مجلة الرسالة/العدد 946/السرقين والسماد في الزراعة قديما
→ تغير. . . | مجلة الرسالة - العدد 946 السرقين والسماد في الزراعة قديما [[مؤلف:|]] |
رسالة المربي ← |
بتاريخ: 20 - 08 - 1951 |
لم يكن علم الفلاحة ومعاناة الأرض من العلوم التي انصرفت إليها في
الشرق أنظار العلماء والمؤلفين، فلن يقم في الأقطار الزراعية كالشام
ومصر والعراق والأندلس من انقطع إلى الدرس والبحث في علم
الفلاحة وعنى بإذاعة تجارية وأسراره إلا فيما ندر وقل. ومن راجع
كتابي الفهرست وكشف الظنون - وهما كل ما وصل إلينا من أسماء
الكتب والفنون - لا يكاد يجد فيهما إلا بضعة مؤلفات تدل على قلة
عناية القوم بتدوين تجارب الزراعة. ومن أشهر المصنفات فيها:
- كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية. وفي دار الكتب المصرية الجزء الأول منه رقم 39 في 35 ورقة، كتب في 22 رجب سنة 995
- كتاب الفلاحة اليونانية لقسطا أو قسطوس بن لوقا الرومي، طبع في المطبعة الوهبية بمصر سنة 1293 للهجرة
- كتاب الفلاحة للروم لعلي بن محمد بن سعد، ذكره ابن النديم
- كتاب الفلاحة لابن العوام الإشبيلي. طبع في مجريط (مدريد) سنة 1802 وفي مصر
- كتاب الدر الملتقط، من علم فلاحتي الروم والنبط، تأليف محمد بن أبي بكر بن أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي المعروف بشيخ حطين رقم 21 في مكتبة الدار المصرية، فيه لغاية الباب التاسع والعشرين 64 ورقة
- كتاب بغية الفلاحين في الأشجار المثمرة والرياحين تصنيف السلطان الملك الأفضل العباس ابن الملك المجاهد علي ابن الملك المؤيد داود بن الملك المظفر يوسف بن الملك المنصور عمر بن علي بن رسول. ناقص من آخره قليلا. ذكر أنه نقله واستخرجه من مطالعة الكتب المدونة في الفلاحات، وسمي منها الكتاب الموسوم بالإشارة في العمارة تصنيف والده، وكتاب ملح الملاحة في معرفة الفلاحة لجده الملك الأشرف. وفي دار الكتب المصرية نسخة من بغية الفلاحين رقم 155، في 164 ورقة فيه إلى الباب السادس عشر وفي خاتمته فوائد زراعية يمنية. ويظهر أن المؤلف توفي سنة 778 للهج - كتاب الفلاحة المنتجة لطيبغا الجركلمشي منه نسخة حسنة في دار الكتب المصرية رقم 219 في 118 ورقة، وفي خزانة باريس نسختان منه رقم 2807 و2808
- كتاب الفلاحة لأبي عبد اله محمد الحسين رقم 4746 في خزانة باريس
- كتاب مفتاح الراحة في علم الفلاحة رقم 237 في مكتبة الدار المصرية وأوراقه189، وأكثر منقول من كتاب الفلاحة النبطية لابن وحشية
- كتاب جامع فرائد الملاحة في جوامع فوائد الفلاحة لرضى الدين الغزي رقم 134 في دار الكتب المصرية، 117 ورقة وفيه فوائد كثيرة
- الفن الرابع في النبات والزراعة والفلاحة في تسعة أبواب من كتاب مباهج الفكر ومناهج العبر لجمال الدين محمد بن إبراهيم بن يحيى الوراق المعروف بالوطواط. ومنه ثلاث نسخ في دار الكتب المصرية، إحداها مصورة في ثلاث مجلدات رقم 359. وهو ينقل عن ابن بصال في كتاب الفلاحة الرومية، وعن كتاب النبات لأبي الخير الأندلسي، قال: وهو غريب جدا لم أجد من ورآه. وينقل أحيانا عن كتاب ابن الوحشية وكتاب الفلاحة المصرية
- علم الملاحة في علم الفلاحة للشيخ عبد الغني النابلسي، طبع في مطبعة نهج الصواب بدمشق سنة 1299، اختصره من كتاب الغزي المتوفى سنة 935 السابق الذكر
- عمدة الصناعة في علم الزراعة لعبد القادر الخلاصي من القرن الثاني عشر
وقد طالعنا كل ما وجدناه من هذه المؤلفات في دار الكتب المصرية فوجدناه كتاب ابن العوام أجودها وأتمها وأجدرها بالمراجعة والاعتبار. وقد استوفى فيه كل ما كان مألوفا في زمانه من علاج الأرضين وزراعة البقول والحبوب وغراس الأشجار وتربية الحيوانات والدواجن، وروى كل ما يتعلق بهذه الأبواب علما وعملا، فهو خير ما يعتمد عليه في ها الدرس وفيه فوائد وفرائد توضع عليها اليد وتعد ذخراً للزراع والأكار
ومعلوم أن الأسمدة التي هدت إليها الكيمياء ونبهت على خصائصها وفضائلها في إنعاش الأتربة وتعويض ما تفقده من المواد والقوى في تغذية النباتات وتثمير الأشجار ولم تكن معروفة في أوربا قبل القرنين الأخيرين، فكان الأكرة ورجال الفلاحة لا يعرفون إلا السرقين لإصلاح الأرضين وإزكاء الزروع ولذلك قال الخاركي لا أغرس الغرس إلا في مسرقنة ... والغرس أجود ما يأتي بسرقين
وقد فرقت كتب اللغة بين السرقين والسماد، فالسرقين هو الزبل والروث وحده وأما السماد فهو السرقين مخلوطا برمل وتراب. وجاء الدمال بمعناه وبمعنى السرقين: يقال دمل الأرض أصلحها أو سرقتها. ومن مزاعمهم في التقاليد المروية عن محمد بن علي بن عبد الله أن (أول من دمل الأرض أي ألقي فيها السماد داود عم). وحكي الأصبهاني أن أول من جمع السماد بالبصرة وباعه هو عيسى بن سليمان بن علي العباسي من بيت الخلافة حينما كان أمير البصرة (وكانت له محابس يحبس فيها البياح ويبيعه فقال فيه أبو الشمقمق:
إذا رزق العباد فإن عيسى ... له رزق من (أعجاز) العباد
فلما تزوج عيسى فاطمة بنت عمرو بن حفص قال محمد بن عيينة في ذلك:
أفاطم قد تزوجت عيسى فأبشري ... لديه بذل عاجل غير آجل
فإنك قد زوجت من غير خيرة ... فتى من بني العباس ليس بعاقل
فإن قلت من رهط النبي فإنه ... وإن كان حر الأصل عبد الشمائل
رأيت أبا العباس يسمو بنفسه ... إلى بيع بياحاته والمباقل
ولم ترد لفظة البياح في المعجمات ولا في تكملة دوزي. وإنما جاء البياحة شبكة الحوت، وبعد طويل والبحث والتنقير وفقنا للعثور على الحديث الأتي في كتاب البخلاء لجاحظ قال:
(حدثني إبراهيم بن عبد العزيز قال: تغذيت مع راشد الأعور فأتونا بجام فيه بياح سبخي الذي يقال له الدارج، فجعلت آخذ الواحدة فأقطع رأسها ثم أعزله، ثم أشقها باثنين من قبل بطنها فآخذ شوكة الصلب والأضلاع فأعزلها، وأرمي باقي بطنها وبطرف الذنب والجناح، ثم أجمعها في لقمة واحدة وآكلها) ولا شك أن هذا الوصف هو وصف سمك كان بالبصرة تجمع رذالته ونفايته وما يرمي به من شوكة وأضلاعه وأطرافه وتحفظ في محبس لها حتى يغلب عليها العفن، فتباع على البساتين كالسماد. ومن ثم تكون البياحات في حكاية الأصبهاني المواقع التي يحبس فيها البياح والسماد. وهذا أقرب ما يبدو لنا في تفسير هذه الكلمة الغريبة
وقد فاتنا لا محالة كثير من اختبارات الأكرة وأرباب الضياع والبساتين وفنون علاجهم للأرض وتنميتهم للبقول والأزهار والأثمار. وتكفي مطالعة كتاب ابن العوام الآنف الذكر لمعرفة ما كان لبعض مصطلحاتهم وطرائقهم من الشأن والقيمة. ومن بعض الأدلة عليها تنبههم إلى ما في الدماء والأبوال من القوة والدواء لإصلاح الأرض لما فيها كما هو معلوم اليوم من الأزوت والنترات، فأشاروا بهما لطب النباتات والمغروسات. قال ابن العوام: (وقد يعالج بعض أدواء النباتات بدماء وأبوال لأن للدماء قوى عجيبة في إنعاش بعض الشجر والنبات). ولكن فأنه أن ينبه على وجوب تجفيف الدم قبل استعماله
راجعنا مقالاتهم في أنواع السرقين والمفاضلة بين ذرق الحمام وأرواث الخيل والبغال والحمير، وأحثاء البقر والجواميس وأبعار الغنم والضأن والماعز، فإذا أفضل الأزبال عندهم ذرق الحمام، واختلفوا في ما يتلوه في الجودة فقدم بعضهم زبل الحمير على روث الخيل ثم زبل الغنم ثم زبل البقر. ونقلوا عن قسطوس أحد علماء الفلاحة، وهو قسطا بن لوقا، أنه قال: (أحسن زبل الطير ذرق الحمام فبحرارته يميت الأعشاب، ثم زبل الحمير ثم زبل الغنم ثم زبل البقر، وأنفع الآزبال العامة للنبات زبل الخيل والبراذين). وهذا الرأي هو الشائع اليوم في تفضيل روث الخيل للمزروعات عامة.
وهنالك سرقين آخر أشادوا بجودته، وأجمعوا على إيثاره والمغالاة فيه وهو ما نستميح القارئ أجمل العذر في التعريض به، وقد سبق الإيماء إليه في بيت الشمقمق ويسمونه الروث الآدمي وزبل الناس. ومن غريب ما عرف به أيضا ولم نره إلا مرة واحدة اسم (قوسان) نقلة ابن الأخوة في كلامه على حسبة الفاخرانيين والقصارين فقال: (يشرط عليهم ألا يقدروا على الكوز بقوسان وهو روث الآدمي ولا بشيء من الأزبال فإنه نجس، بل الحلفاء والقيشة وهي قشر الأرز وما أشبه). ومن أشهر أسمائه أيضا الغائط والنجو والعذرة. وإنما الغائط المكان المطمئن. وكانوا إذا أرادوا الخلاء انحدروا إلى الغيطان أي بطون الأرض تسترا وانتباذا. وكثر ورود الغائط في كلامهم فانتقل أسمه إلى الحدث نفسه واشتقوا منه الفعل تغوط، كما انتقل اسم الحش وهو في الأصل البستان إلى بيت الخلاء لأنهم اعتادوا أن يتبرزوا في البساتين. وأما النجو فهو الارتفاع من الأرض وكان الرجل إذا خرج لقضاء الحاجة يتستر بنجوة فقالوا من ذلك ذهب ينجو كما قالوا ذهب يتغوط إذا ذهب إلى الغائط لك الأمر. وأما العذرة فهي فناء الدار وكانوا إذا قضوا حاجتهم ألفوها في الأفنية اسم المحل على الحال
وفي أخبارهم عنها السماد الآدمي من النكات والمضحكات وهجن العادات والحكيات الغريبة ما يدخل في أوصاف الحضارة وتاريخ الفلاحة، ولذلك لم نتوقف عن رواية بعضها بعد أطراح مالا يجمل ذكره واستبدال ما يقبح التصريح به من ألفاظه المبتذلة الفاحشة
وقد عده ابن العوام بعد ذرق الحمام في الجودة والامتحان الأرض والمنابت كلها. ووصف أيضا كيف يعمل به قبل الاستعمال له فقال: (ينبغي أن يجفف من رطوبته الأولى حتى يكمل جفافه ويسود ثم يجعل في الحفائر ويرش عليه الماء العذب ثانية ويحرك تحريكا كثيرا ويختلط ويجفف حتى يجف جفافا جيدا ثم يخلط به رماد)
وكان لأصحاب البساتين طلب عليه شديد وتنازع متواصل (فلا يعافون تسميد بقولهم قبل نجومها وتفتق بزورها ولا بعد انتشار ورقها وظهور موضع اللب منها، حتى ربما ذروا عليها السماد ذرا ثم يرسل عليها الماء حتى يشرب موضع اللب قوى العذرة. بل من لهم بالعذرة وعلى أنهم ما يصيبوها إلا مغشوشة مفسدة، وكذلك صنيعهم في الريحان، فأما النخل فلوا استطاعوا أن يطلوا بها الأجذاع طليا لفعلوا)
ومما يدل على الاعتقاد الشائع في أثر هذا السماد البشري نكتة رواها البلاذري عن معاوية بن مروان وكان محمقا قال: (مر بحقل وقد سمع أهل الشام يقولون لا يفلح حقل لا يرى (عجز) صاحبه فنزل وأحدث) ومن أهزل الأبيات التي قيلت في هذا المعنى ما رواه أبو الفرج الأصبهاني قال:
(اجتمع جعيفران الموسوس ومحمد بن بشير في بستان فنظر إلى محمد بن بشير وقد انفرد ناحية ثم قال عن شيء عظيم خرج منه فقال جعيفران:
قد قلت لابن بشير ... لما رمى من عجانه
في الأرض تل سماد ... علا على كثبانه
طوبى لصاحب أرض ... (خلوت) في بستانه
وكانت البصرة فيما قيل أشهر أسواق السرقين، وأميرها كما سبق كان من يتجر به (وللحوش فيها أثمان وافرة فيما زعموا تجار يجمعونها. فإذا كثرت عليها أصحاب البساتين ووقفهم تحت الريح لتحمل نتنها فإنه كما كانت أنتن كان ثمنها أكثر، ثم ينادى عليها فيتزايد الناس فيها. وقد قص هذه القصة صريع الدلاء المصري. . ولذلك ذم الشعراء البصرة وأهلها فقال محمد بن حازم الباهلي (في هجاء البصري):
يعتق (نجوه) كيما يغالي ... به عند المبايعة التجار
ومن النوادر المروية عن البصرة (دخل فتى من أهل مدينة البصرة فلما انصرف قال له أصحابه: كيف رأيت البصرة؟ قال: خير بلاد الله للجائع والغريب والمفلس. أما الجائع فيأكل خبز الأرز والصحناة فلا ينفق في شهر إلا درهمين. وأما الغريب فيتزوج بشق درهم. وأما المحتاج فلا عليه غائلة ما بقيت له عجزه، (يحدث ويبيع)
وأشبهت أصبهان البصرة في نفاق الحشوش فيها (فإن قيمتها عندهم وافرة) قال ياقوت: حدثني بعض التجار قال: رأيت بأصبهان رجلا من التناء يطعم قوما ويشرط عليهم أن يتبرزوا في خربة له قال: ولقد اجتزت به مرة وهو يخاصم رجلا وهو يقول: كيف تستجير أن تأكل طعامي وتفعل كذا عند غيري - ولا يكني - ولبعض الشعراء في ذم أصبهان وأهلها أبيات قال فيها أن ليس للناظر في أرجاء اصبهان من نزهة تحي القلوب غير أوقار العذرة ومن أقبح ما وصف به أيضا أهل أصبهان قول أبي القاسم البغدادي: (يحملون (نجوهم) على رؤوسهم وعلى ظهور دوابهم إلى بساتينهم فينجسون به الأنهار ويربون به الثمار ويأكلونها. أي لعمري هو (نجوهم) منهم بدا وإليهم يعود وهم أحق به. بلدة حشوشها في المسابل وطرقها كالمزابل. لا يوجد ذو كرم ولا نائل)
وعيبت مدينة توزر في إفريقية (بأن أهلها يبيعون ما يتحصل في مراحيضهم من رجيع الناس يفخلون به بقولهم وبساتينهم ولكنهم لا يرغبون فيه إلا إذا كان جافا فيحملهم ذلك على عدم الاستنجاء في مراحيضهم، ويخرج أحدهم من بيته حتى يأتي القناة فيستنجي من مائها وربما اتخذ أحدهم المراحيض على قارعة الطريق للواردين عليها ليأخذ ما يتحصل من ذلك ويبيعه) ولذلك قال الجاحظ: (من أكرم سمادهم الأبعار كلها والأخثاء. إذا جفت، وما بين الثلط جافا والخثاء وبين العذرة جافة ويابسة فرق)
وأقبح ما هنالك ما كان يجري في قابس (فإن أكثر دورهم لا مذاهب فيها وإنما يتبرزون في الأفنية فلا يكاد أحدهم يفرغ من قضاء حاجته إلا وقد وقف عليه من يبتدر أخذ ما خرج منه لطعمة البساتين، وربما اجتمع على ذلك النفر فيتشاجرون فيه فيخص به من أراد منهم، وكذلك نساؤهم لا يرين في ذلك حرجا عليهن إذا سترت إحداهن وجهها ولم يعلم من هي)
وأشد ما الطلب على السماد في بغداد حتى بعث الطمع بعض أصحاب الرباع على احتكار ما كان يلقى على الكساحة والمزابل، قال بعضهم: نزلنا دارا بالكراء لكندي فكان في شرطه على السكان أن يكون له روث الدابة وبعر الشاة ونشوار العلوفة) ولابن السميسر في بلنسية وهي من أهم مغارس النارنج والبرتقال في إسبانية تطيف بها منهما حدائق وبساتين ملء البصر:
بلنسية بلدة جنة ... وفيها عيوب متى تختبر
فخارجها زهر كله ... وداخلها برك من قذر
ومن الغريب جدا أن يتنازع الناس إلى هذا الحد القبيح أوقار الأقذار! فهل كان سرقين الحيوانات دون الكفاية؟ ولعل أقرب ما يعلل به هذا الطلب الشديد أن ألبعار والأخثاء كانت تجفف وتدخر للوقود ولا سيما في البلاد التي قلت فيها الأحراج والغياض وتعددت الحمامات كما أشار إليه صاحب كتاب البخلاء حيث قال: (أما الفرث والبعر فحطب إذا جفف عجيب) ولا شك أن مثل هذه العادة كانت في الشرق معروفة شائعة منذ القدم، ولا تزال متبعة في القرى والجبال إلى اليوم وقد ألمح أليها الشعراء قال الهذلي:
وليلة يصطلى بالفرث جازرها ... يختص بالنقرى المثرين داعيها
وللأخطل في إحدى نقائضه
صفر اللحي من وقود الأدخنات إذا ... رد الرفاد وكيف الحالب القرر
يقول هم صفر اللحى من الدخان، والأدخنات السرقين، والرفاد قدح ضخم، والقرر جمع قرة وهي البرد
وفيما عدا الوقود للاصطلاء كان السرقين تحمى به الحمامات وأتانين الملال صانع خبز الملة وتنانير الخبز. ومن مآثر طاهر بن الحسين أنه رأى يوما في قصره ببغداد (دخانا مرتفعا كريه الرائحة فتأذى فسأل عنه فقيل له إن الجيران يخبزون بالبعر والسرجين فقال: إن من اللؤم أن يقيم بمكان بتكلف الجيران شراء الخبز ومعاناته. . . اقصدوا الدور واكسروا التنانير واحصوا جميع من بها من رجل وامرأة وصبي وأجروا على كل واحد منهم خبزة وجميع ما يحتاج إليه. . . فسميت أيامه (الكفاية) وعزم أحد الخلفاء العباسيين على الشرب يوما واستنكف من رؤية الرجيع واستنشاقه بين أزهار البستان، فزينت له أنفته أن يستعيض عنه بما لا يخطر في أذهان الملوك وهو ما رواه التنوخي قال:
(أراد المقتدر الشرب على نرجس في بستان في صحن دار من صغار صحونه فقال بعض من يلي أمر البستان: سبيل هذا النرجس أن يسمد قبل شرب الخليفة عليه بأيام فيحسن ويقوى، فقال هو: ويلك يستعمل (الرجيع) في شيء بحضرتي وأريد أن أشمه قال: بهذا جرت العادة في كل ما يراد تقويته من المزروع، فقال: وما العلة؟ قال: لآن السماد يحميه ويعينه على النبات والخروج، قال: فنحن نحميه بغير السماد. وتقدم فسحق من المسك بمقدار ما احتاج إليه البستان من السماد وسمد به وجلس يشرب عليه يومه وليلته واصطبح من غده عليه، فلما قام أمر بنهبه فانتهب البستانيون والخدم ذلك المسك كله من أصول النرجس واقتلعوه مع طينه حتى خلصوا المسك فصار البستان قاعا صفصفا، وخرج من المال شيء عظيم كثير في ثمن ذلك المسك)
باريس
السربون
شاكر محمود