الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 911/بين الأعاصير

مجلة الرسالة/العدد 911/بين الأعاصير

مجلة الرسالة - العدد 911
بين الأعاصير
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 12 - 1950


للأستاذ إبراهيم الوائلي

سواجع الروض - لو تصغي سوأجعه ... خذي من اللحن ما تشجي مقاطعه

إني وقفت فلا طير يساجلني ... على الغصون وتهفو لي مسامعه

قلب يذوب وأنفاس يضيق بها ... صدر تعج ببلواه أضالعه

أني اتجهت رأيت الشوك يرصدني ... وعاصف التيه تطويني زعازعه

مالي وللنهر قد رقت مساربه ... لكل وحش وضاقت بي منابعه؟

أكلّما جئت ألقاه على ظمأ ... تجهمت دون ما أبغي مشارعه؟

والحقل ينضح عطراً من نسائمه ... فإن مررت تلقتني زوابعه!

كأنني لست من أطيار دوحته ... أشدو وتبعث أنغامي بدائعه

ودعت (دجلة) لا طيف يعاودني ... إلا الحنين ولا لحن أطاوعه

وخلتها أنها تصغي، وشر أسنا ... ألا يهز متون الروض ساجعه

وخلت أن (الفرات) العذب مذكر ... عهداً من الشعر ما جفت مطالعه

هناك غنت بجنب النخل صادحة ... شبا بتي واستشارتني مرا بعه

أستقبل الموج منساباً ولي كبد ... تظل من فرحة ألقيا تتابعه

نهر تغنى بأمجاد وطاف على ... دنيا الأعاجيب وامتدت رواضعه

كبابل و (سمير أميس) شامخة ... تقول للدهر: ماذا أنت صانعه؟

وموكب الشعر لا الأصفاد لاهثة ... تكف منه ولا الدنيا تقارعه

من (ابن دبيان) كم هزت قصائده ... (رب الخورنق) واهتاجت روائعه

ومجد بغداد والتاريخ شاهده ... إن قيل: هات تحدثنا مجامعه

حتى إذا بات في الظلماء رائدها ... يطوي المتيه وتحويه شوا سعه

تجاذبتها أعاصير ومزقها ... عصر من الظلم لا تنسى فظائعه

عصر (الولاة) وشعب يشتري علنا ... في كل يوم و (ظل الله) بائعه!

وزمرة من عبيد (الكرج) ساغ لهم ... من الفراتين عذب الماء مانعه

والمستعز على (البسفور) تحضنه ... مواكب الغيد والدنيا توا رعه يستنزف الدم لا الأقدار ترهبه ... فيستفيق ولا خلق ينازعه

ثم انطوى العهد (عثمان) لا رجعت ... به السنون ولا عادت فجائعه

وقيل جاء (حليف) الشرق منتصراً ... تحرر الشرق من رق مدافعه

وسار في كل واد فيلق ومشى ... ظل من الأمل الكابي يخادعه

فلم نجد غير أشلاء مبعثرة ... وأمة عبثت فيها مطامعه

وهب شعب فهز الظلم ثائرته ... وخضبت بالدم الذاكي مقال عه

وارتد فاتح دنيا الشرق ما نفعت ... منه (الأكاذيب) أو أجدت مواقعه

ثم انجلى الليل عن (سر) ولست أرى ... إلا السكوت وإن لم يخف ذائعه

و (سادة) إن مشى التيار مصطخباً ... ألفيتهم مثلما تطفو فواقعه

من كل محتضن كرسيه صنما ... وشيخ (سائمة) تزهى قطائعه

وبين هذين جمهور يبيت على ... ذل ويصرخ عارية وجائعة

آمنت بالظلم يذكى النار في كبدي ... وتلهب الشعر في روحي دوافعه

وكلما لوحت بالسوط عانيه ... كف (الأجير) استفزتني مقارعه

لا الكبت يقوى على صوتي فيسكته ... إذا هتفت ولا الطاغي يمانعه

أأستجيب لصمتي بين قافلة ... قد بعثرها من الوادي بلاقعه؟

ورائد الركب سكران الخطى ثمل ... جنت فهامت على شوك أصابعه

وغره أن هذا الليل ما فتئت ... تمتد في مشرق الدنيا سوافعه

وما درى أن فجرا لا يرمقنا ... من كوة الأفق المكدود ساطعه

وشاعر كلما أوفى على أمل ... ذابت على مسرح الذكرى طلائعه

مستوفز القلب لم يجنح على دعة ... من الحياة ولم تهدأ نوازعه

يشقي ودون أماني النفس مهزلة ... من السياسة ما انفكت تصارعه

و (نزعة) من بقايا الذاهبين أبت ... أن نستريح، وشر السم ناقعه

مدت أحابيلها في كل زاوية ... كما تعهد شوك القلب زارعه

سياسة باسم حكام يحرمها ... دين تجل عن الفوضى شرائعه

لكنه الحكم كم هدت معاوله ... شعبا وكم شردت جيلا مقامعه عهد من الظلم يا دنيا أرقى أملاً ... فسوف تطوى وإن جلت فواجعه

القاهرة

إبراهيم الوائلي