مجلة الرسالة/العدد 974/الكتب
→ يا مهد الصبا أين الصدي | مجلة الرسالة - العدد 974 الكتب [[مؤلف:|]] |
البريد الآبي ← |
بتاريخ: 03 - 03 - 1952 |
الأفق الأعلى في دراسة الهواء الجوي
تأليف الأستاذ عمر كامل الوكيل بك
ناظر مدرسة التعاون الإنساني الثانوية بدمنهور 206 صفحة من القطع الكبير. . الثمن 50 قرشا.
للأستاذ عبد القادر حميدة
قبل أن أتناول الحديث عن هذا المؤلف الذي بين يدي. . يجدر بي أن أتحدث قليلا عن البلد لا بنى يقدم بين الفينة والفينة شاعرا عبقريا. . أو ناثرا فذا. . أو عالما جليلا. . أو رساما راسخا. . أو زجالا بارعا. . منهم من أتيحت له الفرصة فخرج بفنه على الناس. . ومنهم من تصدت له يد القدر فحجبت إنتاجه عن أعين الناظرين. .
وذلك البلد أعني به دمنهور. . دمنهور التي أهدت إلى دولة الشعر - بالأمس القريب - زعيما من أقدر زعمائه. . وقائدا من أبر قادته. . أهدت المرحوم أحمد محرم. . إلى قراءة العربية عامة. . ومتذوقي الشعر خاصة. . فوثب وثبته. . وصال صولته. . فاتجهت نحوه الأبصار. . وكانت بمثابة الأشعة النفاذة. . كشفت خبايا نفسه. . وأظهرت معالم أعماقه. . فبدت إنسانيته الرائعة تتجلى بها فرائد نظمه. . وليس لدي ما أقوله عنه أبلغ مما قاله هو في نفسه من قصيدة يخاطب فيها أمه التي كانت تحاول أن تصرفه عن النظم.
أماه لولا الشعر أنظم دره ... ما كان لي هذا الثناء الطيب
سارت قصائده فأشرق مشرق ... بسنا كواكبه وأغرب مغرب
هذا لساني ما يفل حسامه ... إن فل في الروع الحسام الأشطب
كم شاعر ذرب المقالة غالب ... غادرته في القوم وهو مغلب
تلك هي سطور في أحمد محرم. . أو أحمد محرم في سطور. . وسأتناول البحث والاستقصاء عنه في مقال خاص منفرد - في القريب - على صفحات الرسالة الزاهرة. . رحمه الله وحيا دمنهور التي أنجبته. . وأهدت غيره من الشعراء أمثال: محمد محمود زيتون، إبراهيم محمد نجا - أبو النصر عبد الرحمن (شاعر الزعيم) - علي قضيب.
دمنهور التي اقتحمت في ميدان القصة الفنية القصيرة المركزة حشدا من الأقلام. . فملأت بطون الصحف اليومية والأسبوعية بالنادر من الأفكار. . وبالسلس من الأسلوب. . أذكر من أصحاب هذه الأقلام على سبيل المثال لا الحصر: محمد محمود زيتون، إسماعيل الحبروك - محمد محمود دوارة - أمين يوسف غراب - عبد المعطي المسيري - محمد علي الليثي. . ودونهم كثير.
دمنهور التي قدمت في العام الماضي رسامها العبقري. . بهاء الدين الصاوي. . بلوحاته الرائعة. . ومعرضه الفريد. . الذي يشهد بروعته وإبداعه كل من شاهده في دار الأوبرا الملكية. . وتشهد عليه المداليات التي نالها.
دمنهور التي قدمت كل هؤلاء - والتي تحفل بكثيرين دونهم ضربوا في شتى نواحي الفن. . وساهموا بنصيب وافر في نهضته - تقدم لنا اليوم. . الأستاذ عمر كامل الوكيل بك تقدمه لنا في كتابه (الأفق الأعلى في دراسة الهواء الجوي) والكتاب كما ينم عنه عنوانه. . مؤلف علمي يبحث في الكون. . بيد أن القارئ لهذا السفر يمكنه أن يأتي بتعبير آخر فيقول (إنه مؤلف علمي أدبي) ذلك لأنه جمع بين غزارة المادة. . ورقة الأسلوب. . على غير ما تعودنا من مؤلفي الكتب العلمية حيث يتقيدون بأمانة النقل والإصلاحات الموروثة. . فتغدو مؤلفاتهم وقد افتقرت إلى أهم العناصر أثرا في إرغام الطالب المطلع على المتابعة والتقصي. . ذلك لأنها خلت من عنصر التشويق. . وهو القوة الممغنطة المتبادلة بين القارئ والمقروء. . والتي ما من شك في أن - أي القارئ - سيقع تحت تأثيرها فيجذب إليه - قسرا - والتأثير سابق للجذب - ليأتي على محتوياته. ويلتهم كل ما يحويه بين دفتيه دراسة وتحميصا. .!! ومؤلف هذا الكتاب - كما بدا لي خلال مناقشة أثرناها معا حول هذا المؤلف - ممن شعروا بهذا النقص فجاء كتابه فقيرا منه. . متخما باللفتات السريعة المشوقة. . غنيا بالعبارة الرصينة الدسمة. . وقد حرص على أن يمهد للشيء قبل أن يقدمه. . فاستطاع بذلك أن يشق به الطريق معبدا إلى العقول والإفهام.
أقرأ له (ص) حين أراد أن يقدم دراسة عن السماء: (تلك هي السماء قبلة الدعاء. وباب الرجاء. . وملهمة الفلاسفة والشعراء. . ومستقر الملائكة ومعراج الأنبياء. . هبط منها الوحي على سيدنا محمد ﷺ. وهو في حالة بالغة حد الحيرة والقلق ليقول له مطمئنا ومعلما (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق) ويقول في فقرة أخرى. (وللسماء يتطلع المظلوم شاكيا. . والمريض راجيا. . والظالم مستغفرا تائبا. . فماذا أنت أيتها السماء؟ القوى والعاجز والصحيح والعليل. . والشاعر والعاشق. . والعابد الزاهد والمجرم الأثيم. . كلهم يحنون إليك ويتقسمون في رحابك. . ويلتمسون العطف والرحمة عند بابك. . ولعمري أن لهم فيك جميل التسلية والعزاء. . حيث وجدوا لديك كنزا من المعرفة ومتسعا من الرحمة والحنان. . وخلاصا من الشدة والبلاء. . فليس بعجيب أن يولي الناس وجوههم صوب السماء ابتغاء الدعاء. . أو طالبين المتعة الروحية أو المزيد من العلم والعرفان. ولكن العجيب أن يسير بعض الناس مكبا على وجهه مغمض العينين (وكأي من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون).
هذا أيها القارئ من ناحية الأسلوب والتمهيد. . وهما كما ترى هاملان أساسيان شيد على قاعدتيهما صرح ذلك البناء الكامل. . وإني لا أعدو الحقيقة إذا قلت إنهما الحافزان القويان على إيقاظ الشعور في نفس القارئ. . ودفعه دفعا إلى الاستزادة من تلك المتعة الفكرية ليخلق في عالم فسيح أطباقه وأغواره أدب. . .!
أما فيما يتعلق بموضوعات الكتاب فيكفيك أن تعرف أن مؤلفه صرف وقتا طويلا يدرس ويبحث ثم يستقرئ ويستنتج. . وقلما أغفل شاردة أو واردة إلا وتناولها بالفحص على ضوء معلوماته ودراساته. . وبهذا جاء الكتاب ناضجا من كل وجه. وقد استعان في تأليفه بشذرات قليلة من أقوال ونظريات واقتراحات كتبها بعض علماء الطبيعة وفلاسفتها من أمثال: نبيولا - سير جيمس جينز صاحب كتاب (الكون الغامض) - هن رسل , - ليتلون - ج. مللر - ب. م. بك , - ملتون. وقد عقب على نظرياتهم واقتراحاتهم بآراء زادتها وضوحا وجلاء وقربتها إلى المدارك سهلة مستساغة. وفي الكتاب فصول كثيرة ممتعة طرقها المؤلف خليقة بأن يجد القارئ فيها لذة وفكرا ومعرفة. . وحسبي أن أذكر منها: الكون - السماء - المجموعة الشمسية - الأرض - الشمس - القمر - المادة وتركيبها - الهواء - مولد الهواء - مكونات الهواء - ارتياد مناطق الجو - مناطق الجو - الحركة الموجية - النيازك أو الشهب - اللاسلكي - الصواريخ. . الخ. . . وقد وفق الكاتب في تناولها توفيقا يدعو إلى الإعجاب. . أما بعد: فهذا كتاب يعتبر في مجموعة موسوعة علمية. . وقد كان بودي أن أوفيه حقه من الثناء لولا حرصي على ألا تخرج كلمتي من حيز (التقديم) إلى نطاق (الدعاية). . وإني لأدعو كل قارئ يدفعه النهم العلمي إلى التنقيب عن الجديد من الكتب. . أدعوه إلى مطالعته لما في محتوياته أكثر من سبب يدعو إلى ذلك. . وإني لأشعر بكثير من الفخر والغبطة إذ أقدم هذا المؤلف إلى من يريد أن يقرأه. . وإذا أعرفهم بعالم من دمنهور ينبغي أن يعرفوه ويقرءوا له. . كما أناشد الأستاذ الكبير عمر بك. أن يعجل بمولد (الجزء الثاني) من تلك السلسلة الطبيعية ليتسنى لكثير من الناس الإفادة منه في فهم المسائل التي فاتهم تفهمها في موسوعات العلوم لكثرة ما استغلق على القارئين فهمه من مسائلها
دمنهور
عبد القادر حميدة