مجلة الرسالة/العدد 958/الحرب الاقتصادية أضر
→ على ضفاف القناة: | مجلة الرسالة - العدد 958 الحرب الاقتصادية أضر [[مؤلف:|]] |
رسَالة الشعر ← |
بتاريخ: 12 - 11 - 1951 |
لندع الألسنة التي لا هي مصرية ولا عربية تدور في أشداقها تشيد
بقوة الإنجليز وضرورة بسط سلطانهم على هذا الشرق المنكوب
بالجهل والفقر والمرض
لندع أصحاب تلك الألسنة الذين لا هم مسلمون ولا شرقيون، يثرثرون في مجالسهم يجرحون الوعي القومي في هذا الشرق الناهض، ويلطخون أخلاق قومه بكل شائن مزري معيب
لندع الحكة الآكلة تنهش صدورهم، لأن في نهضة الشرق، ووعي قومه، وقيامتهم دفعة واحدة يدفعون عن عواتقهم أضرار الاستعمار وصلف المستعمرين وأذاهم تكذيباً صريحا للتقارير التي يرفعونها إلى سادتهم المستعمرين عن موات الشرقيين وسدورهم الملذات والشهوات وإنكارهم الوطن والوطنية
لندع جانباً أصحاب تلك الألسنة المأجورة والضمائر المسخرة لأنها صارت قاب قوسين أو أدنى من القبر، ولأنها الحالة الراسبة، والنفاية المرذولة، والبقية الباقية من جيل لا رده الله عاش بنوه في ذل الاستعمار، وفقدان الثقة بالنفس، وفي جماعة ليسوا من الإسلام والشرقية والعروبة في شيء، وإنما هم مخاليق ضمائرهم خربة، لا دين لهم إلا الجنيه ولا غاية لهم سوى الجنيه
لندع هذه الحفنة من الرجال الفانين ينفثون سمومهم في محيطهم الضيق، لأن الأمم في نهضاتها لا تستمع إلى حشرجات المرضى، ونزع الموتى، ولننظر فيما يجب علينا علمه إزاء موقفنا الراهن
صحيح أن الحكومة درست أو هي تدرس، ووضعت أو هي تضع خططاً لمحاربة أعدائنا ومحتلي بلادنا، ولكن الواجب يقضي بمعاونة الحكومة في إبداء الرأي الذي قد يكون غرب عن بالها، ولذلك أقترح أن نكون عمليين في حربنا أي نسعى إلى كسب كل معركة نخوضها بعد درس وتدبر
الاستعمار والانتداب والاحتلال إنما هي أسماء مترادفة لمعنى (الكسب المالي)؛ والإنجليز إنما هم تجار قبل كل شيء، وأن حكوماتهم وأساطيلهم وسلطانهم رهن خدمة التاج صاحب المعمل أو المصنع، فما ضرنا لو صوبنا قذائفنا إلى صدر هذا التاجر الإنجليزي وعرقلنا دواليب مصنعه عن الدوران وعطلنا أيدي العمال عن الحركة؟
المسألة بسيطة جدا، وإن تنفيذها ليتوقف على معيار وطنية التاجر المصري، وعلى إيمانه بحق بلاده وقومه في الحياة المستقلة، وعلى رغبته الصادقة في محاربة الاستعمار والانتصار على المستعمر، فإذا توفرت الرغبة وجاش الإيمان والوطنية في صدر التاجر المصري، فما عليه إلا إبلاغ التاجر الإنجليزي أو الوسيط (القومسيونجي) إلغاء جميع ما طلب من بضائع وإيقاف تصديرها
وزيادة في الإيضاح أقول: إن التاجر المصري الذي يستورد بضاعته من إنجلترا واحد من أثنين:
الأول يستورد من صاحب المعمل رأساً بغير وسيط
والثاني يشتري أو يوصى على طلبه بواسطة (القومسيونجي)
معلوم أن معظم رجال القومسيون إما من الغربيين وقد أبدوا لرئيس الحكومة عطفهم على قضيتنا، وإما من المتمصرين وهؤلاء لا شك في معاونتهم إياها وشد أزرنا في حربنا، فما ضر هؤلاء أن يتحدوا مع التاجر المصري فيبلغوا التاجر أو صاحب المعمل الإنجليزي إلغاء جميع الطلبات وإبطال جميع الصفقات وإيقاف جميع التوصيات التي قامت بين التاجر المصري والتاجر الإنجليزي؟
لمثل هذا الاقتراح سوابق كثيرة في أسواق التجارة، ولا معنى مطلقاً للقول. بأن (التجارة حرة) في موقف مثل موقفنا من الإنجليز اليوم، ولا اعتراض ألبتة على الغرف التجارية إذا توسطت في إقناع الوسطاء (القومسيونجية) ليقفوا إلى جانب التاجر المصري المحارب في سوق الاقتصاد، ولا ملامة على وزارة التجارة إذا ضغطت على التجار والقومسيونجية وأجبرتهم إجباراً على إلغاء طلباتهم من البيوتات الإنجليزية
إن إلغاء طلباتنا من إنجلترا لا يصيب تجار التجارة الإنجليزية بخسارة تقدر بخمسين مليوناً من الجنيهات فقط، بل يكسب مصر ضجر التاجر الإنجليزي وصخبه وتحامله على حكومته لأنها أقفلت أبواب سوق من أسواقها الغنية في وجه تجارتها
ومعلوم أيضاً أن الإنجليزي في بلاده يقتر في معيشته كل التقتير، ويعيش على الكفاف تلبية لطلب حكومته الراغبة في استرداد مكانتها في سوق المال؛ فكيف يكون حاله إذا صفعته مصر بإلغاء طلبات تجارها وهي تقدر بعشرات الملايين؟ لا شك عندي في أن مصر ستجني من وراء هذه الخطورة الاقتصادية المشروعة تبرم التجار الإنجليز الذين يتململون من تعطل معاملهم وكساد تجارتهم والذين سيحدون ولا شك من جموح الرجال العسكريين ومن غطرسة رجال السياسة
إن معركة واحدة نربحها في سوق الاقتصاد لهي عند الإنجليز أشد وأنكى من خسارة موقعة كموقعة دنكرك. . ولي عودة إلى هذا الموضوع
تاجر