مجلة الرسالة/العدد 98/أبو سيلمان الخطابي
→ استدراكات وتصويبات | مجلة الرسالة - العدد 98 أبو سيلمان الخطابي [[مؤلف:|]] |
شاعرنا العالمي أبو العتاهية ← |
بتاريخ: 20 - 05 - 1935 |
319 - 388 هـ
بقلم برهان الدين محمد الداغستاني
إذا تصفحنا كتب غريب الحديث المؤلفة بعد القرن الرابع الهجري أو قرأنا شرحاً من شروح كتب الحديث المشهورة - وجدنا اسم الخطابي ورأيه بارزين واضحين، يكفي لمن يريد تأييد رأي على آخر أن ينقل عن الخطابي ما يؤيده كما يكفي من يريد الاحتجاج على أمر أن يذكر رأي الخطابي فيه حتى يتم له ما أراد
وقد درج الكثير من المؤلفين والرواة عنه على الاكتفاء عند ذكر اسمه بالخطابي، وسواء أكان اقتصارهم هذا لشهرته عندهم أم لعدم معرفتهم اسمه الحقيقي، فقد كان سبباً من أسباب الخلاف الطويل حول اسمه الذي سمي به
وقد خدم الخطابي رحمه الله اللغة العربية وعلم الحديث بنوع خاص - بما كتبه في غريب الحديث وإصلاح خطأ المحدثين وشرحي البخاري وسنن أبي داود خدمة جليلة فوق ما كتبه في فنون أخرى. حتى لقد أصبحت كتبه من بعده مصادر لمن أتى بعده يأخذ منها ويعتمد عليها، غير أن أكثر كتبه مفقودة الآن لا يعرف غير أسمائها ككثير من كتب الأقدمين من علمائنا الأعلام وسأحاول - بقدر الإمكان - أن أصور للقارئ الكريم صورة واضحة جليلة لأبي سليمان الخطابي البستي في هذه الكلمة الوجيزة
اسمه ومولده ونسبه
هو حمد (بفتح الحاء وسكون الميم) بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي، كذا ذكره النووي في طبقات الشافعية والحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ وعبد الجبار الهروي في تاريخ هراة والحاكم ابن البيع في كتاب نيسابور وابن خلكان في وفيات الأعيان والسبكي في طبقات الشافعية وهو الصواب وعليه المعول، فقد سئل الخطابي نفسه عن اسمه فقال: (اسمي الذي سميت به حمد ولكن الناس كتبوه أحمد فتركته عليه)
ووهم الثعالبي في اليتيمة وأبو عبيد الهروي صاحب كتاب الغريبين والوزير المؤرخ جمال الدين القفطي في أنباه الرواة في أنباه النحاة حيث سموه أحمد ولد الخطابي في رجب سنة تسع عشر وثلثمائة بمدينة بُستْ (بضم الباء وسمون السين) وهي من بلاد كابل عاصمة الأفغان، بين هراة وغزنة، كثيرة الأشجار والأنهار، وكما اختلف الذين ترجموا في نسبته. إلى من هذه النسبة (الخطابي)؟ فياقوت في إرشاد الأريب (معجم الأدباء)، والسيوطي في بغية الوعاة، والسمعاني الأنساب يذكرون بأنه من ذرية زيد بن الخطاب بن نفيل العدوي آخى عمر بن الخطاب مقتصرين عليه، بينما ابن خلكان والسبكي والشيخ محمد الأنصاري البهنسي في الكافي يقولون: أنه منسوب إلى جد أبيه الخطاب، ثم يقولون: وقيل إنه من ذرية زيد بن الخطاب آخى عمر رضي الله عنه
شيوخه وتلاميذه
تفقه الخطابي على الأمام الجليل محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الكبير والقاضي الإمام أبي علي بن أبي هريرة وسمع الحديث من أبي سعيد بن الأعرابي بمكة، وأبي بكر بن داسة بالبصرة، وإسماعيل الصفار ببغداد، وأبي العباس الأصم بنيسابور، وتأدب أخذ اللغة عن أبي عمر محمد بن عبد الواحد اللغوي المعروف بغلام ثعلب، وسمع من أحمد بن سليمان النجار، وأبي عمر السماك، ومكرم القاضي، وجعفر الخلدي، وأبي جعفر الرزاز وأخذ عنهم
وسمع من الخطابي وروى عنه الإمام الفقيه الشيخ العراق أحمد ابن محمد بن أحمد الأسفراييني، والحاكم أبو عبد الله محمد بن البيع النيسابوري، وأبو عبيد الهروي صاحب كتاب الغريبين، وعبد الغفار بن محمد لفارسي، وأبو القاسم عبد الوهاب بن أبي سهل الخطابي، وأبو نصر محمد بن أحمد البلخي الغزنوي، وأبو مسعود الحسين بن محمد الكرابيسي، وأبو عمر محمد بن عبد الله الزرجاهي وخلق كثير غيرهم
مكانته العلمية وثناء الناس عليه
كان الخطابي رحمه الله تعالى عالماً أديباً زاهداً ورعاً حسن التدريس والتأليف، إماماً في اللغة والفقه والحديث، ثقة متثبتاً من أوعية العلم، حجة صدوقاً من كبار أئمة الشافعية. رحل في طلب العلم إلى العراق فسمع ببغداد والبصرة والحجاز وجال خرسان وخرج إلى ما وراء النهر، كريماً يتجر في ماله الحلال وينفق على الصلحاء من إخوانه قال أبو منصور الثعالبي: كان يشبه في عصرنا بأبي عبيد القاسم بن سلام في عصره علماً وأدباً وزهداً وورعاً وتدريساً وتأليفاً إلا إنه كان يقول شعراً حسناً وكان أبو عبيد مفحماً
وقال أبو المظفر السمعاني: كان الخطابي حجة صدوقاً رحل إلى العراق والحجاز وحال خراسان وخرج إلى ما وراء النهر، وكان يتجر في ملكه الحلال ويتفق على الصلحاء من إخوانه. وقال أيضاً: كان من العلم بمكان عظيم وهو إمام من أئمة السنة صالح للاقتداء به والإصدار عنه
وقال الذهبي: كان ثقة مثبتاً من أوعية العلم قد أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد ببغداد، والفقه عن أبي علي بن أبي هريرة والقفال، وله شعر جيد
وقال ابن خلكان. كان فقيهاً أديباً محدثاً له التصانيف البديعة، وعدد كتبه ثم نقل عبارة الثعالبي المتقدمة
وقال ياقوت: قد أخذ العلم عن كثير من أهله ورحل في طلب الحديث وطوف وألف في فنون من العلم وصنف وقال النووي في طبقات الشافعية له: حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الفقيه الأديب أبو سليمان الخطابي البستي صاحب التصانيف المتداولة. قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ النيسابوري أقام عندنا بنيسابور سنين وحدث بها، كثرة الفوائد من علومه وقال الشيخ شرف الدين البهنسي في الكافي: ألو سليمان الخطاب من الأئمة الأعلام المجتهدين في قواعد الأحكام. كان رحمه الله فقيهاً محدثاً أصولياً جمع بين الحديث والفقه، ومد في تحقيق العلم باعاً مديداً، وأحكم من مبانيه ركناً شديداً حتى قلد أعناق أهل العلم المنن
وأورد النووي في طبقات الشافعية هذه الأبيات الثلاثة:
أخ تباعد عني شخصه ودنا ... معناه مني فلم يضعن وقد ضعنا
أبا سيلمان سر في الأرض أو فأقم ... بحيث شئت دنا مثواك أو شطنا
ما أنت غيري فأخشى أن تفارقني ... قد بت روحك يا روحي فأنت أنا
وقال إنها لأبي الفتح علي بن محمد البستي قالها في أبي سليمان الخطابي؛ وياقوت في معجم الأدباء ذكر البيتين الأخيرين هكذا:
أبا سليمان سر في الأرض أو فاقم ... فأنت عندي دنا مثواك أو شطنا ما أنت غير فأخشى أن تفارقني ... قدبت روحك بل روحي فأنت أنا
وقال إنهما من شعر الثعالبي في الخطابي. والظاهر أن هذه الأبيات من شعر الثعالبي فس شيخه وصديقه أبي سليمان، فقد كانت بينهما صلة وثيقة نلمسها في شعر الخطابي نفسه الذي يقوله في الثعالبي بعد مفارقته، فقد قال فيه:
قلبي رهين بنيسابور عند أخ ... ما مثله حين يستقري البلاد أخ
له صحائف أخلاق مهذبة ... منها التقي والنهي والحلم ينتسخ
وفاة ورثاؤه
أكثر الذين أرخوا وفاة الخطابي يؤرخونها سنة ثمان وثمانين وثلثمائة من غير تعيين يوم أو شهر، إلا أن الذهبي قال ليست في ربيع الآخر، والسبكي يقول في ربيع الآخر من دون تعيين يوم، وابن خلكان يقول كانت وفاته في شهر ربيع الأول وجاء في معجم الأدباء: نقلت من خط أبي سعيد السمعاني قال نقلت من خط الشيخ ابن عمر توفي الإمام أبو سليمان الخطابي ببست في رباط على شاطئ هندمند يوم السبت السادس عشر من شهر ربيع الآخر سنة ست وثمانين وثلثمائة، ومع اختلافهم في سنة وفاته على ما سبق ذكره فهم متفقون على أنه توفي ببست كما اتفقوا على أنه ولد فيها أيضاً
ولما مات الخطابي رثاه تلميذه وصديقه أبو منصور الثعالبي فقال:
انظروا كيف تخمد الأنوار ... انظروا كيف تسقط الأقمار
انظروا هكذا تزول الرواسي ... هكذا في الثرى تغيظ البحار
ورثاه أبو بكر عبد الله بن إبراهيم الحنبلي أيضاً فقال:
وقد كان حمداً كاسمه حمد الورى ... شمائل فيها للثناء ممادح
خلائقٌ ما فيها معاب لعائب ... إذا ذكرت يوماً فهن مدائح
تغمده الله الكريم بعفوه ... ورحمته والله عاف وصافح
ولازال ريحان الإله وروحه ... قرى روحه ما حن في الأيك صادح
تآليفه:
ليس الخطابي من المكثرين في التأليف لكنه من المجيدين فيما ألف. فمن تآليفه القيمة: 1 - (معالم السنن) في شرح سنن أبي داود شرح فيه غريب اللغة وبين وجوه الأحكام التي تأخذ من الأحاديث الواردة في السنن وذكر أقوال العلماء وآراء الفقهاء بلفظ جزل، وأسلوب سهل، وعبارة موجزة، قال في مقدمته: (ورجوت أن يكون الفقيه إذا ما نظر إلى ما أثبته في هذا الكتاب من معاني الحديث ونهجته من طرق الفقه المتشعبة عنه دعاء ذلك إلى طلب الحديث وتتبع عمله، وإذا تأمله صاحب الحديث رغبة في الفقه وتعلمه)
2 - (غريب الحديث) ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبي ولا ابن قتيبة في كتابيهما وهو كتاب ممتع مفيد، في غاية الحسن والبلاغة
برهان الدين محمد الداغستاني