الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 914/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 914/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 914
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 08 - 01 - 1951


للأستاذ عباس خضر

معالي الدكتور طه حسين باشا:

أبدأ بتهنئتكم بالإنعام السامي الذي شمل به جلالة الملك الأدب والفضل والهمة في شخصكم الكريم، إذ منحكم رتبة الباشوية، فقدر بذلك أعمالكم الجليلة ونشاطكم الدائب في خدمة هذا الوطن المحبوب، وتوج به ما نلتموه من محبة أهل هذه البلاد وتقدير البلاد الأجنبية لشخصكم المتفرد، لما تملئون به الدنيا وتشغلون الناس من سعى مثمر في خير الإنسانية ونشر العلم والثقافة.

وقد اعتدت - يا معالي الباشا - أن أقصر في السعي مع الساعين إليكم في المناسبات المختلفة، مؤثراً أن ألقاكم وأتحدث إليكم في هذا الركن الهادئ من (الرسالة) على أن أزحم ساحتكم مع الزاحمين، أبتغي بذلك لنفسي تجنب الزحام وما يلابسه من أذى والبعد عمن يستأذنون عليكم وما يبدونه من جفوة لأمثالي غير ذوي النفوذ والسلطان! وأبتغي أيضاً لكم الراحة من واحد، وإن كان واحداً من آلاف. أقول هذا لاعتذار من تقصيري، ثم أخلص إلى ما أحببت أن أحدثكم به في هذا الكتاب الذي أوجهه إليكم على صفحات الرسالة كي أشرك قراءها في الموضوع، وأزعم أني أتكلم باسمهم فيه، فهم إما أدباء يهمهم الأمر أو محبون للأدباء لما يطالعون من إنتاجهم فيودون لهم الجزاء الحسن على ما يسكبون من أرواحهم على الصفحات

نذكر يا معالي الباشا، وأنتم تذكرون، بلاءكم الحسن في المحنة التي وقعت فيها أسرة الأديب الكبير المرحوم الأستاذ المازني، فقد كتبتم وعاودتم الكتابة، مطالبين - قبل أن تلوا الوزارة - بتقرير معاش الأسرة الكريمة يكفل لها حياة كريمة، وتوجهتم إلى الأدباء أن يتضامنوا (ويجمعوا أمرهم على أن ينغصوا على رئيس الوزارة ووزير المعارف أمرهما كله وأن يؤرقوا ليلها ويجعلوا يومهما عسيرا، حتى يفرغا من هذه القصة، ويفرغا منها على النحو الذي نريده لا على غيره من الأنحاء) وشددتم في ذلك وألححتم فيه حتى قلتم: إن لم تهتم الحكومة بهذا الأمر فإني أتوجه به إلى جلالة الملك. ثم توليتم وزارة المعارف بعد قليل وحققتم ما ناديتم به، إذ تقدمتم إلى مجلس الوزارة، فقرر لولدي المازني وزوجته معاشاً شهرياً قدره ثلاثون جنيها. وقد حمدنا لك اهتمامك كاتبا ناقداً، وشكرنا لك همتك وزيراً عاملاً.

ولا شك أن عملكم في ذلك، كان له أطيب الأثر، لا لأنه خاص بأسرة أديب بعينه، وإنما لما يقرره من مبدأ وما يهدف إليه من خير لسائر الأدباء ولأسرهم من بعيد العمر الطويل الذي يثمر أدبا ينفع ويمتع، ولكنه لا يغني من جوع.

هذا مثل آخر يا معالي الباشا وعميد الأدباء، أسرة الشاعر الرواية والأديب المحقق المرحوم الأستاذ أحمد الزين، لست بحاجة إلى أن أعرفكم بشعره وجهده في خدمة الأدب بإخراج مراجعة وتحقيق روائعه، غادر هذه منذ أكثر من ثلاث سنوات وترك وليداً تكفله أيم، وهما منذ ذلك الحين يعيشان في كفالة الضياع والإهمال. .! كان الرجل قانعاً بكفاف العيش وبصيانة كرامته وأدبه عما يمس الكرامة ويشين الأدب ولو جلب نفعاً ومالً كثيرا. ولكن الأسرة الآن بعد فقد عائلها لا تجد غير العقوق والحرمان.

خدم الزين الحكومة نحو خمس وعشرين سنة، قضاها في دار الكتب المصرية، يكد ويشقى في إخراج نفائس الكتب، ويجازي بالأجر البخس يحسب له قريشاً في اليوم. . . لم ينصفه أحد حتى جاء (الإنصاف) فأنصف شهادته. .! إذ وضعه من أجلها في الدرجة السادسة!.

وليت أسرته تلقي الآن مثل ذلك! كل ما كافأتها به الدولة (مكافأة) لم تبلغ مائة جنيه قاسمتها الحكومة إياها. . وتركها تعاني ما تعاني من الحزن والبؤس والحرمان.

هذه محنة أخرى يا معالي الباشا وعميد الأدباء، ليس أمرها الآن عسيراً عليكم، ولست أنا في حاجة إلى أن أدعو الأدباء إلى التضامن وإجماع الأمر على التنغيص عليكم وتأريق ليلكم وجعل يومكم عسيراً. . . ولو احتجنا إلى أن نفعل لما ترددنا. . . ولكن الأدباء مطمئنون لأن واحداً منهم، وهو طه حسين بالذات، يلي الأمر، وأنا واثق من أن هذه المحنة ستنال عنايتكم، فأنتم ولا شك لم تعلوا بها حتى الساعة.

ذلك يا عميد الأدباء، وللأدباء، عندك حقوق أخرى سكنوا عنها إلى الآن، لأنهم كمن يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة. . . ويؤثرون أن تفرغوا لمسائل التعليم وتيسيره وإنصاف أهله، ولكنهم يتوقعون من عميدهم عملا يذكى الأدب ويشجع المشتغلين به، وأنتم من أعلم الناس بما يلاقي الأدباء الذين لا يستظلون بحماية أحد، من عنت وعقوق في هذا البلد.

وتفضلوا معاليكم بقبول فائق التحية ووافر الاحترام.

الشعر المعاصر

في رأي الدكتور ناجي:

قيل أن الدكتور إبراهيم ناجي سيلقي محاضرة عن (الشعر العربي المعاصر) بنادي الخريجين المصري. وذهبنا نستمع إليه هناك، فألقي علينا محاضرة، أو - بتعبير أوفق - حدثنا حديثاً، لا يصح أن نعتبره في (الشعر العربي المعاصر) إلا إذا اعتبرنا أن هذا الشعر هو الدكتور إبراهيم ناجي وشعره لا غير. .

فقد بدأ بأن النقاد لا يحفلون بشعر المعاصرين، إذ لا يكتبون إلا عمن فارقوا الحياة، وهو يرى أن الشعر المعاصر ما قيل منذ عشرين سنة إلى الآن بخلاف الحديث الذي يرجع إلى خمسين سنة. . وأن الشعراء الأحياء (المعاصرين) لا يهتم بهم نقادنا. . . بخلاف المستشرقين الذين عنوا بدارستهم. . وذلك أن أحد الناشرين الإنجليز أخرج كتابا جمع فيه مختارات من أشعار هؤلاء الشعراء، والذي يهمنا مما احتواه هذا الكتاب - في حديث الدكتور ناجي - هو قصيدته (العودة) التي ترجمت إلى الإنجليزية وإلى الفرنسية فجاءت في الترجمة أحسن منها في الأصل العربي! كما قال الدكتور. . لماذا؟ لأن الشعر الإنساني هو الذي يصلح للترجمة، وليس كذلك سائر الشعر، فمثلا: دعت جريدة (الأهرام) في وقت ما الأدباء إلى ترجمة قصيدة (يا نائح الطلح أشباه عوادينا) لشوقي، فلم يستطع أحد أن يترجمها، والدكتور ناجي ممن حاولوا ذلك، لأنها - كما قال - لا تصلح للترجمة!

وهكذا سقط أمير الشعراء في الميدان أمام الدكتور ناجي في الجولة الأولى! وبقي أن يجول جولات أخرى يسقط فيها الباقين.

هناك أولا شعراء تنشر لهم (الرسالة) فيجب التخلص منهم، قال: لكي نعرف قيمة ما ينشر من الشعر (المعاصر) ننظر في المجلات الأدبية التي هي أهم ما يهتم به، وأهم هذه المجلات (الرسالة) في مصر و (الأديب) في لبنان، فلنقارن بين هاتين المجلتين من حيث ما ينشر بهما من شعر، قال ذلك ولم يقارن. . إذ بدا له أن يقصر المقارنة على (الرسالة) من حيث ما كان ينشر فيها من قبل وما ينشر الآن، وكل ما قاله في ذلك، أن الرسالة كانت فيما مضى تنشر بها! ولم يعن الدكتور يذكر أسماء من أنت تنشر لهم الرسالة، فليس هو منهم. . أما الذين ينشرون بها الآن فهم في طريق الغارة التي يشنها بهذا الحديث على (الشعر المعاصر) والرسالة نفسها عقدة في نفس الدكتور. . ولذلك فإنه ليس في البلد نقد. . ألم يخرج ديوان ناجي فلم تكتب عنه الرسالة! ولعلة لا يذكر سبب ذلك، فقد أتى إلى دار الرسالة يحمل نسخة من هذا الديوان مشترطا ألا يطلع عليها نقاد الرسالة. وشكرنا له هذا الفضل! وليست الرسالة وحدها - فالحق يقال - هي التي أهملت ديوان ناجي (عملا بوصيته!) بل كذلك جميع الصحف والمجلات، خلا (عمود فقري) في إحدى الصحف. . و (العامود الفقري) من لفظة على سبيل النكتة. . ونذكر أن الدكتورة بنت الشاطئ هي التي كتبت عنه (عمودا) في الأهرام. ولم يفت الدكتور - في هذه النقطة - أن ينبه على أن العباقرة لا يلتفت إليهم في زمانهم، فشكسبير مثلا لم يعبأ به الإنجليز في حياته، ثم كشف عنه الألمان ولكنا نرى أن الدكتور إبراهيم ناجي ليس كذلك. . فالناس يلتفتون إليه ويهتم كثير منهم بشعره، حتى لقد استنفذ ما يستحق من ذلك.

ويتابع الدكتور إبراهيم ناجي حديثة عن (الشعر المعاصر) أو حملته عليه ليقضي على البقية الباقية، وليثبت في النهاية أنه هو الشعر المعاصر. . . فيقول: يتجه الشعر العربي الآن اتجاهين رئيسيين، يسير في الاتجاه الأول طبقا للمذاهب الأدبية المعروفة، والثاني يتمثل في محاولة خلق شعر حديث اجتماعي يوافق العصر الجديدة ويتصل بالجماهير. فالمذاهب التي يسلكها الاتجاه الأول هي التقليدية اللفظية (الكلاسيكية) التي تعني بالألفاظ (القاموسية) والدلالة المباشرة للكلمات دون التفات إلى روح الكلمة وظلالها، ويمثل هذه (الكلاسيكية) الآن في مصر، الأسمر، وأتى ببعض شعره الذي لا تجد فيه إلا (الكليشهات) المرددة التي لا روح فيها.

ثم المذهب الخيالي (الرومانسية) المشبع بروح المراهقة ولم يذكر لهذا المذهب أحداً من شعراء مصر، بل قال أنه يتمثل في شعراء الشام لتأثرهم بالأدب الفرنسي.

ثم الرمزية (السمبولزم) التي يمثلها في مصر الدكتور بشر فارس، وقال إن الدكتور نقل غموض الرمزية إلى مصر ولم ينقل جوهرها.

ثم الواقعية (الريالزم) التي جرى عليها العقاد فأخرج الشعر عن طبيعة، إذ جرده من الانفعال وجنح به إلى الفكر والمنطق.

وأخيراً (السريالزم) الذي يقوم على إستيحاء العقل الباطن في غيبة الشعور الواعي، فتظهر فيه البدائيات الإنسانية مختلفة، كما في شعره محمود حسن إسماعيل الذي يذخر بما كان يملأ عقل الإنسان الأول، من مثل الكوخ والراهب والنادي والمزمار. . الخ.

وهكذا جبر الدكتور جبر الدكتور ناجي خاطر (الشعر المعاصر) المسكين الذي لا يجد أحداً يتحدث عنه. . فتحدث هو عنه بذلك الأسلوب، ولم يفته أن ينبه الأذهان - تلميحا وتصريحا - إلى أنه (الدكتور ناجي) هو الذي يقول (الشعر المعاصر) الذي فسره بأنه؟ إنساني خالد. . وهو يصف الشعر الإنساني بأنه معاصر كيلا يشركه فيه القدماء، وقد فرغ من الأحياء! وقد قال أنه يتجه في شعره إلى الجمع بين المذاهب المعروفة كلها، ومرة أخرى قال أنه هو صاحب الاتجاه الاجتماعي الجديد الذي يعني بالجماهير، وكأنه ترك من يمثل من يمثل (الرومانسية) في مصر (على بياض) لأضعه أنا في هذا البياض. . ومما يدك على (رومانسيته) أن المراهقة وخيالتها تبدو واضحة في شعره رغم كبره، ولعله يوافقني - وهو من المشتغلين بالدراسات النفسية - على أن المراهقة - على أن المراهقة ليست خاصة بالشباب؛ فهي فيهم بالفعل، وهي أيضاً في الشيوخ بالقوة. .

الضمان الاجتماعي في الإسلام:

ألفت الدكتورة بنت الشاطئ محاضرة في القاعة الشرقية بالجامعة الأمريكية يوم السبت الماضي، موضوعها (تطبيق الضمان الاجتماعي في الإسلامي) قالت فيها: لا ازعم أن تشريع الضمان الاجتماعي؟ الذي تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية كان موجودا في الإسلام بصورة الحالية، وإنما أقول إن الإسلام وضع مبادئه وترك تفصيلاته للمجتهدين بما يوافق الأحوال والأزمان، وذلك أن الإسلام خصص جزءاً مما يتجمع في بيت المال المسلمين من الأوجه المختلفة كخمس الغنائم والتركات التي لا وارث لها - خصص جزءاً من ذلك للفقراء والعجزة والمحتاجين، وجعل ذلك حقاً لهم، كما حث الأغنياء على التطوع بالصدقات. وذلك كله تحقيق للوحدة الاجتماعية التي يحث عليها الإسلام. وقد اختلف الأئمة فيما عدا الأموال المنصوص على وجوبها، كإعانة المحتاجين والإحسان إلى المعوزين، فقال بعضهم إنها صدقة تطوع، وذهب آخرون منهم ابن حزم إلى أنها واجبة وأن على كل من عند فضلة مال أن يعين بها من هو في حاجة إليها، ويجب على أغنياء البلد أن يعولوا كل من فيها من الفقراء العاجزين عن الكسب.

وعرضت بعد ذلك لتطبيق تلك المبادئ في الحياة الإسلامية فذكرت بعض ما جاء في تاريخ الخلفاء كالوليد بن عبد الملك، من اهتمامهم بأمر العاجزين عن الكسب وترتيب الأرزاق لهم ثم تحدثت عن قضية وقعت في صعيد مصر سنة 1920، تتلخص في أن امرأة غاب زوجها غيبة منقطعة وتركها هي ووليدها الصغير دون مال أو عقار، فتقدمت إلى محكمة نجع حمادي الشرعية طالبة الحكم لها ولابنها بنفقة على زوجها الغائب والحكم لها بالاستدانة، على أن تدفع وزارة المالية باعتبارها بيت مال المسلمين النفقة المطلوبة وتعتبرها ديناً على المحكوم عليه تستقضيه إياه حينما يظهر. . وحكم لها القاضي بذلك، وكان القاضي هو فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أحمد فرج السنهوري. وجاء في حيثيات الحكم أن وزارة المالية في بيت مال المسلمين الذي تجب فيه نفقة هذه المرة الضعيفة وولدها الصغير العاجز عن الكسب، لو لم يكن لها عائل، وجزعت وزارة المالية من هذا الحكم لأنه يفتح بابا ينقذ منه جميع من في القطر المصري من أرامل وعجزة وأيتام وغيرهم من المحتاجين العاجزين، واهتمت وزارة الحقانية بالأمر فعهدت إلى تفتيش المحاكم الشرعية أن يبحثه. . وبحث (التفتيش) المسألة وأصدر منشوراً إلى المحاكم الشرعية ألا تنظر في أمثال هذه الدعوى لأن القضاء غير مختص لها، وأمر (التفتيش) بعدم تنفيذ ذلك الحكم لأن تنفيذه، مع ما يستجد، يؤدي إلى إفلاس بيت مال المسلمين.

وبعد انتهاء المحاضرة أجابت الدكتورة على عدة أسئلة وجهت إليه منها هذا السؤال: ألا يعتبر الإحسان إلى الفقير إذلالاً له؟ قالت: أنه حق، وليس معنى الإحسان الإذلال، قال الله تعالى (وبالوالدين إحسانا) وقال: (فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بإحسان).

عباس خضر