مجلة الرسالة/العدد 914/البريد الأدبي
→ رسالة الفن | مجلة الرسالة - العدد 914 البريد الأدبي [[مؤلف:|]] |
عودة ← |
بتاريخ: 08 - 01 - 1951 |
أمنية كبرى تحققت
كنت وإخواني المصريون، في السنوات التي قضيناها نطلب العلم بباريس، نلاقي من كثير ممن نتصل بهم، من الفرنسيين وغير الفرنسيين الذين تجمعنا بهم صلة الدرس أو السكن، جهلاً عجيباً بالإسلام وتقاليده. وكذلك وجدت الأمر بالنسبة لمن اتصلت بهم وتحدثت إليهم من المسلمين بإنجلترا وأسبانيا في رحلتي إليهما عام 1948. وحين زرنا ألمانيا صيف ذلك العام نفسه، باعتبارنا أعضاء بمؤتمرات الشباب العالمي الذي انعقد بموينخ في شهر يونية، وجدنا نفس الشيء في شباب ألمانيا، وربما على نسبة أكثر ومدى أوسع.
وفي هذا المؤتمر كان من حظي وحظ أخي وصديقي الدكتور أحمد مسلم المدرس الآن بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول. أن وقع علينا عبء البحث والنقاش في اللجنة التي عهد إليها بحث مشكلة زيادة عدد النساء وعدد الرجال في ألمانيا بعد الحرب التي أكلت الشبان. وكان أن عرض كثير من المؤتمرون، وهم من أجناس وأمم ودول مختلفة من جميع أقطار الأرض، حلولا غير ناجعة لهذه المشكلة، وحسبنا أن نذكر أنه كان منها إباحة (المخالة) رسميا وجعلها في منزلة الزواج ومنزلة واعتبار!!
وكان أن عرضنا، زميلي وأنا، الحل الوحيد الذي يعالج هذه المشكلة علاجاً طبيعياً شريفاً دائماً، نعني به إباحة تعدد الزوجات في التشريع الألماني وغيره من تشاريع البلاد الأخرى التي تعاني نفس المشكلة. وهنا وجدت كثيراً من العيون تسلفنا بنظرات حداد. وكثيراً من الشفاه تتفرج عن كلمات عدم الموافقة بل استهجان الاقتراح، وحين طلبنا السبب في كل هذا، عرفنا أن جمهور المؤتمرين لا يعرفون عن الإسلام شيئاً طيباً يجعلهم يقبلون بعض تقاليده، وبخاصة مسألة تعدد الزوجات. وبعد لأي، وبعد شرح منا لوجهة نظر الإسلام في هذه المسألة وأن الحل الذي يراه هو الوحيد الذي يمكن معالجة هذه المشكلة به هذه الأيام، ابتدأت الأسارير تتفرج، وابتدأ المؤتمرون يقبلون بجد على تقليب وجوه الرأي فيه.
ثم عدنا إلى الوطن، وشرعت ألمانيا الغريبة تعد دستورها الجديد. وإذا بمدينة (بون) العاصمة يقترح أهلها - كما نشرت الصحف هنا - يقترحون أن ينص في الدستور على إباحة تعدد الزوجات علاجاً للمشكلة التي يحسها كل ألماني إحساساً شديد! كان من أماني إذا، وقد عدت للوطن، واستقررت فيه من جديد، أن يكتب كتاب عن الإسلام عقيدة، وأخلاقاً، وتشريعاً، ونظاماً اجتماعياً، ومذهباً اقتصادياً، إلى سائر نواحيه المختلفة حتى الدولي منها موقناً أن هذا العمل يجعل التفاهم بيننا وبين المسيحيين غير الشرقيين أمراً سهلاً ميسوراً، ما دام كل منا سيصح وقد فهم غيره حق الفهم. وقد قدمت في ذلك أكثر من تقرير لمشيخة الأزهر. وكتبت فيه أكثر من مقال في مجلة الرسالة الغراء وغيرها. وكان مما ذكرته في الرسالة في عدد يناير سنة 1950 ما يأتي:
(علينا إذا أن نقرب هذا الدين، وأن نجلوه للطالبين: عقيدة وأخلاقاً ونظاماً اجتماعياً، في كتاب قريب التناول نترجمه للغات جميعاً في الغرب والشرق، ثم نوزعه في أقطار الأرض كلها. بهذا وحده يستطيع أن يعرف الإسلام من يريد، وبهذا نكون أدينا واجباً لهؤلاء الحائرين وما أكثرهم، وللإنسانية كلها، لأن أكثر ما كتب عن الإسلام تعوزه الدقة والإنصاف). وكانت هذه الكلمة موجهة لفضيلة الأستاذ الأكبر، الشيخ الشناوي حينذاك.
وفي العدد الصادر بتاريخ 13111950م كتبت كلمة أخرى
عن الأزهر ووجوه الإصلاح فيه ليؤدي رسالته ي مصر
وغير مصر، وقلت في آخرها: لماذا لا يعمل الأزهر على
تقريب الإسلام يوضع كتاب عنه في نواحيه المختلفة، ثم
يترجم هذا الكتاب بكل لغات العالم ويوزع في أقطار الأرض
كلها؟).
ولم أكتف بما قدمت من تقارير وكتبت من مقالات، دعاوى لما أرى وتأييداً له، بل تحدثت بذلك إلى غير قليل من رجالات الأزهر مراراً عديدة، وشرعت في إعداد نفسي لهذا العمل بما أخذت أجمع من نصوص ووثائق وأسانيد، تمهيداً لوضع الكتاب المرجو بالعربية أولاً ثم لترجمته ثانياً.
لهذا كله، رأيت نفسي أشد الناس فرحاً بما نشرت الصحف من توفيق الله تعالى مولانا صاحب الجلالة الملك إلى الإشارة بوضع رسالة عن الإسلام تبين فضله ومزاياه، ثم تترجم للغات الحية، ومن أن فضيلة أستاذنا الأكبر شيخ الأزهر شلتوت. حينئذ أحسست برد الراحة التي يحسها من يجد أنه وصل إلى ما كان يتمنى، من أكد الطرق وعلى أحسن الوجوه. ويقيننا أن الله قد كتب التوفيق لفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ محمود شلتوت في هذا المهم الجليل الذي له ما بعده والله الهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور محمد يوسف موسى
أستاذ بكلية أصول الدين بالأزهر
شكر لابد منه
قبل أن أقدم جزيل شكري وعظيم امتناني إلى إخواني أدباء العرب في كافة أقطارهم، على موقفهم النبيل الذي وقفوه تجاه محنتي من وزارة المعارف العراقية العمومية وتصلب وزيرها الصحفي معالي السيد خليل كنه، أود أن أتريث قليلاً لأزف أسمي آيات الإخلاص إلى أستاذنا الجليل أحمد حسن الزيات الذي فسح صدر (رسالته) الغراء لي، وأعمق عبارات الود والأخوة إلى كاتب التعقيبات الأستاذ الناقد الفذ أنور المعداوي على شعوره الطيب تجاه أخيه الشاعر، حيث قد وقف قلمه على نصرتي، وهذه رنة لا ينساها إلا من فقد معاني الوفاء وتنكر للجميل! كما أرجو أن أكون عند حسن ظن الجميع، وختاماً أود أن أرفع شكري أيضاً إلى الذين وصلتني منهم رسائل وبرقيات ولم أستطع أن أرد عليها في حينه لجهلي عناوينهم، وأن تكون هذه الكلمة بمثابة رد للجميع، وأسأل الله أن تبقى مصر أم الثقافة وزعيمة البلاد العربية، مناراً يهتدي بنوره الملجون. . .
بغداد - أمانة العاصمة
عبد القادر رشيد الناصري