مجلة الرسالة/العدد 932/في الحديث المحمدي
→ رحلات عزام | مجلة الرسالة - العدد 932 في الحديث المحمدي [[مؤلف:|]] |
بريطانيا العظمى ← |
بتاريخ: 14 - 05 - 1951 |
4 - في الحديث المحمدي
للأستاذ محمود أبو رية
درجات الصحابة في العلم والفهم:
لم يكن الصحابة رضوان الله عليهم طرازاً واحداً في الفقه والعلم، ولا نمطاً متشابها في الإدراك والفهم وإنما كانوا في ذلك على طبقات متفاوتة ودرجات متباينة بعضهم أعلم من بعض شأن الناس جميعاً على مر الدهور وتوالي العصور سنة الله في خلفه ولن تجد لسنة الله تبديلا.
قال ابن خلدون في مقدمته (إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصاً بالحاملين للقرآن والعارفين بناسخه، ومتشابه ومحكمه وسائر دلالته بما تلقوه من النبي (ص) أو ممن سمعه منهم ومن عليتهم وكانوا يسمون لذلك (القراء) أي الذين يقرئون القرآن، لأن العرب كانوا أمة أمية فاختص من كان منهم قارئاً للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة).
وقال أبن سعد في طبقاته عن أبي خيثمة عن أبيه قال كان الذين يفتون على عهد رسول الله (ص) ثلاثة نفر من المهاجرين وثلاثة من الأنصار، عمر وعثمان وعلي، وأبي بن كعب ومعاذ أبن جبل وزيد بن ثابت.
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي وأهل الفقه دعا رجالاً من المهاجرين والأنصار: دعا عمر وعثمان وعلياً وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد أبن ثابت. وكل هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر وإنما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء فمضى أبو بكر علي ذلك ثم ولى عمر فكان يدعو هؤلاء النفر
وعن مسلم عن مسروق قال: شاهدت أصحاب رسول الله (ص) فوجدت علمهم انتهى إلى ستة، إلى عمر وعلي وعبد الله ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن الحارث فشامت هؤلاء الستة فوجدت علمهم انتهى إلى علي وعبد الله.
وعن عامر قال: كان علماء هذه الأمة بعد نبيها (ص) ستة: عمر وعبد الله وزيد بن، فإذا قال عمر قولاً، وقال هذان قولاً، كان قولهما لقوله تبعاً وعلي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري فإذا قال علي قولاً وقال هذان قولاً كان قولهما لقوله تبعاً.
وعن عامر قال: قضاة هذه الأمة أربعة، عمر وعلي وزيد وأبو موسى الأشعري ودعاة هذه الأمة أربعة: عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وزياد.
وذكر ابن القيم في أعلام الموقعين عن مسروق قال:
(جالست أصحاب محمد (ص) فكانوا كالأخاذ، الأخاذة تروي الراكب والأخاذة تروي الراكبين، والأخاذة تروي العشرة، والأخاذة لو نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم، وأن عبد الله (أبن مسعود في تلك الأخاذة).
وقال رسول الله ﷺ (مثل ما بعثني الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت فذلك مثل من فقه في دين الله. . رواه الشيخان وغيرهما.
رواية الصحابة بعضهم عن بعض وروايتهم عن التابعين
ليس كل ما جاء من الأحاديث عن الصحابة مما رووه عن رسول الله صلوات الله عليه ودون في كتب الحديث، قد سمعوه بآذانهم من النبي مشافهة، ولا أخذوه عنه بالتلقي وإنما كان يروى بعضهم عن بعض، فمن لم يسمع من الرسول كان يأخذ ممن سمع، وذلك بأن مجالس الرسول كانت متعددة، وتقع في أزمنة وأمكنة مختلفة، فما يحضره منها بعض الصحابة قد لا يحضره البعض الآخر، وإنك لتجد ذلك فيما رواه بعض الصحابة، وبخاصة أولئك الذين أقلهم صحبة لرسول الله وأكثرهم رواية عنه، كابن عباس وأبي هريرة وغيرهما.
فقد ذكر الآمدي في الأحكام أن أبن عباس لم يسمع من النبي إلا أربعة أحاديث. وقال أبن القيم في الوابل الصيب إن ما سمعه ابن عباس من النبي لم يبلغ العشرين حديثاً، وعن ابن معين والقطان وأبي داود صاحب السنن أنه روى النبي تسعة أحاديث.
وأبو هريرة أسلم في العام السابع من الهجرة، فهو بذلك لم يصاحب النبي إلا ثلاث سنين، وهو زمن قليل جداً ليس من المعقول أن يكون قد سمع فيه من النبي كل هذه الآلاف من الأحاديث التي رواها.
قال البراء بن عازب (ما كل ما نحدث كموه قد سمعناه من رسول الله! ولكن حدثنا أصحابنا وكانت تشغلنا رعية الإبل). ورواية البيهقي: ليس كلنا كان يسمع حديث النبي، وفيه والناس لم يكونوا يكذبون فيحدث الشاهد عن الغائب أي بغير أن يذكر من روي عنه.
وفي كلام ابن الصلاح وغيره في رواية الأكابر عن الأصاغر أن أبن عباس والعبادلة الثلاثة وأبا هريرة وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار الذي أسلم في عهد عمر.
على أن الصحابة في روايتهم عن إخوانهم أو عن التابعين لم يكونوا يذكرون عندما يتحدثون - كما ذكرنا - أن أحاديثهم قد جاءتهم عن سبيل الرواية عن غيرهم، ذلك بأنهم كانوا يرون ما يرون في المناسبات التي تستدعي ذلك مهما طال الزمن من غير غزو لمن سمعوا منهم ثقة بهم وقد جرت الرواية على ذلك إلى أن وقعت الفتنة؛ وقد قال ابن سيرين في ذلك كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة، ولما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم.
وقال الآمدي:
(وقد قيل إن عباس لم يسمع من رسول الله (ص) سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ولما روي عن النبي (ص) (إنما الربا في النسيئة وأن النبي (ص) لم يزل يلبي حتى رمى حجر العقبة.
قال في الخبر الأول لما روجع فيه: أخبرني به أسامة بن زيد. وفي الخبر الثاني: أخبرني به أخي الفضل بن عباس) وأيضاً ما روى عن أبن عمر عن النبي (ص) أنه قال (من صلى على جنازة فله قيراط. وأسنده بعد ذلك أبي هريرة. وأيضاً ما روى أبو هريرة عن النبي (ص) أنه قال: من أصبح جنباً، في رمضان فلا صوم له. وقال ما أنا قلته ورب الكعبة ولكن محمد قاله فلما روجع فيه قال حدثني به الفضل بن عباس.
وروى عن البراء بن عازب أنه قال: ما كل ما نحدثكم به سمعناه عن رسول الله (ص) ولكن سمعنا بعضه وحدثنا أصحابنا ببعضه.
وأما التابعون فقد كان من عادتهم إرسال الأخبار، ويدل على ذلك ما روى عن الأعمش أنه قال: قلت لإبراهيم النخعي: إذا حدثتني فأسند، فقال إذا قلت لك حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني، وإذا قلت لك حدثني عبد الله فقد حدثني جماعة عنه. . ولم يزل ذلك مشهوراً فيما بين الصحابة والتابعين من غير نكر فكان إجماعاً).
ولم تقف رواية الصحابة بعضهم عن بعض بل رووا كذلك عن التابعين عن تابعي التابعين
ومن رواية التابعين عن - تابعي التابعين - رواية الزهري ويحي بن سعيد الأنصاري عن مالك وهو تلميذهما
ومن (الظريف للفطني) كما قال السيوطي أن يروى الصحابي عن تابعي عن صحابي آخر حديثاً
ومن ذلك حديث السائب بن يزيد الصحابي عن عبد الرحمن ابن عبد القاري التابعي عن عمر بن الخطاب عن النبي (ص) (من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه في الليل) رواه مسلم في صحيحه ومن ذلك حديث لا يستوي القاعدون.
وقد جمع الحافظ العراقي من ذلك عشرين حديثاً.
المنصورة
للكلام تتمة
محمود أبو رية