وآونة بالإتحاد مع السكان وأنشأها بحارة أو تجار أو منفيون أو متشردون. وتمتاز هذه المستعمرات على اختلاف زمانها ومكانها وجنسها وأصلها بخلق عام وأنها نشأت دفعة واحدة بمقتضى قواعد ثابتة. وما كان الطوارئ أو المستعمرون من اليونان يحلون في بلد واحد بعد واحد عصابات صغيرة ولم ينزلوا بقعة عرضاً فيقيمون لهم مساكن تصبح بالتدريج مدينة على نحو ما يفعل الطوارئ من الأوروبيين في أمريكا اليوم بل أن الطوارئ منهم يسافرون قضهم وقضيضهم دفعة واحدة ورئيسهم واحد فتؤسس المؤسس لها سواراً مقدساً ويجعل بيتاً مباركاً يوقد فيه ناراً مقدسة.

تقاليد المستعمرات - يتضح مما نقل من القصص القديمة في تأسيس بعض هذه المستعمرات وجه الاختلاف بينها وبين المستعمرات الحديثة. وإليك كيفية استعمار مرسيليا والبداءة به فقد جاء إلى بلاد الغال (فرنسا اليوم) أوكس نيس أحد أهالي مدينة فوسي في آسيا الصغرى على سفينة تجارية فدعاه أحد زعماء الغاليين إلى عرس ابنته ومن عادة هذا الشعب أن تدخل العروس بعد الطعام حاملة كأساً تقدمها لرجل تختاره من الجماعة فوقفت أمام اليوناني ومدت الكأس نحوه. فظهر للقوم أن هذا العمل كان بإلهام من السماء إذا لم يكن متوقعاً. فما كان من الزعيم الغالي إلا أن تزوج أوكسينس من ابنته وسمح له بأن يؤسس ورفاقه مدينة على خليج مرسيليا ثم رأى أهل فوسي أن الجيش الفارسي يحاصر مدينتهم فقاموا يعدون لهم سفناً تقل عيالهم وأثقالهم وأصنامهم وحلي معابدهم وغادروا بلدهم ماخرين في سفنهم وأقسموا عند منصرفهم أن لا يعودوا إليها إلا إذا عامت على وجه الماء الحديدة المحماة التي ألقوها في البحر. وقد نكث كثير منهم بالعهد وعادوا إلى مسقط رؤوسهم أما الباقون فظلوا يشقون العباب بعد العباب حتى وصلوا إلى مرسيليا بعد أن تجشموا أهولاً كثيرة. وأسس الأيونيون مدينة ميلت تاركين نساؤهم وراءهم واستولوا على بلد يقطنها ناس من آسيا فذبحوا الرجال وتزوجوا النساء وبناتهم قسراً. ويقال أن هؤلاء النساء أقسمن أن لا يتنأولن الطعام مع أزواجهن وأن لا ينادينهم بيا أزواجنا. عادة بقيت قروناً يعمل بها نساء ميلت. أما مستعمرة برقة في أفريقية فقد أسست بأمر صريح من المعبود أبولون ووحي منه. فلم يكن سكان مدينة تيرا الذين أمروا بذلك يحاذرون من نزول بلد مجهول ولم يعملوا بهذا الأمر إلا بعد سبع سنين وكانت جزيرتهم عرضة للجفاف فاعتقدوا أن أبولون ساقهم إلى تلك الجزيرة عقاباً منه لهم. وحاول الطوارئ الذين أنقذوهم أن يرجعوا فدأهمهم مواطنوهم وأكرهوهم على السفر. وبعد عامين في إحدى الجزر وقد خانتهم فيها أسباب النجاح انتهى بهم الحال أن يستوطنوا أبد الدهر مدينة برقة فكان منها مدينة عأمرة راقية.

خطورة المستعمرات - شأن هذه الطوارئ أن تؤسس حكومة جديدة في كل مكان تنزله ولا تخضع لأم القرى التي انفصلت عنها بتة. وهكذا بلغت الحال بأن كان البحر المتوسط محاطاً بمدن يونانية كل منها مستقلة تمام الاستقلال. فأصبح كثير من هذه المدن آية في غناه وقوته لم تضاهه بهما المدن التي خرجت منها وكان لها أصقاع أوسع وأخصب وسكان أوفر وأكثر. ويقال إنه كان في مدينة سيباريس في إيطاليا ثلاثمائة ألف رجل يحمل السلاح وأن كروتون جيشت جيشاً مؤلفا من مئة وعشرين ألف مقاتل وفاقت سيراكوزة في صقيلة وميلت في آسيا بقوتهما مملكتي إسبارطة وأثينية وكان يدعى جنوب إيطاليا يونأن الكبرى. وما كانت وما كأنت المملكة الأصلية غير بلاد صغرى بالنسبة لتلك المملكة المأهولة كلها بالطوارئ من اليونان. وحدث أن كان الهيلانيون أوفر عدداً في البلاد المجاورة منهم في بلاد اليونان نفسها. ونرى بين رجال تلك المستعمرات طائفة صالحة من المشاهير هوميروس والسيوس وساف وس وطال يس وفيثاغورس وهير أقليطس ودو موقر يطس وانفيد كلس وأرسطوطاليس وأرخميدس وتيو كرينس وغيرهم.

المدن - ظل اليونان منقسمين إلى طوائف صغيرة في كل البلاد التي نزلوها كما كانوا على عهد هوميروس. وغير خاف أن أرض اليونان وإيطاليا الجنوبية منقطعة بالبحر والجبال ولذلك انقسمت بالطبع إلى عدد كثير من المقاطعات الصغيرة كل منها منفردة عن جارتها برأس من البحر أو بجدار من الصخر بحيث يسهل الدفاع عنها وتصعب الموأصلات فكانت تتألف من كل مقاطعة حكومة على حدتها تدعى مدينة وقد بلغت أكثر من مئة مدينة وإذا أحصيت المستعمرات بلغت زهاء الألف وليست مملكة اليونانية إلا صورة مصغرة بالنسبة إلنا فإن ايتكيا كلها لا تساوي نصف أصغر مقاطعات فرنسا لهذا العهد أما أراضي كورنت أو ميكار فقد صارت ريفاً ومزارع. ومن العادة أن تكون ما يعبرون عنه بمملكة الواحدة قلعة المملكة الثانية وجبالها أو مرفأ المملكة المجاورة وكثير من هذه الممالك لا يسكنه أكثر من بضعة ألوف من الناس وأعظمها لا يكاد يكون فيه مائتان أو ثلاثمائة ألف نسمة. وبعد فلم يؤلف الهيلانيون أو اليونانيين أمة برأسها ولا أنفكوا من التقاتل والتقاطع على أنهم تكلموا لغة واحدة على حد سواء وعبدوا آلهة واحدة عاشوا عيشة واحدة منذ شطوط أسبانيا إلى طرف البحر الأسود. فكانوا بهذه العلامات يتعارفون كما تعارف أبناء نبعة واحدة ويمتازون عن سائر الأمم التي يدعونها البرابرة فينظرون إليها نظر الأستخاف والأمتهان.

الديانة اليونانية

تعدد الأرباب - اعتقد اليونان اعتقاد سائر قدماء الآريين بأرباب كثيرة ولم يكن لهم شعور باللأنهاية ولا بالأزلية ولم يؤمنوا برب واحد تكون السماء سرادقه والأرض سلمه ومرتقاه. واعتقد اليونان أن كل قوة في الطبيعة من هائها وشمسها وبحرها هي قوة إلهية ونسبوا كلا من هذه القوى إلى رب خاص إذ لم يدركوا أن علة واحدة تنتج كل هذه الأكوان ولذا عبدوا عدداً من هذه الآلهة فكانوا وثنيين على هذا النحو.

نسبة الشهوات البشرية ودعوى تجسد الرب - كل رب هو قوة من الطبيعة وله اسم خاص به ولشدة تصور اليونانيين وسعة خيالهم مثلت لهم أذهانهم تحت الاسم كائناً حياً في أبهى المظاهر من الصور البشرية وكانوا يتمثلون المعبود أو المعبودة على صورة رجلاً جميل الطلعة وامرأة وسيمة المحيى وعند ما كان عولس أو تيليماك يصادفإن رجلاً عظيماً وسيماً يبدان بسؤاله عما إذا كان رباً من الأرباب. وقد صور على ترس البطل أشيل صورة جيش. قال هوميرس في وصفه له: أن أريس واتنييه كانا يقودان الجيش وكلأهما متشح بالذهب وكانا من الجمال والاعتدال على صورة تليق بالأرباب إذ البشر أقزام فصار القامات وكان الأرباب اليونانيين بشراً يلبسون ثياباً ولهم قصور وأجساد كأجسادنا وهم أن لم يموتوا يجرحون. وذكر الشاعر هوميرس كيف أن أحد المحاربين جرح الرب أريس فراح يصرخ من الألم. وهذا الضرب من اختيار الأرباب على مثال البشر هو ما يدعى انترومورفيسم أي تجسيد الأرباب.

علم الميثولوجيا - للأرباب أقرباء وأولاد ورهط وأسرات لأنهم ناس كالآراميين فأمهم ربة وأخوتهم أرباب غيرهم أو ناس هم نصف أرباب. وتدعى أنساب هذه الأرباب تيوغونيا. وللأرباب تاريخ وحوادث ولهم قصص في مواليدهم وأخبار شبيبتهم وأعمالهم. فالرب أبولون مثلاً ولد في جزيرة ديلوس وكأنت اليها أمة لاتون وقتل غيلاناً كان قد خرب تلك البلاد في سفح جبل البار ناس. وهكذا كان لكل مقاطعة يونانية أخبار تعزوها لأربابها سموها الخرافات ومن تتألف الميثولوجيا أي تاريخ الأرباب.

الأرباب المحليون - بقي الأرباب وهم اليونانيون وهم على صفتهم البشرية على ما كانت عليه أولا كواثن طبيعية فكان القوم يتخيلونها كما يتخيلون البشر وقوى الطبيعة فقد كأنت الناياد فتاة جميلة ونبعاً في آن واحد. وتخيل هوميرس الشاعر أن نهر جزيرة الزانت هو رب وقال فيه (لقد تدفق نهر الزانت على البطل أشيل وهو يزيد غيظا ويرغي حنقاً ويخر طافحاً بالزبد والجثث) وظلت الأمة تقول أن الرب زيوس ينزل المطر ويرسل الرعد. وكان اليوناني يعتقد أن الرب عبارة عن مطر وسيل وسماء أو شمس لا السماء والشمس والأرض على الجملة. وكان ربه مسامتاً للسماء التي تظله والأرض التي تقله والنهر الذي يعله. فمن ثم كان لكل فمن ثم لكل مدينة أرباب ومعبودات كثيرة فمن رب الشمس إلى أباب الأرض إلى رب البحر وكانت تلك الأرباب منفصلة عن شمس البلد المجاورة وأرضها وبحرها بمعنى إنه كان لأهل كل مقاطعة ربها ومعبوداتها الخاصة بها. فليس لرب إسبارطة زيوس رباً لأثينة زيوس بعينه وربما كان يذكر في قسم واحد ربان تحت اسم أبولون. ذكر أحد من طاف بلاد اليونان من السياح أنه شاهد ألوفاً من الأرباب كانت تدعى أرباب المدينة ولم يكن هناك سيل ماء ولا غابة ولا أكمه شماء إلا وهي مؤلفة ولها صفة لا يشاركها فيها غيرها وربما كان هذا المعبود صغيراً لا يعبده إلا يعبده من أهل الجوار وما مزاره غير مغارة في الصخر.

الأرباب الكبيرة - وهم اليونان أن فوق الأرباب الصغيرة المنبثة في كل مقاطعة بضعة أرباب كبيرة كالشمس والسماء والأرض ولبحر المدعوة بهذا الاسم ولها في كل كان معبد خاص أو مزار يتقرب فيه إليها وكانت تمثل كل من هذه الأرباب أهم القوى الطبيعية وما أكثر عدد هذه الأرباب التي اشترك أهل يونان كافة في التقرب إليها فإنك لو أحصيتها لا تكاد تصل في عددها إلى العشرين. ومن سوء عادتنا معاشر الإفرنج أن ندعو هذه الأرباب بأسماء أرباب لاتينية وإليك حقيقة أسمائهم:

زيوس (المشتري=هيرا (جونون) =اتينيه (منرفا) =أبولون=رتيمس= (ديان) =هيفر توس (فولكين) =هرميس (عطارد) =هيستيا (فيسا) أريس= (المريخ) =افروديت (الزهرة)

بوزيدون (سيريس) =برسيفونه (بروزربين) هاديس (بلوتيون) =ديوينزوس (باخوس). وهذه الزمرة من الأرباب هي التي كانت تعبد في كل المعابد على الجملة ويتوسل إليها في الصلوات.

خصائص الأرباب - لكل من هذه الأرباب هيئته وهندامه وأدواته المدعوة خصائص هكذا تصورها المؤمنون من أبناء يونان وهكذا مثلها النقاشون منهم. ولكل خلقه المعروف به بين عابديه ولكل منها عمله الخاص به في العالم ويقوم بوظائف معينة وذلك بمعونة أرباب ثانوية تطيعه في العادة ويتصرف فيها بأمره. فالرب اتنيه مثلاً هو على صورة عذراء ذات عينين براقتين مثلت قائمة وهي تحمل رمحاً وعلى رأسها خوذة وعلى صدرها سلاح لامع وهي عندهم ربة الهواء النقي والحكمة والاختراع وعلى جانب من الهيبة والشراسة. ومثل هيفيزتوس رب النار حاملاً بيده مطرقة على صورة حداد أعرج قبيح الهيئة وزعموا أنه ينزل الصاعقة. وأن الربة أرت يمس كانت عذراء متوحشة تحمل قوساً وكنانة وهي تطوف الغابات تتصيد مع زمرة من الجنيات وهي ربة الغابات والصيد والموت. أما هرميس الذي قتلوه لابساً نعالاً مجنحة فهو رب المطر المخصبة وله أعمال أخرى وهو رب الأسواق والأماكن ورب التجارة ورب السرقة ورب الفصاحة يسري بأرواح الموتى ويمشي في السفارات بين الأرباب ويقوم على تربية الحيوانات. وللرب اليوناني أبداً عدة وظائف في الغالب عي في نظرنا متخالفة غير أن اليونان تخيلوا أن بيتاً تشابهاً ويرتئون لها صلة وعائداً. الأولمب وزيوس - كل من هذه الأرباب أشبه بملك في مقره ومع هذا فقد لاحظ اليونان أن جميع قوى الطبيعة لا تسير بالتصادف وأنها تعمل يداً واحدة فكانوا يطلقون اللفظ الواحد للتعبير عن النظام والعالم ففرضوا أن أرباب أتحدت على تسيير نظام العالم وأنه كلن لهم شرائع وحكومة كما للبشر. وكنت ترى في شمالي اليونان جبلاً ذا قمم مكسوة بالثلج لم يصعد إليه بشر واسمه الأولمب وعلى هذه القمة المستورة عن أعين الناس بما يتراكم عليها من الضباب توهم اليونان أن الأرباب يعقدون جلساتهم فيجتمعون مستنيرين بتنور سماوي يتقاضون في شؤون العالم وعظيمهم زيوس يرأس تلك الجلسات لأنه رب السماء والنور والرب الذي يؤلف فالسحاب ويرسل الصواعق وصوروه على مثال شيخ مهاب ذي لحية بيضاء جالس على عرش من ذهب وهو الذي خص بالزعامة دون سائر الأرباب ولذلك تراها تخضع له فإذا بدرت من أحدها بادرة المقاومة في أمر يتهددها زيوس وإليك ما ذكره هو ميرس على لسانه اعقدوا في السماء سلسلة من ذهب وتعلقوا بها أنتم معاشر الأرباب ذكوراً كنتم أو إناثاً ولو بذلتم الجهد كلكم لا تجرون زيوس إلى الأرض وهو الملك وعلى العكس إذا أردت أن أجذب السلسة إلي فإنا جاذب إلي الأرض والسماء والبحر ثم أعلقه بقمة الأولمب ويبقى العالم كله معلقا مصلوبا ما دمت أعلى منزلة من الأرباب والبشر.

آداب الميثولوجيا اليونانية - وهم اليونان أن معظم أربابهم من القسوة والسفك والخداع والسفاهة على جانب فاخترعوا لهم أخباراً سفيهة وأعمالاً نأبية عن طور اللياقة. فكان هرميس بزعمهم لصاً واشتهرت أفروديت بغنجها وخفرها واريس بقسوته وكانوا كلهم من العجب بحيث لا ينفكون عن اضطهاد من تسأهل في تقديم الضحايا لهم. ولما أعجبت نيوبي ملكة ثيبة بكثرة أسرتها لم يصعب عليها أن رأت الرب أبولون يصمي أولادها بالسهام ويمزقهم كل ممزق. وكان من حال تلك الأرباب في الحسد بحيث لا تتمالك من رؤية إنسان بلغ غايات السعادة. فاليونان رأوا السعادة من أعظم الأخطار لأنها تجلب غضب الأرباب حتماً ولذلك ابتدعوا ربة للغضب والانتقام سموها نيميزيس ويذكرون لها قصصاً كالآتية مثلاً: ذلك أن بوليكراتس الظالم من أهل الجزيرة سيسام خاف يوما أن حسد الأرباب إذ غدا ذا طول وحول وكان يملك خاتم ذهب له موقع كبير من نفسه فألقاه في اليم لئلا تكون سعادته مشوبة بالشقاء ثم أن صياداً أحضر لبولكراتس ذات يوم سمكة عظيمة وجد خاتمه في جوفها فكأن ذلك في نظره شؤماً دالاً على وقوع المصيبة الأكيدة، فحوصر بعد في مدينته وأخذ وصلب وعاقبه أرباب يونان على سعادته نالها وحظ من النعم أصابه.

عرف بهذا أن الميثولوجيا اليونانية كانت عارية عن الأخلاق إذ كان الأرباب قدوة سيئة للناس قال ذلك فلاسفة اليونان وضيقوا على الشعراء الذين نشروا هذه الحكايات وذكر أحد تلاميذ وفيثاغورس أن معلمه أطلع على الجحيم فرأى فيه روح هوميروس الشاعر مصلوبة في شجرة وروح أزيودس مدلاة في دعامة عقوبة لهما على أهانتهما الأرباب وقال كسينوفإن أن هوميروس وازيودس قد نسبا للأرباب أعمالاً من شأنها أن تكون عاراً بين البشر وشناراً عليهم وهناك إله واحد لا يشبه البشر ولا بعقولها وكان يزيد على ذلك قوله: لو كان للبقر والأسود أيد واستطاعت أن تصور كالناس لصنعوا للأرباب أجساداً تشبه أجسادهم ولجعلت أعين للأرباب أجساداً كالخيل والبقر. والناس يذهبون إلى أن للأرباب إحساساً وصوتاً وجسداً. هذا قول كسينوفإن وهو من الحق والعدل بمكان إذ جعل اليونأن الأول أربابهم على صورهم مثل ما كانوا عليه في ذاك العهد سفاكين غدارين حسودين معجبين وكذلك كان أربابهم. ثم صاروا على نية التحسين في أخلاقهم ينشأ أخلافهم متبرمين من هذه المبادئ كلها عازفين عنها ولكن تاريخ الأرباب وأخلاقهم كانت مقررة بحكايات قديمة أخذها أهل الأجيال الحديثة ولم يجرؤوا على تغيير أرباب أجدادهم الفظة السفيهة بغيرها.