الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 941/بيننا وبين الإنجليز

مجلة الرسالة/العدد 941/بيننا وبين الإنجليز

بتاريخ: 16 - 07 - 1951


للأستاذ أبو الفتوح عطيفة

(إن المسألة الرئيسية بالنسبة لنا (الإنجليز) هي كيف يمكن أن تغادر قواتنا القاهرة في الحال)

من اللورد نورثبروك وزير البحرية إلى مأجور بارنج (كرومر) في سبتمبر سنة 1883

(إن إنجلترا حريصة على أن يظل باب المفاوضات مع مصر مفتوحا). يونية سنة 1951

شر البلية ما يضحك

قل يا أهل. . . تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم

في سنة 1882 احتلت إنجلترا ديارنا وقضت على الثورة العرابية وقبضت على زعمائها وحوكموا وحكم عليهم بالإعدام ثم استبدل بهذا الحكم النفي المؤبد ونفي الزعماء المصريون إلى جزيرة سرنديب

وهنا يجدر بنا أن يتساءل: لم تدخلت بريطانيا في شؤوننا واعتدت على استقلالنا؟ إن الثورة العرابية كانت ثورة دستورية ونزاعا بين الخديوي ووزرائه، وكانت مطالب العرابيين الرئيسية تنحصر في توسيع اختصاصات مجلس شورى النواب الدستورية حتى تصبح الوزارة مسئولة أمام المجلس حتى يكون للمجلس حق مناقشة الميزانية، وهو حق طبيعي للمجالس النيابية في جميع البلاد الدستورية. ومنعا لتدخل الدول استبعد المجلس حق مناقشة الجزء الخاص بالدين وبالتصفية المالية من الميزانية

ومع هذا فقد تطوعت بريطانيا بتقديم مساعداتها للخديوي وعرضت عليه حمايته ضد شعبه ووزرائه الذين لم يكونوا خارجين عليه، وقتلت أعرق أمة دستورية (إنجلترا) الروح الدستورية في مصر، واحتلت أراضيها دون أن تعتدي مصر عليها فكان هذا العدوان أول جريمة ترتكبها في الشرق الأدنى

سياسة تقليدية:

إن بريطانيا لا تسير في سياستها الخارجية وفق خطط ارتجالية، وإنما تسير وفق سياسة تقليدية يتبعها وزراء خارجيتها مهما كان لونهم السياسي ومهما اختلفت أحزابهم. وقد كانت سياسة بريطانيا التقليدية منذ قدوم نابليون في حملته سنة 1798 منع قيام دولة قوية ف مصر، ومنع مصر من الوقوع في يد دولة أجنبية معادية. وطبقا لهذه السياسة وقفت موقفا عدائيا ضد محمد علي سنة 1839 - 1841 وألزمته أن يقبع في داخل (قوقعته) مصر على حد تعبير وزير خارجيتها بلمرستون

وقد قامت المنافسة بين فرنسا وبريطانيا حول الاستئثار بالنفوذ في مصر، وجعلت فرنسا تعمل دائما على حفر قناة السويس لتصل الشرق بالغرب مما يجعلها أقرب إلى الشرق، أما بريطانيا فقد عملت على إنشاء خط حديدي بين الإسكندرية والسويس

وقد نجحت إنجلترا في تحقيق غايتها في عصر عباس باشا الأول؛ إذ بدئ بتنفيذ مشروعها فأنشئ الخط الحديدي بين القاهرة والإسكندرية، ثم أنشئ بعد ذلك الخط الحديدي بين القاهرة والسويس

أما فرنسا فلم تيئس بعد، وبرغم أن محمد علي رفض مشروع القناة قائلا (إنني لا أريد أن أجعل من قنال السويس بسفورا آخر) استطاعت فرنسا أن تقنع سعيد باشا بفوائد المشروع، وحصلت منه على امتياز بحفره، وبدأ العمل 1858. قلقت إنجلترا على مصالحها في الهند، وصرح رئيس وزرائها بلمرستون 1860 قائلا: (أخشى أن يؤدي حفر قناة السويس إلى احتلال إنجلترا لمصر) ومات بلمرستون ولكن إنجلترا ظلت تعمل دائبة على تحقيق فكرته. وفي 1882 دون أي اعتداء من ناحية مصر احتلت إنجلترا الأراضي المصرية ثم أعلن وزراؤها منذ الساعة الأولى عزمهم على الجلاء عن مصر فوراً، ومع ذلك فحتى هذه الساعة لم تبر إنجلترا بوعدها، وما تزال تماطل في الجلاء بل وتدعي صداقتها لمصر!!

ولم يقبل المصريون هذا الاحتلال وقاوموه منذ الساعة الأولى، وكان أول أبطال مصر الذين حملوا علم الجهاد مصطفى كامل باشا. ثم في 1919 هبت مصر ثائرة تطالب بحريتها واستقلالها، ووقف المصريون صفا واحدا يبذلون دماءهم في سبيل استقلالهم، وتزعم الحركة سعد زغلول باشا وعبد العزيز فهمي باشا وعلي شعراوي باشا

ولكن مصر على رغم إيمانها العميق بعدالة قضيتها لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها، وهي الجلاء ووحدة وادي النيل التي أقامها محمد علي منذ 1830. ويرجع ذلك إلى دهاء ساسة بريطانيا مما مكن لهم من إيقاع الفرقة في صفوف زعماء مصر ونجاح بريطانيا في تحقيق سياسة (فرق تسد) وعندي أن مصر تستطيع أن تحقق أهدافها في أقصر وقت إذا استطاع زعماؤها أن يوحدوا صفوفهم وخطتهم، وأن يقبلوا صفا واحدا رافعين لواء الجهاد وخلفهم أمة مؤمنة على أتم استعداد لبذل دوائها وأموالها في سبيل حريتها واستقلالها

وإني أضرب للقارئ مثلا يمكن به تحقيق أهدافنا بالطرق السلمية. ماذا يكون مصير القوات البريطانية في قنال السويس إذا تكتل المصريون حكومة وشعبا، ورفضوا إمداد هذه القوات بالغذاء والماء والعمال، ثم امتنع المصريون عن شراء البضائع الإنجليزية، وكذلك رفضوا بيع قطنهم وحاصلاتهم لبريطانيا؟ إنني أؤمن أن بريطانيا لن تستطيع مقاومتهم وستستجيب حتما إلى طلباتهم. وقد اتبع فاندي هذه الخطة في الهند، وبواسطتها حصلت الهند على استقلالها

إنني أنظر إلى الماضي البعيد فأرى مصر في تاريخها القديم دولة قوية، ولها إمبراطورية واسعة في وقت لم تكن فيه بريطانيا شيئا مذكورا. وفي العصور الوسطى كانت الإمبراطورية الإسلامية أقوى دول الأرض جميعا وكان اسم المسلمين يثير الرعب والفزع في قلوب أهل الغرب كافة. فماذا دها الشرق حتى استأسد عليه الغرب

قلب النظر أيها القارئ الكريم في أحوال الشرق تر عجبا؛ فبريطانيا تحتل قنال السويس في مصر، وتحتل السودان باسم مصر، وبينها وبين العراق وشرق الأردن معاهدة صداقة!! وهي تحتل عدن وليبيا أيضا. وأما فرنسا فتحتل تونس والجزائر ومراكش وتعتدي على حريات ملوكها وحكامها؛ فما سر ذلك؟

نحن قوم بلا مبادئ وبلا زعماء. إننا نريد زعماء يؤمنون حق الإيمان بعدالة قضايانا، وإن اتحاد صفوفنا وإيماننا بحقوقنا هما الطريق إلى استقلالنا

إن أمم الغرب أعلنت أكثر من مرة بأن لكل قوم الحق في تقرير مصيرهم. وفي ميثاق الأطلنطي 1941 أعلنت أمريكا وبريطانيا أنهما تحترمان الحريات السياسية والقومية والفكرية والدينية، كان ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت الدولتان تفعلان ذلك تخديرا للشعوب، وضما لها إلى جانبهما، فلما انتهت الحرب تبخرت الوعود والمواثيق وذابت المبادئ

أيها البريطانيون: إن كنتم تريدون صداقة العرب حقا فليس أمامكم إلا أمر واحد؛ هو الاعتراف باستقلال الأمم العربية استقلالا تاما، ورد عرب فلسطين إلى أوطانهم، وبدون ذلك لن تكون هناك صداقة بيننا وبينكم، وما عدا ذلك فهراء لا يغني ولا ينفع

أبو الفتوح عطية

مدرس أول العلوم الاجتماعية بسمنود الثانوية