مجلة الرسالة/العدد 943/هندوكي سفيه
→ هل الأدب قد مات؟ | مجلة الرسالة - العدد 943 هندوكي سفيه [[مؤلف:|]] |
رسالة المربي ← |
بتاريخ: 30 - 07 - 1951 |
للأستاذ علي محمد سرطاوي
نشرت مجلة (رسالة الباكستان) التي تصدر في القاهرة في عددها المرقم 370 والمؤرخ في اليوم الأول من يونية عام 1951 ما يأتي:
كاتب هندي يطعن في النبي محمد:
وضع الأستاذ سريفاسترا المدرس بجامعة أكرا كتابا في التاريخ حاول فيه الطعن بنبي المسلمين الأكرم سيدنا محمد، والكتاب مقرر في مدارس الهند.
ومما جاء في هذا الكتاب عن الرسول: (أن محمدا لم يكن عظيما كمها بيرا جراستار (هندوسي) وهو لم يكن يؤمن بالسلام ولا بعدم العنف، ولذلك كانت مسؤولية إراقة دماء كثيرة في العالم تقع على عاتقه. وقد تزوج في أواخر حياته، وكان متعجرفا، مخدوعا، جشعا، كما كان عاطفيا يتوق إلى إرضاء شهواته، وخائنا)
والكتاب بما فيه من ملاحظات قذرة، وطعن في رسول الله الذي لم تر إنسانية مثله جمعاء، مقرر على الأولاد المسلمين الذين دوخ آباؤهم منذ قرون البلاد وهزوا الإمبراطوريات في سبيل الدعوة إلى الإسلام والسلام. ويتساءل المسلمون اليوم: هل ترضى الدولة الدنيوية التي قام فيها هذا الكتاب بأن يطعن شخص في دين مجموعة كمجموعة المسلمين؟)
يطيب للكلاب، لسبب مجهول، أن تنبح البدر المنير في كبد السماء، وهو يغمره بنوره الفضي جوانب الأرض، ويشيع في أعماق الأنفس حب الحياة، وجمال الوجود. ولكم شاهدتها العيون، من أزمان موغلة في القدم، مقعية على أذنابها، ومتجهة إلى السماء بوجوهها في مثل هذا الوقت من الأشهر القمرية، تعكر صفو السكون العميق الذي يضفيه نور البدر على الغبراء وهو يغسل ظلام الأرض وما عليها من رجس، بتيار قوي من الرحمة الإلهية تنبعث من نوره إلى آفاق الأرض وآفاق السماء. .
ولكن البدر المنير لا يحس وجود هذه الكلاب، وغنما يستمر في أفقه البعيد وفي عليائه، متهاديا بين النجوم التي تحف به، يثير الحب في القلوب، والخيال الجميل المجنح في الشعر، والأفراح في جنبات الأرض وأرجاء السماء.
ولقد مرت قرون طويلة أوشكت أن تبلغ الأربعة عشر من عمر الدنيا على الرسالة الإسلامية السماوية التي أنزلها الله على محمد لتكون للحياة الإنسانية جمعاء، في مشارق الأرض ومغاربها، كالنواميس الطبيعية الثابتة الخالدة، التي لا يأتيه البطل، ولا بلم بها التبديل، صالحة لكل زمان ومكان، ولكل ما خلقه الله على صور الإنسان. وهكذا كانت، فحملت في جوانحها كل ما تزخر به الطبيعة من نور، وجمال، وعطر، وربيع، وثمر، وورود، ورياحين، ولم تستطع الحياة في هذا الزمن الطويل أن تجد فيها عنتا أو ضيقا أو عثرة في المسير، وإنما كانت تصقل الجوانب الخشنة من الحياة نفسها، وتشيع النور الإلهي في ظلامهما كما يفعل القمر في الليل والشمس في النهار.
ويعرض علينا التاريخ في مسيره الطويل، منذ أن رأى رسالة الإسلام الخالدة، سجلا طويلا في غير أتباع الإسلام، ممن أنصفوا الحقيقة من أنفسهم، وأقوامهم، وزمانهم، ونوعا آخر من ذلك الطراز الذي عميت قلوبه، والذي زعم أنه لا يستطيع مذاق الماء العذب، لا لأن الماء العذب مر المذاق، وإنما بحكم تلك النفوس من مرض، وما في تلك الطبائع من اعوجاج، وما في تلك القلوب من غل موروث من البيئات المنحطة الحاقدة، التي فتحوا عيونهم على ما فيها من ظلام دامس حجب عنهم النور - ومع كل ذلك فقد بقي الإسلام هو الإسلام سائراً في الطريق المستقيم الذي لا ينحرف، كما تسير الفصول الأربعة، وكما تشرق الشمس، وتطلع النجوم، دون أن يتأثر بالإنصاف أو التجريح، لأنه أقوى من الحياة ومن الطبيعة نفسها.
لقد أنصف كارليل، وغستاف لوبون، وإمام المؤرخين وسيدهم العظيم إدوارد جبون، وغيرهم من أحرار الفكر في بلاد الغرب، النبي العربي، أنصافا انبعث من طبيعة كان الحق فيها أقوى من البيئة الموروثة التي يعشش فيها الباطل، وتسيطر عليها قوى الظلام. وتجنت على النبي نفسه طائفة اخرى من طراز المبشرين الذين اتخذوا الدين وسيلة للعيش، بعد أن أدبروا عن الحياة التي لا يصلحون لها، ومن طراز آخر يجيد افتراء البهتان على علم، وعلى سوء نية، ولؤم تدبير، وقبح غاية، كصاحب (تاريخ العالم) ولز، ومن طراز هابط حقير، يجيد التقليد، إجادة القرود محاكاة الإنسان، على جهل، كسريفا سترا الهندوسي السفيه، المدرس في جامعة أكرا، الذي تطاول على الرسول الكريم في كتابه المقرر في مدارس الهند، التي ترغم أولاد المسلمين هناك، تعلم ما فيه من المثالب بسيد المرسلين، وأكمل البشر، وأنف مولانا أبي الكلام أزاد، وزير معارف الهند المسلم، راغم، وألف راغم.
ونحن المسلمين، في الوقت الذي نستغرب فيه، أن تقرر الحكومة التي يرأس وزراءها جواهر لال نهروا العظيم، وارث إنسانية المهاتما غاندي الخالد، كتابا فيه مثل هذه المفتريات والمطاعن، على النبي الذي يقسه ثلاثمائة مليون من الشعوب الإسلامية التي تربطها بالهند الناشئة، صلات قوية من الجوار والتاريخ، نحتج أشد الاحتجاج على تقرير هذا الكتاب، وعلى إجبار أبناء المسلمين على تعلم المطاعن في النبي الذي يدينون بدينه الحنيف، والتي وردت فيه.
ونحن المسلمين أيضا، لا نستطيع أن نعلم سريفاسترا وبني قومه الذوق والآداب والإنسانية التي تعارف عليها البشر، في الابتعاد عن كل ما يؤذي شعور الآخرين، ذلك لأن الذوق شيء لا يتعلمه الإنسان من الكتب، ولا يجده في الجامعات، وإنما هو شيء ثمين تضعه العناية الإلهية في الجوهر الخالد في بعض الأرواح، حين تأخذ طريقها من عالم الغيب إلى عالم الوجود. ومن المحقق أن نصيبه من ذلك الذوق كان ضئيلا أو معدوما.
ونريد أن نسأل سريفاسترا عن دماء الأطفال والنساء والشيوخ من المسلمين التي أراقها أبناء بلدته في أفظع صور الوحشية، وأبشع ألوان البربرية والهمجية، تلك الأعمال التي كانت تقود الناس إلى اقترافها الشرطة التي يوكل إلى شرفها حماية أرواح المواطنين بلا تمييز، والتي كانت تتقرب باقترافها، تلك الجماهير الحاقدة، إلى أوثانها التي تعبدها من دون الله. نريد أن نسأل عن الغاية الإنسانية السامية التي كانت تهدف إليها جماعة الأرياسماج، والبراهموسماج في تحريض الناس على ذبح المسلمين؟
والشيء الذي يطيب لنا أن نقوله في هذه المناسبة لجماعة الأرياسماج وجماعة براهموسماج، الجماعتين الحاقدتين على المسلمين وعلى دينهم، واللتين ترميان إلى استئصال الدين الإسلامي من الهند، وإجبار المسلمين على ترك ذلك الدين، ومحاولة إرغام الباكستان، الدولة الإسلامية الفتية الجبارة، على الرضوخ لإرهابهما، والعودة بها إلى ظلام الوثنية والقضاء على استقلالها، نريد أن نؤكد لهما أن الإسلام في إشراقه وخلوده كالشمس، فإذا كان في مقدور البشر القضاء على الشمس وإطفاء نورها، كان في إمكان هاتين الجماعتينالقضاء على الإسلام في الهند.
ولقد صمد الإسلام في الحروب الصليبية للدول النصرانية التي هاجمته من أوربا في أوائل القرن الحادي عشر لميلاد المسيح، ونازلها في حروب دامية، استمرت قرنين طويلين، كان النصر في نهايتها، فانهزمت تلك الدول الواحدة بعد الأخرى، تشيعها اللعنات من التاريخ الذي سودت وجهه بما اقترفته من آثام ومحرمات، والذي ذكر بأحرف من نور سماحة الإسلام ممثلة في إنسانية صلاح الدين الأيوبي، وعفوه، وكرمه وبطولته.
إن الجماهير التي قتل الجهل والمرض والفقر جميع النوازع الإنسانية العليا في أنفسها والتي تؤلف الكثرة المطلقة في الهند، والتي لم يسلم غاندي الخالد نفسه من همجيتها، وهو يحاول قيادتها إلى طريق الفضيلة والخير، أحوج ما تكون إلى جيل قوي مؤمن بالإنسانية المطلقة من أساتذة الجامعات، يحاربون عن طريق التسامح، والنوازع الهابطة في الحيوانية في تلك النفوس، ويستمرون في أداء رسالة المهاتما غاندي، للخروج بالهند من ظلام العصور الحجرية التي تعيش فيها الآن من الناحية الإنسانية، إلى نور حضارة القرن العشرين.
لقد كفلت حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة لجميع البشر حرية العبادة، وحرية الرأي، والتحرر من الخوف، ولكن يبدو أن حكومة الهند لا تقيم وزنا لهذه الحقوق التي تكفل بها ذلك النظام للأقلية الإسلامية من رعاياها وهي من أبرز الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
وخرجت الهند على المسلمين في التمثيل السياسي بمسرحية بارعة قابلها في جميع أقطارهم بما تستحقه من سخرية، ذلك أنالمكر المبيت قد هداها إلى إرسال نفر من رعاياها المسلمين ليمثلوا في البلدان الإسلامية، لذر الرماد في العيون، ولخدع المسلمين عما تدبره جماعة الأريا سماج ومن على شاكلتها لإخوانهم في الدين من مذابح واضطهاد، ومستقبل مظلم رهيب، يهدد حياتهم ومعتقداتهم، وينذرهم بشر مستطير وفناء محتوم، وبعض هؤلاء المسلمين لم يوصلهم إلى شرف هذا التمثيل غير زواجهم من الهندو كياب غير الكتابيات اللاتي لا تجيز مبادئ الإسلام للمسلمين التزوج بهن لنهن مشركات.
ونحن نقترح على حكومة الهند، بعد أن أدرك المسلمون إدراكا صحيحاً غايتها من إرسال هؤلاء الدبلوماسيين إلى بلادهم، أن ترسل هؤلاء المسلمين إلى أقطار غير إسلامية، وأن تستبد لهم بجماعات الهنادك المتعصبين المتعطشين إلى سفك دماء المسلمين من جماعات أرباسماج، ومن طراز سريفاسترا، لنعلمهم معنى التسامح الإسلامي، ولنزيل ما في نفوسهم من انحراف واعوجاج، وهي إذا فعلت ذلك أشاعت جوا من روح الود الخالص والتسامح الصحيح بيننا وبينها، وقدمت البرهان العملي على إخلاص نيتها وأنها تسير في الطريق المستقيم.
إن الظلام الذي يعيش في سرفاسترا ومن على شاكلته من الهنادك المتعصبين، ستمحوه الأجيال المقبلة من أبناء المسلمين الذين سيحسنون لغتهم السنسكريتية، ويقبلون عليهم وقد حملوا إليهم نور الإسلام، فيتم الله نعمته عليهم ويزول ظلام الشرك والوثنية عن الهند، وتتحرر فيها الجماهير، الجاهلة، ويصبح سكانها أمة واحدة لا حقود ولا نجس ولا حقير فيها، ولا يتفاوت الناس هناك إلا بما يقوله تعالى وهو أصدق القائلين (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
والمسلمون في أقطارهم المتباعدة يرقبون بعين العطف الشديد والجزع المصير الذي سينتهي إليه إخوانهم في الدين، أولئك الذين رماهم سوء الطالع تحت رحمة تلك الوحوش المفترسة من الأرياسماج. ومن يدري؟ فلعل استمرار هذه الجماعات المتعصبة في تحديها للمسلمين سيدفع البلدان الإسلامية إن آجلا أو عاجلا، إلى منازلة أولئك الهنادكة في حروب صليبية جديدة داخل الهند وخارجها، بالطريقة التي ترضاها الأرياسماج والتي لن يجبن المسلمون عن تقبلها.
لقد أفاق العالم الإسلامي من سبات القرون الطويلة، وأخذ المسلمون يشعرون بأنهم كالجسد الواحد، إذا أصاب الألم عضوا من أعضائه، أحست بصدى الألم سائر الأعضاء الأخرى. والمسلمون الذين يحكمهم الهنادك ليسوا منفردين في معركة الدين، وإنما تحيطهم بالعطف والرعاية قلوب الملايين من إخوانهم في الدين، ولن تتخلى عنهم، وإنما سنجاهد إلى جانبهم حتى نكفل لهم الحرية المطلقة في الدين والرأي، ونحررهم من الخوف.
وإذا كان الأدباء في الأمم كالرواد، يمهدون الطريق الوعرالشائك للسائرين عليه وراءهم من أبناء جنسهم وكان رجال الدين في الأمم كالمصابيح تبدد الظلام الذي قد يكتنف ذلك الطريق. ورجال الأزهر في مصرن باعتبارهم المؤسسة الإسلامية الخالدة التي تسهر على الإسلاموالمسلمين في ديارهم المتباعدة، ورجال الدين الإسلامي في القطار الإسلامية الأخرى، مسؤولون عن وقف هذا الهندوكي السفيه عند حدود الذوق، وعن منع استعمال كتابة القذر في المدارس التي يتعلم فيها أبناء المسلمين وغير المسلمين، بحكم ما فيه من طعن لا يليق أن يقال عن سيد المرسلين وخاتم النبيين، بالوسائل التي تكفل ذلك، دون اللجوء إلى أضعف الإيمان في مقاومة هذا المنكر، شأن العاجز الذي لا يعرف المبادرة إلى العمل السريع. وإننا لمنتظرون
بغداد
علي محمد سرطاوي