مجلة الرسالة/العدد 971/ثورة الشرق
→ نفس كبيرة ثائرة وعقل راجح حكيم: | مجلة الرسالة - العدد 971 ثورة الشرق [[مؤلف:|]] |
دعوة محمد ← |
بتاريخ: 11 - 02 - 1952 |
للأستاذ أبو الفتوح عطيفة
في مصر ثورة
وفي إيران ثورة
وفي تونس ثورة
وفي مراكش ثورة
جميع هذه الثورات تهدف إلى غرض واحد هو تحرير الشرق من سيطرة الغرب وسيادته.
فمصر قد قامت تناضل وتكافح من أجل حريتها واستقلالها ووحدة واديها، وقد أقسم أبناؤها ألا يهدأ لهم بال، أو يغمض لهم جفن، إلا إذا حققوا لوطنهم أهدافه المشروعة ولن يعبئوا بما يبذلون من تضحيات ودماء.
ولكن إنجلترا ترفض أن تسلم بحق مصر المشروع ويمعن جنودها في تحديهم لمصر وأبنائها، بل أكثر من هذا لقد خرج الإنجليز على كل المبادئ الإنسانية والقوانين الأخلاقية فارتكبوا من الجرائم الوحشية ما يخجل من ارتكابه أحط الشعوب وأقلها حظا من المدنية. لقد اعتدوا على الشيوخ الضعفاء في صلواتهم وهاجموا الأطفال والنساء وانتهكوا حرمات المنازل فطردوا أهلها منهم، وشردوا عائلاتهم في الطرقات والشوارع تحت وابل من رصاص مدافعهم ودباباتهم وطائراتهم، وارتكبوا ما لا يحصى ولا يعد من حوادث السلب والنهب. ثم عمدوا أخيرا إلى نسيان جميع القوانين الدولية، فعذبوا الأسرى وأطلقوا عليهم الوحوش الضارية فنهشت لحومهم وهم أحياء ثم أعدموهم رميا برصاص دمدم. حتى بيوت الله من مساجد وكنائس بل والمقابر لم تسلم من عدوانهم وإجرامهم. ويدعي الإنجليز بعد ذلك أنهم متحضرون على أكبر جانب من الحضارة والمدنية!
ولسنا نعرف بعد أي قانون أباح لإنجلترا وأبنائها أن ينزلوا في بلاد غير بلادهم على غير إرادة أهله وأن يقيموا كرها بغير رضى أصحاب البلاد ثم يقترفوا في هذه البلاد أشنع الإثم وأفظع الجرم إذا ما طولبوا بمغادرتها! أهو قانون عصبة الأمم البائدة، أم قانون هيئة الأمم المحتضرة؟
فليمعن الإنجليز في ضلالهم فإن هذا يقرب نهايتهم ويدني أجلهم.
وفي إيران ثورة على القراصنة الإنجليز. لقد هال الإيرانيين ما تربحه شركة البترول الإنجليزية من أموال طائلة فقد بلغت أرباح الشركة عام 1950 ما يزيد على مائة مليون من الجنيهات، ومن ثم قررت إيران تأميم البترول في بلادها، وطردت الإنجليز من ديارها. وطأطأت إنجلترا رأسها وانسحب أبناؤها الشجعان تحت جنح الظلام من إيران. لماذا؟ لأن إنجلترا خافت أن تصبح إيران (كوريا) أخرى تأكل الإنجليز الشجعان. والسر في ذلك أن روسيا جارة لإيران، وأن إيران تستطيع في سهولة ويسر استيراد الأسلحة من روسيا، ومن هنا جبنت إنجلترا (الشجاعة) في إيران واستأسدت في مصر. لكن أبناء النيل سيذيقون أبناء التايمز أشد ألوان العذاب والهوان.
وفي الأسبوع الماضي أمرت إيران إنجلترا بإغلاق قنصليتها في ديارها. ومرة أخرى طأطأت إنجلترا رأسها ورفعت إيران هامتها. وهكذا تقلص النفوذ البريطاني من إيران وذهب إلى غير رجعة.
الضمير الأمريكي
في 19 يناير الماضي انتابت إنجلترا وجنودها نوبة من الجنون، فأخذ الجنود الإنجليز يصلون مدينة الإسماعيلية نارا حامية وكانوا يطلقون نيرانهم على غير هدى وفي وحشية منقطعة النظير. وقد أصابت إحدى رصاصاتهم قلب راهبة أمريكية فخرت صريعة. وبرغم هذه الحقيقة راحت إنجلترا أكذب أهل الأرض جميعا تذيع أن الراهبة قتلت برصاص أطلقه الفدائيون المصريون، وكانت ترمي بهذا إلى كسب عطف الرأي العام الأمريكي وإثارته ضد مصر. وإنجلترا كما عرفناها دائما لا تتعفف في الوصول إلى غايتها عن استخدام أحط الطرق وأدنى الوسائل من كذب ونفاق وغدر وخيانة.
وقد ثارت أمريكا وكلف السفير الأمريكي في القاهرة ببحث الحقيقة، وقد قام القنصل الأمريكي ببور سعيد بعمل التحقيق وأعلن السفير أن التحقيق لم يثبت إدانة المصريين.
إلى هنا انتهت مسألة الراهبة، ولكني أحب أن أتساءل:
لقد ثار الأمريكان لمقتل راهبة واحدة فلم لا يثورون ضد إنجلترا وهي تقتل وتشرد كل يوم آلاف الأبرياء من المصريين لا لذنب جنوه ولكن لأنهم آمنوا بوطنهم وطالبوا إنجلترا بالخروج منه؟ أين الضمير الأمريكي؟ ولكنا قد عرفنا الأمريكان وغيرهم من أهل الغرب. ألم يشردوا مليونا من العرب وطردوهم خارج ديارهم! واليوم تشرد إنجلترا سكان منطقة القنال! ولكن مهلا! إن نصر الله قريب.
وتونس
في 1830 احتلت فرنسا الجزائر، وفي 1881 ادعت فرنسا أن القبائل التونسية تهدد سلام الحدود الجزائرية، ثم أرسلت قواتها فاحتلت تونس بعد نضال مرير، وأرغمت (الباي) على توقيع معاهدة تعهد فيها أن تسير حكومته وفقا لرغبات فرنسا، وكان معنى هذا انتقال إدارة تونس إلى يد الفرنسيين.
وقد قام التونسيون منذ قليل يعلنون أنهم قد بلغوا سن الرشد وأن من حقهم أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم. ولكن فرنسا لم تقبل هذا وانطلق أبناؤها يقتلون إخواننا الأبرياء من التونسيين، وفي كل يوم يسقط منهم جرحى وشهداء.
وهكذا يتآمر أهل الغرب ضد الشرق وحرياته وتقف دوله وخاصة إنجلترا وفرنسا في وجه الأماني المشروعة لأهل الشرق، وترتكب الدولتان في سبيل إبقاء سيادتهما أشنع الإثم وأفظع الجرم، ولكن الحركات القومية في الشرق لن يخمد أوارها حتى يعود للشرق مجده وكرامته وحريته واستقلاله.
يا بغاة الغرب
أكثروا من ظلمكم وبغيكم فإن فيهما مصرعكم، واعلموا أنكم كلما أمعنتم في الطغيان سفك الدماء قربنا من حرياتنا وأهدافنا.
أبو الفتوح عطيفة