مجلة الرسالة/العدد 949/الولايات المتحدة الأمريكية
→ في شعر عائشة التيمورية | مجلة الرسالة - العدد 949 الولايات المتحدة الأمريكية [[مؤلف:|]] |
رسالة المربي ← |
بتاريخ: 10 - 09 - 1951 |
للأستاذ أبو الفتوح عطيفة
- 1 -
(لم تتفق السماء والأرض على تهيئة مكان لكني الإنسان خير من هذا المكان).
جون سميث؛ مؤسس مستعمرة فرجينا 1607
(إننا لنؤمن ببداهة هذه الحقائق: وهي أن الناس جميعا خلقوا سواسية وأن خالفهم وهبهم حقوقا معينة لا تقبل التحويل منها الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة)
وثيقة إعلان الاستقلال. يولية 1776
ثالثة دول ثلاث تتحكم في السياسة الدولية في عصرنا الحاضر. . ومصير الحضارة القائمة ومستقبل العالم أمانة في أعناقها. . وعلى هذه الدول الثلاث وهي بريطانيا وروسيا والولايات المتحدة تقع تبعة ما يصيب الإنسانية والإنسان من خير أو ضر.
وهي أرض الحرية. . وكانت عند كشفها وما تزال ملجأ المعذبين والمضطهدين من أهل أروبا، وقد حرص الشعب الأمريكي أشد الحرص على توكيد حريته، وعلى تحقيق سعادته، وأعلن ذلك في صراحة تامة في وثيقة إعلان استقلاله 1776.
وهي دولة فتية وأمة غنية تمتاز بعظم ثروتها الزراعية والمعدنية والصناعية، وتشغل مساحة واسعة تمتد من المحيط الأطلسي شرقا إلى المحيط الهادي غربا، وتزيد مساحتها على عشرة أمثال مساحة القطر المصري، وهي أكبر من أستراليا وأصغر قليلا من أوربا. . وأما عدد سكانها فيزيد على 120 ملين نسمة منهم نحو 12 مليونا من الزنوج يسكنون في الولايات الجنوبية.
وتتكون هذه الدولة من عدة ولايات، كان عددها في أول الأمر وعند إعلان الاستقلال ثلاث عشرة ولاية، ويبلغ عددها الآن ثمانيا وأربعين ولاية، وقد اتحدت هذه الولايات مع بعضها اتحادا فد رائيا وكونت جمهورية الولايات المتحدة وتحتفظ كل ولاية إلى الآن باستقلالها، فلكل منها حكومتها وبرلمانها وقوانينها وتشترك الولايات جميعا في الحكومة المركزية التي تشرف على المسائل العامة التي تهم الولايات جميعا، مثل الدفاع والسياسة الخارج والتجارة الخارجية، وسنتناول هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد.
ويتحدث الناس عن هذه الدولة فيقولن (أمريكا) ولكن هذه التسمية ليست صحيحة، فإن الولايات المتحدة ليست إلا ثالثة دول ثلاث تحتل القارة الأمريكية الشمالية. أما الدولتان الأخريان فهما كندا والمكسيك. ولكن الولايات المتحدة أعظم الدول الثلاث شأنا وأقواها أثرا. . ومن هنا أطلق عليها (أمريكا) وهو من باب إطلاق اسم الكل على الجزء لما لهذا الجزء من أثر وخطر.
عالم جديد:
ظل سكان الدنيا القديمة يجهلون أن هناك أرضا واسعة لم تكتشف بعد حتى نهاية القرن الخامس عشر الميلادي. وكان كشف القارة الأمريكية مفاجئا: ذلك أن البرتغاليين عملوا كل جهودهم للوصول إلى الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح. أثار هذا النجاح ثائرة إسبانيا، فأرادت أن تصل إلى الهند أيضا. هنا تقدم كرستوف كولمبس وهو بحار إيطالي يعرض على ملك إسبانيا وملكتها القيام بتحقيق الفكرة عن طريق السير غربا فوافقاه، وزوده الملك فرديناند والملكة ايزابلا بحاجته من الرجال والمؤن والسفن وبدأ كولمبس رحلته في أغسطس سنة 1492 واجتاز المحيط الأطلنطي أو (بحر الظلمات) كما كان يسمى. وطالت رحلته وثار عليه بحارته، ولكنه استمهلهم فأمهلوه، ووصل كولمبس إلى جزائر الهند الغربية وقد اعتقد خطأ أنه وصل إلى جزائر الهند الشرقية والهند. ولم يعرف كولمبس أنه قد وصل إلى قارة جديدة هي أمريكا.
وأما الرجل الذي أثبت أن كولمبس لم يصل إلى جزائر الهند الشرقية وإنما وصل إلى قارة جديدة كانت مجهولة، فهو أمريجو فسبوتش وإليه تنسب قارة أمريكا. وأما كولمبس فإن اسمه لم يطلق إلى على جمهورية كولومبيا بأمريكا الجنوبية وعلى ولاية كولومبيا البريطانية بكندا في أمريكا الشمالية.
وبعد كشف القارة هرع إليها كثير من المهاجرين من أهل أروبا من إسبانيا والبرتغال وإنجلترا وفرنسا وهولندا، وأصبحت هذه القارة مقصد المضطهدين والمعذبين من أهل أروبا والطامعين في الإثراء وجمع المال، وكثرت بها المستعمرات.
على أن السكان الجدد لم يلبثوا بعد أن استقروا أن نزعوا إلى الاستقلال، وقد كانت الولايات المتحدة أسبق هذه المستعمرات جميعا إلى الاستقلال إذ حققت استقلالها في 1776 واعترفت به الدول 1883.
عالم أفضل
ظلت الولايات الأمريكية تنتهج سياسة العزلة فإن شعبها قد آثر أن يحتفظ بحريته وأن يبتعد عن مشاكل العالم القديم المعقدة، ولكنها في خلال الحرب العالمية الأولى وجدت أن اضطراب العالم القديم سيؤدي حتما إلى اضطراب شؤونها الاقتصادية ويشل حركتها التجارية والصناعية، ولذلك اضطرت أن تخرج على مبدأ الحياد الأمريكي وأن تساهم في إعادة السلام إلى العالم القديم، ودخلت الحرب في جانب الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وحلفاءهما) وانتهى الأمر بانتصار الحلفاء وخذلان ألمانيا.
ولما قامت الحرب العالمية الثانية 1939 وقفت الولايات المتحدة الأمريكية بجانب إنجلترا وروسيا للقضاء على الخطر الألماني. . وفعلا وفقت هذه الدول وحلفاءها في القضاء على هتلر. وتحتل قوات إنجلترا وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا الأراضي الألمانية منذ 1945 حتى الآن.
ولا يستطيع أحد أن ينكر فضل الولايات المتحدة الأمريكية على إنجلترا. . فبرجالها وعتادها كسبت إنجلترا الحربين العالميتين. الأولى والثانية.
وليس يعنينا نحن الشرقيين مدى ما قدمته وتقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات لإنجلترا أو لغيرها. . وإنما يعنينا أن نعرف حقيقة شعورها بالنسبة لنا ومدى استعدادها لخدمة قضايانا وهي قضايا الحق والعدل والحرية، وكذلك يجب أن نعرف الشعب الأمريكي بمشاكلنا وقضايانا حتى يتخذ لنفسه سياسة تقوم على الحق والعدل. ذلك أن الشعب الأمريكي يؤمن بالحرية أشد الإيمان ولا يرضى بها بديلا، وتاريخ أمريكا ينطق بهذا.
وقد وصف ترومان رئيس جمهورية الولايات المتحدة عند توقيعه ميثاق هيئة الأمم المتحدة في 25 يونيه 1945 مركز أمريكا في العالم الحديث بأنها (بناء متين يمكننا أن نقيم عليه عالما أفضل). وبدأت أمريكا تشترك في توجيه السياسة الدولية اشتراكا تهدف به إلى سيادة الديمقراطية ومقاومة الطغيان والدكتاتورية والقضاء على أشد أعداء الإنسان: الجوع والشقاء واليأس.
لكن أمريكا تنكبت الطريق ولم يصادفها التوفيق في حل أول مشكلة نشأت في الشرق الأوسط عقب انتهاء الحرب 1945 وهي مشكلة فلسطين وقيام إسرائيل؛ ذلك أن قيام إسرائيل وطرد العرب من أوطانهم وديارهم جريمة لا تنكر وإثم عظيم. . ولا نستطيع نحن الشرقيين أن نبرئ أمريكا من أنها لم تساعد إنجلترا والصهيونيين فيما ارتكبوه من إثم وجريمة وخزي وعار.
وأنا أحب أن أثبت هنا أن العطف الأمريكي على اللاجئين يقابل بالشكر من ناحية العرب والشرقيين. . ولكني أرى أن أمريكا قد لوثت تاريخها بوقوفها في جانب الإنجليز والصهيونيين في مأساة فلسطين.
أيها الأمريكان:
أنتم قوم تقدسون الحرية وتحترمون إرادة الشعوب وقد أعلن رئيسكم ترومان في 20يناير 1949 في بيانه إلى الكونجرس أن (السياسة الاستعمارية القديمة التي مؤداها الاستغلال من أجل الربح فقط ليس لها محل في سياستنا. وكل ما نبغيه هو التعامل الديمقراطي العادل. . . وبمساعدة الأعضاء الأقل حظا على مساعدة أنفسهم يمكن فقد أن تحيا الأسرة الإنسانية حياة لائقة راضية. . تلك الحياة التي هي من حق كل الناس، والديمقراطية وحدها هي التي تستطيع أن تمد شعوب العالم بالقوة والحيوية التي تحركهم إلى العمل المنتصر لا ضد الطغاة من البشر وحدهم. بل أيضا ضد أعدائهم الأقدمين: الجوع والشقاء واليأس؟!
أيها الأمريكان:
نحن قوم نطالب بالحرية وانتم قوم تقدسون الحرية. فأحذروا أن يجركم الثعبان البريطاني إلى مالا نحب وما لا ترضون فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
أبو الفتوح عطيفة