الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 889/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 889/رسالة الشعر

بتاريخ: 17 - 07 - 1950


محاورة:

بين ريح وشجيرة

للأستاذ إبراهيم محمد نجا

مرت الريح علىحقـ ... ل، وفي الحقل شجيره

فاستقرت عندها حيـ ... نا، وقالت بعد فترة:

يا ابنة الحقل انظريني ... تنظري في الحقل حره

ليس لي مثلك قيد ... أشتكي لله أسره

خبريني يا ابنة الليـ ... ل، ويا أخت النهار

خبريني أي نفع ... لك في هذا القرار؟

كيف ترضين بعار الـ ... قيد، أو ذل الإسار؟

لم لا تحيين مثلي ... حرة في كل دار؟

أنا أعلى منك شأناً ... أنا أسمى منك قدرا

هل يساوي العبد من عا ... ش مع الأيام حرا؟

والذي عاش اختيارا ... دونه من عاش قسرا

إن للخالق في رفـ ... عة يعض الخالق سرا

أنا أطوي الكون براً ... وأنا أطويه بحرا

وأنا أصعد حتى ... ترجع الأبصار حسرى

ولقد أهبط حتى ... لا يرى غيري مقرا

إن هذا الكون داري ... وأنا بالدار أدري

أنا أمضي كيفا شئـ ... ت يمينا أو شمالا

ولقد أمضي جنوبا ... ولقد أمضي شمالا

ولقد أعصف حتى ... يرجف العصف الجبالا

ولقد أسري فما يو ... قظ مسراي الرم إنني أسري مع الليـ ... ل، ولا أخشى الظلاما

إنني أمشي على السهـ ... ل، وأجتاز الأكاما

كم تخذت الروض دارا ... وذرى البيد مقاما

غير أني لم أقم في ... موضع إلا لماما

إنني أحيا كما أهـ ... وى، وتحيين سجينه

أملأ الكون غناء ... بينما أنت حزينه

وقريباً سوف تطويـ ... ك يد الموت المكينه

ثم ماذا؟ ثم تبقـ ... ين مدى الدهر دفينة

هكذا حالي: غناء ... وانطلاق وبقاء

بينما حالك: صمت ... وقيود وفناء

إنني والله أرثي ... لك، لو يجدي الرثاء!

فاذرفي الدمع على حا ... لك، لو يجدي البكاء!

قالت الخضراء بنت الـ ... حقل في صوت رزين:

يا ابنة الآفاق يا حيـ ... رى بآفاق السنين

انظري حالك إن كنـ ... ت لحالي تأسفين

واذرفي الدمع على نفـ ... سك، لو يجدي الأنين،

إنني أحيا هنا في ... ذلك الحقل أميره

ليس يؤذيني عناء السير ... في الدنيا الكبيرة

كل ما أبغيه يأتي ... من يد الله القديرة

إن يكن ذلك أسراً ... فانأ نعم الأسيرة!

إن طلبت الماء لي ... رغبتي ماء السماء

أو أدرت النور حيتـ ... ني تباشير الضياء

أو رغبت الظل ذاب ... النور في ظل المساء

فلي الري الذي أهـ ... وى، ولي خير الغذاء

إنني نفع لغيري ... كسنا الشمس المنير فأنا أنشر ظلي ... وارفا وقت الهجير

فينام المتعب الحران في ظلي الكبير

وتغني الطير أسرا ... باً على شط الغدير

إنني ظل ظليل ... وثمار مشتهاة

أنا عش الطير تقضي ... فيه أيام الحياة

وأنا أحيا بدنيا ... ي كما شاء الإله

إن يكن ذلك قيدا ... ليس لي قيد سواه

عاندي الأقدار إن لم ... يك هذا مستحيلا!

فإذا اختارت سبيلا ... لك، فاختاري سبيلا!

وإذا شاءتك إعصا ... را، فكوني سلسبيلا!

وأقيمي في ظلالي ... حين تبقيك الرحيلا!

إن هذا الكون سجن=مترامي الجنبات

حاولي أن تخرجي منـ ... هـ إلى يوم الممات

أخرجي من أي باب ... قام في أي الجهات

أخرجي إن لم تكوني ... مثل باقي الكائنات

أنت في القيد، ولكن ... رب قيد غير ظاهره

رب قيد كان سرا ... بين أعماق السرائر

لا نره نحن بالأبـ ... صار لكن بالبصائر

فانظري قيدك يا حرة، يا بنت الحرائر!

صدقيني نحن في القيـ ... د، وفي الأسر سواء

كلنا نحيا لغايا ... ت أرادتها السماء

قد جهلناها فعشنا ... مثلما شاء القضاء

هكذا نحيا! ونمضي ... حينما يأتي الفناء

لا تقولي شأنك الخلـ ... د، وشأني للزوال

فأنا في الحقل أحيا ... منذ أعوام طوال وسأمضي عنه يوما ... لمصيري ومآلي

فإذا بي أتجلى ... للورى في غير حالي

فأنا العرش معدا ... لمليك أو أمير

وأنا الكرسي في غر ... فة منبوذ فقير

وأنا القصر الذي يعـ ... لو على كل القصور

وأنا الكوخ الذي يخـ ... شع ما بين القبور

وأنا عكازة الأعـ ... مى التي تهدي خطاه

إنها تهديه لكن ... لا يراها أو تراه

وأنا في بعض حالي ... صولجان في حلاه

فاسألي الأعمى أيغـ ... ني صولجان عن عصاه؟

وأنا المهد الذي يحـ ... مل أطفال الوجود

وأنا النعش الذي يمـ ... ضي بأبناء اللحود

وأنا العود الذي في ... عطره عطر الخلود

وأنا العود الذي يلـ ... قي لنيران الوقود

وأنا النار التي في ... طيها روح الحياة

وأنا في طيها النو ... ر مبيد الظلمات

وأنا الزورق يجري ... فوق نهر أو قناة

وأنا الطنبور يجري ... فيه ماء القنوات

وأنا أشياء أخرى ... لست أحصيها بيانا

غير أني لست خيرا ... منك، أو أسمى مكانا

فكلانا قالت الأقـ_دار كن شيئاً، فكانا

وكما شاءت له يحـ ... يا عزيزاً أو مهانا

إن هذا الكون لحن ... نحن فيه نغمات

إنه بحر رحيب ... نحن فيه قطرات

إنه قلب كبير ... نحن فيه خفقات وطريق عبرته ... قبلنا تلك الرفات

فاتركي الفخر، فما بالـ ... فخر يعلى المرء قدره

ودعي الكبر الذي ينـ ... فث في قلبك شره

وانظري الزهر الذي يـ ... كب في روحك عطره

واعرفي أمرك، فالعا ... قل من يعرف أمره

أطرقت من خزينها الر ... يح، وقالت في حياء

سامحيني يا ابنة الحقـ ... ل؛ فقد نلت جزائي

لم أكن أدري بما تد ... رين من سر البقاء

وكشفت الستر عن جهـ ... لي، فماتت كبريائي

سوف أمضي عنك يا أخـ ... تي، فقد حان الذهاب

فاعذريني واذكريني ... كلما طال الغياب

واعرفي أنك في قلـ ... بي ثناء مستطاب

ووداعا، ثم ألقا ... ك إذا حان الإياب

إبراهيم محمد نجا