مجلة الرسالة/العدد 986/القَصَصُ
→ البَريدُ الأدَبي | مجلة الرسالة - العدد 986 القَصَصُ [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 26 - 05 - 1952 |
الحب فوق الجبل
عن الإنكليزية
كانت ماري تستطيع في يسر أن تسمع الحديث بين الشابين الجالسين على مقربة منها إلى منضدة في فندق بشارع (فليت ستريت) ولكنها لم تعر أحدهما التفاتاً خاصاً.
قال أكبرهما وهو أجملهما للآخر: (إذا كنت لم تذهب قبل الآن إلى اسكوتلاندا فاطلب إجازة واذهب إليها. وقد يشكو بعض المتقدمين في السن وضعاف الأبدان من شدة البرد فيها، ولكن هذا لا يمنع من وصف جوها بأنه جميل.
(وسأدلك على مكان بين الجبال ليس أطيب من هوائه ولا أروع من مناظره ولا أوفر من حاجياته مع يسر الثمن، ولا أجمع لأسباب الراحة والسرور، وقد طال تردادي عليه وآمل أن أذهب إليه أيضاً في الخريف).
ورأت ماري المستمع يشير بالموافقة ويقول: (لست أعرف هل أتمكن من الذهاب إليها أم لا، ولكني أريد أن أسألك عن بعض التفاصيل، وأنت تعرف أنني لا أحب النزول بالفنادق فهل من الممكن إقامة كوخ هناك خارج القرية؟).
فأجابه: (ذلك سهل. وسأدلك على نفس الكوخ الذي كنت أقيم به، وهو في جبهة برتشاير الغربية فاكتب إلى مسز (ماك بين) وقل لها إنك أخذت العنوان من جارفي بلير).
ولم يكن المستمع يعرف الجهة التي ذكرها جارفي بلير. ولكن ماري عرفتها وكتبت على ظهر مجلة كانت معها ذلك العنوان. ولم يخطر ببالها أنها أخطأت في ذلك لأنها كانت تريد الاصطياف أيضاً، وكانت اسكوتلاندا حلماً من أروع أحلامها ولكنها لم تكن تعرف أحداً هناك، وليس أجدر بإرشادها إليها من هذا الرجل الأسود الشعر والعينين الذي كانت تراه كل يوم على هذه المنضدة بالفندق وإن كانت إلى اليوم لم تبادله كلمة واحدة. . على أنهما كانا يتبادلان النظرات في كثير من الأحيان.
وفي تلك اللحظة كتبت ماري خطاباً رقيقاً إلى مسز (ماك بين) قالت فيه إنها سمعت اسمها وعنوانها مصادفة، وأنها ترجو أن تسمح لها بالإقامة في الكوخ مدة أسبوعين وتسألها عن شروطها في مقابل ذلك.
وفي اليوم الثالث وصل إليها الرد وكان مرضياً وفيه تطلب مرسلته تحديد اليوم والساعة لترسل إليها العربة تنتظرها وأمتعتها عند أقرب محطة لتنقلها إلى الكوخ الذي يبعد عن المحطة ثلاثة أميال.
وتم كل ذلك. وفي ليلة هادئة الجو معطرة النسيم كانت ماري واقفة أمام الكوخ وصاحبته مارجريت ماك بين ترحب بها ترحاب الصديق بالصديق.
قالت مارجريت: (أخشى أن يكون هذا المكان موحشاً لشدة هدوئه وخلوه من الأنيس. ولكنه يوافق اشتراطك في خطابك، وليس عمل يمكن أن يعمل هنا إلا المشي على سطح الجبال المزدانة بأعواد الزهر).
فابتسمت ماري وقالت: (إنها تألف هذه المناظر وتحبها، فقد اعتادت الاصطياف في الريف، وإنها لا تنتظر أن تسبب لها هدأة الحياة شيئاً من السأم.
وكان من حسن حظها أن الجو اعتدل وراق في الأيام الأولى من زيارتها لهذا الصيف. وفي يوم من الأيام قالت (مارجريت ماك بين): إنه في المساء سيأتي مصطاف جديد وسيقيم في غرفة أخرى من ذلك الكوخ). وقالت: (فإذا راقك مجلسه بعد التعرف به قدمت لكما الطعام معاً وإلا فإني سأدبر لذلك وسيلة تريحك).
فلم تبد ماري أي اعتراض بل سرت من وجود زميل من أهل بلدتها في هذا المصيف. وفي أصيل ذلك اليوم خرجت لتتنزه على سفح الجبل في طريق المحطة وهي تعد نفسها بأن تكون نزهة الغد برفقة رجل هي إلى اليوم لم تصاحبه. وفيما هي تعلل النفس بوعد جميل زلت بها القدم عند محاولتها الصعود إلى مرتفع من سفح الجبل فهوت وجرحت ركبتاها واستحال عليها النهوض ورأت رجلاً يسلك الطريق بين المحطة وبين الكوخ.
ولما دنا عرفت فيه صاحبها أسود الشعر والعينين (جارفي بلير). ونظر إليها وكاد أن يمشي دون أن يتكلم لولا أنها استوقفته وأخبرته بالخبر، وطلبت إليه أن يبلغ صاحبة الكوخ رجاءها لترسل إليها عربة تقلها: فقال: إن الكوخ قريب فإذا شئت فلنذهب إليه مستندة إلى ذراعي، وفي بحمد الله من القوة فوق ما قد تظنين.
قبلت ماري على خجل ما طلبه إليها. وكان لابد لهما من التحدث في أثناء الطريق فاعترفت له بأنها عرفت المكان من حديثه مع صاحبه. وقال لها: إنه كان يريد أن يأتي في الخريف ولكن طرأ ما دعاه إلى التعجيل.
وقالت: (أرجو ألا يغضبك انتفاعي بعنوان كنت أنت تمليه على آخر) فقال: (كيف أغضب؟ لا بل يسرني كل السرور أن تشهدي صدق النصيحة التي قدمتها لصديقي، وأرجو ألا تضطرك الإصابة الحاضرة إلى لزوم الكوخ باقي مدة الاصطياف).
وفي اليوم التالي كانا واقفين أمام الغدير يتحادثان فقالت: (ما أجمل هذا المنظر!)
قال: (إنني لو أوتيت ثروة لحققت حلماً طالما كنت أنعش نفسي بتصوره، وهو أن أشتري كوخاً في مثل هذا المكان فأقضي فيه ستة أشهر من كل عام). قالت: (أهذا حلمك؟) فقال: (نعم ولي حلم مرتبط به). قالت: (أتخبرني ما هو؟). فقال: (منذ عام رأيت فتاة فأحببتها وأريدها زوجة ولكني لا أملك ما أسديه إليها غير حبي). فتشجعت الفتاة أكثر مما كانت وقالت: (ربما كانت الفتاة لا تطمع في غير الحب). ثم قالت: (هل أرشدتها إلى هذا المكان الذي أرشدت إليه صديقك؟) فابتسم وقال: (إنني لم أكن كلمتها على الرغم من أني كنت أراها كل يوم. وقد انتهزت جلوس صديق معي فرصة لأذكر المكان بصوت عال على مسمع منها. وكنت أعلم أنها تريد الاصطياف). فاحمر وجه ماري وقالت: (ربما كان عند صاحبتك مثل الذي عندك، وربما سبقتك إلى الكوخ طمعاً في لقائك).
وعادا إلى الكوخ. وبعد ذلك اليوم اشتد قلق (مارجريت ماك بين) بسبب التصاقهما لزاماً، ولكن قلقها عاد سروراً حين أعلناها أنهما يريدان البقاء بالكوخ شهراً آخر هو شهر العسل.
ع. ق