مجلة الرسالة/العدد 965/رسالة الشعر
→ من حروب التحرير: | مجلة الرسالة - العدد 965 رسالة الشعر [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 31 - 12 - 1951 |
على أطلال الكفر المنقص:
إلى الغزاة الهاربين
للأستاذ محمود غنيم
يا أمة المنش يهني جيشك الظفر ... أبطال (دنكرك) في مصر قد انتصروا
أبطال (دنكرك) خاضوا الحرب طاحنة ... في (كفر أحمد) لا جبن ولا خور
سلوا السلاح على من لا سلاح له ... وحاصروا بلدا لم يأوه بشر
ودمروه فحرت - وهي معولة - ... عروشه وتداعت خلفها الجدر
كادت تضج بأيدهم معاولهم ... وكاد يلعنهم إذ يسقط الحجر
فيم المدافع كالأبراج جاثية ... يطير كالبرق من أفواهها الشرر؟
فيم القذائف فوق الحي حامية ... من حالق الجولا تبقى ولا تذر؟
فيم الحديد وفيم النار حامية ... كأنما فتحت أبوابها سقر؟
ما جرد الخصم غير الحق في يده ... والحق يمضي وينبو الصارم الذكر
لم تحجبوا الشمس بالأسراب طائرة ... لكن من الخزى وجه الشمس يستتر
ما كلل الناس يوم النصر هامكمو ... بالغار لكنهم من نصركم سخروا
لهفي على بلد تاهت معالمه ... أطفاله كالذبى في البيد تنتشر
باتت حيارى بلا مأوى جرائره ... لا سقف إلا الرياح الهوج والمطر
من كل هيفاء كان الخدر يحجبها ... إن أسفر النجم في الظلماء والقمر
بم تساوى بسطح الأرض شاهقة ... قد صوخ النبت فيه واختفى الشجر
كأنما القوم لم يغشوا مغانيه ... يوما ولا حرثوا فيه ولا بذروا
كأنه ما رأى وجه النهار ولا ... أحيا لياليه أنس ولا سمر
ولا أوت دوره أهلا ولا عمرت ... يوما مساجده الآيات والسور
إن الآلي في الحروب (الريخ) ما كسبوا ... حربا بمصر استردوا بعض ما خسروا
شعب يسوق شعوب الأرض قاطبة ... إلى الوغى وهو خلف الباب ينتظ تخفى عساكره في الحرب إن نشبت ... حتى إذا قسمت أسلابها ظهروا
أقسمت ما كسبوا في (كفر أحمد) من ... نصر ولا العزل من سكانه اندحروا
لكنهم حفروا قبرا لدولتهم ... في مصر فليسكنوا القبر الذي حفروا
لم يهدموا قرية عزلاء بل هدموا ... ركن السلام بأيديهم وما شعروا
سل الحماة حماة الأمن هل سمعوا ... بمصر أو عندهم عن أهلهم خبر؟
الأمن شاك جريح سائل دمه ... ومجلس الأمن لا سمع ولا بصر
يا قوم طال (بلك سكسس) نومكمو ... وبالكنانة نار الحرب تستعر
صونوا الحضارة من أيد تعبث بها ... وأدركوا الأمن إن الأمن يحتضر
لا تلزموا الصمت والذؤبان عابثة ... بالشاء فالصمت فيه يكمن الخطر
عاش ابن آدم عيش الغاب تحكمه ... شريعة قاضياها الناب والظفر
محمود غنيم
من الشعر الواقعي:
ليلة
للأستاذ عثمان حلمي
لا يومها يومي ولا غدها غدي ... ما منته سئم الحياة كمبتدئ
وعجبت من قلبي ومن نزواته ... ومتى يتوب عن الضلال ويهتدي
أفبعد هذا العمر لوعة وامق ... وولوع مشتاق وجفن مسهد
وصبابة تعي الجليد فكيف إن ... أخذت بلب المدنف المتجلد
ماذا أود من الحياة إذا انتهى ... شوط الشباب وما الشباب بسرمد
أولى بمن آوته قمة جيله ... نسك كنسك الزاهد المتعبد
من فاته ركب الزمان تخلفت ... معه مرارة تعسة المتجدد
فلم التصابي والتجمل بعدما ... خمد الشباب وليته لم يخمد
والحب إن مالت بعمرك شمسه ... شطط فأفرط في هواك أو اقصد
لابد من حال ينالك بأسها ... فيه ويوم للندامة أريد سخر الزمان أقل ما تمنى به ... تبلوه في ضحك الغواني الخرد
أما بدت تحت الخضاب حقيقة ... بيضاء تسطع تحت زور أسود
أو نورت في جنح رأسك جدبة ... كالجرح إن ضمدتها لم تضمد
ودعتك عما كل غانية إذا ... قرأت سطور جبينك المتجمد
ولقد خلا قلبي وظللني الهدى ... زمنا وسلمت الهداية مقودي
حيث انتهت فتن الشباب فأصبحت ... ذكرى نزوح مع الزمان وتغتدي
وبرأت إلا من براءة نظرة ... وخواطر شتى الرغائب شرد
حتى تعرض لي الهوى في غادة ... مجلوة في فتنة لم تعهد
خمرية هدباء تبعت روحها ... روح المحبة في الأصم الجلمد
تحكي نضارتها وغض شبابها ... للمعجبين نضارة الزهر الندى
وتموج رقة حسنها في مقلتي ... موجان عذب الماء في عين الصدى
وينم حلو حديثها عن ظرفها ... أو عن صفاء ذكائها المتوقد
طبعت على الإغراء في حركاتها ... أو في تهادى جسمها المتوأد
لم ألقها إلا تبسم ثغرها ... عن بهجة أو عن رضى متعمد
فكأنما هي في حياتي فرحة ... جاد الزمان بها وإن لم يقصد
ووفى أوان الحسن كل عجيبة ... فيها فجاءت كالمثال المفرد
ولكل حسن في الحياة أوانه ... هو والهوى يتلاقيان لموعد
نظرت إلي فأيقظت نظراتها ... قلبي وأحيت ميتا لم يلحد
فأفقت مما كنت فيه من الهدى ... ووضعت قلبي في الغرام على يدي
فإذا بنفسي طفلة ممراحة ... تعصى الوقار كأنها لم ترشد
ثارت على سنن الهدى وجلاله ... وتمردت في الغي أي تمرد
ورأت غرام القلب لا زمن له ... فزمانه في العمر غير محدد
فتلمست عذر المسيء لنفسه ... وتلمس الأعذار طبع المعتدى
والحب يسخر بالقيود فإن خطا ... بالنفس حطم غل كل مقيد
والحب مثل الطفل أعجب ما به ... طبع العنيد وسيمة المتمرد فإذا رأى فبعين أعمى ما يرى ... وإذا سرمى فبمهمه لا يهتدي
وإذا تغنى أطربت نغماته ... أذن السماء بغير حاد منشد
وإذا بكى أبكى القلوب نواحه ... شجواً وأسهد عين من لم يسهد
وإذا تهامس كان برقا خاطفا ... من دون صخاب العواطف مرعد
وإذا استحال إلى الضلال فما له ... هاد ولا لضلاله من مرشد
وظللت دون لجاج نفسي ساهما ... حيران بين تلهفي وتنهدي
تمضي الليالي في ضلالة حيرتي ... ما بين إقدامي وبين ترددي
أأطيع قلبي في جديد هيامه ... وأعود من حيث انتهيت فأبتدي
والحب ينميه اللجاج فإن طغى ... ما إن يصيخ لناقد ومفند
ولبثت أرقب من أضلني الهوى ... فيها ولم يوه الزمان تجلدي
حتى أحست من حديثي لهفة ... وتبينت ولهى وصدق توددي
عجبت وما عجب إذا ما ساءلت ... يوما غرور شبابها عن مقصدي
ماذا دهى الشيخ الوقور فإنه ... خلع الشباب وكنت لما أولد
ولمست ما تخفيه في ضحكاتها ... ولبثت أطرق باب قلب موصد
حتى ملكب قيادها في ساعة ... مهدتها بالصبر كل ممهد
واعدتها سرا فلم تجفل ولم ... ترفض ولم تخلف أوان الموعد
وأتت كأن بها الذي بي من جوى ... تختال كالطاووس فيما ترتدي
في ليلة قمراء أسرف بدرها ... في النور إسراف الكريم الجيد
وسرى على هام النجوم فطأطأت ... من بعد عزتها لهذا السيد
يجري وما تدري النهى المقصد ... يجري وما هو كنه هذا المقصد
فإذا تداركه الونى في سعيه ... ركب السحاب ركوب مضني مجهد
وكأنما تحدوه لهفة عاشق ... للقاء مشتاق له مترصد
فمضت به قطع السحاب بموكب ... متهدج في مقلة المتفقد
حتى إذا بلغت به أقصى المدى ... وإنجاب عنه ركامها المتلبد
ألفيته يعدو كمن فقد الهدى ... أو من تلفت من غريم معتد والليل مصغ للكواكب إذ صغت ... في ضوئها المتضائل المتبدد
والبحر يحلم حيث لا أمواجه ... غضبى ولا هو بالجهوم المزبد
يتأرجح الموج الضعيف بشطه ... كتأرجح التقوى بنفس الملحد
صقل انبثاق النور صفحة وجهه ... وأنارها للساهرين السهد
وكأنما أنا كنت في حلم لما ... أبصرته من حسن هذا المشهد
وبجانبي أنى سميت غريرة ... يدها وقد سرنا الهوينى في يدي
أنثى كما اكتملت لأنثى فتنة ... دعة اليمامة في غرور الهدهد
ما غرني إقبالها فتجاربي ... في العمر من أمثالها لم تحمد
وطويت من ليلات عمري ليلة ... خلدت على الذكرى وإن لم تخلد
الإسكندرية
عثمان حلمي