مجلة الرسالة/العدد 966/هجرة الرسول
→ إلى السلاح. . يا عرب | مجلة الرسالة - العدد 966 هجرة الرسول [[مؤلف:|]] |
الأزهر الآن ← |
بتاريخ: 07 - 01 - 1952 |
للأستاذ أنور العطار
(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي. وقلة حياتي. وهواني على الناس. يا أرحم الراحمين إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني. أم إلى قريب ملكته أمري؟ إن لم تكن ساخطا علي فلا أبالي. أعوذ بنور وجهك الذي أضاءت له السماوات والأرض، وأشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تحل علي غضبك، أو تنزل علي سخطك. ولك العتبى حتى ترضى. ولا حول ولا قوة إلا بالله)
- من أدعية الرسول قبل الهجرة -
يا سيد الخلق يا نور الوجود سرت ... بأضلعي اليوم من نجواك أصداء
رفت حياتي بها بشرا وزغردة ... فالقلب تسبيحة في الثغر سجواء
من جود كفيك أنغامي وأخيلتي ... ومن سخائك للعافين إغناء
حببت فيك قريضي حين قربني ... إلى حماك فشعري منك إدناء
وبحت بالحب في سري وفي علني ... ولذ لي في هواك السمح إفشاء
لولا هواك لما أبدعت قافية ... والكون لولا الهوى بهما جرداء
والقلب لو لم يعذب لم يصغ نغما ... إن العذاب لمتلاف ومعطاء
وأنت أيقظت في الحب فانتشرت ... على محياي أفراح وآلاء
وأنت أغنيتني حسا وعاطفة ... كأنما أنا إلهام وإيحاء
وأنت فجرتني حبا ومرحمة ... فليس يعلق بي حقد وبغضاء
وأنت صفيتني كالنبع منسكبا ... والنبع مذ كان أنغام وصهباء
وأنت أزهدتني في الناس كلهم ... فهجر أطماعهم للنفس إبراء
والبعد عنهم نجاة من أذيتهم ... وما يطلق الأذى، والبعد إنحاء
ما أرتاح قلبي إلى غشيان عالمهم ... كأنهم محن سود وأرزاء
ولا ارتضت مهجتي دنياهم سكنا ... وقد علتها شكايات وضوضاء
هم علموا القلب أن ينأى مطامعهم ... فما لدنياهم زهو وإغراء
كأنما هي دار لا أنيس بها ... فآدم اليوم صدت عنه حواء خذ يا فؤادي حذرا من مفاتنها ... ولا تغرنك فالرقطاء رقطاء
من ظن في سمها الترياق حاق به ... من جرعة السم إهلاك وإفناء
مالي وللناس لا أحيا بألفتهم ... وإنما أنت لي بعث وإحياء
مذ هام قلبي بكم ما اختار غيركم ... ولا صبا، وقلوب الناس أهواء
أقضي ليالي في نجواك منفطرا ... كما تفطر يوم الوحي سيناء
كأنما خاطري شدو وهينمة ... وجنة من جنان الخلد غناء
شدت لها الورق ألحانا مسلسلة ... فصفقت في شعاب الدوح أحناء
ظلت تنغم في صدري وفي خلدي ... قصيدة من دموع القلب عصماء
الكون ما الكون؟ شطر من روائعها ... والمصطفى روحها والناس أجزاء
رنت إليها الدراري في مباهجها ... وفاض منها على الأيام نعماء
وبش في الفجر إصباح يمور سنا ... وهش في عتبات الليل إمساء
تلكم رغادة دنيا قد كلفت بها ... أولت نداها وكم للسعد إيلاء
أملت على بليغ القول محكمة ... إن البلاغة إيحاء وإملاء
كانت بصدري أسرارا مغلقة ... ما إن يعاودها بوح وإفضاء
ما أفصح الشعر عنها حين أعلنها ... وكيف يفصح تلميح وإيماء
يا هجرة لك فاضت همة وعلي ... يشدها خافق بالعزم مضاء
تركت مكة والأحلام تغمرها ... وللطفولة أطياب وأشذاء
والقلب رهن الحمى ما انفك مدلها ... به وللأرض أشواق وأصباء
إن غبت عنها براها الشوق واحتدمت ... نيرانه واستفاق الجرح والداء
وعشت دهرك في تذكارها وترا ... له الهوى نغم في الصدر بكاء
كلا كما ذاب تهياما بصاحبه ... والأرض أم وأهل الأرض أبناء
والمرء ما زال حنانا إلى وطن ... وإنما وطن القلب الأحباء
إن عاش عاش بهم حتى إذا رحلوا ... فإنما هو أصداء وأنباء
وأنت في الغار والصديق لفكما ... من جانب الله تثبيت وإرساء
مشت عناكب تحميه مناسجها ... وتدفع البغي، والعدوان مشاء وأرسلت سرحة أفنانها فنمت ... على مداخله فالغار أفياء
وأقبلت من بنات الدوح ساجعة ... كأنما الغار عش فيه ورقاء
لا الظن حام على الغار الحبيب ولا ... بدت من الشك للسارين سيماء
وكان يحميه من بغي العدا قمر ... تدرع الطهر إن الطهر أباء
من كان يعلم أن الظبية اتشحت ... بما ينوء به العد الأشداء
ففي النهار غدت عينا مراقبة ... ما حاكه في غمار الكفر أعداء
وفي المساء استحالت رحمة وندى ... على النطاقين منها الزاد والماء
بالنفس والأهل والدنيا وما حفلت ... جناتها من مجالي السحر أسماء
ذات النطاقين أسماها الرسول بما ... أسدت يداها، وللإحسان إسداء
باتت على الغار ترعاه وتحرسه ... كأنها مقلة بالسهد كحلاء
أغفت عيون الدراري في مطالعها ... وما لعين الهوى والحب إغفاء
حتى إذا غمر الليل الشعاب ولم ... يبن على الرمل في الليل الإدلاء
نشطت للسير والصديق في ملأ ... من الملائك، والإيمان حداء
يرعاكما الله في حل ومرتحل ... ويثرب القصد، والأهل الأوداء
وحين أشرفت ماجت بالسرور كما ... تلألأت بفريد الموج دأماء
هبت تلقاك أنجادا وأودية ... وكم تشوقك أنجاد وأوداء
مشى إليك بنوها والهوى ضرم ... وكل نفس من الأشواق رمضاء
يستقبلونك أرواحا وأفئدة ... ويفتدونك والأجساد أنضاء
ذاب الحنين على افواعهم نغما ... وفي يمينك للشادين إرواء
على الشفاء أناشيد مزغردة ... وفي العيون من الفراح لألاء
أذكى الهوى أنفسا للحب قد خلقت ... وللصبابة في العشاق إذكاء
أبكاهم الوجد في اللقيا وأضحكهم ... إن التوجد تضحاك وتبكاء
أصغت إليهم عيون الليل رانية ... وكم يطيب إلى الأحباب إصغاء
وشت تسابيحهم للحب أنملة ... والحب مذ كان وشاح ووشاء
طوبى ليثرب ضمت خير من سطعت ... على محياه أنوار وأضواء طوبى لها أن حمت جارا وإن طلعت ... رسالة الله منها وهي غراء
طافت على الرض نور اللألي فقدوا ... أنوار أنفسهم، والكفر ظلماء
كأن كل سبيل من ضلالتهم ... صحراء كالحة الأعطاف غبراء
ضجت جفاء وعجت وحشة وبلى ... كأنها القبر فاضت منه أشلاء
نامت عليها الدياجي وهي جاهمة ... ومقلة الفجر فيها الدهر عمياء
لله شرعك شرعا واضحا جددا ... ما في تضاعيفه ريب وإخفاء
أنقى من الزهر في فينان نضرته ... وقد جلته يد للحسن بيضاء
ما زال غضا على الأيام مؤتلقا ... كالخلد ليس له ند وأكفاء
كم طهر القلب من بغي ومن دنس ... وكم صفت بصفاء القلب حوباء
والدين يمن وإحسان وميسرة ... وفرحة تسع الدنيا وأنداء
من ضاق بالعيش ذرعا أو جفته مني ... فالدين تعزية كبرى وتأساء
من صد عن بابه لم يرتشف أملا ... وعاودته من الكفران غماء
ولا اطمأنت له نفس ولا هدأت ... وكيف تهدأ في الطغيان أنواء
يطوي الحياة جحيما لا نعيم بها ... كأنما هي أوجاع وأدواء
يا هجرة فجرت حبا ومرحمة ... فالقوم فيها الأحباء الإخلاء
تقاسموا نعميات العيش وائتلفوا ... كما تآلف في الأجساد أعضاء
كل يرى لأخيه الخير أجمعه ... والخير موطنه الرهط الأعزاء
جرى الإخاء عليهم بهجة وسنا ... فاستعذبوه، ودنيا الود فيحاء
كأن ألفتهم للائمين شجا ... وطعنة في صميم الكفر نجلاء
وطيبة الخير بيت ضم شملهم ... جلاله الدهر أبناء وآباء
لو أن قومي وعوا أسرار هجرته ... لما تناءى بهم بغض وشحناء
إن الحياة إذا يسرتها يسرت ... كأن إمرارها في الطعم إحلاء
وإن أردت بها شؤما ومعسرة ... فإنما هي أثقال وأعباء
خلت من البهجة الكبرى جوانبها ... كأن إضحاكها في العين إبكاء
كل له ما يرى فليتعظ فطن ... فعسرها اليسر والبأساء سراء والحب أثمن ما امتاز الفؤاد بها ... وفيه للنفس إحياء وإعلاء
فقل ليعرب إما رمت مكرمة ... فوثقي الحب إن الحب بناء
دمشق
أنور العطار