الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 989/مصادر التاريخ الحضرمي

مجلة الرسالة/العدد 989/مصادر التاريخ الحضرمي

مجلة الرسالة - العدد 989
مصادر التاريخ الحضرمي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 16 - 06 - 1952


للأستاذ أحمد عوض باوزير

تمهيد:

هناك حقيقة تاريخية ثابتة ينبغي مراجعتها، قبل البدء في الحديث عن (مصادر التاريخ الحضرمي). ومن المؤرخين المحدثين الذين فطنوا أهمية هذه الحقيقة، السيد علوي ظاهر الحداد، مؤلف كتاب (الشامل). فقد ورد في رسالة له أسماها (جنى المشاريخ) ما يفيد في تقرير هذه الحقيقة

وفحوى هذه الحقيقة التاريخية، هو أن التاريخ السياسي القديم، لحضرموت لا يمكن دراسته منفصلا عن تاريخ اليمن الكبير، أو عن تاريخ الإسلام في الجزيرة العربية حتى إلى ما بعد نشوء الدولة الكثيرية، في أواخر القرن الثاني الهجري. ويقال في تعليل قيام بعض الحكومات القبلية، واستقلالها أثناء هذه الفترة الزمنية، أن ذبك كان نتيجة لأحوال الضعف المادي والأدبي، في حكومات اليمن المتعاقبة، أو في عاصمة الخلافة الإسلامية

ومما يفيد في تقرير هذه الحقيقة كذلك أنشتار الفرق الدينية في حضرموت، فإن ذلك الانتشار يعني امتداد النفوذ السياسي والأداري، إلى هذه الرقعة من الجزيرة العربية. وأظهر هذه الفرق (الأباضية) ثم (القرمطية). وكان ظهزرها أيام أضطراب دول الزياديين في اليمن، في أواخر القرن الرابع الهجري و (الإسماعيلية)

ما هي مصادر التاريخ الحضرمي:

وإذا كنا قد أثبتنا هذه العلاقة بين تاريخ حضرموت، من جهة، وتاريخ اليمن أو الجزية العربية، من جهة ثانية. فيحسن بنا أن نتساءل. ما هي ماصدر التاريخ الحضرمي إذن؟ وما هي نوع العلاقة في هذه الوحدة السياسية والاقتصادية؟

والجواب على أولهما، وهو أن هناك كثير من المصادر التاريخية، بأقلام جمهرة من الحضرميين النابهين، غير أن أهمها قد ضاع، ولم يبق منها غير مقتطفات، أو شذرات متفرقة. ومن هذه المصادر تاريخ (بازرعة) وتاريخ (حنبل) وكتاب (الفرج بعد الشدة في إثبات فروح كندة) وتاريخ (الشبلي) و (شنبل) وغيرهم من المؤرخين. وحتى هذه لا يمكن أن تؤخذ على علاتها، دون الرجوع إلى الأحوال العامة، في تاريخ البلدان المجاورة التي يتصل تاريخها السياسي اتصالا وثيقا بسير الأحوال في البلاد الحضرمية

أما عن نوع العلاقة، في هذه الوحدة السياسية والاقتصادية بين حضرموت وغيرها من الدويلات في الجزيرة العربية فذلك يعني تفصيل الحكومات السياسية التي تعاقبت على اليمن منذ صدر الإسلام، إلى وقت انفصال حضرموت نهائيا عن حكومات اليمن في أواخر القرن الحادي عشر كما نذهب إليه

ومن العسير جدا على الباحث في تاريخ هذه الحكومات المتعاقبة، أن يهتدي إلى تحديد هذه العلاقة، تحديدا شاملا. فإن المجال لا يزال مفتوحا للدراسات التاريخية، وهذا النقص يكاد يكون ملحوظا للمعنيين بدراسة تاريخ الجزيرة العربية: ولذلك فإننا عاجزن حتى الآن عن تحيد تلك العلاقة؛ لأن ما لدينا من المباحث العلمية والمراجع التاريخية لا يكفي في تقرير هذه الحقائق تقريرا ضافيا ومفيدا

كيف ضاعت هذه المصادر:

ويذهب السيد الحداد برسالته (جني المشاريخ) في تعليل أسباب ضياع تلك المصادر التاريخية التي أشرنا إليه آنفا إلى انتشار البداوة والجهل بين سكان حضرموت؛ لأن انتقال تلك المؤلفات إلى أيدي أولئك النفر في الجهلة، معناه الإهمال والضياع

وربما كان هناك من يريد أن يسأل: كيف أمكن نبوغ تلك الفئة من المؤرخين، وسط تلك الجهالة المتفشية. ولا إخال أن (الحداد) كان ينتظر بداهة هذا السؤال، فقد أثبت في موضع آخر من رسالته السابقة (أن الذين قدر لهم الإقبال على العلم منهم في تلك الأزمة إنما تهيأت لهم أسباب خاصة، تيسر لهم معها التفرغ لذلك)

وأنا وإن كنت أوافق (الحداد) في بعض ما ذهب إليه في تعليل أسباب ضياع المصادر التاريخية، غير أني أعتقد أن هناك سببا أقوى، وهو أن المتأخرين من المتعصبة، قد رأوا في سيرة الأسلاف ما ينكرونه عليهم من المذاهب أو النحل. فعمدوا إلى أخفاء تلك المؤلفات وطمسها، في بعض الأحيان. وقد ذهب إلى مثل هذا الرأي بعص ذوي النظر والباحثين

محاولات في تاريخ الحضرمي: ظهرت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري، محاولات أولية في تدوين التاريخ الحضرمي القديم؛ وهي محاولات بدأت ضيقة، ثم أخذت تتسع تدريجا، فقد ظهر كتاب (الشامل) لمؤلفه السيد علوي الحداد. وكتاب (تاريخ حضرموت السياسي) للأستاذ صلاح البكري، وكتاب (تاريخ الدولة الكثيرية) للسيد محمد بن هاشم، وكنت قد اطلعت على نسخة خطية، بالمكتبة السلطانية بالمكلا من كتاب (التابوت) للسيد عبد الرحمن بن عبيد الله

وأستطيع أن أجزم أن هذه المؤلفات على الرغم من حداثتها لا تخرج عن سرد الحوادث سردا عاما دون تعميق أو توصيب. وقد إعترف السيد (ابن هاشم) في كتابه (تاريخ الدولة الكثيرية) بهذه الحقيقة، فقال في مقدمة الكتاب: (وبعد فقد التزمنا على أنفسنا في هذا الكتاب أن نكتب ما عثرنا عليه في كتب التاريخ من أخبار القوم مجردة من الملاحظات والانتقادات والأخذ والرد والتحليل والتركيب)

ويحاول السيد ابن هاشم أن يبرر هذا المسلك التاريخي بقوله (ولست أجد لي حقا في مؤاخذتي أشخاصا على سلوك سلكوه أناخت على علله وأسبابه السنون، ودفنت مبرراته ومسوغاته ظوال القرون)

ونحن لا نقر السيد (ابن هاشم) وهو الكاتب الأديب على هذا النحو من التفكير. وسواء أكانت المبررات التي زعهما صحيحة أم عير صحيحة فإننا كنا نتوقع أن يعمد إلى (المعول) لنبش الحقائق وغربلتها، وأن يبرأ من تلك الشفقة والرحمة، لأنها لا تجردي في منطق الوقائع التاريخية أو لا تفيد كثيرا

وأود في ختام هذا الحديث القصير أن أشيد بأسلوب (ابن هاشم) في الكتابة: ذلك الأسلوب الأدبي الرصين الذي يطالع القارئ من حين لآخر، في أكثر من مكان من الكتاب

هذه فذلكة عن (مصادر التاريخ الحضرمي) أقدمها في أنسب الأوقات وأصلحها، لعلها تفيد في إنارة السبيل للمعنين بدراسة التاريخ الحضرمي القديم وتعين على فهم الحقائق التاريخية الكبرى

غيل باوزير

أحمد عوض باوزير