الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 990/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 990/الكتب

بتاريخ: 23 - 06 - 1952


أسس الاصطلاح العالمي

تأليف الأستاذ محمد عبد الغني

للأستاذ منصور جاب الله

منذ أربعين عاماً أو تزيد، والأستاذ محمد عبد الغني يعمل منافحاً لنشر الدعوة الإسلامية على حقيقتها داعيا إلى الأخذ بتعاليم الإسلام في كل شأن من شؤون الحياة، مستصرخا الحكام وولاة الأمر أن يهبوا للإصلاح على أسس قويمة من الدين الحنيف والشريعة السمحة.

وعلم الله أننا ما بصرنا بالأستاذ محمد عبد الغني متوانيا ولا متخاذلا في نشر رسالته رغم المعوقات والمخذلات التي وضعت في طريقه، فهو على الدوام يخطب في المساجد والجوامع، أو يراسل أولي الشأن في المهم من الأمور، أو يحبر المقالات المطولة وينشرها في الصحف، أو يؤلف الكتب حسبة لوجه الله لا يبغي كسبا ماديا ولا ربحا ماليا.

ولقد قدمت لقراء (الرسالة) بعض مؤلفات الأستاذ محمد عبد الغني قبل سنوات ن وأبرزت النهج الفريد الذي اختطه المؤلف لنفسه، وألمحت إلى جرأته الشديدة في عرض وجهة نظره غير مبال بما قد يلحقه من أذى الحكام أو أوصاب الحياة.

واليوم يقدم لنا الأستاذ المجاهد أحدث مؤلفاته مختاراً له هذا العنوان (أسس الإصلاح العالمي على ضوء الهدى الإسلامي) ومن خلال العنوان يدرك القارئ الغرض السامي الذي يستهدفه مؤلفنا الفاضل، ولندع المؤلف يتحدث في مقدمته حيث يقول:

(أي إنسان ينظر إلى الإنسانية لا بالمنظار المركزي ولا بالمنظار الجنسي والمذهبي، بل بالمنظار العالمي الإنساني، يضع أمامه ذلك الاعتبار الذي وضعه الإسلام، واعتبار أن العالم كله على اختلاف ملله وأجناسه وأنواعه، وعلى تنائي دياره وأقطاره، يتصل بتلك الصلة الأولية العظيمة، صلة الأبوة والأمومة الأوليين، والذي يقدر تلك الوشائج الرحمية لا ينظر لأي أمة بالمنظار الأسود، منظار التحيز الممقوت، والتعصب الجنسي والوطني والإقليمي المرذول، بل ينظر إليها كأنها أمة شقيقة لأمته وكأن أفرادها إخوة له في الإنسانية وفي الفضائل والكمالات البشرية، وإذا تسامى عن التحيز والهوى تحاشى أن يندفع للأضرار بفرد مهما تكن تبعيته وملته وجنسيته ووطنيته، وإنه إن غفل عن تقدير هذا الشعور وتحامل على من يخالفه في الاعتبارات الشخصية والمركزية فقد تجرد عن القيم الروحية، تجرد عن الروح الإنسانية وانحدر إلى التعصب والى حضيض الوحشية)

بهذه الفكرة المتسامية بدأ المؤلف رسالته، ثم تحدث عن شقوة هذا العالم اللذي نعيش فيه وأورد بيانات إحصائية عن القتلى والجرحى والمنكوبين في الحربين العالميتين الماضيتين، وفي الحروب التي وقعت بينهما والتي تلتهما، واستطرد من خلال ذلك إلى أن ساسة العالم لو قد فاءوا إلى مثل روحية عليا لجنبوا الإنسانية كل هذه الموبقات.

ثم تحدث المؤلف عن حرب الموبقات والشهوات وما ينفقه كل شعب على شهواته المتلفة كالخمر والمخدر وما إلى ذلك، ثم عطف من ذلك الحديث إلى الحديث عن عظمة الإسلام وشهادة العلماء الأعلام من غير المسلمين بروحانية هذا الدين الحنيف، وكيف أنه الحصن الملاذ الذي يمكن أن يقي الناس جميعا من التردي في مهاوي التهلكة.

ثم تدرج من ذلك إلى تبيان أنواع العبادات في الإسلام وبسطها بسطا فلسفيا يدعو إلى الإعجاب، ووازن بينها وبين العبادات في الأديان الأخرى، وخلص من ذلك إلى أن الإسلام جماع الأديان كلها، انتظم فضائلها وجمع أشتاتها، فانصبت فيه الخلاصات الروحية بحسية آخر الرسالات السماوية.

وبعدئذ أنشأ المؤلف يسرد الأدواء التي حاقت بالإنسانية ويصف لكل داء ما يكفل شفاءه من آيات كتاب الله، ولقد أوفى الأستاذ عبد الغني من ذلك على الغاية حتى أنه استعان بكل ما في القرآن الكريم من الآيات البينات، وبدت تلك الكلمات القدسية كالوشي الصقيل على صفحة الخريدة الحسناء.

وأنحى المؤلف إنحاء شديداً على المدنية الغربية التي فرقت الناس شيعاً، ونشرت روح التعصب الديني والطائفي، ودعت إلى فض الخلافات بالقوة المسلحة، فأوغرت الصدور، وأرثت الحزازات، وإذا العالم يسير في طريق الفناء والدمار.

وعرج الكتاب بعد ذلك على مواقف السلف الصالح من أبناء الإسلام في تقويم المعوج، ونشر الإصلاح والنصح للخلفاء والعمال.

وختم المؤلف كتابه بمقترحات توجه بها إلى ولاة الأمور، وأخص هذه المقترحات المطالبة بالرجوع إلى التشريع الإسلامي (فلو وفقنا للرجوع إلى الإسلام فقد وفقنا لإنقاذ الأمة مما تعانيه من الخطوب والكروب والويلات التي تستهدف معها لسخط الله وانصباب صواعق النقم على رؤوسنا) إلى آخر ما قال الكاتب بجرأته التي تسترعي الانتباه.

وفي مقدمة المقترحات التي عني بها صاحب (أسس الإصلاح) تأليف وزارة للشؤون الإسلامية تكون لها الولاية على إقامة الشعائر الدينية فتعاقب المسلم الذي يتوانى في أداء الفرائض من صلاة وزكاة وحج إن استطاع إليه سبيلا، وكذا تتولى القضاء على هذه البوائق التي ارتكس فيها المسلمون مندفعين وراء تيار المدنية الكاذبة، ويقوم على رأس هذه الوزارة - وزارة الشؤون الإسلامية - وزير يلقب بشيخ الإسلام - وهو غير شيخ الأزهر - (تكون له الهيمنة على شيوخ المعاهد وله السيطرة في الوزارة الإسلامية وعلى سائر الوزارات والهيئات فيما يتصل بالشؤون الدينية وتكون تحت إدارته قوة عسكرية لتنفيذ الأوامر الدينية) وبعد ذلك (يعين مجلس إسلامي أعلى تحت رياسة شيخ الإسلام لإعداد المؤلفات الدينية للرد على الطاعنين في الإسلام وعلى الطوائف الخارجة عنه) ثم اقترح (عقد مؤتمر إسلامي كل عام ينهض بالمسلمين) كما يرى حضرته (توسيع اختصاص المحاكم الشرعية على مثل الحكم الإسلامي في فجر الإسلام)

وبعد، فإن الأستاذ عبد الغني مستحق ولا شك كل إعجاب لهذا المجهود الذي بذل، وهذه الشجاعة الأدبية التي لم تتخل عنه في كل أطوار حياته، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين.

منصور جاب الله