مجلة الرسالة/العدد 951/الولايات المتحدة الأمريكية
→ أصحاب المعالي | مجلة الرسالة - العدد 951 الولايات المتحدة الأمريكية [[مؤلف:|]] |
رحلة إلى الحجاز ← |
بتاريخ: 24 - 09 - 1951 |
للأستاذ أبو الفتوح عطيفة
- 3 -
ولايات متحدة:
اكتشفت أمريكا وتدفقت عليها سيول المستعمرين والهاجرين من الأسبان والبرتغاليين والفرنسيين والإنكليز، ونزل الفرنسيون في حوض نهر سانت لورنس بكندا وفي حوض المسسبي. وأما الإنكليز فقد أنشأوا عدة مستعمرات لهم على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، وكانت هذه المستعمرات محصورة بين أملاك الفرنسيين في حوض سانت لورنس وفي حوض المسسبي. ولم ليبث الصراع أم قام بين الفرنسيين والإنجليز، وانتهى هذا النضال 1763 بانتصار إنجلترا وطرد الفرنسيين، أصبحت إنجلترا سيدة أمريكا الشمالية.
لكن هذه السيادة لم تدم طويلا، فقد حاولت إنجلترا أن تفرض ضرائب باهظة على سكان المستعمرات، ولكن السكان رفضوا أن يدفعوا، لماذا؟ لان حكومة إنجلترا وبرلمانها فرضوا هذه الضرائب، والأمريكان غير ممثلين في البرلمان الإنجليزي. لقد نادى الأمريكان أنه لا ضرائب بدون تمثيل، وما داموا غير ممثلين في البرلمان الإنجليزي فإن هذه الضرائب غير قانونية ولا يجوز دفعها بتاتا، وحاولت إنجلترا بطريق التسويف والمماطلة المعروفة أن تحل المشكلة، ولكن سكان المستعمرات رفضوا بتاتا ما قدمته إنجلترا من الحلول، وانتهى الأفاق بقيام الثورة ثم الحرب ثم الاستقلال، وهكذا نالت الولايات المتحدة استقلالها بالثورة التي بدأت 1774.
على أو أساس تقوم الدولة الجديدة، وكيف يكون نظامها الحكومي؟ وماذا يكون مصير الولايات؟ أندمج مع بعضها اندماجا تاما وتنشئ دولة جديدة، أليه تبقى كل ولاية من الولايات مستقلة في شؤونها الداخلية، وتكون هناك حكومة مركزية تشرف فقط على المصالح المشتركة للولايات جميعا؟ طال النقاش حول هذه المسائل واشتد الجدل. لقد قاسى الأمريكان طويلا صبروا على مرارة الأذى والاضطهاد والحرمان في أوطانهم الأولى بأوربا، وهاجروا بعقائدهم وحرياتهم إلى وطنهم الجديد في أمريكا، ومن ثم كانوا حريصين اشد الحرص على الاحتفاظ بحرياتهم كاملة غير منقوصة. وتستطيع أم تتصور مدى النضال ومدى الخلاف إذا علمت أن سكان الجمهورية الناشئة كانوا من الإنجليز والفرنسيين والروسيين والهولنديين والبولنديين وغيرهم، ولكن خفف من حدة الخلاف أن هؤلاء المهاجرين قد اصبحوا أمريكان، (من هو الأمريكي؟) سؤال أجاب عليه مزارع أمريكي فقال: (هو أما أوربي إنها من سلالة أوربية) ومن هنا جاء المزيج العجيب الذي لا تجده في بلد آخر. . . إذ يمكنني أم أشير إلى أسرة كان الجد فيها إنجليزيا وزوجته هولندية وتزوج ابنه من فرنسية، ولأبنائه الأربعة الآن أربع زوجات ينتمين إلى أربع أمم مختلفة. إنه أمريكي، قد طرح وراءه عاداته وعصبيته القديمة، وهو الآن يتلقى عادات من أسلوب الحياة الجديدة الذي احتضنه، ومن الحكومة الجديدة التي يطيعها، ومن المكانة الجديدة التي يتبوأها.
وبلغ من حرص الولايات على استقلالها أن ولاية رود أيلند رفضت أن ترسل عنها نواب إلى المؤتمر الدستوري الذي عقدته لوضع دستور الجمهورية في فلادلفيا خوفا من أن يتعرض استقلالها للخطر إذا قامت حكومة قوية. وأخيرا انتهى الأفاق بقيام نظام حكومي جديد للجمهورية الناشئة على أساس أن تحتفظ كل ولاية باستقلالها الذاتي، وان تقوم حكومة مشتركة تدفع عن الولايات أو اعتداء وتدافع عن مصالح الدولة الخارجية، وهكذا قامت دولة الولايات المتحدة. ويشير توماس جفرسن 1790 إلى المعنى السابق فيقول (لكل إنسان، ولكل جماعة من الناس تعيش على الأرض الحق في الحكم الذاتي).
نظام الحكم في الولاية:
إن النظام الحكومي القائم في جمهورية الولايات المتحدة من أحسن الأمثلة للأنظمة الديمقراطية وأروعها، سواء في حكم الولاية أو في الحكومة المركزية بواشنطن. يعرف المؤرخون الديمقراطية بأنها حكومة الشعب ينتخبها الشعب وتعمل لمصلحة الشعب. وهذا التعريف ينطبق تماما على نظام الولايات المتحدة الحكومي.
فلكل ولاية مدير (حاكم) وهو ينتخب بالاقتراع العام، ومدة حكمه في نصف الولايات تقريبا سنتان، وفي النصف الآخر أربع سنين.
وسلطة الحاكم مبينة في دستور الولاية، فهو يساهم في عمل القوانين بالاشتراك مع الهيئات التشريعية ويعين أعضاء كثير من اللجان، وهو رئيس الحرس الأهلي بالولاية الخ. وينتخب معه نائب الحاكم، وهو يترأس مجلس شيوخ الولاية، ويرتقي إلى منصب الحاكم إذا مات.
وحاكم الولاية رئيس الهيئة التنفيذية، ويعاونه في إدارة شؤونها كثير من الموظفين، ولكن يلاحظ أن أهم موظفي الولاية ينتخبهم الشعب. وفي بعض الولايات تعقد امتحانات مسابقة لاختيار موظفين أكفاء دائمين لمساعدة الموظفين المنتخبين على تصريف شؤون الولاية.
أما السلطة التشريعية فهي في جميع الولايات، وعددها ثمان وأربعون ولاية تتكون من مجلسين: مجلس للشيوخ وآخر للنواب، ويستثنى من هذا العدد ولاية نبراسكا، فلها مجلس تشريعي واحد. وفي معظم الولايات نجد أن عدد أعضاء مجلس النواب أكثر من أعضاء مجلس الشيوخ، ولكن مدة عضوية مجلس النواب اقل من أعضاء مجلس الشيوخ. ومهمة السلطة التشريعية إصدار القوانين ومراقبة الهيئة التنفيذية، ولكن يلاحظ أن حاكم الولاية له حق (الفيتو) أو نقض مشروعات القوانين، ويلاحظ انه لا يجوز للسلطة التشريعية أم تسن قانونا يغاير الدستور العام إنها قوانين الكونجرس إنها المعاهدات مع الدول الأجنبية.
أما السلطة القضائية فهي في يد رجال القضاء والنيابة العمومية، وجميع المحاكمات يتولاها قضاة قد انتخبهم الشعب، وفي بعض الولايات يعينهم الحاكم والمجلس التشريعي. وفي بعض القضايا الجنائية يحاكم المتهمون أمام محلفين، وهذا في الواقع مقتبس من نظام القضاء الإنجليزي، ويكون عدد المحلفين 12 عضوا، وتبدأ المحاكمة فتبدأ النيابة بتقديم دلائل الاتهام ثم تتاح للمتهم فرصة الدفاع عن نفسه، فإن لم يكن في استطاعته أن يدفع نفقات للدفاع عنه، قامت المحكمة بانتداب محام وتدفع الولاية نفقات انتدابه، ومهمة القاضي أن يفسر القانون للمحلفين، وبعد انتهاء المحاكمة يقرر المحلفون أن كان المتهم مذنبا أليه غير مذنب ويصدر القاضي حكمه طبقا لقرارهم.
ولعلك تسألني ما هي العلاقة بين سلطة الحكومة المركزية وسلطة حكومة الولاية، وكيف تقوم؟ أن الخط الفاصل بين سلطات الحكومة المركزية وسلطات حكومة الولاية ينتهي عند حدود الولاية فالمسائل الواقعة داخل حدود الولاية تخص الولاية وحدها، وليس لأحد أن يتدخل في شأنها، فالشعب الأمريكي يحرص اشد الحرص على ما للولاية من حقوق وسيادة.
ودساتير الولايات جميعها تشترط أن تكون السلطة العليا للشعب؛ وان ترجع إلى الشعب وتبين أغراض الحكومة، وهي الحرص على السلام والتعاون مع حكومة الولايات الأخرى على هذا الغرض وأغراض أخرى، وحقوق الأفراد مكفولة وسوء استعمالها فيما يضر بالآخرين محظورة بتاتا.
وتقوم حكومة كل ولاية بالأشراف على شؤونها الخاصة من نشر التعليم، ووقاية صحة الشعب، وتحسين وسائل النقل، والعناية بموارد الثروة وطرق استغلالها، والمحافظة على موارد الثروة الطبيعية للولاية.
وكما رأينا تقوم كل ولاية بإصدار قوانينها، ومن هنا نجد أن القوانين قد تختلف من ولاية إلى أخرى، فبعض الولايات تبيح الطلاق، والبعض الآخر يحرمه، كما أن مدة التجنيد قد تختلف من ولاية إلى لأخرى، ولكن المهم أن المبادئ الأساسية للحياة وهي الحرية والمساواة والسعي لتحيق سعادة الأفراد، تكفلها جميع دساتير الولايات ودستور الحكومة المركزية.
أما الموارد المالية لحكومة الولاية، فأهمها ما تفرضه الولاية من ضرائب على الممتلكات، وضرائب الميراث والدخل وغيرها.
ويلاحظ أن الحكومة المركزية قد تمد يد المساعدة إلى حومة الولاية فتساهم معها في المحافظة على طرق النقل وفي إنشائها، وقد تعمل على رفع مستوى التعليم بها، ويتلقى عدد كبير من الولايات مساعدات من الحكومة الاتحادية، ومقادير من المال تنفق في أغراض خاصة.
بهذا ينتهي وصف نظام الحكم في الولاية، أما نظام الحكومة المركزية إنها الاتحاد فسنتناوله بالبحث في مقالنا التالي إن شاء الله.
أبو الفتوح عطيفة