مجلة الرسالة/العدد 985/البرَيدُ الأدبيَ
→ الكُتُب | مجلة الرسالة - العدد 985 البرَيدُ الأدبيَ [[مؤلف:|]] |
القَصَصُ ← |
بتاريخ: 19 - 05 - 1952 |
تهاجي والشعراء
قرأت في العدد (981) من الرسالة الغراء مقالة المرحوم صديقنا الدكتور زكي مبارك (البلبل الذبيح) التي كتبها في رثاء زميله الشاعر الخالد المرحوم الأستاذ علي محمود طه، فاستوقفتني العبارات التالية منها:
كان الشاعر علي محمود طه يكره الشاعر محمد الهراوي، وكانت بينهما مهاجاة تذكر بالمهاجاة بين عبد اللطيف النشار وعثمان حلمي وهما شاعرا الإسكندرية.
إن المهاجاة كانت أيضاً تحصل بين المرحومين الرصافي والزهاوي، تحدث في بعض الأحايين حتى تصل إلى الخصومة والقطيعة، ومما حدث بينهما أنه بعد هجرة الرصافي إلى سورية ورجوعه إلى بغداد أقام له المعجبون بشاعريته حفلة تكريمية ألقى فيها قصيدته المشهورة ومطلعها
سر في حياتك سير نابه ... ولم الزمان ولا تحابه
ومنها هذه الأبيات الرائعة:
كم مدع وطنية ... من لم تكن مرت ببابه
فتراه ينفج لاعباً ... فيها وينفخ في جرابه
ليكون مكتسباً بها ... مالا تهالك في اكتسابه
فكأنما هو صائد ... وكأنما هي من كلابه
أما الزهاوي وكان أحد المشاركين في هذه الحفلة فاستقبل الرصافي بقصيدة ختمها بقوله:
(وهذا أخي (معروف) أشدد به أزري)
فقال الرصافي لم يشأ إلا أن جعل نفسه (موسى) وجعلني (هارون) ثم أخفاها في نفسه، حتى إذا ما قدم بغداد الزهاوي بعد مكوثه في مصر أقيمت له حفلة تكريمية استهلها الرصافي بأبيات في تكريم الزهاوي منها:
أرى بغداد من بعد اغبرار ... زهت بقدوم شاعرها الزهاوي
فعندما وصل إلى هذا البيت التفت الزهاوي إلى خاصة الرصافي وقال لهم:
هذا واجب عليه لأنني بحق شاعر بغداد وكأنما أنا أعنيه في قولي: قد تسقط النخلة العيطاء لي رطبا ... فقد رميت على عثكو لها حجرا
وعندما سمع الرصافي ذلك أجاب:
لقد أنصف الزهاوي نفسه، جعل نفسه طفلا وأنا سامق كالنخل (وكل إناء بالذي فيه ينضح)
ومن ذلك اليوم انقطع الزهاوي عن لقاء الرصافي والكلام معه. حتى فارقا الحياة، فبدد الموت ما علق بقلبيهما من أحقاد.
رواية بيت
في العدد 981 روت الأستاذة زينب الحكيم بيت أبي نواس على الوجه التالي عند تأبينها المرحوم الدكتور زكي مبارك
لا أذود الطير عن شجر ... ذقت طعم المر من ثمره
والذي أعرفه كما هو في الديوان على الصورة الآتية
لا أذود الطير عن شجر ... قد بلوت المر من ثمره
إلى هنا ولعل (بلوت) أقرب لألفاظ التواسي من ذقت الطعم.
عبد القادر رشيد الناصري
إلى الأستاذ العجمي
قرأت بإعجاب - في العدد الأخير من مجلة الرسالة - البحث القيم الذي تؤرخ فيه لشعراء الشباب المعاصرين في مصر، وتزنهم بميزان النقد الفني الأدبي، وتضع فيه لكل مدرسة من مدارس الشعراء منهجا واضحا محددا، وتلك روح طيبة تتسم بالجرأة والصراحة في الحق لا أشك في أنها أساس يقوم عليها النقد الأدبي في كل جيل.
غير أني آخذ على الأستاذ بعد أن وقف موقف الحمد والثناء من دار العلوم لما أنجبت للنهضة الأدبية الشعرية من شعراء يوم أن كانت مدرسة، آخذ عليه أنه ألقى الكلام جزافا حين أنحى باللائمة على دار العلوم وخريجيها بعد أن أصبحت كلية يكفي المتخرج منها أن يصيح أمام مفتش اللغة العربية: (أنا من حملة الليسانس)!
ولا أكتب تعقيبي هذا لأني طالب في دار العلوم فحسب، أدافع عنها؛ ولكن لأن الواقع والحقيقة يقرران عكس ما ذهبتم إليه، إذ ليس السبب في أن دار العلوم خرجت من شعراء أفذاذ لأنها كانت مدرسة، وتخلفت عن الركب - كما تدعي - لأنها أصبحت كلية جامعية، فدار العلوم كانت وما تزال إلى اليوم تحمل لواء نهضة أدبية مستقلة متميزة في طابعها العام عن سواها.
ولا أحسب الأستاذ - وهو شاعر مجدد - يتناسى أن للشاعر وطنا خاصا يعيش فيه، ومصادر إلهام يستقي منها، بعيدة كل البعد عن المعهد أو المدرسة التي تلقى فيها العلم. ولا أحسبه إلا مؤمنا بأن السبب في شاعرية الشاعر ليس وقفا على أنه من دار العلوم أو من الآداب أو الأزهر، فذلك - على ما أعتقد - ما لا أثر فيه لشعر شاعر، وإلا فما هي الدراسات الأدبية التي تدرس في كلية الهندسة التي ينتسب إليها المرحوم الشاعر علي محمود طه؟ وهل تخرج شوقي أمير شعراء عصره من الأزهر أو دار العلوم أو الآداب؟
ولو أن الصحافة الأدبية أفسحت صدرها لكثير من طلبة دار العلوم وخريجيها في عهدها الحديث، لشهد الأستاذ أن في كلية دار العلوم نهضة أدبية لا تنكر، وشعراء مجددين يسيرون في الموكب جنبا إلى جنب مع طليعة شعراء مصر المعاصرين. هذا ولا يمنعني ذلك من إزجاء الشكر خالصا على بحثكم القيم.
محمود محمد سالم
استدراك
سقطت جملة من المقال المنشور في العدد السابق من الرسالة بعنوان (شخصية) جعلت الجملة مضطربة والمعنى غير واضح. وسأتدارك هذا البتر الذي أظن أنه كان مقصودا في كتابي المعد للطبع.
كذلك وردت كلمة (يضطلع في السطر الأخير من المقال وصحتها (يطلع) فتكون الجملة هكذا (ومن سخرية القدر أن يصبح حصل أفندي نائبا عن الأمة يطلع في أحد المجالس. . .
حبيب الزحلاوي
دعونا من هذه المهزلة
إني أعتبر مجرد الحديث عن المرأة وحقوقها السياسية مهزلة يجب أن يوضع لها حد، كما أعتبر محاولة شغل الرأي العام بهذه المهزلة جريمة لا تغتفر في حق وطننا المنكوب. . فهل انتهت مصر بعد من تحقيق أعز أمانيها: الجلاء الخالص والوحدة الصادقة، حتى نشغل أنفسنا بحقوق المرأة السياسية، وتفسح صحافتنا السيارة - باستثناء الرسالة المحترمة - صدرها لمبارزة الفريقين المؤيد والمناهض، فتشعل بذلك معركة صاخبة يتلاشى في صخبها أعز الأماني وأطيب الآمال؟
إن المستعمر الغاصب بخير ما دام الرأي العام في مصر مصروفا عما يزلزل أقدامه ويقلق كيانه، ومشغولا بالجدل الممل المتعب في سفساف الأمور، وصغار القضايا، وتوافه المسائل. .
إننا نريد أولا تحقيق الجلاء التام الناجز عن وادي النيل حتى تطهر أرضه من رجس الاحتلال البغيض، وتحقيق الوحدة لشعبه حتى تعتمد على دعائم من الحق والقوة، والحرية والأخوة، وبعد تحقيق هاتين الأمنيتين تحقيقا صادقا لا زيف فيه ولا التواء، يجوز لنا أن نبحث ونجادل في مسألة حقوق المرأة السياسية وغيرها ما دام في ذلك خير يعود على الوطن العزيز.
إن من الحزم والإخلاص لوطننا أن نترك هذه الأمور اليوم، حتى ننتهي مما هو أهم وأحق، ويجب أن نفهم أن الرأي العام العربي يسخر اليوم منا، لأننا نسخر هممنا في توافه الأمور التي يمكن أن نستغني عنها قليلا، تاركين المهام التي تصون عزتنا، وتحوط كرامتنا بالمهابة والإجلال، وتسبغ على وجودنا وكياننا جوا من العظمة والتقدير!
فمتى يفهم هذا جيدا أشياع الفريقين المتناضلين؟ متى يتقون الله في دينهم ووطنهم؟
نفيسة عبد اللطيف الشيخ