مجلة الرسالة/العدد 944/الملك عبد الله
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 944 الملك عبد الله [[مؤلف:|]] |
ورطة يهود اليمن في إسرائيل ← |
بتاريخ: 06 - 08 - 1951 |
على عتبة المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله خر الملك عبد الله صريعاً ليديه، فصرعت بمصرعه الأليم سياسة، وتزعزع نظام، وتراجع أمل، وتضعضع حلف، وتغير تاريخ!
ذلك لأن الملك عبد الله كان قوة مؤثرة في سياسية الشرق والغرب. اكتسب هذه القوة بفعل هذه الحوادث وحكم الظروف وموقفه المعبر الدال على اتجاه الإنجليز في شؤون العرب. ولم يكن من الميسور أن يكتسبها لو لم يكن قوي الشخصية بعيد الهمة واسع المطامع، لا يقنع بالتمني، ولا يكتفي باليسير، ولا يُدخل في حسابه آراء غيره ولا أراب قومه
دخل الأمير عبد اله بن الحسين التاريخ من الثغرة التي ثغرها الإنجليز بين الترك والعرب في الحرب العالمية الأولى. وكان المغفور له والده قد فهم من لغة الإنجليز في الوعد الذي واعدوه غير ما أرادوه! فهم أن غنيمته من محاربته الأتراك معهم ستكون للأمة العربية الاستقلال والوحدة، وكانوا هم يريدون بهذين اللفظين الانتداب والتجزئة! فلما تقاسم بنو الحسين الميامين تيجان العرب في الأقطار التي انبسط غليها النفوذ البريطاني من تراث الخلافة الصريعة كان ما أصاب الأمير عبد الله رقعة من أجادب الأرض في شرق الأردن، لم تتسع لهمته ولم تستجب لطموحه. وظل فيها كما يظل الأسد في القفص متململاً من الحصر، متبرماً بالضيق، يتطلع من خلال القضبان إلى سواحل فلسطين، ثم تمتد عينيه الرقيبة إلى سهول سورية، ثم يشرق بفكره وقلبه إلى أرياف العراق، ثم يرتد بذكرياته وحسراته إلى أباطح الحجاز، ثم ينطوي على نفسه في قصر ترغدان ويصوغ ما تشاه وتمناه وما تذكره خططا سياسية يسميها: فلسطين الموحدة أو سورية الكبرى أو الهلال الخصيب، ويستعين على تنفيذ هذه الخطط وتحقيق هذه الأماني بمصفحات من جيش (جلوب)، وصفحات من كتاب (الأمير)، ولكن الملك كان يفكر، والقدر كان يدبر، (فحال الجريض دون القريض)، وانهار ما شاد الثائر الطموح من الأمل العريض!
عرفت أصحاب التيجان الهاشمية من بنى الحسين معرفة خبزة وصداقة. عرفت الملوك علياً وفيصلاً وغازياً في بغداد، فرثيتهم رثاء الخبير، وبكيتهم بكاء الصديق! إلا الملك عبد الله فقد لقيته مرة واحدة في القاهرة وهو أمير. لقيته أنا والأستاذ السراج في أحد القصور من جاردن سيتي، فلم يكد يفرغ من تكاليف اللقاء الجميل حتى أخذ يتلو عن ظهر قلب قول الله تعالى: وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم. . . آخر الربع من سورة (فصلت)، ثم انتهت الزيارة بانتهاء القراءة، فلم أعرف عنه إلا أنه يحفظ القرآن!
من أجل ذلك لا أستطيع أن أتحدث عنه ولا أن احكم عليه إلا من وراء ما يُرى ويُسمع. والناس إنما يرون ويسمعون بعين المخلوق وأذنه. ولعل فيما أبصروا من أفعاله، وسمعوا من أقواله، مبرراً من طيب سريرته وصدق عقيدته. والتاريخ يحاسب المرء على عمله، ولكن الله يحاسبه على نيته!
أحمد حسن الزيات