مجلة الرسالة/العدد 915/ثوروا على الفقر قبل أن يثور
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 915 ثوروا على الفقر قبل أن يثور [[مؤلف:|]] |
الفارابي في الشرق والغرب ومكانته في الفلسفة ← |
بتاريخ: 15 - 01 - 1951 |
سادتي وزراء الشؤون الاجتماعية والاقتصادية الوطني والتموين والتجارة والأوقاف! نصيحة خالصة لوجه الله يدفعني الإشفاق عليكم أن أقدمها إليكم:
ثوروا على الفقر أن بثور، واستعدوا للدائرة قبل أن تدور! إن زميلكم وزير المعارف يؤلب عليكم الأمة! لقد صمم على أن يعلم الشعب. وتعليم الشعب معناه أن تزول الغشاوة عن عينه فيبصر، وأن تنجلي الغشاوة عن قلبه فيفقه، وأن تذهب البلادة عن عصبه فيحس. ومتى يبصر الشعب ويفقه ويحس، يدرك الاختلاف بين حال وحال، ويميز الفرق بين طبقة وطبقة، ويقرأ العدد الأخير من مجلة (آخر ساعة) مثلاً فلا يكتفي منه بالصور تلهيه، بالأخبار تسليه؛ وإنما موازنة الواعي المفكر بين ما صورته من عيد رأس السنة الميلادية وما أقيم فيه من مآدب ومراقص بالنعيم، وتلألأت بالجواهر، وازدهت بالحلل، والتحمت بالرقص، وطفحت بالخمر، وضجت بالحجاز، والتهبت بالقبل، وعرضت على الأنظار الطامحة ألوفاً مؤلفة من الجنيهات المصرية تمثلت على الأجساد المترفة البضة حللا وفراء وعقوداً ومشابك وخواتم مما يجلبه الغنى الفاحش من كنوز أوربا! يوازن بين هذا وبين ما صورت المجلة في العدد نفسه من بؤس الفلاح في قرية (مناوهلة) بالمنوفية وما يكابده من كرب العيش وغصص الفاقة، ومض الأمراض، وعنت الملاك، وهبوط دنياه إلى دنيا البهيم، فيأكل أخشب الطعام ولا يتغذى، ويلبس أخشن الثياب ولا يستتر، ويعمل أشق الأعمال ولا يكافأ، وينتج أعظم الإنتاج ولا يشارك، فتصدمه الموازنة لأنه علم، وتؤلمه النتيجة لأنه أحس. ويؤمئذ يسألكم يا أصحاب المعالي هذا السؤال: (ماذا تصنعون على الكراسي التي وضعتكم عليها بيدي، وكافأتكم على الحركة فيها بمالي؟)
ولعلكم تدركون يا أصحاب الجاه والسلطان، أن الجواب عن سؤال الشعب غير الجواب عن سؤال البرلمان!
أعداؤنا الثلاثة يا أصحاب المعالي لا يعرفون هوادة ولا يقبلون هدنة. فأما الجهل فالصراع بينه وبين وزير المعارف شديد. والعالم كل رقب هذه المعركة الشعواء بعين الإعجاب والثقة والنصر ولا ريب مكفول لزميلكم العظيم لأنه لا يقبل النكوص ولا يرضى الهزيمة. وأما الفقر والمرض فقد تركتموهما يعيثان في القرى والمدن، يبذران الشقاء والوباء، ويسخران من وعودكم التي تعلن ولا تنجر، ومن مشروعاتكم التي توضع ولا تنفذ. وإذ أنجر منها وعد أو أنفذ مشروع، كان لمصلحة الأغنياء ومنفعة الأصحاء على حساب الفقراء والمرضى!
أحمد حسن الزيات