مجلة الرسالة/العدد 984/الأصناف والحرف الإسلامية
→ حسن البنا الرجل القرآني | مجلة الرسالة - العدد 984 الأصناف والحرف الإسلامية [[مؤلف:|]] |
الباكستان ← |
بتاريخ: 12 - 05 - 1952 |
للدكتور عبد العزيز الدوري
بقية ما نشر في العدد الماضي
أما كوردلفسكي وكوبرولو فيرون أن اندماج الفتوة بالنقابات حصل في القرن الثالث عشر في نظام (أخيان روم) وأن الأخية ظهروا في الأناضول بعد الفتح المغولي مباشرة في فترة فوضى واضطراب بعد أن دمر المغول الإدارة السلجوقية دون تعويض فظهر الأخية كمؤسسة قوية واسعة لها الرغبة والقدرة على التنظيم، وانتشروا بسرعة في الأرياف والمدن، وجعلوا (التكتل والكرم) دستورهم وطبقة أصحاب الحرف أساسهم الاجتماعي (وقتل الطغاة وصنائعهم) من واجباتهم.
ويلاحظ أن أعضاء كل جمعية من جمعيات الأخية كانوا أصحاب حرفة واحدة. ولكن حركتهم لم تكن مجرد تنظيم لأصحاب حرفة واحدة، بل جعلوا واجبهم حفظ العدل ومنع الظلم وإيقاف الظالم عند حده واتباع قانون ديني وأخلاقي وتنفيذ واجبات عسكرية إن دعت الحاجة للدفاع عن حقوقهم. وكانت العضوية مفتوحة للمسلمين ولغيرهم وهكذا تحقق في حركة الأخية (حسب هذا الرأي) اتحاد النقابة والفتوة والطريقة الصوفية.
ولكني أود أن أبين أن هذه افتراضات تحتاج إلى بحوث جديدة. فنظرية تيشنر معكوسة. فالتكتل الذي أدى للفتوة بدأ لدى العيارين والشطار أسلاف فتيان الناصر لدين الله. وكان بين الطبقة العامة وعلى صلة سيئة بالحكومة من قبل جماعة متهمة في مهنها وفي سلوكها. ثم تطورت الحركة بعد أن تأثرت بوضوح بالصوفية وصار لها قانون أخلاقي حسن. ولم تعترف بها الحكومة إلا في خلافة الناصر حين أكد على الناحية العسكرية فيها. وهذه الناحية تكونت نتيجة اضطراب الإدارة وسيطرة الأجانب في العراق. وصارت الحركة أرستقراطية في خلافة الناصر ثم صارت حركة العامة بعد الفتح المغولي. كما أن الفوضى مسؤولة عن تكتل الحرف وعن اهتمامها بحماية نفسها.
وكان الجهاد في الأناضول والحرب على الحدود الإسلامية البيزنطية خير دافع لامتزاج تقاليد الفتوة بالمبادئ الروحية الصوفية وبتقاليد الحرفة.
ثم إن ظهور بعض البدع والتساهل في المبادئ الدينية كان واضحا في الأناض للضرورات الثقافية والعسكرية على الحدود. ومع أن ظهور العثمانية أفقد الأخية كثيرا من سلطتهم ونفوذهم وأدى إلى تخليهم عن فعاليتهم السياسية والعسكرية إلا أنهم حافظوا على التعاليم الروحية والأخلاقية إلى الأخير.
ولا بد هنا من تسجيل ملاحظات المعلم جودت لقيمتها ولأنها تلقي ضوءاً على رأينا إذ يقول: (فأما الفتوة فهي عمدة إسلامية ومدنية عامة لجميع المسالك الصناعية والعسكرية والتصوفية والأدبية والتعليمية ليست مختصة بمسلك أو طريقة) وهو هنا يتحدث عن المفهوم الأخير الذي أشرت إليه.
ويذكر في محل آخر أن الفتوة (تفيد معنى السماحة الصناعية) ويبين أن: احتياج الصناع إلى الاتحاد محافظة لحقوقهم وأموالهم ضد الجبابرة والأقوياء من بواعث تأسيس هذه الهيئات. وأخيرا ينفي أية صلة للفتوة بالباطنية والإسماعيلية ويأتي بشواهد تنفيها.
ويستطرد إلى (أن الفتيان المذكورين في صحائف التاريخ والأشعار وفي الاستعمال الجاري ليسوا كلهم من هذا الصنف بل بعضهم. فبعض الرجال المتصفين بالفتوة العسكرية والشجاعة والرجولية محرومون من سمة الجود والكرم) وهم العيارون والشطار بالعربية) وهو بذلك يؤيد افتراضنا الأول. وهكذا نتوصل إلى شكل النقابة المستقرة بشعائرها المنظمة. فلكل نقابة دستور فيه عاداتها وشعائرها وقد وصلت بعض هذه الدساتير من القرن الرابع عشر الميلادي وما يليه. وقبل الدخول في التفاصيل هذه نبين أن هذه الشعائر فيها طابع الاستمرار والمحافظة. فالملابس التي ذكرنا مع إحلال السروال محل المئزر أحيانا، والماء بالملح محل النبيذ، والتعاون المطلق، وفتح الباب لغير المسلمين، ومكافحة التعدي والظلم بقيت، كما أننا نرى في بعض الحالات عيدا عاما للحرف تظهر فيه روائع بضائعها كما كان يحصل في بغداد في أواخر أيام العباسيين، حيث كانت الأصناف تتقدم في موكب حافل، كل حرفة تحتفي بنموذج لصناعتها في موكب يستمر طول اليوم.
وإن دققنا في دساتير النقابات نجدها تتكون عادة من ثلاثة أقسام - الأول يتصل بأصل الحرفة ومغامرات شيخها المؤسس وتعطى سلسلة تنشئة - مثلا - الله علم جبريل - جبريل علم محمد - محمد علم علي - علي علم سلمان الفارسي - سلمان علم الأبيار وهم حماة أهل الحرف - الأبيار علموا الفروع وهم الحماة الثانويون للشعب المختلفة في الحرفة الواحدة - الفروع علموا بدورهم رؤساء الأصناف.
القسم الثاني - يحوي عادة قائمة بأسماء الأبيار والفروع لمختلف الحرف. وهم عادة أبطال من القرآن والتوراة والتاريخ الإسلامي - مثلا - آدم حامي الفلاحين والخبازين - شيث حامي الحياك والخياطين - نوح حامي النجارين - وداود حامي الحدادين والصياغ - وإبراهيم حامي الطباخين - وإسماعيل حامي صناع الأسلحة.
القسم الثالث - يحوي التعاليم لتثقيف المبتدئين وأسئلة وأجوبتها. ومع اختلاف التفاصيل الجزئية في تنظيم النقابات إلا أن الأسس واحدة.
تتكون كل نقابة من الأساتذة (مفرد أوسطة أو معلم) وهم يشكلون القسم الرئيسي من النقابات ويليه (الخليفة أو المتعلم) ثم (الصانع) ثم (المبتدئ) وفي بعض النقابات يغفل دور الصانع ودور الخليفة، ويكون الانتقال من مبتدئ إلى أوسطى. ويرأس النقابة (الشيخ) وهو موجود في جميع الأصناف. وقد يكون له مساعد يدعى (النقيب) منزلته منزلة الوزير من السلطان.
ولا يكون الانتقال من مبتدئ إلى الدرجة التالية في وقت محدود بل يعتمد ذلك على الأستاذ. وتختلف الحالات في تطبيق دستور النقابة، فمرة ينسب ذلك إلى الشيخ ومرة ينسب إليه بمساعدة هيئة المسنين من الأساتذة أو الاختيارية.
وتلعب حفلة الانتماء أو الترقية في الحرفة دورا مهما، وتتميز بارتداء بعض الملابس كالسروال والشد (أو شد الحزام) والمئزر أو الصدرية.
ولدينا بعض الأوصاف للنقابات الإسلامية. منها وصف السائح ابن بطوطة لحركة الأخية والفتيان في الأناضول. يقول (والأخي عندهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم ويقدمونه على أنفسهم وتلك هي الفتوة أيضا. وهم (الأخية والفتيان بجميع البلاد التركية الرومانية في كل بلد ومدينة وقرية ولا يوجد في الدنيا مثلهم أشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعامهم الطعام وقضاء الحوائج والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر. ويبني (الأخي) زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج).
ويقول (الفتيان الأخية كلهم بالأسلحة ولأهل كل صناعة (الأعلام) والبوقات و (الطبول) و (الأنفار) وبعضهم يفاخر بعضا ويباهيه في حسن الهيئة وكمال الشكة).
ويقول (ومن عوائد هذه البلاد أنه ما كان منها ليس به سلطان فالأخي هو الحاكم وهو يركب الوارد ويكسوه ويحسن إليه على قدره، وترتيبه في أمره ونهيه وركوبه ترتيب الملوك).
وننتقل بعد ابن بطوطة إلى سائح تركي هو (أوليا جلبي) الذي تحدث عن الأصناف بناء على طلب السلطان في أوائل القرن السابع عشر. ووصفه أول وصف كامل لنقابات مدينة إسلامية.
فبعد أن يصف (فتوت تامة) - كتاب الفتوة بتعاليمه وأساطيره، يذكر تركيب الحرفة من (الشيخ) (النقيب) والجاويش والأوسطة (الأستاذ) ثم (الشاكرد) أو (المبتدئ) أما الصانع فلا ذكر له.
ثم يعدد جميع الأصناف وحوانيتهم وشيوخهم. ولا مجال لوصف الأصناف وهي (1001) مصنف ويذكر أن الأصناف تنظم عرضا عاما (بهيئة استعراض) مرة واحدة سنويا. ويبدأ الموكب وقت الفجر ويستمر في سيره طول النهار حتى الغروب. وتمر الأصناف ببيت قاضي اسطنبول لأنه صاحب السلطة لتفتيش جميع الأوزان والمقاييس والأصناف، ومن التقاليد أن تهدي الأصناف إلى القاضي نماذجهم التي عرضوها ولكن بعضها كان يخفي ذلك. ثم تسير الأصناف إلى محلاتها وأسواقها وتتوقف كل تجارة وحرفة لثلاثة أيام بمناسبة الاستعراض. وكانت تعلق أهمية على الأقدمية في السير، ويصف (أوليا جلبي) نزاعا وقع بين القصابين وتجار مصر حول الأسبقية حتى صدر الحكم من جانب السلطان في جانب التجار.
ولدينا وصف آخر لتشكيلات الصناعة في سيروز (روميلي سنة 1250 هـ) فيذكر ابن قاضي البلدة أن لكل صنف سوقا مختصة ولكل حرفة رئيسا يسمى (أخي بابا) أو (كهيا) أو (متولي). وإدارة شؤون الحرف بيد الرؤساء أو الأخية تعاونهم هيئة إدارة (أهل اللونجة) من خمسة أعضاء ينتخبون من أساتذة الحرفة. ويندرج المنتمون إلى الحرفة من (يماق) المبتدئ وسنه أقل من عشر سنين، وبعد سنتين يتقدم ويصبح (جراق) وبعد ثلاث سنين يصبح (خليفة) وبعد ثلاث أخرى يصبح (أوسطة). ويوجد مجلس أعلى لكل الحرف يمثل الحرف برؤسائها وهؤلاء ينتخبون رئيسا عاما (كهيالرباش).
ويشرف الأخي على شؤون الحرفة الإدارية والمالية ويحل المنازعات ويرأس هيئة الإدارة ويجري المراسيم المخصوصة للأستاذ والخليفة والجراق ويرأس الحفلات ويقوم بالنظارة الدائمة على أحوال الأصناف، أما المجلس الكبير فيقوم بالإشراف على المتولين كافة ويفصل النزاع بين أهل الحرف ويحسم المشكلات التي لم يقدر المتولون على حلها ويسوي المصالح دون مداخلة الحكومة ويعرض لدى الحكومة ما يمس حقوق أهل الصناعات ويرعى حقوق أهل الصناعة.
ولكل حرفة صندوق وارداته من بدل الإيجارات وأرباح الأموال الموقوفة والوصايا ورسوم الانتماء والتبرعات من أهل الخير أو رجال الحرف. وينفق وارداته على التعميرات والرسوم ومعاونة فقراء أهل الحرفة وتقديم المعونة للعلماء والجهات العلمية. وكمثل يوضح ذلك نذكر قائمة مصاريف الحلاجين سنة 1290، بسيرزو وفيها ما يلي: -
فحم لفقراء البلدة وأهل الصناعة (680 قرشا). خبز للغذاء في رمضان (1200). أجرة تداوي فقراء أهل الحرف وعائلاتهم (350). للتجهيز والتكفين (170). للصدقات اليومية (1800). لمعلمي مكاتب الصبيان (1800). القحم والحصر للمكاتب (500) معاونة لحسن أغا المحترق دكانه (350). لقراءة البخاري الشريف والشفاء (350). أجرة الحاكم للنظارة بأمور الحلاجين (250). أجرة المتولية (رئاسة اللونجة 1200) كما يصرف من صندوق الحرفة على العجزة من أهلها المعلولين.
والمصدر الثالث بحث إلياس قدسي وهو مسيحي سوري قدمه إلى مؤتمر المستشرقين 1883 (الجلسة السادسة) عن نقابات دمشق سنة 1882. يخبرنا قدسي أن كافة حرف المدينة لها رئيس أعظم وهو (شيخ المشايخ) وأن منصبه وراثي في عائلة (العجلاني) وأنه لا يمكن إقالته أو استبداله. ويذكر أن أسلافه كانت تعين المشايخ لأكثر من مئتي حرفة وتأمر وتنهى وتقاص وتفصل في كل مسألة وتحسم كل مشكلة ولديهم يتقاضى الجميع. وكانت سلطته تمتد إلى حق الحكم بالموت. وعلى كل فقد بقيت لديه سلطة سجن رجال النقابة أو جلدهم لوقت طويل.
ويعتمد شيخ المشايخ على وقف وراثي ولكن سلطاته أنقصت بعد التنظيمات من زمن السلطان عبد المجيد (فقال تسلط شيخ المشايخ إلى حد غير متناه حتى يسوغ القول أنه غدا محصورا بالتصديق على شيخ حرفة من الحرف بعد أن ينتخبه معلموها) وحتى في هذه الحالة كان تصديق الحكومة ضروريا فكان البعض خصوصا غير المسلمين يكتفي بهذا دون الرجوع إليه. وكان هذا الشيخ عالما في زمن قدسي ولكنه يجهل شؤون الأصناف.
ونظرا لكثرة واجبات شيخ المشايخ لم يكن باستطاعته تنفيذ كافة أعماله العامة، فكان يعين موظفا يدعى النقيب وهو يمثل شيخ المشايخ في الاجتماعات العمومية للحرف أو في حفلات الترقية، وكان له عدة نقباء عندما كانت وظيفته مهمة ولكن في زمن قدسي اكتفى بواحد وكان عارفا بشؤون الحرف بصورة طيبة.
ولكل حرفة شيخ ينتخبه شيوخ الكار ممن اشتهر بحسن الأخلاق والطوية وامتاز بمعرفة أصول الحرفة، ولا يشترط فيه كونه أكبرهم سنا أو كونه من الشيوخ بل يكفي أن يكون ماهرا محترما يستطيع تمثيل النقابة أمام السلطات. ومع أن المشيخة كانت تنتقل بالإرث في بعض الحرف إلا أن ذلك يستلزم موافقة شيوخ الكار وهذا يبقي صفة الانتخاب. ويبقى في منصبه مدى الحياة ما لم يصدر منه ما يوجب إبداله بسواه.
ويلاحظ قدسي أن الانتخاب يجري من قبل الأساتذة المتقدمين يجتمعون ويتذاكرون، فإن اتفقوا على شخص انتخب (وإلا عين شيخ المشايخ شيخا) ثم يصادق شيخ المشايخ عليه في حفلة خاصة.
أما واجبات الشيخ فتتلخص في: أن يعقد مجالس لمصالح الحرفة يترأسها ويسهر على حفظ ارتباط (الكار)، ويقاص من أتى بإخلال في حق الصنعة. وكثيرا ما يكون مكلفا بإيجاد شغل للفعلة. فيوصي بهم (المعلمين) وله وحده أن (يشد) بالكار (المبتدئين الماهرين) فيصيرون (صناعا) أو (معلمين) ومعه تكون (مخابرة الحكومة) فيما يتعلق بحرفته.
ويساعد كل شيخ في الحرفة (شاويش) يقوم مقام النقيب للشيخ ولكنه ينتخب من قبل الكار. ولم تكن له سلطة خاصة. بل كان رسول الشيخ يبلغ أوامره ويمثله وهذا المنصب قديم.
يخبرنا قدسي أن (المبتدئ) أو الأجير - وهو الولد الحديث السن الداخل إلى الحرفة - يشتغل عدة سنين دون معاش أو أجرة، ولكن البعض كان يستلم أجرا أسبوعيا زهيدا يسمى جمعية. وعندما يبدع المبتدئ في مهنته يرقى إلى مرتبة صانع وأحيانا إلى مرتبة أستاذ في نفس الوقت.
وكان الصناع في زمن قدسي يشكلون العمود الفقري للنقابة وهم يحفظون مستوى الصناعة وأسرارها.
ويصف قدسي بتفصيل حفلات الإجازة، أو الشد. وكانت تجري بحضور شيخ الحرفة وأساتذتها ونقيب الحرف والشاويش ويتولى الشاويش والنقيب عملية الشد.
وتؤخذ العهود على العضو بالمحافظة على أسرار الحرفة والصنع الجيد وأن لا يخون الكار ولا يغش الصنعة بشيء. ثم يتساءل قدسي في الأخير عن التشابه بين مراسيم الحرف وبين الماسونية الحرة في أوربا وعن سببه.
ونضيف بعض ملاحظات عن نقابات مصر في نفس الفترة. فهنا نجد الحرف تحت إشراف رئيس البوليس ويدعى رئيس الحرفة (شيخ الطائفة) وله مجلس من المختارين يدعوه بمثابة محكمة للنقابة. ويرفع المبتدئ إلى درجة أوسطة رأسا دون وجود مرتبة صانع. وهناك نوع من التأمين ضد البطالة والمرض يتعاون في تحقيقه أعضاء الحرفة. ولن أتطرق هنا إلى (النقابات الوضعية) للنشالين واللصوص وقطاع الطرق؛ وهذه وإن لم تكن جزءا من نقابات الحرف إلا أنها أثرت في الحط من سمعتها.
لقد تزعزعت هذه التشكيلات أمام الهزة الأوربية وزالت أو تضاءلت أمام الموجة الجديدة والتنظيمات العمالة الحديثة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
ومما مر نستخلص ما يلي: -
1 - أن النقابات الإسلامية نشأت من الشعب وكانت استجابة لحاجات العمال أنفسهم وكان موقفها أحيانا غير ودي أو عدائي للحكم. 2 - ثم نلاحظ أن أصحاب العمل من أستاذ وصانع ومبتدئ يكونون طبقة اجتماعية واحدة فيها مجال التقدم لكل فرد دون تناحر ودون الانقسام الذي ولدته رأسمالية أوربا. وهذا تطور طبيعي لظروف المجتمع الإسلامي الاقتصادية والاجتماعية.
3 - تضم النقابات الإسلامية أفرادا من مختلف الطوائف في جو من التسامح الاجتماعي والفكري عكس ما حصل في الغرب.
4 - للنقابات الإسلامية حياة روحية ومثل خلقية فهي قوة تهذيبية مهنية في نفس الوقت ولم تقتصر على المهنة.
وهذه ناحية مهمة لا نراها في النقابات الأوربية. ولكن النقابات الإسلامية لم تصل إلى الأهمية السياسية للنقابات في الغرب وإن كانت لها أدوار هامة أحيانا.
وأخيرا يجب أن نذكر أن روح التكتل والانسجام في المؤسسات العلمية الراقية أو المدارس جعل الطلبة والأساتذة يكونون نقابة. ولهم بعض المراسيم المشتركة مع النقابات مثل اللباس الخاص (الروب) والإجازة. وتشابه الدرجات من تلميذ إلى معيد إلى مدرس إلى أستاذ.
هذا ما أمكن عرضه بإيجاز.
عبد العزيز الدوري.