مجلة الرسالة/العدد 9/التجديد في الأدب
→ هذا العذاب. . . | مجلة الرسالة - العدد 9 التجديد في الأدب [[مؤلف:|]] |
فلسفة كانت ← |
بتاريخ: 15 - 05 - 1933 |
يناقش الدكتور عبد الوهاب عزام الأستاذ أحمد أمين في رأيه عن التجديد في الأدب، وقد دفعتني هذه المناقشة إلى إبداء رأي وذكر مناقشة، أما الرأي فهو: إن المعاجم اللغوية التي يقول الأستاذ أحمد أمين إن فيها (ألفاظا كثيرة ليس لها قيمة الا أنها أثرية تحفظ فيها كما تحفظ التحف في دار الآثار)، في هذه المعاجم ألفاظ كثيرة لها قيمة عظيمة عند من يحسن الأداء بها في مواقعها وكثير منها يؤدي لنا عن معان كنا نظن أن ليس لها في الألفاظ العربية ما يدل عليها، فالبحث عن هذه الألفاظ واستعمالها يزيد من غير شك في حيوية اللغة ونمائها، وقد فعل الدكتور محمد شرف والدكتور أحمد عيسى شيئاً من ذلك في معجمهما عن الحيوان والنبات، فكشفا في هذه القواميس عن ألفاظ عربية لنباتات وحيوانات كنا نستعمل عند الدلالة عليها أسماءها العلمية اللاتينية. وذلك لظننا خلو لغتنا من أسمائها.
وأما ما ذكره الأستاذ أحمد أمين من إلغاء هذه الألفاظ لأن الذوق العام للقراء لا يسيغها الآن، فأنا أظن بأن درجة المعرفة التي يصل إليها جمهور القراء ليست كافية للاعتبار والحكم على اللغة والكاتبين، والكاتب النافذ البصيرة له أن يقدم لهذا الجمهور القارئ ما يرى أنه مفيد من الألفاظ للإبانة عما يريد من معنى أو إحساس، ولو كان الجمهور القارئ لا يعرف هذه الألفاظ أو لا يسيغها ذوقه، ولكن المهم أن يقتصد في ذلك على الضروري المفيد ولا يتعمد الأِغراب.
هذا مع ملاحظة أن ما لا يسيغه ذوق الجمهور هو الأقلية من هذه الألفاظ المهجورة.
هذا عن رأيي، وأظنني فيه قريبا من الدكتور عزام وإن كنت أخالفه في بعض الشواهد التي أوردها في مقاله وفي بعض الآراء كذلك.
وأما عن المناقشة فقد جرت منذ شهور بيني وبين كاتب من كبار كتابنا المتحمسين لتبسيط اللغة، وكان يقول إن هذه الألفاظ الموجودة في القواميس هي مثل الزوائد والبقايا الأثرية في جسم الإنسان (كالزائدة الدودية وعجب الذنب مثلا) ويجب علينا طرحها لنكسب الوقت والسرعة، فقلت أنا، إن في هذه القواميس ألفاظا تؤدي لنا عن معان نتحير الآن في الأداء عنها بكلمة واحدة، فنعبر عنها بجملة أو سطر، فلو أننا استعملنا هذه الألفاظ وأشعناها لاكتفينا بلفظ واحد عن هذه الجملة أو السطر، فكسبنا بذلك الوقت والسرعة ولفظاً جديدا يزيد في لغتنا سعة، فقال: اذكر مثلا، قلت: أقرب مثل هو صديقك فلان الذي عرفتني به أخيرا، فقد لاحظت ان لون عينيه مختلف فله عين زرقاء والأخرى كحلاء. فلو أردت أن أذكر لك هذه الصفة فيه استعملت لها سطراً من الكلام، ولكني وجدت في القاموس كلمة واحدة تؤدي هذا المعنى كله وهي (أخيف) وهذه الكلمة نفسها تغنينا عن جملة أخرى، فإن الأبناء الذين هم من أم واحدة وأباء شتى يقال لهم (أخياف) فيمكنك في الأول أن تقول (فلان أخيف) بدل (فلان إحدى عينيه زرقاء والأخرى كحلاء) وفي الثاني (هؤلاء الاخوة أخياف) بدل (هؤلاء الاخوة من أم واحدة وآباء شتى)، وقد كسبنا بذلك الوقت والسرعة ولفظة جديدة، وهذه الكلمة لا أحد يقول (حتى الأستاذ أحمد أمين) إنها نافرة أو ثقيلة على الجيل الحاضر، وقد استعملها ابن زيدون في قطعة جميلة من شعره.
فقال صديقي الكاتب الكبير في صيغة التحدي والتهكم، إنك بذكر هذا اللفظ أطلت في الوقت وأضعفت من السرعة لأنك ستشرحها للقارئ بهذه المعاني التي ذكرتها، فكان خيراً لك وله لو انك اكتفيت بالشرح عن المشروح فلم تذكر اللفظ الواحد ثم تتبعه بجملة شارحة، فقلت أنا أولاً لا أسلم بضرورة الشرح فان القارئ واحد من أثنين، قارئ يقظ يقرأ ليفهم ويفتش عن كل كلمة ولا يكتفي بالفهم الإجمالي، وهذا القارئ عندما يجد هذه الكلمة (إذا لم يكن يعرفها) سيبحث عنها في القاموس حتى يعرفها، ومن المرجح انه بعد ذلك لن ينساها، وهذه وحدها فائدة أخرى، والقارئ الثاني يمر على الكلام مراً ويكتفي بالفهم الإجمالي، فهذا ليس يهمني أن أشرح له، ولعله هو أيضا لا يهتم لشرحي، وعلى فرض التسليم بضرورة الشرح لهذه الكلمة ومثلها، فان الشرح لن يكون الا بمقدار ما تشيع هذه الألفاظ وتعرف لجمهور القارئين وعند ذلك تترك وحدها فيفهمها القارئ ونكسب نحن وهو الوقت والسرعة وألفاظاً جديدة تزيد في لغتنا وتنميها، ثم ذكرت له بعضاً من الألفاظ والجمل استعملها هو بدءا وشرحها في أول ما استعملها وأصبحت الآن مفهومة لكل قارئ وشائعة على أقلام الكاتبين وألسنة الناطقين حتى كأنها تستعمل منذ مئات السنين.
ولعلنا نجد في المقالات القادمة للأستاذ أحمد أمين أننا فهمنا من كلامه غير ما يقصده هو، وعندئذ فنحن على وفاق، أو في (خلاف لفظي. . .) كما يقول الأصوليون.
محمود. ع. الشرقاوي. عالم من الأزهر