الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 940/مخطوطات نادرة

مجلة الرسالة/العدد 940/مخطوطات نادرة

مجلة الرسالة - العدد 940
مخطوطات نادرة
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 07 - 1951


وجيز الكلام في ذيل دول الإسلام للسخاوي

للأستاذ حمد الجاسر

عني الشيخ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي المولود في القاهرة سنة 831 والمتوفى في المدينة سنة 902 من الهجرة - بالتاريخ عناية برز أثرها فيما كتبه من المؤلفات العظيمة التي أشار إلى بعضها في ترجمته لنفسه في كتابه (الضوء اللامع) وسلم لنا منها من عبث الزمان وعبثه خير كثير، مثل: -

1 - الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع في ستة مجلدات ضخام - وقد طبع بمطبعة السعادة في مصر سنة 1353 - 1355، حذا فيه حذو شيخه الحافظ أبن حجر في كتاب (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة) وسار على منواله آخرون، أتوا بعده.

2 - التبر المسبوك - ذيل به كتاب (السلوك) للمقريزي من سنة 805 إلى ما بعد سنة 899 - بقليل - ألفه كما قال (إجابة لعظيم وقته الدوادار الكبير في الأيام الأشرفية قايتباي يشبك بن مهدي الظاهري) وقال: إنه يقع في أربعة أسفار - ولعل الجزء المطبوع بهذا الاسم في مطبعة بولاق سنة 1896 قسم من هذا الكتاب.

3 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ - وهو كتاب في التعريف وبأشهر المؤرخين ومؤلفاتهم وهو مطبوع.

4 - الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام أبن حجر - لا يزال مخطوطا.

5 - القول المنبى في ترجمة أبن عربي - وهو مخطوط أيضاً - وفي هذا الكتاب أورد السخاوي أقوال العلماء المحققين في شطحات أبن عربي وزلاته.

6 - وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام - عنه مؤلفه في (الضوء) - إنه نافع جداً، وقال صاحب كشف الظنون (ص762 الطبعة التركية الحديثة) في أثناء الكلام على (دول الإسلام) -: ثم ذيله السخاوي من سنة 741 إلى مختصرا كأصله، وسماه الذيل التام بدول الإسلام - ثم أعاد صاحب الكشف اسم الكتاب مرة أخرى في حرف الذال. وسماه جرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربي (ج3 ص169) وجيز الكلام في ذيل تاريخ دول الإسلام وقال إنه من سنة 745 إلى سنة 898 ومنه نسخ في برلين وفينا وأكسف والمتحف البريطاني وكوبرلي.

وقد اطلعت على جزء من هذا الكتاب لدى أحد علماء نجد في الرياض) فرأيت خير تحية أقدمها لحضرات الأساتذة الإجلاء موظفي (القسم الأدبي في دار الكتب المصرية) وصف هذا الجزء - فقط لا يعدمون منه عونا في تصحيح الأجزاء الباقية من كتاب (النجوم الزاهرة)، وقد يجدون فيه مرجعا نافعا في تاريخ مصر - بل البلاد العربية في ذلك العهد.

يؤرخ هذا الجزء - وهو الأول من الكتاب - الزمن الواقع بين سنتي 748 و 890 - أي ثلاثا وأربعين ومائة سنة - من منتصف القرن الثامن إلى نهاية العقد التاسع من القرن التاسع - فيذكر الحوادث ثم يتبعها بوفيات الأعيان من علماء وملوك وأمراء ومشاهير، وهو يوجز في ذلك أحيانا ويفصل حينا - فسنة حوادثها ووفياتها لا تجاوز ثلاث صفحات، وأخرى تستغرق ورقات.

مثال من إيجازه (سنة تسع وعشرين وثماني مائة في رجب برز العسكر المصري وغيره في الحراقة وقبرس (كذا) حين طرق الخبر أن صاحبها استنصر بملوك الإفرنج على المسلمين، لما جرى على بلاده، ما أشير إليه في التي قبلها. وأنهم أمدوه ليأخذ إسكندرية - زعم - تأسيا بوالده، حين طرقها في المحرم سنة سبع وستين أيام الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون - سبق - فكان التقاء الفريقين في رمضان، فخذل حزب اللعين وأمسك صاحب قبرس فقيد، وقتل من عسكرة في يوم واحد ستة آلاف فيما قيل - منهم أخوه وكذا قيد أبنه وأبن أخي صاحب الكيتلان وأخذت الأفقنسية كرسي المملكة وأقيمت الجمعة بقصره الذي وجد من الأمتعة ما لا يحصى، وأذن على صوامع الكنائس، وعادوا بعد أن قتلوا وحازوا من الغنائم القلعة في يوم الاثنين، ثامن شوال، فكان أمرا مهولا لم يعهد في هذه الأزمان مثله وخرج حتى البكر من خدرها؛ وحضر ذلك أمير مكة ورسل كل من أبن عثمان وملك تونس وأمير التركمان وأبن نعير وكثير من قصاد الشام، قرر عليه من المال بسبب افتدائه ما يفوق الوصف، مما يقوم بنصفه الآن، وبالباقي إذا رجع، سوى ما التزم به في كل سنة من المال، والصوف الملون، وأن يطلق من بقي عندهم من أسرى المسلمين وقال لما دخل إسكندرية ورأى كثرة من بها من الجند: والله إن كل من في بلاد الإفرنج لا يقاوم هؤلاء وحدهم، وفرح المسلمون بنصر الله تعالى، وطار خبر هذه الغزوة إلى الآفاق، وعظم بها قدر سلطان مصر، وقال الشعراء الشعر في ذلك فأكثروا، بل قيل إن الملك بلسانه قبل خلاصه مما عرب: -

يا ملكا ملك الورى بحسامه ... أنظر إلى برحمة وتعطف

وأرحم عزيزا ذل وأمتن بالذي ... أعطاك هذا الملك والنصر الوفي

إن لم تؤمني وترحم غربتي ... فيمن ألوذ ومن سواكم لي بقي

ومات في جمادى الآخرة عن دون الثمانين بدمشق العلامة الزاهد الورع الرباني التقى أبو بكر محمد عبد المؤمن الحصني ثم الدمشقي الشافعي شارح والمنهاج والغابة وأربعين النووي والأسماء الحسنى وصحيح مسلم وغير ذلك؛ كتلخيص المبهمات وقمع النفوس مع القيام بالأمر بالمعروف والنهي ن المنكر، وانجماعه التام، وتقشفه، وعدم محاباته، وانحرافه عن التقي أبنتيمية، ومبالغته في الحط عليه بحيث بسبب ذلك فتن كثيرة مما كان الوقت في غنية عنه. وفي ذي الحجة وقد زاد على الستين ببيت المقدس قاضي الشافعية بالديار المصرية وصاحب تلك الحوادث التي لا تخلوا من التعصب عليه، الشمس محمد بن عطاء الله الرازي الهروي ممن ولى صلاحية المقدس في أول أمره وآخره، والفضاء بينهما مرة بعد أخرى، وكتابة السر. وحدث ودرس وأفتى، وصنف شرح مسلم وغيره، وكان إماما عالماً غواصا على المعاني، حافظاً لكثير من المتون والتواريخ، رئيسا مهابا، ضخما، حسن الشكالة، لين الجانب، أثنى عليه غير واحد على ما فيه من طبع الأعاجم وقوادح وبني بالمقدس مدرسة وفي ذي الحجة بالقرب من المدينة النبوية وهو راجع من الحج والزيارة العلاء أبو الحسن على بن عبد اله بن محمد الدمشقي الشافعي أبن سلام بالتشديد وقد زاد على السبعين وحمل إلى المدينة فدفن بالبقيع وكان حافظاً لكثير (الرافعي) مع إشكالات عليه، وأسئلة حسنة، بحاثاً يقرئ الفقه وأصوله حسنا، مع يد في الأدب، ونظم ونثر واقتصاد في ملبسه وغيره، وحسن محاضرة، وشرف نفس، ولكنه يتكلم في كبار ويرمي بالمناضلة عن أبن عربي. وقد درس في الظاهرية البرانية والعذرانية وغيرها. وفي ربيع الآخر العلامة شيخ الشيخوخة. وأوجد الحنفية السراج عمر بن علي بن فارس القاهري ويعرف الهداية، تصدى للإقراء والإفتاء، وكثرت تلامذته، وصار الممول عليه، مع الاقتصار في أموره كلها، وإعراضه عن بني الدنيا، وعظمته في الأنفس ومحاسنه غزيرة وفي جمادى الآخرة عن نحو التسعين قاض المالكية بالديار المصرية الجمال أبو المحاسن يوسف بن خالد بن نعيم الطائي البساطي، مصروفا، وكان فيما قاله، وكان فيما قاله العيني: عارفاً بصنعة القضاء غير مشكور فيه، ولا متقدم في مذهبه وغيره. وفي المحرم فجأة الشيخ خليفة الغربي ثم الأزهري، وفي جمادى الآخرة الشريف أمير مكة حسن بن عجلان بن رميثة الحسنى. وفي رمضان الأتابك قجق الشعباني الظاهري، ونزل السلطان فصلى عليه، وكان متواضعا حليما لينا، خائفا على دينه، قاله العيني. واستقر بعده يشبك الساقي الأعرج. وعلبياي بن خليل أبن الغادر قتلا على يد نائب حلب جار قطلو).

ومثال آخر لتفصيله في التراجم - قال في الكلام على حوادث سنة 1748 - في سياق وفياتها (والكمال أبو الفضل جعفر بن تغلب الأدفوي الشافعي مصنف الإقناع في أحكام السماع والطالع السعيد في تاريخ الصعيد والبدر السافر في تحفة المسافر وجملة والماهر في فنون، مع فقه ونظم ونثر - في صفر بالقاهر عن نيف وستين سنة بعد رجوعه من الحج. اثني عليه الأسنوي وغيره وهو القائل:

إن الدروس بمصرنا في عصرنا ... طبعت على لغط وفرط عياط

ومباحث لا تنتهي لنهاية ... جدلاً ونقل ظاهر الأغلاط

ومدرس يبدي مباحث كلها ... نشأت عن التخطيط والأخلاط

ومحدث قد صار غاية علمه ... أجزاء ترويها عن الدمياطي

وفلانة تروي حديثا عاليا ... وفلان يروي ذاك عن أسباط

والعرق بين عزيزهم وعزيزهم ... وافصح عن الخياط والحناط

والفاضل التحرير فيهم دأبه ... قول أرطاليس أو بقراط

وعلوم دين الله عادت جهرة ... هذا زمان فيه طي بساطي

ولى زماني وانقضت أوقاته ... وذهابه من جملة الأشراط

ودفن بمقبرة الصوفية)

وقد يستعمل المؤلف السجع في بعض الأحيان كقوله في حوادث سنة 821 - لؤلؤ الطواشي، كاشف الوجه القبلي - وكان من الحمقى المغفلين، والظلمة الفاتكين، في صورة الناسكين.) وقوله في حوادث سنة 871 وفي جمادى الأولى على بن رمضان، الأسملى، أبوه القاهري مكاس جدة - ممن ظلم وعسف، وفسق فما كف. وله دار بحارة برجوان كانت مجمعا لمحنه، وأخذ مسجدا كان بجانبها فأذهب هيئته وعمله مدرسة).

والمؤلف ينقل عن أبن كثير والمقريزي وأبن حجر وأبن دقمقاق والعيني وغيره - ولكن نقله عن هؤلاء وتعويله عليهم لا يعفيهم من النقد والتجريح - وقد يتجامل على بعضهم تحاملاً ظاهراً فلا تمر به مناسبة إلا ابتدرها، ولا هفوة إلا ذكرها، كما فعل مع برهان الدين إبراهيم البقاعي المتوفى سنة (885هـ) ويكتفي بالغمز الخفي وبالتلميح بعبارة مجملة إن لم يجد موقعا مناسبا - فصارم الدين إبراهيم بن محمج بن دقماق الذي استفاد من كتابه (الجوهر الثمين في الخفاء والملوك والسلاطين) كما صرح بذلك في الكلام على سنة (805) التي انتهى الكتاب بانتهائها، لا يجد المؤلف غضاضة في أن يصفه لما تكلم على وفاته سنة (809) بأنه مؤرخ الديار المصرية ولكنه يتبع ذلك بقوله (وعليه معول كثيرين في التاريخ مع كونه عامي العبارة). وتقي الذين المفرزي الذي لم يكتشف بنقل كثير من عباراته بدون إشارة إلى ذلك - بل عمد إلى تذييل كتبه وتكميلها يقول عنه (وصنف فيه - يعني التاريخ - وطار اسمه به مع تميزه في غيره) وهذه العبارة المبهمة المجملة يوضحها ما ذكره السخارى في ترجمة المقريزي في (الضوء) من أن عثر على مسودات لكتابه (الخطط) لأحد العلماء المتقدمين - وهو قول يرده ما عرف من تحامل السخاوي على مؤرخي صره. والتحاسد بين المتعاصرين المشتركين في عمل أمر معروف. ويقول السخاوي حينما ساق ترجمة أبن تغري بردى سنة 874 (المؤرخ الفريد في أبناء جنسه. وما عسى أن يصل إليه تركي مما مشتملا عليه يستكثر من مثله) أما موقفه مع السيوطي فما لا يحتاج إلى بيان. حتى شيخه الحافظ أبن حجر المتوفى سنة (852) والذي أفرد ترجمته بمؤلف خاص - ولغ في الثناء عليه مبالغة جاوزت الحد، حدثني الأستاذ الشيخ سليمان بن حمدان نجد أن السخاوى هذا ألف في حقه كتابا سماه (العجر والبجر من أحوال أبن ججر).

أوصاف النسخة:

يقع هذا الجزء في 592 صفحة - مقياس الصفحة 16 في 12 سنتيمترا - والمكتوب فيه منها 12 في 9 سنتيمترا - تحتوي كل صفحة على 19 سطرا - تتراوح كلمات السطور بين كلمات السطور بين 12 و 15 كلمة، ونوع الكتابة الخط الفارسي الدقيق المهمل من الإعجام والشكل والخالي من كتابة الهمزات - إلا نادرا ومداد الكتابة أسود سوى أسماء السنين فبالمداد الأحمر - ولا ذكر للكاتب ولا لتاريخ الكتابة ولا يبعد أن تكون هذه النسخة من مخطوطات القرن العاشر الهجري، ويؤيد هذا ما جاء النسخة من مخطوطات القرن العاشر الهجري، ويؤيد هذا ما جاء في آخرها بخط مغاير لخط الأصل مما نصبه (آخر الجزء الأول من وجيز الكلام في الذيل لدول الإسلام للذهبي - لشيخنا العلامة الحجة خاتمة الحفاظ والمتقدمين (كذا) أبي الخير محمد بن. . عبد الرحمن بن محمد بن محمد أبي السخاوي القاهري. . .) ومكان النقط كلمات غير واضحة - وكلمة شيخنا تدل على أن كاتب هذا من تلاميذ السخاوي - وكتابة النسخة أقدم من هذه الكتابة.

وقد سقط من أول هذا الجزء كراسة - في عشر ورقات - لأن كراسات جميع النسخة مرقمة من (1) إلى (31) وكل كراسة عشر ورقات سوى الكراسة الأخيرة فورقهاست. وقد يسهو الكاتب فينقص ورق بعض الكراسات ولكنه يستدرك ذلك في الكراسة التي بعدها - فيجعلها زائدة بمقدار ما نقص من التي قبلها كما في الكراستين (15 - 16).

ويبتدئ الكتاب من جملة (استكثر على دمشق فليولني أي البلاد شاء ولا أدخل مصر. ثم خرج من الغد ومعه أهله وعياله ودوابه وحواصله إلى خارج البلد عند قبته المعروفة به) ثم بعد هذا كلام يقع في ثلاث صفحات عن قتل (يلبغا) في آخر جمادى الأولى سنة 748 وعن إقامة حسن بن الناصر محمد بن قلاون سلطانا في يوم الثلاثاء رابع عشر رمضان، ثم بعده سياق خبر وفيات (الذهبي) وأبن منصور المقدسي والأدفوني وغيرهم، ثم في آخر الصفحة الأولى من الورقة الثالثة (سنة تسع وأربعين. استلت والسلطان الناصر حسن بن الناصر محمد قلاوون (كذا) ونائبه بعصر بيبغاروس (بدون نقط) الناصري).

ثم يسترسل المؤلف في سرد حوادث السنين إلى نهاية سنة 890 - على طريقة المقريزي في (السلوك) بإيجاز.

ومن أمثلة الإشارات اللطيفة الطريفة التي أوردها قوله في حوادث سنة 880 (ي شعبان اجتهد الداردار الكبير في تحصيل كتب المؤيدية حين بلغه جحد بعضهم استعارة تفسير الفخر الرازي في مجلد وإرساله لأبن عثمان، ورسم على الخازن وصهره حتى استرجع غالبها وعجز عن التفسير بعد إهانة أبن الشحنة الصغير بسببه. وفي رمضان احتال جماعة من تجار كيتلان الإفرنج في أسر جماعة من أعيان التجار المسلمين من ساحل الثغر السكندري ثم باعوهم لبعض الروادسة إلى أن افتكوا من أيديهم بعد أخذ القدر المتفق عليه في شعبان سنة اثنتين وثمانين).

هذا وصف مجمل لهذا الجزء. وجاء أن يتبعه أحد قراء هذه الصحيفة بوصف أتم وأكمل للكتاب كله.

الرياض

حمد الجاسر