مجلة المقتبس/العدد 1/مطبوعات ومخطوطات
→ تدبير المنزل | مجلة المقتبس - العدد 1 مطبوعات ومخطوطات [[مؤلف:|]] |
سيرة العلم ← |
بتاريخ: 24 - 2 - 1906 |
مداواة النفوس
لابن حزم الأندلسي تآليف كثيرة ضاع أكثرها بما لقيه من أضداده في حياته على ما يتمثل لك من ترجمته. وقد ظفر بعض رجال العلم في المكتبة الظاهرية بدمشق بنسخة من كتاب له في الأخلاق سماه مداواة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل فانتدب إلى طبعه الغيور محمد أفندي هاشم الكتبي فكانت من بعض ما أحيي بالطبع من مآثر السلف الصالح في هذا العصر. اقتبست منه صفحات قليلة في باب الصحف المنسية وعسى أن يتدارك الناشر بعض ما وقع فيه من الأغلاط في الطبعة الثانية. جمع المؤلف في كتابه هذا معاني كثيرة أفاده إياها واهب التمييز تعالى بمرور الأيام وتعاقب الأحوال والإشراف على أحوال الزمان وآثر تقييدها على جميع اللذات وعلى الازدياد من فضول المال وذم كل ما سبر من ذلك وأتعب نفسه وأجهدها ليكون ذلك أفضل له من كنوز المال وعقد الأملاك. وكتب الأخلاق مما ينبغي الحرص عليه اليوم وما أجمل ما قاله أبو محمد علي ابن أحمد في الأخلاق:
إنما العقل أسا ... س فوقه الأخلاق سور
فحلي العقل بالع ... لم وإلا فهو نور
جاهل الأشياء أع ... مى لا يرى كيف يدور
وتمام العلم بالعد ... ل وإلا فهو زور
وزمام العدل بالج ... ود وإلا فيجور
وملاك الجود بالنج ... دة والجبن غرور
عف إن كنت غيو ... راً ما زنى قط غيور
وكمال الكل بالتق ... وى وقول الحق نور
ذي أصول الفضل عنه ... احدثت بعد النذور
ومما ختم به ابن حزم رسالته وهو مما يقتضي أن يكون دستور العمل في كل علم وعمل قوله: وإذا ورد عليك خطاب بلسان أو هجمت على كلام في كتاب فإياك تقابله مقابلة المغاضبة الباعثة على المبالغة قبل أن تتبين بطلانه ببرهان قاطع. وأيضاً فلا تقبل عليه إقبال المصدق به المستحسن له قبل علمك فتظلم في كلا الوجهين جميعاً ولكن إقبال من يريد حظ نفسه في فهم ما سمع ورأى فالتزيد به علماً وقبوله إن كان حسناً أو رده إن كان خطأ فمضمون لك إن فعلت ذلك الأجر الجزيل والحمد الكثير والفضل العميم.
منشآت الوهراني
كتاب مخطوط في تسعة كراريس ظفرت به في بعض خزائن الكتب ولا أريد أن أدلَّ عليه إذ ما كل ما كتب تنبغي العناية بنشره. الكتاب جد في قالب هزل وعلم على مثال جهل وحقيقة في طرز خيال، تصفحته تصفح متفكه مستفيد فما رأيته خلواً من شاردة تنقل ونكتة تؤثر. كاتبه ركن الدين أبو عبد الله محمد الوهراني الجزائري من كتبة الرسائل والإنشاء في دمشق ومصر على عهد صلاح الدين يوسف وكان كما ترجمه ابن خلكان أحد الظرفاء قدم من بلاده إلى الديار المصرية في أيام السلطان صلاح الدين وفنه الذي يمت به صناعة الإنشاء فلما دخل البلاد ورأى بها القاضي الفاضل وعماد الدين الأصبهاني الكاتب وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس من طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم فعدل عن طريق الجد وسلك طريق الهزل وعمل المنامات والرسائل المشهورة به والمنسوبة إليه وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه. وقد تولى الوهراني الخطابة بداريا إحدى أمهات قرى الغوطة بدمشق وتوفي بها سنة 575هـ.
هذا هو المؤلف ومصنفه أنموذج يقول بأن الرقاعة ارتقت في ذاك العصر كما ارتقت البلاغة وأن الدولة الصلاحية بما اشتهر عنها من الانطلاق وانتشار المعارف اتسع صدرها لمثل الوهراني اتساعه لأمثال البيساني للتين قوم وللجميز أقوام وكلام المؤلف على خلطه وخبطه يضحك العبوس وقلما تنقبض منه النفوس إلا لدن سماع بعض الألفاظ السخيفة التي تنبو عنها الأذواق السليمة في هذا العصر. وقد رأى القارئ أمثلة من كتابته ورقاعته في باب الصحف المنسية وهذا المؤلف أشبه بموليير ورابلي من شعراء الفرنسيين في النكات والأضاحيك ولكل أمة رجالها والناس كأسنان المشط في الاستواء.
نصائح للعملة
هو كتاب ألفه بالفرنسية أحد كتاب الفرنسيين المسيو بارو توخى البحث في إيجاد السبل لتحسين حال العملة فحاز استحسان الخاصة والعامة حتى منحه المجمع العلمي الباريسي جائزة الإجادة وتدارسه بعض الراغبين في النهوض. وقد كتبه بعبارة بسيطة ليفهمه طبقات القراء كافة ويتدبروه كل التدبر يقصد المؤلف مما كتب طبقة العملة خاصة من الصناع والزراع ولكن مصنفه البديع يستفيد به كل طالع محكمة بل كل عامل في الأرض موعظة حسنة. فيتناول منه عملة بولاق وترع النيل وسائر مزارعي أرياف مصر مثلاً كما يتناول منه العاقل أكثر من الجاهل والخاصي فضلاً عن العامي والكبير زيادة على الصغير في كل قطر ومصر.
وقد بحث المؤلف فيما يحول دون العامل ونجاحه وسعادته من المصاعب وأن بيده التنكب عنها ووضع المبادئ التي تنتج له طريق الفلاح والسعادة وتطبيقها على أدوار العامل الثلاثة أي حالة كونه خريجاً وعاملاً مستقلاً ومدير معمل وذكر في خلال تطبيقه لهذه الحالات ما يمكن أن يحدث للعامل من الأحوال النادرة الخاصة ويلم بما عساه يكون له من هذه الأحوال من التأثير في حياته الخاصة وعلائقه مع عياله وبين الطرق التي يتقي بها العامل عادية الأمراض ويقتصد جانباً من المال الذي يحصله بعرق جبينه مشفوعاً ذلك بما هو شائع من الأوهام بشأن العملة ورفاهيتهم رفاهية متناسبة مع حالتهم لا رفاهية يتمتع بها الرؤساء والكبراء بل رفاهية نسبية تتم لهم بها رغائبهم المشروعة التي أباح الله لهم الاستمتاع بها في هذه الحياة.
وسأحصل بعض فصوله في باب التربية والتعليم لينتفع بتلاوتها بعض أهل بلادنا كما انتفع به من ألف برسمهم ووسم باسمهم.
في وادي الهموم
رواية حقيقية لا خيالية كمعظم ما ينشر هذه الأيام نسج بردها الكاتب الأديب محمد لطفي أفندي جمعة أحد منشئي جريدة الظاهر الغراء وهي تبحث في الشقاء الاجتماعي المستحوذ على بعض النساء قال: إني أعتقد بأن المرأة تصلح لأن تكون ملكاً طاهراً أو ملكة عادلة أو أماً رحيمة أو زوجاً فاضلة أو مدبرة عاقلة أو بغياً ساقطة أو مجرمة قاتلة وكل ذلك في يد الرجل فليجعلها كما يشاء. والذنب على الهيئة الاجتماعية لأنها ترى كل تلك الأمور ولا تمديدها للمرأة وتساويها بالرجل في كل شيء فإنه عار على عصر العلم والمدنية والحرية والفلسفة أن تبقى فيه المرأة تفجر لتأكل. . .
وفي الرواية من دلائل الإقدام ما لا يستغرب ممن تعلموا العلم المدني الصحيح وتشبعوا بآداب العصر الحاضر فكان لهم من علمهم وتربيتهم ما يدفع بهم إلى قول الحق ولو أمر في بعض الأذواق. وإنا لنحمد الله على أن رأينا في الناشئة المصرية أمثال الكاتب الموما إليه ممن يضعون الهناء مواضع النقب ولا يحفلون بالفقاقيع الفارغة في خدمة العلم والأدب.