مجلة الرسالة/العدد 942/علاقة الأدب العربي بالأدب السوفييتي في القوقاز
→ مصر | مجلة الرسالة - العدد 942 علاقة الأدب العربي بالأدب السوفييتي في القوقاز [[مؤلف:|]] |
شاعر مجهول ← |
بتاريخ: 23 - 07 - 1951 |
للأستاذ شاكر الدبس
منذ سنتين ونيف تقريبا قامت في الاتحاد السوفيتي حملة أدبية الغاية منها العود إلى المنشأ الصحيح للأدب والفن اللذين تمتاز بهما شعوب هذا الاتحاد. وهذا بحسب رأيهم لا يعني انهم يرفضون قبول أي أدب صحيح بأنهم من الخارج، وإنما يريدون أن يثبتوا للملأ أن ما ينسبونه في أدبهم إلى أمم أخرى هو في الواقع غير صحيح. وعلى هذا الأساس نشرت المجلة الأدبية السوفيتية (ليترانورنايا جازيتا) في عددها الصادر في 12 يناير لسنة 1949 مقالاً مطولاً باللغة الروسية للأستاذ كليموفتش في موضوع (المهمة الأدبية اليومية الضاغطة) عالج فيه هذا الموضوع معالجة دقيقة تخلص منها إلى نفي القول بأن الأدب في الجمهوريات السوفيتية في القوقاز يرجع إلى الأدب العربي. وقد آثرت نقل خلاصة عن هذا المقال لخطورته، لما له من العلاقة المباشرة بنا
بعدما يتكلم كليموفتش عن مكانة الأدب في حياة الشعوب السوفييتية، وعن الاهتمام بجعله يتفق مع (التاريخ الأدبي الخطير الذي امتازت به روسيا)، يعود فيلقى تبعة كبرى على الأدباء في ضرورة تحرى الحقائق في تاريخ الأدب في الشرق السوفيتي. ومن ثم يبدأ بحث هذا الأدب وعلاقته بالأدب العربي فيقول بأنه يعتقد بوجود علاقة بين الأدب في هذه الجمهوريات وبينه في تركيا وإيران والعالم العربي؛ ولكنه في نفس الوقت ينكر كل الإنكار ما يذهب إليه بعض الأدباء بأن منشأ الأدب في هذه الجمهوريات السوفيتية هو الأدب التركي والإيراني (الفارسي) والعربي. ولكي يضع النقط على الحروف ويفهم شعوب الجمهوريات السوفيتية الشرقية ما هي علاقة أدبهم بالأدب العربي يقول:
(إن العرب عندما تخطوا حدود جزيرتهم العربية في القرن السابع الميلادي، وتغلبوا على بلدان أخرى، ألفوا منها إمبراطوريتهم الإقطاعية التي عرفت باسم الخلافة، وهدوا شعوبها إلى الإسلام، عملوا على نشر لغتهم كلغة رسمية، على أساس أن القرآن قد أنزل بها، وأنها لغة الله نفسه، وأن ترجمة القرآن إلى لغات هذه الأمم بان في نظرهم تجديفاً. أما من ناحية مستوى العرب الثقافي فقد كانوا أقل حضارة وثقافة من الكثير من الشعوب التي تغلبوا عليها ولكي يحافظ العرب على سيادتهم عملوا على التخلص من تراث الأمم الأخرى الأدبي والفني. فبإمكاننا أن نقول إن هذه الطريقة التي استخدمها العرب لترسيخ قدم أدبهم وثقافتهم في البلدان التي تغلبوا عليها قد كانت السبب الرئيسي المباشر في فقد هذه البلدان تراثها الأدبي الذي كان لها قبل الفتح العربي. وعلى الرغم من نضال هذه المم للإبقاء على أدبها وثقافتها فقد اضطرت إلى استعمال اللغة العربية، هذه اللغة التي فرض العرب استعمالها فرضا في إمبراطوريتهم المترامية الأطراف، التي امتدت من الصين والهند شرقاً إلى مراكش والأندلس غربا. وما يسمى بالأدب العربي والعلوم العربية والثقافة العربية فقد أنشأها على الغالب غير العرب، أي الأمم التي تغلب عليها العرب وحكموها)
وقد استشهد كليموفتش في مقاله هذا بالأستاذ روزين، أستاذ اللغات الشرقية في بطرسبرج (لينينغراد) في سنة 1872 الذي قال: (إن العرب مدينون في أدبهم وعلومهم إلى الفرس والسريان. غير أنه لما كان هذا الأدب وهذه العلوم قد دونت باللغة العربية فقد عزى الفخر في هذا الجهد العلمي والأدبي والثقافي إلى العرب يوم كانت أوربا غارقة في ديجور حالك من الجهل)
واستشهد أيضاً بما قاله كراتشوفسكي في سنة 1919، إذ قال: (إن القول بأن الأدب العربي هو من صنع الأمة العربية إنما هو خطأ فادح، ذلك لأن الفضل في وجود هذا الأدب يرجع إلى غير العرب (الأعاجم) الذين دونوا أدبهم باللغة العربية، وحتى إلى اليهود والسريان والأسبان والأتراك والأقباط والبربر الذين اشتركوا في إيجاده) (راجع كتاب الأدب في الشرق لمؤلفه كراتشكوفسكي 1919)
ثم يعود فيقول: (ومن المعروف الآن أن العرب - بما حصلوا عليه من فخار نسب إليهم في حقلي الأدب والعلم - مدينون إلى الكثيرين من مواطنينا؛ كالأدباء الذائعي الصيت في أذربيجان وآسيا الوسطى، ومنهم الفارابي وابن سينا والخوارزمي والبيروني وسواهم. ومما هو جدير بالذكر أنه قد ثبت لمجمعي العلوم في أذربيجان وأوزباكيان أثناء تحريهما العلمي عن منشأ الأدب في بلاديهما، أنه ليس من أصل عربي بل من أصل أذربيجاني وأوزباكياني كان قائماً في البلدين قبل الفتح العربي. وقد بحث المجمع العلمي في جمهورية يوزك السوفيتية منشأ العلم والفلسفة العربيين فتوصل بنتيجة ذلك إلى الحقيقة التالية وهي: (أن الاصطلاح المعروف (بالفلسفة العربية) ليس صحيحاً، ذلك لأنه قد اشترك في إيجاد هذه الفلسفة مدارس فلسفية متعددة ضمت أعضاء ليس من العرب فحسب؛ بل أيضاً من شعوب الشرق الإسلامي. ومع هذا فإن عددا من العلماء قد تجاهلوا هذه الحقيقة وعزوا هذه الفلسفة إلى أصل عربي)
ويستأنف الأستاذ كليموفتش وقاله بقوله: (إن وحدة اللغة في بلد ما لا تعني وحدة الأدب فيها). واستشهد على صحة نظريته هذه بأن أعطى مثلاً على ذلك وحدة اللغة بين إنكلترا والولايات المتحدة الأمريكية في حين أن لكل من هذين البلدين أدبه الخاص به. وأعطى مثلا آخر على ذلك بلدان غربي أوربا التي كتبت في العصور الوسطى باللغة اللاتينية، وفي نفس الوقت لم يكن منشأ الأدب فيها لاتينيا. ثم استشهد بكتابات أدبية أخرى تعرف باليوتوبية (الخيالية) كتبها الكاتب الإنكليزي (توماس مور) باللغة اللاتينية، ومع هذا لم تخرج عن كونها أدباً إنكليزيا صرفاً
وعلى هذا الأساس قال كليموفتش: (إذا ما عثرنا على قطعة أدبية أو فنية أو فلسفية وأردنا أن نعرف ما إذا كان منشؤها عربياً أو فارسياً أو من أي أصل آخر فيجب علينا والحالة هذه أن نتحقق أولاً عن كاتب هذه القطعة، وأين كتبها، وما هي مضامينها الفكرية، وما هي صبغتها الوطنية. مثال ذلك إذا أردنا تحليل قطعة أدبية كتبت باللغة العربية لنعرف منشأها نجد أن قسما غير قليل منها - على الرغم من كتابته باللغة العربية - يتضمن ميولاً معادية للعرب من قبل الشعوب التي تغلب عليها العرب. ونجد في غالب الأحيان أن كاتبي هذه القطع الأدبية يعبرون بوضوح عن افتخارهم بكونهم ليسوا من أصل عربي. ومن هؤلاء الكتاب شاعر أذربيجان إسماعيل بن يسار الذي تنازع مع الخليفة هشام ونفي على أثر ذلك إلى الحجاز في بلاد العرب) إلى أن يقول أيضاً: (وهنالك أيضاً أدباء غير عرب استولى العرب على بلدانهم ترجموا أدبهم الخاص إلى اللغة العربية، ليس بقصد إغناء الأدب العربي، وإنما بقصد إعطاء العرب فكرة صحيحة عن أدبهم، وفي نفس الوقت لينافسوا به الأدب العربي. ومن هؤلاء عبد الله بن المقفع الذي ترجم كتاب كليلة ودمنة إلى اللغة العربية، وقد قتله الخليفة في بغداد لدعايته المعادية للعرب)
ومن ثميتخلص صاحب المقال إلى النتيجة التالية، وهي قوله: (إن ما كتبه الفارابي وابن سينا والخوارزمي والبيروني وسواهم لا يمكن اعتباره أدباً عربياً صرفاً. أما إذا أردنا أن نقول عنه أنه أدب عربي فيكون تحليلنا له والحالة هذه تحليلاً ذا جانب واحد. وأكثر خطا من هذا أن نقول إن ما كتبه السوفييت الشرقيين باللغة العربية هو أدب عربي لمجرد أنهم كتبوه باللغة العربية - هذه اللغة الغريبة عنهم - لأنهم لم تكن لديهم لغة مكتوبة خاصة بهم. ومن هؤلاء شعوب شمالي القوقاز الذين دونوا أدبهم باللغة العربية منذ القرن السابع عشر حتى ثورة أكتوبر الكبرى في سنة 1917. غير أن هذا لا يعني مطلقا أنه أدب عربي، لأنهم منذ أن فسح المجال أمامهم، برعاية الحكومة السوفيتية، لتصبح لديهم لغة مكتوبة بعد الثورة، رفضوا أن يكتبوا شيئاً باللغة العربية. ومن جهة ثانية لم يكن بإمكان شعوب شمالي القوقاز اعتبار القاهرة ودمشق وبغداد وسواها من عواصم الأدب العربي عواصم حقيقية لهذا الأدب، لأن هذه الأماكن كانت قبلاً ولايات في السلطنة العثمانية، ومن ثم مستعمرات (هكذا) إنكليزية وفرنسية. وفضلاً عن هذا فإن شمالي القوقاز كان قسماً من روسيا وقد دخلت شعوبه في نطاق الثقافة التقدمية وتأثيرها النافع، هذه الثقافة التي يتنعم بها الشعب الروسي العظيم)
(فالبلاشفة يعتبرون نفوسهم حراساً لمصالح الشعوب وحريتها الوطنية واستقلالها وثقافتها المادية (الاقتصادية) والروحية (العقلية) ويجاهدون ضد الإنقاص من قدر حرمة هذه الشعوب الوطنية وفنونها). وقد استشهد على هذا بقول ستالين بأن الشعوب السوفيتية تعتقد بأن لكل أمة، كبيرة كانت أم صغيرة، مميزاتها الخاصة والتي لا توجد في أية أمة أخرى، وأن هذه المميزات التي تتمتع بها كل أمة تزيد في تراث الثقافة العالمية العام وتغنيه. ولهذا فإن جميع الأمم تتساوى من هذا القبيل بعضها ببعض. فكل محاولة والحالة هذه للحط من الكرامة الوطنية لأي شعب من الشعوب، أو لاستثمار حقوق هذه الشعوب التاريخية، بما في ذلك ثقافة هذه الشعوب، يجب شجبه شجباً حاسماً كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي. ثم يختم كلامه بقوله: (إن لقضايا الميراث الأدبي أهمية حيوية، فيجب إذن أن لا يفسح المجال لأي سوء بفاهم من هذا القبيل. كما أنه من الضروري أن يفهم أن الرجعيين يستخدمون قضايا كهذه في جميع المناسبات والأمور)
شاكر الدبس