مجلة الرسالة/العدد 943/رحلة إلى ديار الروم
→ بين المتنبي وكافور | مجلة الرسالة - العدد 943 رحلة إلى ديار الروم [[مؤلف:|]] |
رسالة الشعر ← |
بتاريخ: 30 - 07 - 1951 |
2 - رحلة إلى ديار الروم
للسيد مصطفى البكري الصديقي
للأستاذ سامح الخالدي
ولما وصلنا، ألقينا لديهم عصا التسيار، وفي ثاني يوم الإقامة عندهم، حال توالي رؤيتنا برهم ورفدهم، قصدت زيارة سيدي سيلان. وممن مشى في الركاب جمع من الأحباب منهم محمد سعيد السلفيتي، وتوجهنا صحبتهم إلى (سعسع) وبعد الغدا سرنا إلى (صفد) وزرنا ابن حبيب والمغارة، وختمنا الربعة الشريفة، وتغدينا عند قاضيها إسماعيل أفندي، ذي الوثبة المنيفة، ودعانا واليها للعشا، وسرنا منها قبيل العشا، وقطعنا (الخيط) صحبة أولاد مراد، وودعناهم عند (عين الذهب) الفائقة عين العسل، وسرنا إلى خان (حاصبية) ومنه أتينا (أكمام) وسرنا إلى قرية (راس العين) فرأيناها منتزها يسر لا خاطر والقلب والعين، وبتنا عند رجلها الشيخ محمد، واجتمعنا فيها برجل مصري يسمى بالشيخ علي، له فضيلة في العلم بها مليء، وفي الصباح بعد وداع رب المنزل والضيف، سرنا كأنا نسير في وادي عوف. وعندما وصلنا (المزة) نزلنا بساحة حلوة، ووردت علينا أحباب أعزة، منهم الصهر النبيل الشيخ إسماعيل، وابن العم ذا الوفا المنلا مصطفى، والصديق احب الأحوال السمان الشيخ عبد الرحمن السمان، وغيرهممن أعيان ونزلت لدى الصهر المحترم من أجل الأخت وأولادها الحرم، وبقية الجماعة في دار قريبة منا، وورد كثير أحباب السلام، حتى حبست في البيت عدة أيام، وبعد أن أقام الحجاج حسن أياما وأخذنا ما يحتاج إليه من الهدية تماما، وزار الصالحية ورجالها، وقصد أعيانها وابطالها، طلب الإذن بالعودة الأحمد، وتوجه فحرك السواكن يوم وداعه، وتوجه صحبته الشيخ أحمد الباقاني والخ الحاج سلامة الراميني والأخ المراعي للعهد الحاج حسن الجماعيلي والحاج محمد الكفرعيني وبعد توجههم إلى البلاد، بهدية للبيت والأولاد، اجتمعت بالوزير المشير جناب سليمان باشا ذو القدر الخطير، وكنت سمعت الخالص والعام يثنون عليه بحسن الالتئام مه أهل الشام، فأكرم بما لا مزيد عليه من إكرام. حباه الله مزيد الإنعام.
(وممن اجتمع بنا المحب المجد الذكي محمد جلبي بن مكي، وأنشقنا مع حسن أدبه عرفه الزكي، ومشى أمامنا يوم وداع الدستور الأكرم المسكي، وقام في خدمتنا وهوالمشار إليه أت قيام، بلغا كل مراد ومزام.
(وفي اليوم الثاني من شهر ربيع الأول، توجهنا بعد وداع أهل وأحباب إلى (حرستي) مع الصهر المحترم من الأحبة، ثم رجع الصهر وسرنا إلى (دومة) القرية المعلومة، وبتنا في دار واسعة الأكناف مع إخواننا الكرام الأشراف، وفي الساعة السادسة ودعنا ابن العم المنلا مصطفى، والأخ الأمجد الشيخ محمد السفاريني والصديق الجليل نجل شيخنا الشيخ أحمد أبي المواهب الحنبلي وغيرهم سائرين إلى (القطيفة) ثم سرنا منها إلى (النبك) ذات الحبك والسبك، وأنشدت بعد ما ذكرت الشيخ علي النبكي:
ولما أن أتيت لأرض نبك ... غدت عيني من الأبعاد تبكي
ومنها أتينا خان (حسبة) العامر الآهل بمعمره ذي الرأي الثامر، ومنها سرنا إلى مدينة حمص وزرت رجالها من الخارج، كالمدتين السابقتين، وقرأت الفاتحة لسيدي خالد بن الوليد، وورد على تاجر يسمى بالسيد عبد الرحيم، وطلب الاندراج في سلك أهل الرحيم، وآخر يقال له الحاج باكير وكان أرسل لي كتابا أودع فيه أساطير، وطلب الإجازة والانتماء للفقير، فأجبته، وأنا راج لي وله التعمير، وسرنا منها إلى حمى (حماة) ولما رأيت سورها المقول في قلب لفظة المأنوس، وسورة حماة بها محروس، شهدت من بعيد أحبابا لهم ود أكيد عرفت منهم صهر الصهر السيد عبد الرحيم العقيلي ذي الشراب السلسبيلي وغيره من أصحاب أعرفهم من دار الصهر المهاب، ثم تتابع استقبال أخبار، من أعيان تلك الديار، وأنزلنا المشار إليه في داره والرفاق، وأغدق الإكرام أي إغداق، وممن حضرنا فاضل علي، وفاصل ملي، يدعي بالشيخ علي، وطلب تحصيل النسبة، مع جماعة لهم في الفضل رتبة، فأجبناهم لذلك، راجين، لنا ولهم سلوك أحسن المسالك، وكتبوا الأوراد والقصائد الأبتهالية، وأخذ بها ما يقارب العشرين من النفس الذكية، وخرج لوداعنا إخواننا الكرام، منحهم الله وافر سافر المرام، وسرنا إلى (قلعة المضيق) وهان علي من بعد قطع كل مضيق، ومنها أتينا (الشنغر) الذي امتلأ بالناس وما شغر، ولصدر نازلة بالأمن شرح فما وغر، ثم سرنا إلى (الزنبقي) وفي الأثناء ذكرت من في الدياربقى، وتذكرت قول المصونة علما، قرة العين، قبل توجهي عنها بيومين، متى يا أبي تذهب فقلت؟ بعد غد والقلب يتلهب، فأسندت رأسها إلى الحائط القبلي، وأجرت دموعا تضنى المحب وتبلى، فمنيتها بقرب الرجوع، فلم يفدها غير سكب الدموع، بل قالت مرادك تخليني وتروح، وأنت أنة مستهام مجروح، وذكرت أخاها، عندما رقبته حناها، وشقيقتها النفيسة، وبكاها يوم الوداع بأشواق رسيسة، وأتواق كبيسة، فأبدى التذكار، سحاب دمع حار،
على العاصي في بلاد النصيرية:
(ونصبت لنا خيمة على كتف نهر العاصي، فانحظينا ببسط دان غير قاصي، وسرحت طرق في زيتون تلكالقرايا، التي أهلها على المذهب النصيري، وقبل أن جمعنا على مذهب الإمام ابن إدريس، تحركت إلى إنطاكية بوجد رسيس.
في إنطاكية:
(ثم أنا جمعنا وسرنا، وإليها على أجنحة الخيل طرنا، ورأينا غب الوصول سورها الخراب، المحير للألباب، ولكنه كاد يساوي التراب. وبعد أن استقر بنا على جانب العاصي، رأيت ناعورة بصوت حزين، دائرة على قلبها تجري عليه الدمع الحزين فأشجاني وأبكاني بكاها. وزرت من البعد سيدي حبيب لانجار، وكتبت للأخ الأمجد الحلبي، الشيخ محمد بن أحمد المكتبي، كتابا مختصرا على الأخبار بوصول إنطاكية. وصورته (بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على حبيب أسيافه للأعداء ناكية، وبعد فنعم الأخ الكريم غب السلام والتكريم، أنا وصلنا بالسلامة إنطاكية، نهار الثلاثاء الثلاث عشر من شهر المولد الذي طيب عرفه الأطياب حاكية، فأحببنا إعلامكم بذلك كيما يتوجه بالدعاء كل خدن محبة لقيس لبني محاكية، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
ودخلنا بها الحمام الجندي، واشتريت فرسا حمرا، لكي أطفئ من متعب السرجي جمرا، ورحلنا لنحو (بيلان) التي عقبتها أم غيلان وحصل يومها لطف صحبته سلامة لولاه، لأهلنا التراب على رفيقنا الحاج سلامة فقلت:
ثم سرنا مها إلى (باياس) ... بعد ضيق يلقي بحر الاياس
وسبقنا لها بجمع من الركب ... وفي خانها شبت بطاسي
ثم منها سرنا (لقرط قلاق) ... فأصاب الفؤاد حد احتباس
(ولمسيس) قد توجه وجه ... الجسيم كيما ينل شرب كاسي ولنسقي من نهر جيحون كوبا ... مذهبا مذهبا هناهم راسي
واصطحبنا يوم الدخول إليها ... بمحب في العلم والفضل آسي
أحمد الاسم أحمد الوصف قد ... حط لدى أحمد الأنام المراسي
أخذ عن أعلام شام كرام ... حافظ للحواس والأنفاس
خص قربا ممن يحب وشربا ... وكذلك الأحباب قومي وناسي
في أدنة والأناضول في طريق الحج إلى استنبول
(الأستانة) دار السعادة
(ثم دخلنا في الصباح (أدن) ولم نخف منع حماة سدنة، لأن ركب الحاج، آمنوا من أعوان الحجاج، وطرقنا بها يوما، فاسترحنا إقامة ونوما، ثم قطعنا الشاقط الساقط، بعد جهد بالأساناياقط، وأتينا (اليايلا) أي النجعة بوزن الدقعة، طلب الكلأ في موضعه، تقول منه انتجع فلان فلانا أي يطلب معروفه، والمنتجع بفتح الجيم المنزل في طلب الكلأ، ويقال أربعوا أي أقاموا في المربع، وأربع إبله في مكان كذا أي رعاها في الربيع، فوجدنا من النصب الشديد، ما ليس عليه مزيد، وقطعنا من العقاب، ما جمع كل عقاب، وسرنا منها إلى (خانين) تقابلا بعد قطع مخاضات أربعين، لا تكاد تقطع لفرطشقة وعنا، لولا أن المعين يعين، وصعدنا منها جبلا لا ينتهي صعودا إلى الجوزاء من غير سلم، وعقبه هبطات مزعجة جدا تهبط حيل نازلها ولكن الله سلم، إلى أن وصلنا (أولى قشلة) فانتشلنا بالنزول لديها أي نشلة، ثم منها توجهنا بلا مهلة، إلى مدينة (أركلة) ونزلنا لدى ماء خرار، فتذكرنا الشام الكثيرة النها، وأقمنا للراحة، إذ للمكارين بها عادة استراحة، ولولا اعتناؤهم بهذه الإقامات، ما بلغت دوابهم دور السلامات، وليس في هذا الطريق راضة كطريق الحاج، وبه وعد كثير يدهدك لأبراج. وفي يوم الأحد ورد من أهل البلد، من لهم على الجدلجلد، برد جلدهم عليه وحسنة الخلد، ظنا أنه يدني دار الخلد من الأرضة أخلد، ينتمون إلى الزادية، ويعظمون النكير على الصوفية، بسند عليه لا يعتمد، فاظهر أحدهم ميلا ما به عند، فتكلمنا معه بما التهم الأحد، ورأيت الكلام مه أهل الخصام كالكلام ينكيالقلب والجسد، ومع أهل الاستسلام فكالقند الأملد، ثم سرنا إلى (قرة نبار) أي النبع الأسود، ومنها إلى (أصمل) بجد دون قرار، ومنها إلى (قونية) بلدة المنلاخنكار، وزرناه وجلسنا في المقابلة، فحظينا بإمدادات مسبلة للسابلين، وإنعامات مختصة بكل قابل وقابلة، وسرنا إلى (اللادق) فأصابنا ريح بارد صادق، ونبه أن هذا الطريق في الصيف برده ينكي، ففي الشتاء عن وصفه أيها المعبرلا تحكي، مرشدنا لي إياك والسير في أكنافي، إلا إن كان في الصيف الصافي. وسرناإلى (الغن ذات القبلوجة) ومنها أتينا (آق شهر) على خيول مسروجة ومنها أممنا (بلاوضون) ومررنا على جسرها الطويل الذي يهون وقبيل غيبوبة قمر، سرنا إلى بياض بليل أظلم بعد ما أخمد، ومنها إلى (خان الوزير) ومنه إلى (الس غازي) ذي المقر الخطير، ومنه إلى (اسكي شهر) من أهلها في السدقة مهارة أمرها شهر، وكتبت منها كتابا للصهر، وكذلك كتابا للولد محمد كمال الدين، ومنها لم نزل نسير في طولها والعرض، ونقطع طول القفار، إلى أن وصلنا (اسكدار) فتلقانا بها أحباب أخيار
في مدرسة شمي باشا:
وأنزلونا مدرسة شمي باشا، وانتعش القلب بالراحة من الأفكار انتعاشا، واجتمعت بجانب المحب الأوحد، المفرد السيد محمد الأمجد، وكتبت منها للصهر كتابا، وآخر للولد، وكتابا للأخ الحاج حسن بن مقلد (الجيوسي) وأخر لمحمد جلبي مكي زادة، صدرته، بـ:
سلام من ديار الروم يهدي ... لخدن حبه أهدى وأهدى
في دعوة ابن عم الشيخ:
(ولما وصلنا (اسكدار) أقمنا من يوم الأحد إلى يوم الخميس، وكان دعانا ابن العم الرئيس، إلى داره للتأنيس، فسرنا إليها ذلك اليوم النفيس، وبعد أن أقمنا عنده أيام الضيافة، وشربنا في حانته صرف السلافة، أتينا بإشارته مدرسته، وكان أراد أن يدخلنا حوزته، فلم نجبه لحب في العزلة المحمودة، ورعاية الأحباب يردون على منزلتنا المقصودة، والمدرسة منسوبة لحسن باشا المقتول، المبنية فوق سبيله المقبول، ونحن إلى الآن فيها نرتجي حصول الوصول إلى حومل القبول والدخول، ثم يطلب الشيخ من محمد جلبي مكي في ختام كتابه (أن يسدي أجزل تحية لسدة قدوة عمدة الوزراء الفخام (أي سليمان باشا العظيم والي الشام، من نثني عليه ألسنة قلوب ملئت من لطفه بالغرام، حميد الذكر والشيم الكرام، عند الخاص والعام، من أرباب السؤدد والاحترام، الوحيد الهمام، والفريد المقدام، من نرجو له دوام خدمة بيت الله الحرام، ليحي الدارس في تلك الطلول والآكام، وينشئ ما يجوز به الإكرام من السلام في دار السلام، ويجدد ما يحتاج إليه الحاج فينال الأجر التام، ويحوط أراضي الشام، ويسعى في عمارها ورفع جور الحكام، لهم على الظلم إقدام.
للكلام بقية
سامح الخالدي