الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 901/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 901/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 901
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 09 - 10 - 1950


للأستاذ عباس خضر

الأحاديث الإذاعية:

من الأحاديث الرسمية التي تقدمها الإذاعةالمصرية، أحاديث يلقها حضرة الأستاذ مدير دار الكتب المصرية كلما أخرج القسم الأدبيبالدار كتابا أو ديوانا أو جزءاً من كتاب أو ديوان. وقد سمعت بعض هذه الأحاديث، واسترعى انتباهي خاصة الحديث الذي أذيع عن ديوان كعب ابن زهير من حيث إنه كان كله عبارة ترجمة الشاعر، وكان يجدر أن يشمل أصل الديوان المخطوط وأين كان وكيف حقق وهل سبق طبع أو تحقيق له وما قيمته وما إلى ذلك.

ثم عرفت من تحركاتي - كما يقول زملاؤنا الصحفيون - أن تلك الأحاديث تحضر من مقدمات الكتب التي يضعها لها مصححو القسم الأدبي الذين يقومون بتصحيحها وتحقيق نصوصها وأن مطبعة الدار تطبع هذه الأحاديث ليلقيها المدير في الإذاعة من الأوراق المطبوعة، وحضرة المدير من كبار الموظفين الذين تحسب مكافآتهم في الإذاعة وفق درجاتهم العالية في الوظائف، لا كغيرهم ممن لم يحظوا بهذه الدرجات وتقدر لهم الإذاعة الأجر القليل مهما كانت بضاعتهم، وهم بطبيعة حالهم يتعبون في إعدادها، بخلاف الكبار من أشياء مديري العموم الذين يذيعون ما تعده إداراتهم ومصالحهم من منشورات ومطبوعات. . أي أن الأجر يعطي على قدر العمل والقيمة عكساً: من جد وحبر فجزاؤه ثلاثة أو أربعة جنيهات، ومن أذاع منشورا مطبوعا واكثر من اللحن والخطأ كان له خمسة عشر جنيهات جزاء غير وفاق!

نعود بعد هذا الاستطراد إلى دار الكتب، فنقول إن مديرها رجل فاضل وهو أستاذ من رجال التربية والتعليم، ولم نعلم عنه أنه اشتغل بالدراسات المتصلة بالمؤلفات والدواوين التي يخرجها القسم الأدبي بالدار، فالذي يليق به أن يكتب للإذاعة - إذا رأت الإذاعة أن تستفيد من فنه - في التربية والتعليم أو علم النفس مثلا، فيكون ما يقدمه من إنتاجه الأصيل الذي يستحق المكافأة المادية التي تدخل جيبه الخاص. وفي الوقت نفسه يفسح لموظفي الدار المختصين بموضوعات تلك الأحاديث ليقدموا ما سال عرقهم فيه ويأخذوا م يستحقون عليه، ويتجوا للإذاعة شيئا من الاقتصاد الجائر! إذ تكسب فرق ما بين أجر الموظف الكبير والصغير. .

ثم نخلص من ذلك إلى وجهة عامة، فليس الأمر قاصرا على دار الكتب ومديرها، وإنما هي خطة إذاعية محكمة. . تسير عليها الإذاعة المصرية في استجلاب ما تسميه أحاديث رسمية، وهي أحاديث لا يهم أكثرها الجمهور، وكأنهم يعرفون ذلك ويعلمون أن الأجهزة تقفل وقت أحاديثهم فلا يهتمون بإجادتها وأن كانت الإذاعة تهتم بإجازتها. . نخلص إلى هذه الوجهة العامة لنتمنى أن تخلص الإذاعة من هذا الركود وتتجه إلى الاستقامة، فلا يكون همها موادة كبار الموظفين، بل تتجه إلى من تؤنس فيهم الكفاية والاهتمام بتقديم ما يفيد، من الأفراد، غير مراعية فيهم منصبا ولا درجة.

ومما يتصل بهذا الموضوع، هذا العدد الوفير من الأساتذة الجامعيين وبعض الصحفيين الذين يعلقون على الأخبار السياسية ويقولون أهم حوادث الأسبوع. . أساتذة إجلاء والسماء لامعة يحدثون الناس عما قرأه هؤلاء في الصحف أو وقعت أعينهم على عناوينه واختاروا الحسنى فلم يقرؤوه. . وأعجب العجب برنامج (أهم حوادث الأسبوع) لأن صاحبه المجدود يقول للمستمعين ما عرفوه منذ أسبوع. . وكل منهم يستطيع أن يقوله كما يقوله.

وكأني بأولئك الأساتذة لا يبذلون في أحاديثهم جهداً، لأنهم واقفون على طريقة الإذاعة في الإثابة العكسية على المجهود! وهم - لا شك - معذورون في عدم تقديم بضاعة مفيدة، لأن الإذاعة تطلب منهم ذاك النوع من الأحاديث، والإذاعة غالية وطلبها رخيص!

وموظفو الإذاعة المختصون بالأحاديث لهم نظر ثاقب. . وهو بأعينهم في كل عهد من عهود الحكم، إذ ينظرون إلى أنصار العهد الذي يكون حاضراً فيتقربون إليهم بطلب الأحاديث منهم وخاصة الصحفيين الموالين وفي هؤلاء الأنصار الموالين أساتذة يستفاد منهم، ولكن ليس هذا هو مقياس النظر الثاقب الذي لا يستطيع أن يمتد إلى هؤلاء الأساتذة في غير أوانهم. .

وبعد فأني اعلم إن معالي الدكتور حامد زكي وزير الدولة المختص بالإذاعة وسعادة كامل مرسي باشا مديرها بالنيابة، يهتمان بإصلاحها، ولكنني أراهما يجدان في تسيير الدفة والجرذان تقرض ألواح السفينة فتثقبها، والقصور الذاتي لا يزال يتحكم في اتجاهها.

مشكلة القراءة:

كتب الأستاذ محمد علي غريب في جريدة (الزمان) عن مشكلة القراءة أو ظاهرة الأعراض عن القراءة المتفشية في مصر بين (المتعلمين) الذين وصفهم بأنهم (الذين يصبحون بعد تخرجهم في المدارس اشد أمية من الجهلاء).

وقد تناول الأستاذ الموضوع من جانب عرض تلك الظاهرة بين الموظفين ومن إليهم ممن يقضون أوقاتهم في الجلوس على المقاهي ولعب النرد ويستهلكون تفكيرهم في تفهم منشورات العلاوات وحسبان الاقدميات، ولا يفكر أحدهم في أن يقضي وقته في رفقةعبقري موهوب يقدم على صفحات كتابه أشهى ما يملك، فيفسح من آفاق فكره ويزيد معارفه وينمي ثقافته ويعرف أن في الحياة ما هو أجل من الترقيات والعلاوات وقد احسن في تصوير هذه الناحية بقلمه الحي الرشيق - ومقالات الأستاذغريب هي (ركن الأدب) الحقيقي في (الزمان) ولكنه لم يتعرض لأسباب هذه الأزمة، بل اقترح تأليف لجنة لبحثها، قائلا: (ومع أنني لا أومن بفائدة اللجان الحكومية وجدواها؛ فما لي حيلة في قبول أن تؤلف لجنة لبحث هذا الموضوع - لماذا نكره القراءة؟)

وأنا اشد من الأستاذ غريب يأسا من مثل هذه اللجنة التي يقترحها، إذ أخشى أن تؤلف - إن الفت - ممن لا يقرؤون. . فالمشكلة كلها آتية من طريقة التعلم وملابساته، فالمناهج المزدحمة والامتحانات التي تتجه إلى الذاكرة ولا تكاد تهتم بالإدراك، وإرهاق التلاميذ والمدرسين - كل ذلك يبغض في الكتاب، إذ لا يكاد التلميذ ينتهي من (سخرة) الامتحانات حتى يلقي بالكتب وهو يشعر بالسعادة لتخلصه منها. وبغضه للكتاب المدرسي يجره إلى بغض جنس الكتاب. فلا مكان إذا لحب القراءة من نفسه.

ومن أكبر الخطر أن المشكلة واقعة أيضا بين المدرسين أنفسهم. . أولئك الذين يرجى منهم أن يبثوا حب القراءة والاطلاع في نفوس الطلاب لأنهم أيضا ضحية هذا النظام المدرسي، ومن تميل نفسه إلى القراءة منهم لا يجد لها فضلة من نشاط بعد أن يكد يومه في التحضير والتدريس والتصحيح. وكثير ممن يلون مناصب التعليم الكبيرة مروا بتلك الأطوار، وقد اصبحوا في شيء من الفراغ يمكنهم القراءة، ولكنهم لا يزالون على ما تعودوه. ومن هنا خشيتي أن تؤلف اللجنة ممن لا يقرؤون. وما احسبني في حاجة لأن أقول أن هذا الكلام لا ينطبق على الجميع، فبين رجال التعليم كثير من المثقفين الممتازين الذين كان لهم من أنفسهم وظروفهم الخاصة ما عصمهم من الداء الفاشي.

في كل مدرسة مكتبة، ولكن هذه المكتبة لعلها المكان الوحيد في المدرسة الذي يشكو الفراغ، فقل أن تجد طالبا يقصد إليها لاستعارة كتاب أو قراءة مجلة من المجلات الأدبية التي تشترك فيها الوزارة للمدرسة، وقل أن يدلف مدرس إلى المكتبة ليرى ما تحتويه من نفائس الكتب ولو كانت في المادة التي يدرسها وكثيراً ما تجد المجلات لا تزال في أغلفتها الملصقة، أما الكتب فهي في غاية النظافة وأن كان يعلوها بعض الغبار. أليست مكتبة المدرسة إذن جديرة بان يكتب عليها (هنا ترقد بنات الأفكار في مثواها الأخير؟) وإن كنا لا نطمع أن يمر بها أحد من التلاميذ والمدرسين ليقرأ الفاتحة. .

ويبدو أن حركة تعميم التعليم وتيسيره لجميع المواطنين غير ملائمة لعلاج تلك المشكلة، لما تستلزمه من الإكثار من التلاميذ في المدرسة، ولكني أرى أن اصل الداء في المناهج المزدحمة وفي الكتب المدرسية وكيفية الامتحان فيها، مما يضيق المجال أمام الكتاب العام الذي يجب أن يتخذه الناشئ بجانب الكتاب المدرسي، ذلك أيضا يغرس في نفوس الطلاب أن الكتاب ضرورة مدرسية امتحانية يحسن التخلص منها بعد الامتحان. وإرهاق المدرسين ليس بكبر الجدول فحسب، بل يأتي أكثره من طريقة الشرح والتلقين، والتدقيق غير المجدي في تصحيح الكراسات، أي من إلقاء العبء كله على المدرس وعدم إشراك الطالب وتعويده على التفكير والتحصيل بنفسه، والمدرس لا يفعل ذلك مختارا، بل يزاوله بدافع طريقة الامتحان ودافع (المفتش) الذي يحتاج وحده إلى مقال. .

عباس خضر