مجلة الرسالة/العدد 904/(حول مقال التشبه في القرآن)
→ في رحاب الصوفية | مجلة الرسالة - العدد 904 (حول مقال التشبه في القرآن) [[مؤلف:|]] |
امرأة معذبة ← |
بتاريخ: 30 - 10 - 1950 |
كتب الأستاذ الفاضل أحمد أحمد بدوي مقاله القيم (التشبيه في القرآن) بالعدد (895) من مجلة الرسالة الغراء، ومن يقرأ هذا المقال لا يملك أن يكتم إعجابه بما للأستاذ من ذوق فني سليم، وحس أدبي مرهف، ولا يمنعني إعجابي بالمقال من أن أتوجه إلى صاحبه بكلمة لا تغض من قيمته: بعد أن قرار الأستاذ أن القرآن ليس فيه سوى تشبيه المحسوس بالمحسوس، وتشبيه المعقول المحسوس تعرض للآية الكريمة: (طلعها كأنه رءوس الشياطين) وتكلم عنها كلاما يفيد أن المشبه به هنا أكتسب قوة المحسوس فأصبح في حكمه، وبعد هذا أجرى مجرى هذه الآية قوله تعالى: (فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبر أو لم يعقب) ثم قال: فهي صورة قوية للجان تمثله - شديد الحركة لا يكاد يهدأ ولا يستقر. والواقع أنه إذا كانت رءوس الشياطين قد صارت من الشهرة بحيث أرتسم لها في أذهان الناس شكل خاص، فأن اهتزاز الجان وشدة حركته لا يباغ بحال أن يصل في شهرته إلى أن يكون محسوسا أو كالمحسوس. . فلعل الأوفق ألا نجري هذه الآية مجرى سابقتها، إذ أن المشبه به محسوس فعلا، ولا يحتاج إلى مثل هذا التأويل؛ فالجان هنا ليس الجان بالمعنى الذي تطرق إلى ذهن الأستاذ، وإنما هو حية أو ثعبان، ولا تنطق بهذا كتب المفسرين وحدهم، وإنما تشهد بذلك كتب اللغة: يقول الجوهري في الصحاح: والجان أبو الجن، والجان أيضا حية بيضاء، وهذا المعنى الأخير لا يكاد يخلو منه كتب اللغة. . .
ومالنا نذهب بعيدا، والقرآن نفسه - وهو الذي يكمل بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا - يقول موضع آخر: (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) سورة الأعراف: آية 106 - ثم يقول أيضا: (قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى) سورة طه آية 19 وهكذا يتبين لنا أن المشبه به شيء محسوس فعلا لا يحتاج تأويلا أو قياسا، ولعل هذا الذي ذكر هو أكثر اتساقا ومسايرة لمنهج الأستاذ في بحثه، فالعصا في شكلها وحركتها واهتزازها اقرب إلى الثعبان منها إلى الجان. وأخيرا فللأستاذ إعجابي وتقديري.
عبد الجواد الطيب
إلى الأستاذ عباس خضر
لا يا سيدي، ليست روحيتنا في التواكل والأوهام والخرافات بل أنها على العكس تدع إلى النهوض مما نحن فيه في تكاسل وتناوم جعلنا - نحن الشرقيين - ذيلا للشعوب، وإنما هي تنصحنا بأن يكون نهوضنا عمليا لا يكتفي فيه بطنطنة جوفاء لا تؤدي إلى غاية. وهي تدعونا إلى الخروج على ضلال الأوهام والخرافات الذي لا زال الكثيرون يعمهون فيه فلا يستطيعون التفريق بين حق وباطل.
وليست روحيتنا في التنجيم والفنجان والكف وما دعوته باستحضار الأرواح. . . إلى آخر ما آداك إليه علمك بالروحية، فهذه الخزعبلات لمن عرف الروحية على حقيقتها ليست من الروحية في شيء. والواقع أن دعوتنا لم تقم إلا لتنقية جو الروحية من هذه الصغائر وجلاء حقيقتها الكبرى ليراها الناس، بعد أن عجزت العقول المشغولة بحب المادة عن استخلاص النتائج الدالة على هذه الحقيقة في المقدمات الطبيعية.
ولقد كان يحق لك أن تعترض على عمل (جماعة الأرواح) التي تنظر إلى وجودها بين مصدق ومكذب لأنك لا تلمس أجسامها بيديك، لو أنك كنت قد استطعت بنفسك أن تجعل في عالمك هذا، بعد أن تسلمت قياده وتوليت أمره، عالما تتسع فيه الحياة للناس جميعا، فلا تسمع فيه استغاثة محتاج ولا أنه مريض، ولا يرى فيه تخبط جاهل في ظلمات جهله؛ أما وقد فشلت يا صديقي في أن تحقق في هذا العالم ما توجبه للإنسان إنسانيته، بدليل هذا الفساد الشامل والاضطراب الواقع، فما هو إذا وجه اعتراضك على عمل هذه الجماعة التي وجهها الخالق إلى إخراج عباده مما هم فيه من ضلال وإنقاذهم مما هم صائرون إليه من سوء المآل؟
ومن الأنصاف أن نذكر أنه ليس بمستكثر ممن باعدت ميوله المادية بينه وبين الروحية أن يقع في الخطأ الذي وقعت فيه. ولو كنت اقتربت من الروحية لرأيت أن غايتها أن يتخلص الإنسان من متاعبه ويستكمل وسائل راحته، وأنها تسعى به إلى هذه الغاية بتوجيهه إلى أتباع ما وضع لانتظام الكون في قوانين لم يشذ في السير عليها إلا هذا الإنسان نفسه. وإنما تحارب الروحية فعلا تلك المادية التي تدفع الناس إلى سوء استعمال ما وصل إليه علمهم من هذه الوسائل.
ولقد عجبت من أنك تريد للضعفاء والفقراء أن يعوا أسباب ضعفهم وفقرهم ليتخلصوا منها ثم لا تدلهم على الوسيلة الفعالة التي يستطيعون بها ذلك؛ بعد أن جردتهم - بإنكارك وجود القوى الروحية - من تلك القوة التي تمد السماء بها الضعيف ليصبح قادرا على التغلب على من يريد أن يطفى عليه.
وزاد عجبي حينما رأيتك تعود، بعد افتخارك واعتزازك بالانتساب إلى المادية، لتتعلق بأستار الروحية فتقول إنه لا زال في نفسك معناها الحقيقي الذي (هو شعور الإنسان بجمال المعاني النفسية والسلوك الإنساني الكريم، ذلك الشعور الذي يخلق في المرء روح التعاون والتكافل الاجتماعي، على أن يكون ذلك ممتزجا بالواقعية في مواجهة مسائل الحياة وبالمنطق المعقول في فهم الأشياء). فهل علمت يا صديقي أن الروحيين جعلوا للروحية معنى غير هذه المعاني التي رجعت تقول بها بعد أن اعتقدت (أن قانون الحياة الذي لا يدافع هو أن يستطيع الإنسان أن يأخذ حقه من الإنسان، لا أن ينتظر حتى يشعر بالعطف عليه)؟
أرجع يا سيدي إلى الكتاب فاطلع عليه إلى نهايته! أرجع إليه، وفقك الله، فدقق النظر فيه، بتدبر معانيه ومتابعة مراميه لترى فيه معنى الروحية الحقيقي، ولتعلم أن كاتبه لم يتعد الحق حينما ذكر أن موضوعه ليس من وضعه وأن عبارته ليست من بنائه.
فان أبيت إلا انصرافا عن جد الأمر إلى هزله، فطلبت روحا ليقنعك، أو يداعبك، فليس ببعيد ذلك اليوم الذي سترى فيه من الأحداث الجسيمة والوقائع العظيمة التي كتبها الله على العالم ما يجعلك تقتنع كل الاقتناع بأن (الوساطة الروحية) لم تأت في أمر هين ليكون موضوعها مادة للتظرف والتفكه.
عبد اللطيف محمد الدمياطي
الدراسات العليا في الأزهر
تحت هذا العنوان كتب صديقي الأستاذ عبد المنعم خفاجي في العدد (900) من الرسالة الغراء مقالا انتهى منه إلى أمرين.
(أولهما) إعادة الدراسات العليا في الأزهر متمثلة في تخصص المادة.
(ثانيهما) أن هذا التخصص قد قام بواجبه في خدمة الثقافة الأزهرية خير قيام، وقد فتح للثقافة الإسلامية آفاقا واسعة.
ولما كان الأزهر مقبلا على عهد جديد، ولما كانت مثل هذه الكتابات تنبه الأذهان، كان من الواجب على الحريصين على سمعة الأزهر، والراغبين في الإصلاح الحقيقي أن يناقشوا هذه الآراء.
ولا أدري لماذا يكره كثير من الأزهريين الكلام في إصلاح الأزهر، أو النقد لما ينتجه الأزهريون من كتب، وما يطبعه أبناؤه من مؤلفات، وما - يجمعونه أحيانًا - من الكتب القديمة ويسمونه تجديدا؟
وطالما تردد في نفسي أن أكتب عن كتب أزهرية، أو أشترك في المجادلات التي دارت وتدور حول إصلاح الأزهر، أو أبدي رأيي في تخصص المادة بالذات، ولكن كان يمنعني أن بعض الأزهريين يضيقون أشد الضيق بالصراحة والحق فكنت أسكت على مضض، فلما كان مقال الأستاذ خفاجي رأيت الفرصة سانحة لأن أجهر بحق طالما كتمته.
وقبل أن أخوض في الموضوع أحب أن يفهم الذين يعنيهم هذا المقال أني لا أقصد الجميع، وإنما أقصد المجموع على حد تعبيرنا الأزهري، وأن من بين الذين تخرجوا في تخصص المادة من هم في الطليعة بين أساتذة، الأزهر وأني أحمل للجميع كل مودة واحترام، ولكن لنستجيب مرة لصوت الحق.
وأعود إلى الموضوع فأقول: أما أن إعادة الدراسة في هذا التخصص واجبة فلا ثم لا، وأما أن هذا التخصص أخفق في أداء رسالته فنعم ثم نعم.
لقد فكر الشيخ المراغي عليه سحائب الرحمات في إنشاء هذا التخصص، وكان يأمل أن يخرج منه أبو حنيفة في الرأي، ومالك في الفقه، وعبد القاهر في البلاغة، وسيبويه في النحو. . وهكذا، فلما حضر مناقشة الفرقة الأولى، ورأى ما هم عليه اعتراه بعض الشك.
أما الرسائل التي يقول الأستاذ خفاجي أن فيها جهدا كبيرا، وألوانا جديدة من البحث والتحليل، فيؤسفنا أن نقول أن البلاغة العربية لا تزال كما قعدها السكاكي، وأن النحو العربي لا يزال كما وضعه نحاة البصرة والكوفة في القرنين الثاني والثالث، ونقول مثل ذلك في الفقه والأصول والتفسير والحديث والكلام، وأن هذه الرسائل لم تضف مسألة جديدة إلى العلم. نعم إن في بعض هذه الرسائل جهودا، ولكن هذه الجهود ليست في الاجتهاد والإصلاح، ولكنها في الجمع والتأليف، على أن الأستاذ خفاجي يضطرنا إلى أن نقول في هذا الموضع: إن عالما أزهريا هو الآن في الكويت قد تنفس قلمه - على ما يقال - عن كثير من هذه الرسائل بل أن بعض الرسائل من وضع لجنة من الأساتذة، وليس لأصحابها فيها إلا وضع أسمائهم الكريمة على غلافها. وإني لأقول عن يقين أن هذا القلم الضعيف قد ألقيت عليه رسالة ليست في البلاغة ولا في الأدب كما يمكن أن يفهم لأول وهلة، بل في الفقه. وليست في الفقه الحنفي كما هو المنتظر، ولكنها في الفقه الشافعي. ولك أن تقدر، وللقراء أن يحدسوا ماذا تكون رسالة ضاقت السبل على مؤلفها الشافعي فلم يجد إلا حنيفا تخرج في كلية اللغة العربية ليلقي عليه عبء إصلاحها، وإنشاء بعض فصولها!!
وأما أن الأساتذة الذين تخرجوا في هذا التخصص حملوا بجدارة مناصب التدريس في كليات الأزهر ومعاهده فأمر يسأل عنه الطلاب، وما أظن أن رأيهم يوافق الأستاذ خفاجي كثيرا، بل ما أظنه يشرف. على إني أعتقد أن الأستاذ الفاضل لا يجهل رأي الأساتذة الذين أشرفوا على الامتحانات في هذا التخصص، وإن لم يقنع كلامي هذا صديقنا خفاجي فليرجع إلى التقريرات التي كتبت في هذا الشأن، وسيحمد لي أني لم أطلب نشر تقرير واحد منها.
وأعود فأقول إن من بين المتخرجين في هذا التخصص من يفخر بهم الأزهر، ولكن مع قلتهم لم يكن نبوغهم وليد الدراسة في هذا القسم، وإنما هي جهود شخصية، وظني أنهم لو لم يضيعوا زهرة شبابهم في هذه الدراسة لكانوا أحسن مما هم.
ثم أقول: لو أراد رجال الأزهر أن يعيدوا الدراسات العليا فيه، فليفكروا في كل شيء إلا أن يفكروا في إعادة تخصص المادة. فانهم جميعا - بحمد الله - ممن يؤمنون بأن هذا التخصص، لم يبلغ الآمال التي كانت ترجى من إنشائه، وأنه كان مضيعا لمن درسوا فيه، وأن النفع منه كان قليلا بل أقل من القليل.
(وبعد) فلعلي أكون جهرت بكلمة يعرفها كل الأزهريين، ويودون الجهر بها. ولعلي لا أكون أغضبت أصدقائي ممن درسوا في هذا التخصص، فإني ما أريد إلا الخير والإصلاح والحق والإنصاف، وقديما قال أرسطو لصاحبه: أنت صديقي والحق صديقي، ولكن الحق أولى بصداقتي، وإني أعيد ما قلته آنفا: إني أتكلم هنا عن الكثرة الغالبة، أما النوابغ فمكانهم محفوظ.
ع.
تعقيب على مقال
قرأت في العدد 881 من مجلة الرسالة الزاهرة مقالا قيما بعنوان (السيدة نفيسة) للأستاذ أحمد رمزي بك وطالما أتحفنا الأستاذ بأحاديثه القيمة الممتعة على صفحات الرسالة الغراء ولكن الشيء الذي لفت نظري واسترعى انتباهي هو استعماله كلمة خصيصا حيث قال (. . . اركب خصيصا لهذا المقام ألخ. . .) ولا يخفى أن صيغة فعيل بمعنى المفعول ليست من المقيسات بل هي مما يؤخذ بالسماع ولم ينقل عن العرب خصيص بمعنى مخصوص. وقد جاء في بيتين قالهما أبو الرقممق جوابا لأصحاب دعوة إلى الصبوح في يوم بارد وسألوه أين طعام يريد أن يضعوا له ويقال أنه كان فقير الحال ليس لديه كسوة تقيه عادية البرد أما البيتان فهما.
أصحابنا قصدوا الصبوح بسحرة ... وأتى رسولهم إلي خصيصا
قالوا اقترح شيئا نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
ولقد ورد في كتاب معاهد التنصيص في شرح شواهد التلخيص كلمة خصوصا لا (خصيصا) وقد أيدني في هذا مجمع فؤاد الأول للغة العربية.
بغداد
عبد الخالق عبد الرحمن