الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 930/رسالة شعر

مجلة الرسالة/العدد 930/رسالة شعر

بتاريخ: 30 - 04 - 1951


شيخ القضاة

للأستاذ محمود غنيم

نضو السهاد أطال من إغفائه ... وشفاه شافي الموت من برحائه

ألقى عصاه واستراح بمرفأ ... يلقى المجاهد فيه حسن جزائه

مات الذي لم ينس مصراً والردى ... يمشي بطيء الخطو في أعضائه

ما زال في الميدان يحمل سيفه ... ويصول حتى خر من إعيائه

كان الهتاف لمصر كل أنينه ... فوق الفراش وكان بعض دوائه

عبد العزيز خلا بمصر مكانه ... في طول ساحته وعرض فضائه

كون برمته خلا من أهله ... يا من لهذا الكون بعد خلائه

هبة الهبات سخا الزمان بها على ... هذا الوجود وضن بعد سخائه

لهفي عليه وألف لهفي ما خبت ... شمس الضحى وخبا شعاع ذكائه

الموت أطفأ ذلك الذهن الذي ... عجز الضفا والشيب عن إطفائه

جسم نحيل غير أن وراءه ... أفقاً يتيه الظن في أرجائه

وقريحة نفاذة لو وكلت ... بالغيب ما عيت بكشف غطائه

قالوا السياسة قلت كان إمامها ... أما القضاء فكان بدر سمائه

كم جولة في مجمع الفصحى له ... بين النجوم الزهر من علمائه

والعبقرية أينما وجهتها ... تسمو بصاحبها على نظرائه

لما نعى شيخا القضاة نعاته ... قلنا قضاة الله فوق قضائه

حكم مضى كالسهم فيمن حكمه ... قد كان مثل السهم عند مضائه

بكت العدالة يوم مات كأنه ... صخر بكته مقلتا خنسائه

عرفتة يفني في سبيل حياتها ... ويقيم حائطها على أشلائه

دستورها ما خط من أحكامه ... وتناقل الفقهاء من آرائه

مات الذي اشترك الأحبة والعدا ... بقلوبهم في نعيه وبكائه

لا تنثروا الأزهار حول ضريحه ... فخلاله ينفحن في أنحائه هتفت شمائله بملء لهاتها ... ترثيه قبل هتافنا برثائه

والله ما نظم الرثاء لراحل ... كلسان ما أسداه من آلائه

ومن الثناء ممحض ومموه ... لكن صدق القول غير ريائه

هذا الذي ولى نقي الثوب ما ... من شبيهة علقت بذيل ردائه

قد كان أرفع قيمة من دهره ... وأجل من حرمانه وعطائه

النفي لم يقدر على إخضاعه ... والحكم لم يقدر على إغرائه

من أجل مصر ما يجيش بصدره ... من حبه للناس أو بغضائه

وإذا أحب فلن نراه محابيا ... شتان بين حبيبه وحبائه

يهوي ويقلي وهو في كلتيهما ... بالعقل مغلوب على أهوائه

وينال بالإسفاف منه غريمه ... وبغير ذلك ينال من غرمائه

خصم شريف إذ يصول وربما ... أغضى فكان القتل في إغضائه

حر حمى الأنف إن سيم الأذى ... فالموت دون رضائه

أنف لو أن الخلد شيب هواؤه ... بغبار ضيم عاف شم هوائه

وصراحة في الرأي يبديه وإن ... لم يرض ذو الجبروت عن إبدائه

عجبي كيف استطاع الصدق في ... لغة السياسة وهي من أعدائه

قد كان في هذا الزمان وأهله ... معنى جميلا في كتاب شائه

لو كان صادف مثله (دوجين) لم ... يبحث عن الرجل الشريف التائه

هذا الرفات سجل أكبر ثورة ... بالله لا تطووه عن قرائه

خطو على مرآي العيون ضريحه ... ثم أكتبوا التاريخ من إملائه

وخذوا الحقائق عنه بعد مماته ... والميت مؤتمن على أنبائه

هذا بقية معشر قد خط فيه ... صحف الجهاد كتابه بدمائه

اليوم نفقد صاحبيه بفقده ... فنى الثلاثة جملة بفنائه

لما أهاب النيل في الجلي بهم ... لبوه أطهر أنفسا من مائه

فتحوا على المعتل باب عرينه ... ولقوه وهو يتيه في غلوائه

وسلاحه بدم العدو مخضب ... والنصر معقود بظل لوائه كي ينزعوا من بين فكيه لهم ... حقا صراحا حان يوم قضائه

ما كافأوه قوة لكنهم ... بالحق والأيمان من أكفائه

رحماك يا عبد العزيز أفلت في ... ليل يضل النجم في ظلمائه

رحماك ما زال الدخيل يجوس في ... أرض الحمى ويطير في أجوائه

ليت المنية أمهلتك هنيهة ... حتى ترى عيناك يوم جلائه

هيهات لا طاحت به حرب ولا ... نجحت عهود السلم في إقصائه

في كل يوم علة لبقائهم ... تبدو بوجه غاض ماء حيائه

أديت للأوطان كامل حقها ... لكن حقك لم تقوم بأدائه

لو كان أنصفك الحمى حيا لما ... قاسيت ما قاسيت من إيذائه

أو كان أنصفك الحمى ميت غدا ... مثواك فيه يطاف حول بنائه

لكنه وطن يحط الشوك في ... طرقات من يسعى إلى إعلائه

يا رب دستور نظمت بنوده ... نظم الجمان وكنت كبش فدائه

يا كابر الأحرار حزبك ريع في ... حر أبي النفس من خلفائه

جددت أحزان الحمى في معشر ... إن يشك داه كان بلسم دائه

عدلي ومن عدلي وثروت وهو من ... هو في أصالة رأيه ودهائه

(ومحمد) ولي ومن كمحمد ... من مثله في نبله وآبائه

نفر إذا الدستور في مصر أنتعى ... فهم الكرام الصيد من إبائه

حكموا فما عبثوا بأموال الحمى ... وشروا سعادتهم بطول شقائه

أو خاصموا المحتل خارج حكمهم ... فإذا تولوا بادروا بولائه

يا وافيا بعهوده لبلاده ... ولكل من عرفوه من خلطائه

ولوردة عاشت حياة الورد ما ... راع ابنها أو راعها ببنائه

لله درك تتصف الأموات في ... زمن تفشى الجور في أحيائه

أقسمت أن في وفائك منة ... لرجال عصرك في رقاب نسائه

قالوا السموءل قلت لو أدركته ... لم يضربوا أمثاله بوفائه

عبد العزيز ولا أزيدك خبرة ... بالموت كل شارب بانائه قد كنت تبقى لو تكفلت العلا ... والمكرمات لربها ببقائه

لكن عدوي الموت عدوي لم تزل ... من آدم تسري إلى أبنائه

يهني سماء الله أنك جارها ... والخلد أنك نازل بفنائه

أقسمت لو جزع الصباح على امرئ ... ما لاح بعدك مشرقا بضيائه

غنيم محمود