مجلة الرسالة/العدد 944/بين المسموع والمقروء
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 944 بين المسموع والمقروء [[مؤلف:|]] |
ابن الفارض والحب الإلهي ← |
بتاريخ: 06 - 08 - 1951 |
للدكتور أحمد زكي بك
للأستاذ محمد عبد الحليم أبو زيد
هذا الكتاب القيم مرآة تعكس كثيراً من الظواهر الاجتماعية والخلقية والنفسية لبيئتنا الراهنة. وما يتراءى في مجالنا الاجتماعي والنفسي بقلم الأديب ذي السليقة الفنية، ومنطق العالم صاحب النزعة العلمية، نشعر بالروح العلمية في ذلك الحرص على استخلاص النتائج الاجتماعية والخلقية والنفسية التي تتضمنها الصور. فالفن الذي تضفيه الذاتية الوجدانية لا يستأثر بالمجال بل تساهم فيه روح الموضوعية العلمية في استخلاص الأهداف والكشف عن الدلالات الفلسفية والعلمية. تستطيع أن تستجلي هذه الألوان في كل ما عالجه هذا الكتاب من جوانب، ففي عرضه لظاهرة كظاهرة انتحار في موضوع - ليته درى - يكشف لك عن المشاكل الاجتماعية والنفسية التي يعرض لها المنتحر اسرته، والعقد النفسية التي تهد كيانهم الروحي، وتحطم وجودهم الاجتماعي. فأي مرارة صبها ذلك الرجل المنتحر في كأس حياة زوجته وأولاده، ليته درى؟ أنه ورث أولاده فيما ورث الكفر بالحياة والريبة في أمر أنفسهم. وجنى على زوجته فضاعف أساها وسلبها حتى برد عزاء المعزين. وحال بينها وبي السلوان - فالمرأة المرزوءة في زوجها على الطبيعة، تلقى من الناس فلا تخشى شيئاً. والناس لا يخشون أن يطيلوا لها في الرثاء ويسهبوا، أما المرزوءة في زوجها انتحاراً فتلقى الناس فتخشاهم وتخشى سؤالهم والإكثار، وهم من جانبهم يخشون الحرج فتكون تعزيتهم اقتضاباً وكثيراً ما يكون كلامهم صمتاً. . . وجلست المرزوءة تستعيد ذلك الشريط الذي يحمل ألوان ماضيهم فلا تجد بعد الذي حدث صفاء، ولا تجد لها طعماً. وتلك النكات، وتلك الضحكات، ومظاهر الحب والعطف والفرح في العيش معا لما ستر، والحزن معا لما ساء، كلها ربطت بين الزوج والزوجة روابط لم يعبأ بها الزوج عندما أراد أن يقطعها. . وتسأل الله في أحلامها: لو اتصلت الخيوط والتحمت الشرايين! فيقول الله: ليس على هذه الأرض وصل بعد فصل، ولا التحام بعد قطع. . . ويوقع أولاده في أزمات نفسية عنيفة مستعصية. فإذا تحدث صديقات البنت عن آبائهن فتسكت فلا تطارح الصديقات المتدفقات حديثاً بحديث. ويتحدث أصدقاء الولد عن آبائهم فيسمع الولد ولا ينطق. تتسع أذنه للألم. وينعقد لسانه عن إفصاح. وفي الإفصاح التنفس من ضيق. وفي الحديث استشفاء من ألم. . . ثم يأخذ في تحليل العوامل النفسية التي قذفت بالمنتحر إلى هوة الانتحار فيقول: قد نشأ هذا الزوج على الفقر. وكان فقراً مدقعاً. في البيت، وعل المائدة، وعند النوم. وظل يمضغ الحياة المسرة سنوات لأنه لم يجد ما يتبلغ به سواها - ثم لانت الحياة وهادنته صروفها فاستعادوا هدوءه فلما تجهم له وجههاً وثارت أعاصيرها وعاد إلى الزوج خوفه القديم. خوف الفقر وخوف الحياة. لم يلبث أن انهارت أعصابه واختل توازنه وخر صريعاً. . .
ويترك زوجته تجتر هذه الخواطر السود!! كيف ساغ عنده أن في وفاء حاجة الجسم غناء عن حاجة النفس. . . وهو لو عاش لكافحنا سوياً كان لنا في الكفاح على الإخلاص لذة فلمن تقول هذا واأسفاه!! والأذن التي تريد أن تسمعها ملؤها التراب. أنه الألم الدائم واليأس الذي رجاء فيه. . .
أرايت أن هناك جانباً من الجوانب لم يطرق في هذه الظاهرة؟ ورأى يمكن أن يستخلص وأغفل؟ وفلسفة اجتماعية أو أخلاقية أتيحت لها الفرصة ولم تقرر؟ بل لقد صور بنضرة بيانه، وحيوية أسلوبه، وغزارة هذه الظاهرة وعلى هذا الأسلوب الفني العلمي تقوم صورة ما قصه الدكتور علينا في هذا الكتاب، فهي نماذج ممتعة للذوق. بفنها وللعقل بسلامة منطقها. وموقظه للوعي الاجتماعي بما تتناوله من مشاكلنا الاجتماعية، فهو كتاب يرشحه لمصاف الأدب الحي اكثر من سبب
محمد عبد الحليم أبو زيد
دبلوم في التربية وعلم النفس ومدرس اللغة العربية بالمدارس
الأميرية