مجلة الرسالة/العدد 901/حول مقال
→ أستاذ الدعاة وزعيم المصلحين | مجلة الرسالة - العدد 901 حول مقال [[مؤلف:|]] |
الأدب المهني أو أدب أرباب المهن ← |
بتاريخ: 09 - 10 - 1950 |
محمد رشيد رضا
لصاحب الفضيلة الأستاذ حامد محيسن
قرأت بإمعان مقالة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الجليل عيسى، في مجلة الرسالة الذائعة، في ذكرى عالم ومصلح، هو السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار رحمه الله؛ فعنت لي ملاحظات أحب أن أسجلها للقراء على صفحات الرسالة. وإن كانت هذه الملاحظات لا تبخس الكاتب قدره، بل إنما تدفعنا إلى أن نضاعف شكره.
وأهم هذهالملاحظات هي:
أولا: أخذ الكاتب الأفكار التي دونها في مقالته من كلمة الشيخ الزنكلوني في حفلة تأبين السيد رشيد رضا التي أقيمت بدار الشبان المسلمين عام 1939، وكنت حاضرها بصحبة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، وكانت الحفلة برئاسته. وقد نشرت كلمة الشيخ الزنكلوني في الصحف كلها حينذاك ومنها الجهاد (عدد 3 إبريل عام 1936 ميلادية) وهو تحت يدي الآن. وقد ألفاها بالنيابة عنه في الحفلة فضيلة الشيخ محمود شلتوت. وإن شئت فاستمع لهذا الاتفاق الظاهر!
قال المرحوم الشيخ الزنكلوني في أسلوب ساحر أخاذ: (طلاب الشيخ - محمد عبده - جميعا كانوا يغترفون من بحر واحد، وإن تفاوتت مراتب جهودهم واستعدادهم). فقال الكاتب: وبالرغم من كثرة المستمعين للشيخ محمد عبده، وتفاوت درجاتهم في الذكاء والتحصيل؛ فإن أحدا منهم لم تعمل فيه آثار الشيخ أقوى مما عملت في السيد رشيد، فكانوا على ضروب وأنواع - ثم أورد حديثا للبخاري وقال إثر ذلك - كذلك كان تلاميذ الشيخ محمد عبده: منهم من لم ينتفع في نفسه، لأنه مجدب الطبع، سبخ التربة؛ ومنهم من نفع غيره، فنقل مبادئ الشيخ لغيره، وإن كان هو لم ينتفع بها، أو قل انتفاعه؛ ومنهم من انتفع في نفسه وعم نفعه وغيره الخ). فالفكرة هي الفكرة ولكن الشيخ الزنكلوني عرضها عرضا سليما، من حيث أطنب الأستاذ، وذكر حديث البخاري دون مناسبة، وقاس أصحاب محمد عبده بأصحاب الرسول الأعظم، وأخطأ في عده من لم ينتفع بدروس محمد عبده ولم ينفع غيره نوعا من أنواع تلاميذ الأمام. ولا ندري معنى تعبيره في هذا المقام بقوله: (لأنه مجدب الطبع سبخ التربة)؛ وبقوله: ضروب وأنواع)
وقال الزنكلوني: (كان لصاحب المنار منذ عرفته مصر وجود قوى، وشخصية بارزة، امتد صوتها إلى الأقطار العربية والأقطار الشرقية، بل كان لهذا الصوت أثر في بعض الأمم التي ليست شرقية ولا إسلامية الخ). فقال الكاتب: (اتخذ من المنار منبرا يدوي منه صوته في جميع بقاع الأرض في جاوة وسومطرة والهند والصين شرقا إلى أوروبا وأمريكا غربا)
وقال الزنكلوني: (ولما هوجم الأستاذ الإمام في آرائه الدينية والإصلاحية أخذ السيد رشيد يواجه خصوم الشيخ بقلمه ولسانه وينشر في محلة المنار آراء أستاذه واتجاهاته وكان يتلقاها من دروس شيخه، وما كان يعلق عليها بعبارات من عنده تدل على كمال الفهم واستقلال الفكر). فقال الكاتب: لم يكن هذا التلميذ - السيد رشيد - مسجلا لأفكار شيخه فحسب، بل كان مع ذلك مناقشا وممحصا وموجها). وقد أراد الشيخ أن يعبر عن كلمة الزنكلوني: (اتجاهاته)، فقال: (موجها)، فأخطأ فهم ما أراده الزنكلوني، كما أخطأ التعبير عنه. فهل كان السيد رشيد موجها لأستاذه؟ كلا، لأن العبارة الصحيحة عن ذلك أن يقال: (كان ينافس آراء أستاذه ويمحصها ويوجه الجمهور على هداها) مثلا
وقال الزنكلوني عن السيد رشيد: إنه كان من الأفذاذ الذين بخل التاريخ بالكثير من أمثالهم، ولعل أكبر شاهد على ذلك أن مهمة السيد رشيد لم يستطع إلى الآن أن يقوم بها فرد أو جماعة على كثرة العلماء والكاتبين. فقال الكاتب: (كل ذلك كان يقوم به وحده، فحقاً إن السيد محمد رشيد أمة، وغير ذلك من صنع رجل واحد، فإنه عندما جاور ربه حاولت هيئات كبيرة وجماعات محترمة أن تخرج للناس مجلة تسد فراغ المنار فلم يستطع أحد منهم على كثرتهم). وفي العبارة رغم ذلك قلق واضطراب كثير.
وقال الزنكلوني: وكان آخر آية فسرها من سورة يوسف ومات على أثر تفسيره لها قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك الخ. فقال الشيخ عبد الجليل مخاطبا السيد رشيد: ألم يكن من علامات قبولك أن آخر آية من كتاب الله سطرت شرحها بخطك هي قوله تعالى: رب قد آتيتني من الملك الخ.
ثانيا: ومحور المقالة رمى كبار علماء الأزهر بمحاربة السيد رشيد ومعاداته، وإن شئت فاستمع قوله: كنت أعلم أن كثيرا من علماء الأزهر خصوصا الكبار منهم كانوا يحيطون السيد رشيد بهالة من الشك في تدينه، رغم أنهم لم يجالسوه أو يختبروا علمه أو حتى يكلفوا أنفسهم قراءة كتبه؛ ثم يذكر قصة ثلاثة من كبار علماء الأزهر تحايل كما يقول عليهم حتى ذهب بهم للمنار وحدثوا صاحبه وحدثهم، فأنكره البعض وعرفه الآخرون. ويقول الكاتب أيضاً؛ وكان السيد رشيد يحارب في ميادين أخرى علماء جاهلين مقلدين الخ.
أليس في ذلك ظلم للتاريخ، وجور على العلماء الذين عرفوا السيد رشيدا وأحبوه وشجعوه وأحاطوه بالإكبار؟ وإن مجالس السيد رشيد لم تخل يوماً من العلماء، كبارهم وصغارهم على السواء. ولا ينسى الكاتب التنويه بنفسه وأنه كان وحده من بين العلماء على صلة معروفة بالسيد رشيد؛ على ممر الأيام، فلم تقف في حفلة تأبيته راثيا مع الواقفين من أمثال الزنكلوني والعدوى والهراوي وعبد الله عفيفي وشهبندر ومحمد لطفي جمعة وغيرهم، بل ولم تكتب عنه إلا الآن؟
ثالثا: وفي المقالة تعبيرات طريفة مثل: ذهب مع الريح، صار شبيها بشريط تسجيل، وهي قذائف لا تكلف صفير النفس إلا أن يرسلها من فمه، كأن الأحاديث كانت في طبق أمامه يلتقط منها ما يريد، يحيطونه بهالة من الشك في تدينه، هذا العملالذي سجله السيد رشيد ألخ.
رابعاً: وفي المقالة أساليب وكلمات غير مستساغة ولا مقبولة لغة أو ذوقا،:
مثل قوله: العالم المصلح الذي يمكن الاستفادة منه، وصحتها الإفادة.
وقوله: أزكى فيه روح الثورة، وكررها بالزاي أيضا فقال: بجرأة وشجاعة أزكاها النفي والتشريد. والكاتب يقلم أنه يقال (أذكي النار: أشعلها، وأذكى الله المال: أصلحه وطهره، والمعنى الأول هو المناسب هنا فكان الأولى كتابيهما بالذل لا بالزاى.
ومثل قوله: ينفخ فيهم من روح اليقظة ما فتح عيونا عميا، وما هنا مفعول، ونفخ لا تتعدى بعد الجار والمجرور إلى مفعول، يقال: نفخ في النار ونفخها، ولا يقال: نفخ في النار ما جعلها تضئ في البيت مثلا، وإن كان يقال: مما جعلها تضئ.
ويقول في كبار علماء الأزهر الذين احتال عليهم حتى يلتقي الجمعان؛ والقارئ يعرف إذا كانت تصح هنا كلمة هذه الكلمة أولا تصح، وليرشدنا الشيخ الجليل إلى معنى كلمة الجمعين هنا.
ويقول: أكتفي بذكر حادثة وقعت لي أنا شخصيا، وهو تعبير عامي مرذول.
ويقول في الأفغاني: فصار ينفخ فيهم من روح اليقظة ما فتح عيونا وآذانا صما، مما اعتبره الباحثون عود ثقاب أشعل به نارا على المستعمرين. والأسلوب يقتضي أن يقال: أشعلت به النار، ببناء الفعل للمفعول.
خامسا: وفي المقالة أخطاء تاريخية مثل قوله: (وهذا - أي الرمي بالزندقة - سلاح قديم حورب به الأنبياء والمصلحون ألم يقل ورقة بن نوفل للنبي (ص): ما جاء أحد يمثل ما جئت به إلا أوذى؛ وكذلك ذاق البخاري والغزالي) فهل رمى بها الأنبياء قبله، وهل رمى بها البخاري والغزالي؟ أليس ذلك افتراء على التاريخ؟
ويقول كان السيد رشيد يحارب سلاطين جائرين، وحاكمين ظالمين. والتاريخ ينبئنا أن السيد رشيد وقف حياته على نشر آراء محمد عبده وأفكاره في الإصلاح.
ويقول: لم يعتمد - السيد رشيد - على ملك ولا حكومة أو جمعية أو حزب. فهل نسى الكاتب اعتزازا السيد رشيد بعطف المغفور له الملك فؤاد عليه وأثر ذلك في نفسه؟
سادسا: ولا أنسى إن أقول أن نصف المقالة أحاديث شتى عن ما عدا ذكرى السيد رشيد رضا، وكان من الواجب ترك ما لا صلة بالموضوع.
وأخيرا فأنا نشكر لفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ عبد الجليل عيسى جهوده المباركة. وفقنا الله وألهنا الصواب.
حامد محيسن
عضو جماعة كبار العلماء ورئيس التفتيش بالأزهر