الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 975/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 975/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 975
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 10 - 03 - 1952


حملة إنجليزية على الدكتور طه حسين باشا:

شن بعض المدرسين الإنجليزية الذين فصلوا من المدارس المصرية حملة هوجاء في جريدة (الإجبشيان جازيت) ضد سعادة الدكتور طه حسين، تحت عنوان (الصم الذي هوى) وهو عنوان يدل على مقدار (أدب المربين) الإنجليز:

وقد أدعى أولئك الكاتبون (المهذبون) أن وزير المعارف السابق عاملهم معاملة غير كريمة وغير عادلة لأنه فصلهم من وظائفهم. . ويظهر أنهم لم يجدوا في قضيتهم الأساسية ما يناقشون فيه على أساس المنطق المعقول، فلجئوا إلى الهجوم الشخصي. ومن أعجب ما جاء في كتابتهم أن الدكتور طه حسين باشا سقطت مكانته بعد الخروج من الوزارة!!.

وأنا أسأل الأساتذة الذين يفترض فيهم أنهم من المثقفين. . هل هم يعيشون في مصر أو في إنجلترا؟ إذا كانوا قد عاشوا في مصر بعقولهم كما عاشوا فيها بأجسامهم فكيف يخفى عنهم أن طه حسين رجل له مكانته في هذه البلاد باعتباره أستاذ النهضة الفكرية المعاصرة، وباعتباره كاتباً أجمع المواطنون على سبقه من الناحيتين الفنية والإصلاحية؟ فالوزارة لم تضعف إليه شيئاً من مجد أو مال حتى يهوى بالخروج منها، ومثل طه حسين هو في الوزارة أو في خارجها.

وإذا كانوا يعيشون في إنجلترا فهل جاءتهم أنباء الحفاوة التي قوبل به الدكتور طه حسين باشا من نحو عامين في الجامعات الإنجليزية حيث أشار الأساتذة هناك بعبقرية وأثاره في ميادين الفكر والثقافة والتعليم، ومنحته الجامعات (دكتوراه) فخرية؟ ففي أي مكان هوى ذلك النجم؟ أفي مصر أم في إنجلترا أم في عقول أولئك المدرسين الخاوية. .؟

وقد تصدى للرد على تلك المقالات الأستاذ إسماعيل كامل في نفس الصحيفة (الإجبشان جازيت) وفند أقوالهم تنفيذا لقى ارتياح العقلاء من قراء هذه الجريدة.

ثم كتب العميد نفسه مقالا في الصحيفة ذاتها رد به على تلك الغارة العشواء، قال فيه: أود قبل كل شيء أن أسأل لماذا انتظر هؤلاء هذه المدة الطويلة ليشكوا مما حدث منذ أكثر من شهرين بل في التاسع من ديسمبر بالذات؟ ولماذا آثروا الصمت حينما كنت عضوا في الحكومة المصرية؟ إنه ليسرى عني أن أتبين أن الشجاعة كانت تنقصهم، مع أنه لم تك هناك أية رقابة إذ ذاك.

ثم قال سعادته: على أن مسئولية فصل أولئك المدرسين لا تقع على وزير المعارف، أو على مجلس الوزراء المصري، ولكنها تقع على العسكريين البريطانيين في منطقة القنال، الذين سلكوا سلوكاً لا يمكن قبوله في القرن العشرين.

وأوضح في المقال ما صنعه معهم إذ أراد أن يحميهم من الهجوم الذي قد يتعرضون له في المدارس وفي الجامعات، فطلب إليهم أن يبقوا في منازلهم ليدفع عنهم غضب أبناء الشعب من طلبة المدارس والجامعات.

وقال سعادة العميد: وإذا ما رغب هؤلاء الأساتذة في الشكوى فإني أنصح لهم، عندما يعودون إلى إنجلترا، أن يرسلوا احتجاجات إلى مستر تشرشل مثلا أو إلى أي شخص آخر مسئول عما حدث، لا لهم فحسب، ولكن وقبل كل شيء عما حدث للشعب المصري كله منذ أكتوبر سنة 1951 ما دام إحساسهم بالعدالة عظيما إلى هذا الحد!.

وقد قرر مجلس الدولة أنه ليس لهؤلاء المدرسين حتى في الحصول على أي تعويض، ولكن الحكومة قررت - بناء على طلب وزارة المعارف - منحهم مراتب ثلاثة شهور ونفقات سفرهم.

فأية عدالة يطلب بعد ذلك؟ وأيهما يعد أكرم: موقف الوزير منهم، أو موقفهم منه وهم يتطاولون ويتقولون عليه بعد خروجه من الوزارة. .؟

حقيقة المسألة - على ما هو طبيعي - أن الدكتور طه حسين باشا كان مصريا فغضب الإنجليزية.

فساد الإذاعة:

قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: اضرب لي مثلا للخادم يحتاج إلى أن ينبه في كل أمر ولا يستخلص مما يؤمر به خطة يلزمها ونهجاً يسير عليه. قال بيدبا: مثل ذلك - أيها الملك السعيد - الإذاعة المصرية، شكا الناس منذ سنوات من أغنية (حمودة ياني) إذ استنكرها ذوو الحياء والغيرة وألحوا في استنكارها، فلم يسع الإذاعة إلا منعها. وشكوا من أمثال لها وحملوا عليها فرضخت وامتنعت عن المنكر. وكان حريا بها أن تدرك أن المسألة مسألة خطة يحب أن تكون مرسومة، وأن ما استنكر ليس إلا مثلا يجب القياس عليه. . ولكن ظهر أنها تحتاج في كل مرة إلى استنكار جديد من مخدومها الشعب. . فقد لاحظ هذا السيد (الشعب) أن خادمة (الإذاعة) تذيع في هذه الآونة التي تتطلب العمل المجد مثل أغنية (الدنيا سيجارة وكأس) وأن هذا لا يتفق مع التبعات الجسام التي يعد لها جيل الشباب، فهناك أشياء أهم من السيجارة والكأس. . ومثل الأغنية التي يقول فيها المغني (تعالى بين أحضاني) - لاحظ السيد ذلك من خادمة العجيب الذي كان أن يدرك من تلقاء نفسه أن ذلك لا يليق، فغضب عليه و (شخط فيه) فاضطر إلى أن يقول (حاضر يا سيدي!)

قال دبشليم الملك: حسن ما جئت به من مثل! ولكن كيف تستعمل الدولة المصرية هذا الخادم الساذج في عصر التقدم الذي يوجد به خدم مدربون أذكياء؟

قال الفيلسوف: أيها الملك السعيد، ليست المسألة بهذه المثابة، ولكن (إذا حسنت أخلاق المخدوم ساءت أخلاق الخادم)

قال دبشليم الملك: زدني إيضاحا.

قال بيدبا الفيلسوف: إن من في الإذاعة قد لا ينقصهم الذكاء وربما كان لبعضهم دربة. ولكنهم (محاسيب) لذوي النفوذ، جيء بهم ليغدق عليهم ثم لا بد من الإغضاء عنهم. .

قال دبشليم الملك: وما رأيك في قولة رئيس الوزارة الجديد أحمد نجيب الهلالي باشا: (لن نوادع الفساد)

قال الفيلسوف: إنا لمنتظروا

حق القارئ على الكاتب:

تلقيت الرسالة الآتية من الأديب عبد اللطيف الطالب بمعهد القاهرة الثانوي، وقد حرص على أن يبعث بها إلى - كما قال في هامشها - ليجنبها على أستاذنا الكبير الزيات بك. وقد رأيت أن أنشرها في هذا الباب لأني أشارك صاحبها ما تضمنته من رأى وجاء، وأعلم أن (شعب الرسالة) يرى ذلك ويرجوه، ونحن الآن في عصر الشعوب واحترام إرادتها، وهذا هو نص الرسالة:

(أما بعد التحية: فللأستاذ الزيات في قلوب القارئين مكانة تجل عن الوصف وتنبو عن مواطن الشبهات، وذلك لما اتصف به من العمق العميق في البحث، والإحاطة الشاملة في الدراسة، والأمانة الدقيقة في الترجمة والأخلاق العالية في التجميل والتزين، مما حدا بأساتذتنا أن يقولوا لنا في فصول الدراسة (اقرءوا الزيات من خلال كلماته فإن كلماته تشف عن الرفعة والنبل والجمال.

وبيننا - معشر قراء الرسالة - وبين أستاذنا الزيات مشكلة نرجو لها حلا، أستغفر الله بل لنا رجاء - حتى أكون مؤدبا - نضعه بين يديه

إن الأستاذ الزيات يضن علينا بمقال كامل يشغل صحيفة وبعض الصحيفة في كل أسبوع يتوج به مجلتنا الحبيبة التي تتلقفها أيدينا في نهم كما تتلقف أفواه الجياع أرغفة الخبز

أفلا يتفضل ويغمرنا بهذا المقال كلما خرج إلى الوجود عدد جديد من الرسالة الغراء؟!

وهذا رجاء يعتمل في نفس كل قارئ للرسالة، وأعتقد أن هذا من حق القارئ على الكاتب الذي ينزله من قلبه منزلة رفيعة. وعلينا لأستاذنا الزيات أن نفهم ما يكتب وأن نتدبر ما يقول. .

وقد عبرت عن بعض ذلك الآنسة العراقية صاحبة (رسالة الجسم الجميل وصورة الروح النبيل) لكنها غلب عليها حياء العذارى حين طلبت من أستاذنا الزيات أن يخصص عددا من الرسالة لتأبين المرحوم (على محمود طه) يكتب هو أكثره، ولم تطلب منه أن يضع لنا كتابا يتناول فيه بالتحليل والدراسة شخصية وشعر (شاعر الحب والجمال) الخالد

إن حقق رجاءنا أستاذنا فقد أضاف إلى فضائله الكثيرة فضلا وإن لم. . . فسأضع هذا الأمر بين يدي قراء الرسالة على صورة استفتاء!

وحينئذ لا مفر من النزول على رغبة القراء وتفضلوا بقبول فائق الاحترام)

عباس خضر