الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 999/رسالة النقد

مجلة الرسالة/العدد 999/رسالة النقد

بتاريخ: 25 - 08 - 1952


كتاب معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع

تأليف: أبي عبيد البكري الأندلسي

المتوفى سنة 487 هـ

تحقيق الأستاذ مصطفى السقا المدرس في الجامعة المصرية

للأستاذ حمد الجاسر

تم طبع هذا الكتاب القيم، بصدور جزئه الرابع، حاوياً لحرف (الكاف) وما بعدها من الحروف، وفيه فهارس لأسماء البلدان والمواضع، والمياه والجبال، وللأعلام عامة، وللقوافي تقع في اكثر من مأتي صفحة. وضعها ورتبها الأستاذ السقا فزان الكتاب قيمة علمية.

وقد ألمعنا - في كلمة نشرتها هذه المجلة الكريمة عند صدور الجزء الثالث - إلماعة موجزة عن صعوبة نشر المؤلفات القديمة وخاصة ما يتعلق بتحديد المواضع، وأشرنا إلى ما بذله الأستاذ السقا من جهد في سبيل تحقيق هذا الكتاب، وصححنا بعض أغلاط وقعت فيه، ويسرنا أن نرى الأستاذ قد أخذ بكثير من تصحيحنا حينما وضع فهرس الخطأ والصواب، في آخر الكتاب وإن نسب تصحيح تلك الأخطاء إلى المجلة التي نشرت التصحيح ولم ينسبه إلى كاتبه.

وتقديرنا لما بذله الأستاذ من عناية في التحقيق، واعترافا بفضله، لا يحولان بيننا وبين الإشارة إلى شيء من ملاحظاتنا على هذا الجزء، إشارة نقصد من ورائها الخير. من إفادة القراء في تصحيح بعض ما جاء في هذا الجزء، مما هو بحاجة إلى تصحيح.

الملاحظة الأولى:

يعني بتحقيق النصوص؛ الرجوع إلى مصادرها الأولى للتثبت من صحتها، ولوثوق من مطابقتها لما في تلك المصادر والأستاذ السقا - وإن رجع إلى كثير من الكتب التي ألفت في تحديد المواضع وبيانها، وغلى غيرها من الكتب اللغوية والأدبية، إلا أنه قد فاته الرجوع إلى كثير من الكتب التي استقى البكري مواد كتابه منها. وهذا أمر غريب جدا من أستاذ جامعي، يدرس مناهج التحقيق العلمي، ويؤلف فيه وينقد ويناقش البحوث والمؤلفات وفق قواعده. وها هي الأمثلة.

(1) في صفحة 1274: (المهجم. . . هو خزار الجبل المتقدم ذكره، قاله الهمداني) كذا. فلنرجع إلى المصدر الأول - وهو الهمداني - لننظر هل قال هذا القول للهمداني - وهو أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب المعروف بابن الحائك المتوفي في سنة 334 تقريبا - مؤلفات، طبع منهم (صفة جزيرة العرب) والجزء الثامن والعاشر من (الإكليل وقد عول البكري على هذين الكتابين ونقل عنهما، وأثر النقل. ومما نقل عن (صفة جزيرة العرب) كلامه هذا في تعريف المهجم، ولكن النقل هنا مبتور ناقص، كقراءة من يقرأ: (فويل للمصلين) ثم يقف. وهاهو نص كلام الهمداني: (ص 171 طبعة ملر، في ليدن وهي الطبعة الوحيدة): (ديار ربيعة، من العروض ونجد: الذنائب، وواردات، وخزاز - ويقال فيه خزازي. وقد يرى قوم من الجهال أن ديار ربيعة بن نزار كانت من تهامة، من سردد، وبلد لعسان من عك، وإن تبعاً أقطعهم هذه البلاد، لما حالفوه، وهذا من الأخبار المصنوعة لأن الملوك أجل من أن تحالف ألعابا، وإنما بنوا هذا الخبر على وهم وهوى، فقالوا في المهجم وهي خزة: خزازي، وفي الأنعوم الأنعمين، وفي الذنبات: الذنائب، وفي العارضة: عويرض). اهـ ملخصا. وتتضح المسألة حينما نعلم أن المهجم واد في تهامة، يصب في البحر، قرب مدينة زييد، وأنه كان يطلق عليه اسم (خزه) ويقارب هذا الاسم (خزاز) وهو اسم لجبل في نجد، بينه وبين المهجم، مفاوز وفيافي، ولهذا الجبل ذكر كثير في أشعار العرب، وله يوم من أيامهم المعروفة، بين القحطانيين، والعدنانين، وقد أورد البكري شيئاً مما ورد فيه، عند ذكر اسمه، فلما عرف المهجم قال بأنه هو خزاز المتقدم، ناقلا عن الهمداني، بل ناسبا القول إليه. اعتمادا على الكلام الذي نقلناه آنفا، والذي قال عنه الهمداني إنه مبني على وهم وهوى، وبهذا النقل المبتور الناقص اختل المعنى، وانعكس القصد.

(2) وفي صفحة 1171 - نقل عن الهمداني أيضا - يتعلق بمأرب، جله مأخوذ من الجزء الثامن من كتاب (الإكليل) وهذا الجزء مطبوع مرتين؛ مرة في العراق، والأخرى في أمريكا، ولكن الأستاذ السقا لم يرجع إلى هذا الجزء لكي يحقق النص (3) لعرام بن الأصبغ السلمي الأعرابي رسالة عن (تهامة وسكانها، وما فيها من القرى والمياه) وقد نقل البكري جل هذه الرسالة، في مواضع متفرقة من كتابه هذا، وصرح بالنقل منها في مقدمة الكتاب، وفي الكلام على (رضوى) وقد نشر هذه الرسالة العلامة المحقق الشيخ عبد العزيز الميمني الهندي، عضو (المجمع العلمي العربي) في (أورتتيل كوليج مجازين التي تصدر في (لاهور، الباكستان) منذ بضع سنوات، وكان خليقاً بالأستاذ السقا الرجوع إلى هذه الرسالة، لتحقيق النقول الكثيرة التي نقلها البكري منها، وقد يكون للأستاذ العذر في عدم إطلاعه عليها، ولكن ياقوت الحموي، نقل جلها في (معجم البلدان) والسيد السمهودي مؤرخ المدينة نقل كثيرا منها في (وفاء الوفا، بأخبار دار المصطفى) و (المعجم) و (وفاء الوفا) مطبوعان ولا غنية لمن يقوم بتحقيق مؤلف في تحديد مواضع بلاد العرب وأمكنتها عن الرجوع إليهما، وإلى أمثالهما. وعدم تحقيق ما نقل البكري من هذه الرسالة سبب كثيرا من الخلط في تحديد المواضع، ومن الغلط في تلك النقول، ومن أمثلة ذلك ما جاء في صفحة 1377: (ورقان بفتح أوله وكسر ثانيه، بعده قاف، على وزن فعلان؛ وهو من جبال تهامة، ومن صدر مصعدا من مكة فأول جبل يلقاه ورقان). وهذا غلط شنيع، فورقان جبل لا يزال معروفا باسمه هذا وهو بعيد عن مكة، وليس أوب الجبال التي يلقاها المصعد منها، بل كل الجبال الواقعة بين مكة والمدينة هي إلى مكة أقرب منه إليها. والبكري نقل الكلام هذا من رسالة عرام، إلا أنه أبدل كلمة (المدينة) بكلمة (مكة) فورقان بقرب المدينة. وجاء في هذه الصفحة: (وأهل الحجاز يسمون السماق الضمخ، وأهل الجند يسمونه (العرتن). والأستاذ السقا يعلم أنه ليس لأهل الجند لغة تقارن بلغة أهل الحجاز، وإن الصواب: (وأهل نجد) كما في رسالة عرام، طبعة الميمنى ص 275 من المجلة، وعلى ذكر اللغة نرى الإشارة إلى أن قول الأستاذ السقا (ص 1271) أنطى؛ بمعنى أعطى، في لغة اليمن. فيه تساهل؛ إذ من المعروف أن هذه اللهجة لا يختص بها اليمنيون، بل يشاركهم فيها بعض العدنانيين، من قيس عيلان وغيرهم، ورياح بن الأشل الذي فسر الأستاذ كلامه غنوي من قيس عيلان، فما معنى حصر تلك اللهجة بآهل اليمن؟

(4) وفي ص 1352: (تأتي من شمنصير وذروة. . . وبأعلى كلية ثلاثة أجيال صغار، منفردات من الجبال، يقال لها سنابك). ولو رجع الأستاذ إلى رسالة عرام، أو إلى الناقلين منها غير البكري. لوجد أن كلمتي (ذروة) و (سنابك) مما تصحف على البكري، وإن وصوابهما (ذرة) و (شنائك).

الملاحظة الثانية

يرى القارئ في مقدمتي الجزء الأول، والرابع في هذا الكتاب، تقليلا من قيمة مطبوعة المستشرق وستنفيلد، وثناء على هذه المطبوعة مطبوعة الأستاذ السقا، ومن ذلك، من مقدمة الجزء الرابع: (أرجو أن يكون من ورائها تصحيح لكثير من الأخطاء التي وقعت في تلك الطبعة. . فهرس هذه الطبعة يمتاز بالتقصي الدقيق، الذي لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها. . . فهرس الأعلام يمتاز بالاستيعاب والاستقصاء كسابقه، وبأنه لا نظير له في طبعة جونتجن. . . فهرس القوافي ليس له نظير في طبعة جونتجن كذلك، ويمتاز بشموله في دقة كاملة. . . أما ما وقع من المؤلف من خطأ، وكذلك ما وقع في مطبوعة جونتجن فقد أصلحته، ونبهت عليه). للأستاذ السقا أن يصف عمله بالإتقان والجودة، والشمول والإحاطة، فهو جدير بذلك، ولكن الاستنقاص ليس من صفات المنصفين، ومطبوعة جونتجن هي أول مطبوعة من هذا الكتاب انتفع بها الباحثون، وهي على ما فيها من أخطاء - قل أن يسلم من مثلها مطبوع عربي - على درجة عظيمة من الصحة، وطابعها معروف بسعة اطلاعه، وتحريه للصواب، ولو لم يكن من فضله إلا تمهيد السبيل للأستاذ السقا، لكفى سببا لعدم النيل من عمله، إن لم يوجب الثناء عليه، ولعلنا لا نعود الحقيقة إذا قلنا إن كثيرا مما ظنه الأستاذ السقا خطأ في طبعة جونتجن هو الصواب بعينه، وقد ذكرنا شيئا من ذلك في نقدنا للجزئين الأولين، الذي نشرناه، واعتمد عليه الأستاذ في تصحيح الأخطاء، ومن الأمثلة، مما في هذا الجزء:

(1) ص 1333: (وتجتمع سيول العقيق وبطحان وقناة بالرعابة) وقال الأستاذ في الحاشية: في طبعة جونتجن (الزغابة) وقال: إنه تصحيف. والتصحيف هو ما اختاره الأستاذ، إذ مجتمع سيول تلك الأودية: (الزغابة) بالزاي المضمومة، فغين معجمة، فألف، فباء موحدة فهاء (انظر هذه المادة من (وفا الوفاء ج2) (معاجم اللغة والمواضع).

(2) ص 1150: (ضم القنان لفقعس سوءاتها) والصواب ما في طبعة جونتجن: (ضمن) - راجع مادة (القنان) من (معجم البلدان).

(3) وفي ص 1144: (ديار سعد بن هذيم). وقال السقا ابن

ساقطة من طبعة جونتجن والصواب سقوطها، لأن سعد هذا

حضنه عبد حبشي يقال له هذيم، فغلب عليه فقيل: سعد هذيم،

وليس هذيم أباً لسعد. (انظر المقتضب من جمهرة نسب (ورقة

1051 مخطوطة دار الكتب المصرية).

(4) وفي ص 1227: (المسلح: بكسر أوله. . . منزل على أربعة أميال من مكة). وفي طبعة جونتجن: (أيام) مكان: (أميال) وهي الصواب؛ قال الهمداني - في (صفة جزيرة العرب) ص 185 - : ومن أخذ الجادة من مكة إلى معدن النقرة، فمن مكة إلى البستان 25 ميلا، ومنه إلى ذات عرق 24 ميلا، ومنها إلى الغمرة 20 ميلا، ومنه إلى المسلح 17 ميلا). ا. هـ ملخصا. وهذا من أدق التحديد، في بعد هذا الموضع عن مكة، ومن أوضح الأدلة على أن المسافة بينها وبينه أربع (ليال) لا (أميال)

(5) وفي ص 1271: (منعج: بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده عين مهملة مكسورة، وجيم معجمة) وكلمة (معجمة) لا محل لها. إذ كلمة (الجيم) لا مشابه لها من الحروف في صورتها. لكي تميز بالإعجام، وهي ساقطة من طبعة جونتجن.

(6) وفي ص 1285: (الحضرمي: هو عبد الله بن عماد ابن سليمان) وفي مطبوعة جونتجن (سلمى) ولعلها أصوب. إذ هذا الاسم هو المعروف بين العرب الجاهليين. بخلاف سليمان. فهو وإن اشتهر بين أهل المدن في العهد الجاهلي، قليل بين البدو (وانظر ترجمة (العلاء بن الحضرمي) في الأعلام للزركلي) ولعل في هذا القدر كفاية.

البقية في العدد القادم

حمد الجاسر