مجلة الرسالة/العدد 95/نعيم الحب
→ أمراض الحضارة | مجلة الرسالة - العدد 95 نعيم الحب [[مؤلف:|]] |
القبلة ← |
بتاريخ: 29 - 04 - 1935 |
بقلم حلمي اللحام
عضو المجمع الأدبي
هاجَتْ بِيَ الذكْرى شُجُونَ الهوَى ... وأضرَمَتْ في الصدر نارَ الْجَوَى
تلفتَ القلبُ إلى أَمِسهِ ... لَهْفَانَ مِما جَشمَتْهُ النوَى
أيْنَ عُهودٌ كالرؤَى لذة ... وظلُّ عَيش كَرَفِيفِ الْحُلَى
وأيْنَ حُلْمٌ سائغٌ وِرْدُهُ ... كَسَلْسلِ الْخُلْدِ إذا ما جَرَى
يا نِعْمَةَ النسْيَانِ جُودِي عَلَى ... قلْبٍ رماهُ اليَأسُ حتى ذَوَى
وَهَدْهِدِي بالسحْرِ أحزانَهُ ... وَأَرْقِدِى فيه طُيُوفَ الأَذَى
أَواهُ كم يَهفُو إلى رَقْدَةٍ ... في ظِلكِ الوَارِفِ هَفْوَ الصبا
إنْ سَاوَرَتْنيِ سِنَةٌ حُلْوَةٌ ... نَعْمتُ باللثْمِ وطِيبِ اللقاَ
وإِنْ تَغِبْ أَشْقَ، فياليْتَنيِ ... اقضِي حياتي في ظِلال الكَرَى
يا طَيْفَهَا كم زُرْتَنيِ مُنْعِماً ... في هَدْأَةِ الليلِ وسَجْوِ الدُجى
وَطِرْتَ بالروحِ إلى عالَمٍ ... مُزدَهِرِ الأَرْجاءِ، ضَاحي الذرَى
يُرَفْرِفُ الحُبُّ على أُفْقِهِ ... ويَنْعَشُ المحزُونَ فيه الرضاَ
مُضْنَاكِ يا رَيْحانَتيِ يائسٌ ... طاحَتْ أغانيهِ وغابَ الصدَى
إِنْ هَاجَهُ الشوْقُ بكَى حَظهُ ... وعَادَهُ الماضِي فأَغضى أَسَى
آضتْ منَ الهِجْرَان جَناتُهُ ... صَحْرَاَء لا يَضْحَكُ فيها الْجَنَى
فَنَضرِيها تَأتَلِقْ بَهْجَةً ... وتكْتَنِفْها نُعْيَمَاتُ الدنا
أنْتِ سَناَ الروْضِ ورَيْحانْهُ ... وفتْنَةُ الزهْرِ وعِطْرُ الشذَا
منْكِ اسْتَمَدَّ القلبُ أَلْحَانَهُ ... واسْتَلْهَمَ الشعْرَ وذاقَ الهوَى
يَا حُسْنَ ذِكْرَاكِ وَيَا طِيبهَا ... قُوتاً لِرُوحي إِنْ عَرَاها الوَنَى
لم يَبْقَ في الكأسِ سِوَى جُرْعَةٍ ... والنفْسُ ظَمْأَى! أَفتُرْوِى الصدَى؟
مَنيْتِني بالوَعْدِ، لكِننيِ ... مِثْلُ فَرَاشٍ حامَ حَوْلَ السنَا
تَرَكتِني في لوْعَةٍ مُرةٍ ... مُستَعبرَ العَينيْنِ، جَمّ الضُى لا الطيْرُ يُصبِينيَ ترْجِيعُهُ ... في السحَرِ الندْيَانِ إِما شَدَا
ولا الأغارِيدُ تَذُودُ الأَسَى ... عن مُهجَتي الحَرى وتَنْفى الشجاَ
هذا الصبا المِمرَاحُ أيامُه ... رَفافةٌ، حاليَةٌ بالمُنى
والمُجتنَي دانٍ فهيا نَهِمْ ... مثلَ طيورِ الفْجرِ بينَ الربا
ونَحْىَ كالزهرِ ألِيفيْ هَوى ... في رَوْضةٍ وَشى رُباها الحَيا
ونَقطفِ اللذاتِ مَنضورةً ... من قبلِ أنْ يَذْوىَ عُودُ الصبا
عينَاكِ سِرُّ الوَحْيِ في خاطرِي ... وثَغْرُكِ المَعْسولُ كأسُ الطلى
فأرْشِفيني نَهلةً عذْبةً ... تَغْمُرْ جَنَاني بِسَنىِّ الرؤى
وألهمِيني نَغماً فاتناً ... أنْسَ بهِ بَرْحَ الأسَى والبُكا
إذا انتَشَى قلبيَ من حبهِ ... فلا صَحاَ منْ سُكرِهِ لاَ صَحاَ
الحبُّ رُوحُ اللهِ في خلقهِ ... ونَفْخَةُ الوَحىِ، ونورُ الهُدَى
جادتْ قِفارَ الكوْنِ أنداؤُهُ ... فبَشتِ الدنيا، وغضَّ الثرَى
لولاهُ ما غردَ في أيكةٍ ... طيرٌ ولا غَنى حَمَامُ الضحَى
ولا أراقَ الورِدُ أنفَاسَه ... في الجوِّ رَيا مِرُضَابِ الندَى
آمنْتُ بالحبِّ وآلامهِ ... كلُّ نعيمٍ ما عداهُ سُدَى
(دمشق)
حلمي اللحام