الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 945/خواطر في كتاب الله

مجلة الرسالة/العدد 945/خواطر في كتاب الله

بتاريخ: 13 - 08 - 1951


آداب السلوك

للأستاذ محمد عبد الله السمان

إن للمجتمع تقاليده، وللسلوك آدابه، ولهذه التقاليد والآداب احترامها، ولا يحاول الشذوذ عنها إلا أولئك الذين نكبوا بقصور في عقولهم، وسقم في ألبابهم، وعتو في تفكيرهم

وتربية القرآن النفس على مراعاة المجتمع وآداب لسلوك فيه تقديرا وإكبارا له - ولا جدال في أن العجب لآخذ منك مأخذه حين ترى القرآن يلم بهذه الآداب دون أن يغادر منها صغيرة ولا كبيرة، محاولا صقل النفس بالذوق السليم وطبعها بالطابع المحمود

فالجالسون يجب عليهم أن يتفسحوا في المجالس ليجلس القادمون، وينهضوا وقوفا إذا لم يكن هناك أماكن لجلوسهم، لأن الذوق السليم والمروءة تقتضيان هذا وتحتمانه عليهم:

(يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فأفسحوا يفسح الله لكم، وإذا قيل انشزوا فانشزوا، يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. . .) والزائرون يجب عليهم الاستئذان قبل الدخول، والتسليم إذا أذن لهم - كما يجب عليهم المبادرة بالرجوع من حيث أتوا إذا لم يجدوا أحدا، أو وجدوا ولكن لم يؤذن لهم، وذلك أصون لكرامتهم وعورهم، واكرم لشرفهم ومروءتهم:

(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون - فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم)

والخدم والأطفال يجب أن يكون لاختلاطهم بالنساء والفتيات حد داخل البيوت، وإن كانت المصلحة تقتضيه، فأوقات النهوض من الفراش، والإواء إليه أوقات دقيقة قد تكون كل من المرأة والفتاة فيها بحالة لا يحسن رؤيتها عليها:

(يا أيا الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانهم والذين لم يبلغوا الحلم منك ثلاث مرات: من قبل صلاة الفجر، وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء، ثلاث عورات لكم، ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن، طوافون عليكم بعضكم على بعض، كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم) ويعيب القرآن سلوك الذين يتهاونون في مروءتهم، ويتحايلون في أن يدعوا إلى الموائد، فتراهم يتربصون بالأطعمة، فإذا ما تم نضجها تعللوا بالزيارة وغيرها، وسهموا في تناولها. وليتهم يقفون عند هذا الحد، ولكنهم يأبون إلا أن يقاسموا أهل البيت أوقاتهم مستبدين بها، غير مبالين بأن في هذا إيذاء لهم وإهانة لأنفسهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، ولكن إذا دعيتم فادخلوا، فإذا طعمتم فانتشروا، ولا مستأنسين لحديث. إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم، والله لا يستحي من الحق. . .) وليس من أدب السلوك ولا من حسن التصرف أن يأتي الإنسان البيت من ظهره، فإن في هذا قلبا للأوضاع ولا أن ينادي أهل المنزل من وراء الحجرات، فان فيه إحراجا لشعورهم واستخفافاً بأقدارهم: (وأتوا البيوت من أبوابها - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون، ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم.)

ومن الفظاظة التي يمجها الذوق السليم أن لا يحترم المرء من يكبره مقاما أو سنا وعلماً، فيرفع صوته فوق صوته، ويناديه مناداة فيها كثير من التهاون، كما ينادي إنسانا عاديا: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون، إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، لهم مغفرة وأجر عظيم - لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا. .) ومن الفوضى أن تهاون الإنسان في آداب الاجتماعات، ومن أهم آداب الاجتماعات الاستئذان من الرئيس، والشذوذ عن الإجماع، وانتهاز غفلة الرئيس للهرب من القاعة متسلالا، ولا سيما في الاجتماعات المهمة التي تتعلق بشؤون الأمة وحياتها: (إنما المؤمنون الذين آمنوا باله ورسوله، وإذا كانوا معه على أمر جامعه لم يذهبوا حتى يستأذنوه، إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله، فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم - قد يعلم الله الذين يتسللون منك لواذاً فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)

وللحديث آداب يجب أن تقدر، والاستهانة بها مما يجعل المستهين مستهيناً في نظر الناس. وليس من آدابه في شيء أن يأخذ بعض الجالسين من المجلس، فيتحدثوا سرا بما شاءوا أن يتحدثوا، فتدب الفوضى في الحديث، كما يدب القلق في نفوس الكثير: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا، وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون)

وما أهون أولئك الذين لا يؤمنون بآداب السلوك في الشارع، فإذا سار أحدهم أمال خده تكبرا، وإذا مشى اختال في خطواته عجبا، ولم يقصد في مشيته ولم يغضض من صوته:

(إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا - ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا، إن الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)

وما أعجب أولئك الذين لم يحفلوا بآداب الأخوة الإنسانية وخيل إليهم أنهم فوق الناس وأسمى منهم، وهان عليهم أن يسخروا من البعض. ويعيبوه ويستخفوا به حتي في مناداته، فتراهم ينادونه بالألقاب التي تسيء إلى نفسه وإنسانيته:

(يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. .)

والأخوة الإنسانية تفرض على الإنسان تحية أخيه عند لقائه كما تفرض على الآخر رد التحية بخير منها، أو على الأقل بمثلها. . وذلك ضمان لبقاء الرابطة متينة قوية:

(وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها، إن الله كان على كل شيء حسيبا)

للحديث صلة

محمد عبد الله السمان

القاهرة