الرئيسيةبحث

مجلة المقتبس/العدد 1/تدبير الصحة

مجلة المقتبس/العدد 1/تدبير الصحة

بتاريخ: 24 - 2 - 1906


أوقات الطعام

للتوقيت فائدة جلية في شؤون البشر وحياتهم الاجتماعية كما أن للنظام وحسن الترتيب شأناً في النهوض والحضارة. يعرف ذلك كل من له إلمام بحال الغربيين وما استفادوه من قوانينهم على اختلاف ضرر بها. والطعام كما علمت قوام الأبدان ولا تستقيم إلا بحسن تناوله واختيار الأوقات المناسبة له وفي ذلك تدبير الصحة وراحة العقل والجسم. ولا يتأتى تنظيم الأوقات إلا في بلاد غلبت عليها الحضارة وصفت موارد عيشها وحسنت أذواق أبنائها ومهما حاول الرجل في البلاد المنحطة أن يسير على مناهج المتحضرين فلا سبيل له إلى ذلك إذ يتعذر الجري على النظام الخاص إذا لم يتقدمه نظام عام وطيب العيش أشبه بسلسلة إذا حسن انتساق بعضها أمن انتساق الآخر والعكس بالعكس.

قام منذ حين جماعة من رجال الفرنسيين أولعوا باختيار الأحسن وتوفروا على التفكر في استكمال أسباب الراحة فأنشأوا يخاطبون بني قومهم في معنى محاكاة الجنس اللاتيني للجنس الإنكليزي السكوني في عاداتهم وأخلاقهم وقوانينهم وأوضاعهم موقنين بأن لا سعادة لذاك العنصر إلا بنزع ما رسخ فيه من الملكات على غابر الدهر والاهتداء بهدي السكسونيين في منازع حياتهم الاجتماعية والسياسية والأدبية. ومن جملة ما ارتأوا إصلاحه عندهم تنظيم أوقات الطعام ومعاطاة الأشغال على الطريقة الإنكليزية النافعة. قال بعضهم لو ذهب ذاهب إلى لندن عاصمة الأعمال الصناعية والتجارية لما شهد للأشغال حركة إلا الساعة العاشرة قبل الظهر حركة تتصل اتصال الشؤبوب إلى الساعة الخامسة بعد العسر. أي أن القيام بالأعمال التجارية يجري في سبع ساعات وذلك ما خلا السبت فإن المستخدمين ينقطعون عن أعمالهم الساعة الثانية بعد الظهر ولا يتعاطون شيئاً من الأعمال أيام الآحاد. فيهبُّ الإنكليزي من فراشه كل يوم ويتغذى غداء كافياً كضلعين أو ثلاثة من أضلاع الغنم أو العجول وبيض نيمبرشت وقطعة من فخذ الخنزير أو كتفه وصحفة من البطاطس وهو طعام الصباح لا كما يفعل الفرنسيين ويجري عليه معظم أهل البلاد المتمدنة في الشرق من الاكتفاء صباحاً بالشاي أو القهوة أو اللبن أو تناول شيء من المربيات والحلويات مع قطعة من الخبز السميذ أو المحمر.

فإذا ملأ المستخدم الإنكليزي معدته صباحاً بهذا الطعام لا يتناول الوجبة الثانية إلا الساعة الخامسة اللهم إلا مرة نصف النهار حيث يتناول قطعة من اللحم رقيقة في قطعة من الخبز الساندويش مع كأس من الجعة الخفيفة المعروفة عندهم ولا يقطع عمله لذلك إلا بضع دقائق ويظل هذه الساعات مكباً على عمله بلا انقطاع. ذلك لأنه ثبت للباحثين في الحياة البشرية أن الإكثار من تناول الطعام في الهاجرة ثم أخذ النفس بمعاطاة الأعمال وخصوصاً العقلية مما يمرض النفس والجسم فتكون المعدة ممتلئة لا يحتاج الجسم معها إلا إلى المحاورة والراحة ليسوغ الهضم ويأخذ الدم مجراه وهذا متعذر على أرباب الأشغال من الفرنسيين ومن حذا حذوهم من الأمم وخصوصاً إذا دعي أحدهم إلى طعام غيره وأريد على مخالفة عادته من الإكثار من الأطعمة والألوان.

أما الإنكليزي فله من الغذاء الكافي الذي يقضمه ويفطر عليه ما لا يشتكي معه جوعاً ولا شبعاً ريثما ينجز أعماله اليومية. بل يكون له من طعامه ما يدب الحرارة الغريزية في جسمه على نحو ما يدبُّ الوقود في آلة التحريك والتنقيل في السكك الحديدية التي يقذف موقدها بالفحم الحجري أبداً. ولا يضيع وقته ويقطع سلسلة عمله في أبرك أوقات نهاره لأن الوقت من ذهب كما يقول المثل الإنكليزي. ومن دين كل إنكليزي أن يحتفظ بالنظام والانتظام ويرعى الواجب ويقوم بما يعهد إليه أحسن قيام وبهذا كان الهجوري في نظره مضيعة للوقت ومجلبة لصد صاحبه عن إنجاز واجباته ومفسدة للصحة.

قال الكاتب الذي اقترح على قومه اختيار الترتيب السكسوني وعندي أن الفرنسيين يضيعون أوقاتهم ولا يسيرون في أعمالهم على وتيرة واحدة إذ أن البداءة بالعمل حوالي الساعة التاسعة صباحاً وجعل فاصلة فيه قدر ساعتين لتناول طعام الظهر ثم معاودة العمل إلى الساعة السابعة مما لا فائدة فيه كما هو الحال في طريقة الإنكليز فحبذا لو تقيلنا مثالهم ونسجنا على منوالهم في طعامهم وشرابهم وأعمالهم. أما نحن فنقول أننا معاشر المشارقة لو نظرنا في أحسن ما اعتاده زعماء الحضارة من الأمم في أمور معاشهم واخترنا أنفعه لنا وأمسه بحاجتنا مع تعديل يوافق كل قطر واعتدال ينطبق على مقتضيات العصر إذاً لأحسنا صنعاً وزدنا عائدة ونفعاً.