مجلة الرسالة/العدد 891/الأدب والفنّ في أسبوع
→ رسالة الشعر | مجلة الرسالة - العدد 891 الأدب والفنّ في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 31 - 07 - 1950 |
للأستاذ عباس خضر
بين صديقي وبيني أو بين الكفاية والوصولية:
أخي عباس. . .
آسف أن أكون في حديثي إليك عن من فضلك! - قد مسست سياستك الداخلية في بيتك. فأنت الذي جعلتني أتحدث لك عنها باهتمامك الظاهر بها وبأخبارها، وبتفصيلات اهتمامها بخطك. . . الخ، وإلا فإن بيني وبينها الآن حوالي 500 ميل، ولم يشفي حسنها ولا جسن تمريضها، بقدر ما شفتني نسمات فيها من نسمات مصر مشابه وروائح!
وأفرغ من هذا إلى تعليقك على رسالتي إليك. . . عن تلك الحفنة من (الباشوات) و (الكروش) وعن تلك (الحفنات) التي تحدثت عنها من الوصوليين الذين (يسيرون في ركابهم ويصهرون إليهم وغير ذلك من أساليب؛ فيكتالون ويستوفون، وهناك مئات من ذوي الكفايات يقعد بهم الحياء وتحتجنهم الكرامة فيهملون. . . وبذلك تحرم البلاد من خير أبنائها وأوفرهم حياء وكرامة، ويحرمون هم مما تلغ فيه الكلاب) كما تقول
أنا لا أومن بهذا (الحياء) الذي يقعد بأصحاب الكفايات عن بلوغ حقهم، وترك (الكلاب) تلغ في الاستثناءات وغير الاستثناءات.
بل أنا أشك في (كفاية) هذه الكفايات، التي ترى حقوقها تؤخذ وتعطي (للكلاب) من الوصوليين، ثم تتقبل ذلك راضية وتستنيم!
لو أن كل هذه الجموع من الموظفين وغير الموظفين، التي لا تملك صهرا إلى وزير أو كبير، ولا تملك الوسائل الأخرى التي لا يرضاها الرجل الشريف، والتي تقفز بأصحابها فوق الأمناء الشرفاء. . . أقول لو أن هذه الجموع كانت لها (كفايات) حقيقية، لما سكتت على هذا الفساد، ولما تركت هذه الوسائل الملتوية تعمل عملها في داخل الدواوين وخارجها.
إن الذي يسكت على حقه - خوفاً من غضب وزير أو رئيس - ويدع (الكلاب) تقفز فوق رأسه بالاستثناء أو بأية وسيلة أخرى، تنقصه أهم أنواع (الكفايات) وهي الشجاعة الأدبية.
لو أن كل صاحب حق من هؤلاء أسمع الوزير أو الكبير صوت غضبه لتخطيه، لما جرؤ وزير أو كبير على أن يمضي في طريقه إلى حد التبجح أحيانا بالمحسوبيات والاستثناءات.
لست أنكر أن كثيراً من هؤلاء الموظفين الأمناء الشرفاء المتواضعين الذين تقفز على رؤوسهم (الكلاب) يضطلعون بأعباء عائلية، ويخشون نقمة الوزراء والرؤساء، ويخافون على لقمة الخبز أن تؤخذ من أفواه أطفالهم ومن يعولون من آباء وأمهات وأقرباء. . . ذلك حق. . . ولكنه لا يبرر السكوت.
ماذا يملك الوزير الذي يرقى مائة في وزارته بالاستثناء، لو أن مئات الموظفين الآخرين أسمعوه صوت غضبهم على تصرفه المعيب؟
إنه لا يملك أن يرقيهم جميعاً بالاستثناء، ولا يملك كذلك أن يطردهم جميعاً من وزارته. ولكنه يملك أن يتعلم أن هؤلاء الموظفين في وزارته ليسوا (عبيداً) في ضيعته. أعني أنه يملك أن يكون أكثر (أدباً) ولو أنه وزير!
إنني لا أملك أن أسمي سياسة القفز بالوصوليين والمحاسيب والأصهار إلا (سوء أدب) منشؤه أن التربية السياسة للشعب لم تنضج بعد، ليستطيع أن (يربي) أصحاب السلطة فيه، كما ينبغي أن يكون!
وهكذا ترى أن هؤلاء الأمناء الشرفاء من الموظفين مسؤولون عما يناله الوصوليون المحظوظون. فليجربوا مرة أن (يؤدبوا) ذلك الرئيس الذي يتخطاهم، ولن يكلفهم هذا إلا أن يبلغوه صوتهم متضامنين.
وتقول: (من حقي أن أكون قرفان) من جانب حالتنا التي لا تسر
لست أحاول أن أمنعك من (القرف)! ولكني أحب أن يستحيل هذا (القرف) سخطاً. نحن في حاجة إلى السخط على أوضاعنا الحاضرة لا إلى (القرف) منها. فالسخط معناه أن ننفض أيدينا من يائسين.
وإذا آمنا بأن لنا رصيد من كنوز الطبيعة الأرضية ومن كنوز الطبيعة البشرية. على السواء وأن حفنة من (الباشوات) و (الكروش) هي التي تهمل ذلك كله وتقبله؛ فإنه يكون أمامنا أن نضع شيئاً، أن نجمع كل العناصر الساخطة المتيقظة لتنشئ سياسة جديدة. وليس من الضروري أن ننتظر الحلول الجاهزة من (موسكو) كما يحاول أحيانا بعض المخدوعين في موسكو. إن حلولنا يجب أن تنبت من بيئتنا وظروفنا يجب أن تدرس أولا واقعنا ثم نجد الحلول المحلية التي تناسبنا.
وأنا أؤكد لك ما أنا واثق به إلى حد العقيدة: إننا نملك حلولا أهدى وأقوم من الحلول الواردة من لندن أو واشنطون على السواء.
إننا نملك (العدالة الاجتماعية في الإسلام) وهي كفيلة بأن تنشئ لنا مجتمعا آخر غير هذا الذي نعيش فيه. مجتمعاً إسلامي متحضرا يؤمن بالسماء ويؤمن بالأرض، لا كما يحسب الجاهلون أن الدين تزهد وتقشف وتخل عن شؤون الأرض للمفسدين.
سان ديجو - كاليفورنيا
سيد قطب
جميل جداً يا أخي هذا الأسف الذي تبدأ به رسالتك. . . وأجمل منه هذا الذي سقته سببا يشبه الاعتذار. . . وهو اعتذار أجمل من (الذنب) فأنا الذي جعلتك تحدثني عن مس فرو باهتمامي بها و. . . الخ. وهذا الاهتمام وما بعده، من دواعي استتباب الأمن في بيتي! أليس كذلك يا رجل يا مكار. . .؟
ثم أليس يحملنا هذا على أن توقن بأن حسنها أو حسن تمريضها أو كلاهما، هو الذي شفاك؟ ولهذا تهتم بتصحيح لقبها، فهي (مس) لا (مسز). طيب يا سيدي. . . لعل لك في مصر من يسمع!
وأقصد بعد ذلك إلى الجد. أنت تنظر إلى موضوع الوصوليين من زاوية معينة، وهي نظرة سليمة من حيث هذه الزاوية، تنظر إلى جمهور الموظفين وغيرهم الذين يسامون الخسف ولا ينبسون فيهدرون حقوقهم بسكوتهم، ولعلك تعمل أن صنفا منهم وهم (الموظفون المنسيون) قد هبت زوجاتهم يطالبن بحقوقهم، فأنعكس الأمر وأصبح للرجال نساء يحمينهم ويزدن عن (الحريم) ولا شك أني لا أسمي هذا (حياء) ولا أصف أصحابه (بالكفاية) إنما أقصد ذوي الكفاية حقا الذين لا يتخطون لأنهم في وضعهم الرسمي العادي، ولكنهم يستحقون أن يتجاوزوه، ولكن أحد لا يقدرهم لأنهم لا يسيرون في ركاب ولا يتخذون سبباً آخر من أسباب الوصول المعروة، تمنعهم كراماتهم أن يصطنعوا ذلك، ويمنعهم حياؤهم أن يعلنوا عن كفايتهم، وهم لا يستطيعون أن يحتجوا بهذه الكفاية كما يحتج بالأقدمية مثلا أو بالشهادة، لأن الكفاية والجدارة والنبوغ وما إليها، أمور تلحظ فيمن يتصف بها ويمنع الحياء صاحبها أن يتقدم بها، إذ أيسر ما يقال له: دعي مغرور!
أولئك هم (كنوز الطبيعة البشرية) التي لا تحتاج إلى استخراج، لأنها ظاهرة لا يسترها إلا غبار المتسابقين من ذوي الوسائل الرخيصة، وهم الذين يعينيهم القانون حين ينص على أن كذا في المائة من الدرجات للاقدمية، وكذا للكفاية. ولكن (الكفاية) في التطبيق لها معان أخر لدى كبرائنا. . . إذ نرى أصحابها عندهم ممن يمتون أو ينفعون، وللنفع أساليب مختلفة. . .
هذا، وأنا يا أخي عندما تحب، عند السخط. . . ولم يكن (القرف) إلا تعبيراً مخففاً. وسلام عليك.
تطهير الإذاعة
يظهر أن معالي الدكتور حامد زكي وزير الدولة المختص بشئون الإذاعة لم يقصر اهتمامه على دور الإذاعة وإنشاء دار حديثة تجمعها، بل التفت التفاتا جديا إلى (من سكن الديارا) من أساطين الإذاعة المصرية الذين ظلوا يهيمنون عليها في السنوات الأخيرة رغم صيحات الرأي العام وشكوى الناس من الفوضى التي يعلنها (الميكروفون) صباح مساء. وهم قوم ليسوا من ذوي الثقافات الفنية الملائمة لشئون الإذاعة، إلى مسلكهم الشخصي في ادراتها من حيث تقديم (المحبين) والأقارب والأصهار في الوظائف وفي الاذاعات، حتى أصبح مقياس الكفاية في الإذاعة المصرية مقدار الصلة بالمتولين فيها ومقدار ما يرجونه أو يخشونه، وحتى تطور الحال إلى أن صار لبعض الفنانين والفنانات أنصار من أولئك المتولين. لم يقتصر الأمر على مساعدتهم الإيجابية بل تعدى إلى معاكسة الآخرين من أهل الفن الذين ينافسون المحظوظين المستأثرين بمودة المتولين، ويجري الآن تحقيق يتناول مسائل من هذا القبيل.
وليس مما يتهم به متولو الإذاعة - بطبيعة الحال - أن يستوعب برنامج الإذاعة أكبر عدد ممكن من ذوي المواهب الأدبية والفنية في البلاد، وقد يكون ذلك راجعاً إلى أنهم ليسوا من بيئات هذه المواهب ولا من أهل الحكم عليها، إذا فرضنا اجتهادهم في تحقيق الأغراض المنشودة، وأضرب مثلاً لذلك شاعراً كبيراً هو السيد حسن القاياتي عضو مجمع فؤاد الأول للغة العربية تقدم هذا الرجل - وهو من أعلام الأدب - إلى الإذاعة المصرية ببعض أشعاره لإذاعتها مبديا رغبته من أجر مادي لأنه مكتف بما عنده وليس من ذوي الأطماع المادية، فلم يعره أحد اهتماماً في الوقت الذي يأتون فيه بكل من يعرف القراءة من محبيهم ليقدم (قراءة أدبية) أي يقرأ في كتاب من كتب الأدب! فأصبح في الإذاعة نوع آخر من القراء إلى جانب قراء القرآن الكريم مع الفارق فيما يقرأ وفي أن الأخيرين يمتازون بالقراءات السبع!
فتح المدير العام للإذاعة الأستاذ محمد قاسم بك إجازة شهرين هو أسلوب يتبع مع كبار الموظفين غير المرغوب في استمرارهم في العمل، وقد طلب أن يمهل نحو خمسة عشر يوما قبل قيامه بالإجازة (لحلاوة الروح) فأجيب إلى طلبه، وقد انتهت هذه المدة، وبدأت الإجازة.
وهناك من يدعي (المراقب العام) الذي أستفحل أمره في ظل ذلك المدير، والذي أخذته العز بشخصية فنية كبيرة فأهان رجلا من رجال الموسيقى المعروفين، وبدرت مكن ألفاظ غير لائقة وأسندت إليه أمور أخرى، فأمر معالي الدكتور حامد زكي بإجراء التحقيق معه، وقد نشرت عدة صحف في (الاجتماعات) وبصيغة واحدة أن التحقيق يجري بناء على طلب المراقب. . . والنتيجة واحدة وهو أن التحقيق جار سواء أطلبه أم لم يطلبه، والطلب لا يقدم ولا يؤخر في الموضوع.
وبعد فهل آن أوان الإفساح لذوي القدرة على النهوض بالإذاعة المصرية لتكون لسان مصر الناهضة الزاخرة بعناصر الفن والثقافة؟ نرجو أن يكون ذلك.
عباس خضر