الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 991/أقباس من الكتاب

مجلة الرسالة/العدد 991/أقباس من الكتاب

مجلة الرسالة - العدد 991
أقباس من الكتاب
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 30 - 06 - 1952


المؤمنون الفائزون

للأستاذ نور الدين الواعظ المحامي

(قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون الذين هم للزكاة فاعلون، والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، والذين هم لأمانتهم وعدهم راعون، والذين هم على صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)

قرآن كريم

أخي المؤمن:

إن مثل الإيمان في القلوب، كمثل النور في الظلام، فكما أنا النور ينير ديجور الظلام، ويبدد أشباحه، ويزيل مخاوفه، ويبعث الطمأنينة فيه، ويطرد أوهامه، فإن الإيمان ينير القلوب ويبعث الحياة فيها، ويكشف عنها أغطيتها الكثيفة، ويقذف الانشراح فيها. . فتصبح القلوب المؤمنة (كالربيع) في جمالها و (كالسماء) في صفاءها، فتنجلي أسرارها، وتنكشف خفاياها، فتبدو لماعة تسر الناظرين، ملهمة تبهر بصيرة المتدبرين. . يفيض الطهر ويتدفق منها الصدق والإخلاص. تلك هي القلوب التي تعي وتفقه، وتدرك وتبصر: وأن مثل المؤمن كمثل المصباح، فكما أن المصباح يزداد ضياء وشعاعاً بزيادة النور فيه، فكذلك المؤمن، يزداد طهراً، وصدقاً وإخلاصاً، بزيادة الإيمان في قلبه، ويزداد انصياعاً للحق، وانقياداً للحقيقة، بقوته فيه؛ لأن الإيمان إذا استقر في قلب، فإنه يغذيه بالمكارم، ويسقيه بالفضائل، ويمدد بالإعمال الصالحة. . فيكون صاحبه مؤمناً، كريماً، فاضلا، بعمل الصالحات، ويتواصى بالحق، ويتواصى بالصبر. ذلك هو الإيمان الحق. . وذلك هو المؤمن الصادق.

لكي تنمو شجرة ذلك (الإيمان) في قلب امرئ ما. . وتثمر. . لا بد من ارتباط القلب بقوة مبدعة عظيمة. . وانقياد لها في الحركة والسكون. . والمنشط والمكره، حتى ي (رهبة المراقبة) من تلك القوة المبدعة، السرمدية، الحكيمة الأزلية التي هي علة الوجود وسره الذي لا يدرك كنهه) وخير وسيلة لارتباط القلب بإرادة تلك القوة المبدعة هو (التمثيل) بين الواحد الأحد. . الذي لم يلد ولم يولد، في الصلاة بخشوع صادر من القلب، منبعث من جوانحه، لأن الصلاة هي معراج الروح إلى الملأ الأعلى. . بها تغرس بذرة الإيمان في القلب، وبالاستمرار فيها في شجرته، وبالإكثار منها تثمر. . (الذين هم في صلاتهم خاشعون (كما لا بد من إيتاء الزكاة تزكية للأموال من الدنس. وإيفاء لحقوق السائلين (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) لأن الحق يستلزم إيفاءه، والممتنع عن إيفائه عاص يجب محاربته وعقابه. إذ لا تهاون في الحق لسمو منزلته وعلو مكانته، وخطورته، لأن في ضياع الحقوق اختلال توازن العدالة، وتحكم الظلم في مصير الناس. ولا بقاء لملك مع الظلم، لأن العدالة أساس الملك. . ولا عدالة مع إنكار حقوق السائلين والمحرومين. (والذين هم للزكاة فاعلون). ولكي تستمر شجرة ذلك (الإيمان) في النمو والحياة. . لا بد من ترفع عن كل ما هو باطل وضلال، وفسق وفجور، وإعراض عن المعاصي وابتعاد عنها وسمو عن اللغو، وإغراق في حب الحكمة، وصيانة للوقت الذي هو كالحياة. . وترفعاً عما لا فائدة فيه من الأقوال والأفعال.

(والذين هم عن اللغو معرضون). كما لا بد من اجتناب الفحشاء والمنكر، صيانة للنسل، وحفظاً لحدود الرحمن تعظيماً له، وإكباراً لما امرنا به من التزام الخلق العظيم، لأن الإنسان مكرم لسيطرة العقل على شهواته، واعتداله بين ما تتطلبه الروح والجسم، لأن انطلاق الشهوات قتل للنفوس، وهدم لأسس الاجتماع، ونهاية الأمر وإباحية لا تبقي ولا تذر. وفي كبح جماحها تكريم للنفوس وحفظ لها، وبناء لأسس الاجتماع وتهذيب له. . . (والذين هم لفروجهم حافظون). ولكي تبقى شجرة ذلك الإيمان في حرز من الجفاف والذبول. . لا بد من إتصاف المؤمن بصفة الأمان، إذا أؤتمن لم يخن بل يؤدي الأمانات إلى أهلها، وإذا عاهد أو عاقد أوفى بعهده ولم يخالف. لأن الأمان والعهد والعقد والتزامات تترتب في الذمة يجب إيفاؤها، من دون إهمال، لأن في ذلك زعزعة لمبدأ (الثقة) ونقض لدستور الفطرة السليمة (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون). كما لا بد من صفة المواظبة على الصلاة في مواقيتها، لأنه سئل الرسول (ص) يا رسول الله، أي العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة في وقتها. ثم أي؟ قال: بر الوالدين. ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله؛ لأن المواظبة على الصلاة في وقتها دليل على تعلق القلب بها ومحبته إياها. . حتى تنقلب إلى قرة العين كما يقول الرسول (ص). . وفي تعلق القلب بالصلاة ومحبته إياها. . امتزاج لطيف بمشاعر روحية سامية لا يدركها إلا العارفون (والذين هم على صلواتهم يحافظون).

أيها الأخ الحبيب. .

إن نداء يرن في أذني وينبئني (بأنك مشتاق لتكون من المؤمنين الفائزين في الدنيا والآخرة) لأن الفوز غذاء الروح وان الإنسان قد جبل على حب الفوز والفلاح، ولكنه كثيراً ما يجهل سبيل الفوز وطريق الفلاح. . فيصد عن السواء السبيل، فتعالى معي. . وقلوبنا متعانقة. . وأرواحنا ممتزجة، نتدبر آيات الذكر الحكيم ونتأمل فيها، كي ترسم لنا سبيل الفوز، وترشدنا إلى طريق الفلاح. . إنها تهمس في آذاننا، وتقول: يلزمكم كي تكونوا من المؤمنين: -

1 - إيمان طافح مع خشوع قلبين، في الصلاة. وحفظ لمواقيتها ومواظبة عليها

2 - إعراض عن اللغو، وترفع عنه، وحب للحق والحكمة

3 - أداء للزكاة، إيفاء لحقوق السائلين والمحرومين

4 - طهر كامل، واجتناب للفحشاء وصيانة للنسل. وحرص على الشرف.

5 - رعاية للعهد، والتزام للعقد، وحفظ للأمانات

هذه هي سبيل الفوز - أيها الأخ المؤمن - فهل أنت مستعد لإتباعها وسلوكها؟ (أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)

نور الدين الواعظ المحامي

كركوك - عراق